[ يمنيون يتلقون مساعدات غذائية ]
المساعدات المقدّمة من منظمات إنسانية غير كافية للعدد الهائل من النازحين اليمنيين الذين يُحرم كثيرون منهم من المعونات والسلال الغذائية التي تقدّمها تلك الجهات الإغاثية الدولية والمحلية.
"لا أعرف لماذا حذفوا اسمي ولم يحضروا لي مساعدات مثل بقيّة النازحين، وأنا من الذين يحتاجون إليها. مساعدات كثيرة تذهب إلى يمنيين غير نازحين، ونحن أحقّ بها". هكذا يحتجّ عثمان سلام على عدم حصوله على المعونات التي توزّعها منظمات دولية ومحلية على المتضررين من الحرب الدائرة في اليمن.
كثيرون هم النازحون وغيرهم الذين يشكون من شطب أسمائهم من كشوفات المساعدات الإنسانية التي تقدّمها منظمات إغاثية، ومن عدم وصول مساعدات إلى مناطقهم، الأمر الذي يزيد من معاناتهم. ويقول سلام لـ"العربي الجديد": "كانوا قد سجّلوا اسمي في قائمة المساعدات، لكنّهم عادوا وشطبوه ولم أستلم أيّ شيء ولا مرّة واحدة، على الرغم من أنّني أهل لذلك وعلى الرغم من أنّ بعض الذين استلموا معونات لا يستحقونها".
ويشير سلام إلى أنّه نزح من تعز إلى صنعاء منذ بداية الحرب في البلاد، لأنّ منزله يقع في مناطق المواجهات المسلحة.
بحث عن مساعدات
وفي خضمّ الحرب، وجد يمنيون كثر أنفسهم مطالبين بخوض تجربة جديدة لتأمين لقمة عيشهم من خلال البحث عن مساعدات تقدّمها المنظمات، في حين يُصار إلى المتاجرة بمعاناتهم من قبل سماسرة جعلوا هؤلاء البؤساء يعيشون حياة أشبه بجحيم.
في صنعاء، استبشر النازحون خيراً بصرف الحصص الغذائية الشهرية المقدّمة من المنظمات الدولية الإغاثية، غير أنّ ذلك لم يستمرّ طويلاً، إذ فوجئ كثيرون منهم بمصادرة حصصهم وشطب أسمائهم من الكشوفات في الوقت الذي هم في أشدّ الحاجة إليها.
محمد علي من هؤلاء الذين فوجئوا بشطب أسمائهم من قائمة المساعدات التي تقدمها إحدى المنظمات الدولية عبر منظمة محلية.
يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأمر كان صادماً بالنسبة إليّ، إذ أنا وأفراد أسرتي نعتمد على تلك المساعدات. فنحن لا نملك شيئاً هنا، والأوضاع التي يعيشها الواحد منّا بسبب الحرب صعبة، إذ لا يجد من يعينه ولا من يهتم به أو يقدّم له معونة ما". ويشير إلى أنّ "المعونات تُوزَّع عشوائياً وبطريقة غير عادلة، فلا يستفيد منها مستحقوها الفعليون".
يضيف علي أنّه "على الرغم من أنّني مسجّل في كشوفات النازحين منذ عامَين، فإنّني لم أستلم مساعدة الإيواء كغيري من النازحين. الجهات المشرفة على التوزيع لم تراعِ أوضاع النازحين، ولا أدري ما هي المشكلة؟ هل هو استهداف لنا أو أنّ أسماءنا سقطت سهواً، أم أنّ الإجراءات الروتينية ضيّعت حقنا؟".
ويتابع أنّ "مساعدات كثيرة تذهب إلى مناطق ريفية في محيط صنعاء أو في محافظات أخرى، على الرغم من أنّ أوضاع سكان تلك المناطق أقلّ سوءاً من غيرهم. هؤلاء لديهم مصادر دخل ويعيشون في منازلهم، أمّا نحن فمشرّدون ولا نملك شيئاً".
صراع من أجل البقاء
يُختصَر وضع النازحين في اليمن بأنّه صراع من أجل البقاء. فالغذاء والمياه والمأوى احتياجات ذات أولوية بالنسبة إلى هؤلاء الذين أُجبروا على الفرار من مناطق النزاع بحثاً عن الأمان في مناطق أخرى.
ويروون قصصاً متشابهة بشأن التلاعب بالأسماء وعدم التوزيع العادل للإغاثات المقدّمة من المنظمات الدولية. يحيى مثنى، نازح من محافظة تعز، يعاني نتيجة عدم البتّ في إضافة اسمه في كشوفات المستحقين للمعونات الشهرية، فيقول لـ"العربي الجديد": "خمسة أشهر وأنا أنتظر لجنة المسح الميداني للنازحين ورفع أسماء المستحقين، لكنّ اللجنة لم تحضر حتى اليوم، على الرغم من أنّني أتابع الأمر عبر المكتب المعني وقد عبأت الاستمارة المطلوبة في حين وُعِدت مراراً بأن أحصل على مساعدات، لكن من دون جدوى".
