[ هنادي ... طفلة تلد طفلاً ]
هكذا كانت نهاية الجزء الأول من فصول حياتها الأكثر وجعاً، فقد بدأ أول فصول حياتها برحيل والدها الناشط الحقوقي علي طالب الوصابي، الذي قتل في الـ 11 من أبريل 2013م, تاركاً خلفه ستة أيتام، ثلاثة ذكور وبنتان وهنادي الثالثة وأم لا حول لها ولا قوة, تصبح وتمسي على استجداء طعام أولادها من الناس.
أصبحت هنادي يتيمة الأب في الـ 11 من عمرها وما زالت دموعها وصوت نحيبها على والدها في ذاكرتي إلى اليوم وذاكرة كل من شاهد قضية مقتل والدها على برنامج صدى الأسبوع قناة السعيدة.
عامان من اليتم مرت ليبدأ الفصل الثاني من مأساة هنادي وهي في الثالثة عشرة من عمرها، فقد كان الفقر والعوز ينتظرها في إحدى منعطفات طفولتها ليقذف بها إلى عالم آخر لم تتهيأ له بعد، فهناك الكثير من بقايا الألعاب والدمى التي جمعتها من أكوام القمامات تشغل خلدها الصغير.
الطفلة "هنادي" تم تزويجها على أحد أقارب والدتها بثمن بخس حاجة في دراهم معدودة، وكانت هنادي الزوجة الثانية.
أصبحت "هنادي" الطفلة المتزوجة برجل يكبرها بعشرين عاماً متزوج من قبلها ولديه أربع بنات، يومين فقط من قتل طفولتها ليبدأ فصل مؤلم داخل الفصل الثاني من قصتها المأساوية وتظهر منعطفات أليمة في حياة هذه الطفلة اليتيمة.
يومان فقط من زواجها التعيس لتعيش شهري عسل مرا بطريقة المعاناة والعذاب والإتجار بالبشر، فقد أخذها برفقة زوجته الأخرى وبناته الأربع ووالده واتجه بهم إلى أقصى شمال اليمن، ومن هناك إلى الجبال بين اليمن والسعودية.
شهرا عسل مريران قضتهما هنادي مشياً على الأقدام مع من كانت تعتقد أنه زوجها، ولكم أن تتخيلوا تفاصيل جبالها وبراريها ولكم أن تتخيلوا حجم المعاناة والجوع والعطش، ولكم أن تتخيلوا قدميها الصغيرتين المنهكتين من المشي.
تقول "هنادي" كان زوجي يجبرني على حمل دبة الماء (20 لترا) فوق رأسي وأنا صغيرة لا أستطيع حملها وتارة أحمل إحدى بناته الصغيرات.
كانت تعتقد "هنادي" أنها ذاهبة إلى الغربة لترتاح مع زوجها ومسألة التسول لا جدال فيها، لكنها لم تكن تعلم أنها ستتعرض للضرب والإهانات من قبل زوجها ووالد زوجها.
تضيف هنادي "كنت إذا رجعت من الجولات وفي يدي سبعمئة ريال أو ألف ريال سعودي يبتسم في وجهي، وإذا كانت الفلوس أقل من ذلك لا أنام إلا وقد أشبعني ضرباً هو ووالده".
ثلاث سنوات من كفاح هذه الطفلة في "إشارات الرياض" (الشوارع والدوارات) تجمع المال وتعود به إلى زوجها، إلا أنها كانت تخفي القليل من المال وتستعين بأحد اليمنين هناك لإرساله إلى والدتها، وبعد أن اكتشف زوجها أنها ترسل من محصولها إلى والدتها واخوتها، ذهب بها بكل وقاحة إلى القاضي ليخيرها بينه وبين والدتها.
تقول هنادي "قلت لهم أريد زوجي وأريد أن أرسل لوالدتي، فلدي أخوة أيتام، إلا أنه صمم على أن أختار إما هو أو والدتها"، فاخترت والدتي"، فقد تجرعت الكثير من الألم والوجع والضرب المبرح.
ولأن زوجها قام بتحسين وضعهم جميعاً وحصلوا على إقامة زائر أثناء الفرصة التي منحتها السعودية للمجهولين، فقد قام بتسليم إقامتها للشرطة وقامت الشرطة بإيداعها سجن الترحيل، وبعد أشهر تم ترحيلها إلى منفذ الوديعة.
150ريالا سعوديا كانت بحوزتها أثناء وصولها الوديعة، وهناك تعرفت على بعض الفتيات المهمشات المرحلات وكان بينهن مجموعة من محافظة إب فغادرت معهن إلى مدينة إب.
عادت "هنادي" إلى منزل والدها في حوش جامعة إب، غادرته طفلة وعادة طفلة تحمل في إحشائها طفلاً، عادت مخلفة ورائها ثلاث سنوات عجاف.
ثلاث سنوات من اليتم والقهر والعذاب والضرب والتسول بين إشارة الرياض.
عادت قبل ثلاثة أشهر، وها هي اليوم تضع طفلها الذي اثأسمته "علي" كما كان اسم والدها الشهيد علي طالب.
وضعته ولا يوجد ثمة في ثديها ليرضع وهل يرضع الطفل من طفلة.
"هنادي" وضعت طفلها ولا تجد حتى ثمن العلاج الذي تقرر لها بعد الولادة.