ويشير مثنى إلى أنّه يحتاج فقط إلى "ما يساعدني على العيش بكرامة إلى حين عودتي إلى منزلي بعد انتهاء الحرب والحصار على تعز"، متهماً بعض القائمين على العملية الإغاثية بممارسة المحسوبية في أثناء توزيعهم للمساعدات. يضيف أنّ "كثيرين من النازحين في صنعاء هم من محافظة تعز، وأنّ ثمّة تعاملاً غير إنساني معهم وهم يتعرّضون للتهميش وعدم الاهتمام بعكس النازحين من محافظات أخرى مثل صعدة وحجة".
تلاعب بالأسماء
ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى أحمد قائد، فهو يهاجم الوحدة التنفيذية للنازحين التي تقدّم المساعدات إلى "وسطاء لا يلتزمون بإيصالها إلى المستحقين". يقول لـ"العربي الجديد": "كنّا ننظر إلى المنظمات الإنسانية والجهات المعنية بالنازحين كملائكة رحمة، لكنّنا فوجئنا بحزمة من القرارات بدّدت أحلامنا وزادت من حالة البؤس لدينا".
ويخبر أنّه "بعد نزوحي وأسرتي إلى صنعاء قبل عام ونصف العام بسبب الحرب في تعز، استطعت وبعد متابعة وجهد إضافة اسمي إلى كشف المساعدات، لكنّه حُذِف، واليوم لا أحصل على شيء بسبب التلاعب بالمعونات. فالوحدة التنفيذية للنازحين تعمل بمعايير انتقائية، وترفع أسماء معيّنة بعدما منعت المنظمات من تسجيل النازحين مباشرة وتقديم أيّ مساعدات خاصة بالإيواء أو الغذاء إلا بعد موافقتها وبحسب الكشوفات المعتمدة منها". يضيف قائد أنّه كغيره من اليمنيين، يسمع عبر وسائل الإعلام عن تقديم الدول مساعدات لليمنيين، "لكنّني لم أنل شيئاً من هذه المساعدات منذ ثلاث سنوات. فهي تذهب إلى من لا يستحقها".
من جهتها، تحصل مريم شوعي، وهي نازحة إلى منطقة نهم التابعة لمحافظة صنعاء، على مساعدات بين الحين والآخر، لكنّها تشكو من "التلاعب بالأسماء وعدم إشعار المستفيدين بموعد التوزيع للمساعدات".
وتقول لـ"العربي الجديد": "لا توجد مراكز توزيع ثابتة ومعروفة لصرف المساعدات. ففي كلّ شهر، يصير مكان التوزيع في مدرسة جديدة، الأمر الذي يصعّب البحث عن المكان.
وثمّة كثيرون لا تصلهم الرسائل الخاصة حول موعد التوزيع ومكانه، فتضيع حقوقهم". وتتهم شوعي مدراء المدارس حيث تُوزَّع المساعدات بأنّهم "يتعمّدون تأخير الصرف والمماطلة ويمارسون أسلوب التطفيش للناس حتى يتبقّى لهم عدد كبير من الحصص الغذائية فيوزّعونها على أقاربهم، أو يبيعونها ويتقاسمون قيمتها مع اللجنة المختصة بحجّة عدم حضور النازحين".
شروط واستنسابية
في السياق، يقول مصدر محلي لـ"العربي الجديد"، وهو عضو في إحدى لجان مساعدة النازحين في مديرية التحرير في صنعاء، إنّ "النازحين يفرّون في العادة في ظروف استثنائية صعبة من دون أن يتسنّى لهم حمل أمتعة أو أغذية أو وثائق رسمية. لذلك تتوجّب مساعدتهم بكلّ شيء ممكن".
ويشير المصدر إلى "تسجيل نحو 150 أسرة نازحة، لكنّ الرفع وللأسف لا يشمل إلا نحو 25 أسرة فقط في حين تُشطب تلك الباقية".
يضيف أنّ "عوائق كثيرة توضع أمام النازحين، خصوصاً الوافدين من تعز، فتُطلَب منهم رسائل تعريف من عاقل الحيّ ومن أعضاء في المجلس المحلي بالإضافة إلى شهادات ميلاد الأطفال ونسخة عن عقد الزواج ونسخ عن فواتير الكهرباء والماء لإثبات ملكية النازح لمنزل في تعز.
كذلك يتوجّب أن تكون الهوية الشخصية صادرة من المحافظة نفسها". لكنّ المصدر يؤكد أنّ "ثمّة أسماء تُشطب على الرغم من توفير كلّ الوثائق المطلوبة، بالتالي لا تحصل على أيّ مساعدات".
إلى ذلك، لفتت إحصائية حديثة صادرة عن الوحدة التنفيذية للنازحين الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إلى أنّ أكثر من 52 ألف أسرة نازحة وفدت إلى صنعاء من 13 محافظة يمنية تتصدّرها محافظتَا صعدة وتعز. وبحسب الإحصائية، فإنّ 29 ألفاً و800 أسرة هي من دون مواد خاصة بالإيواء، في حين أنّ 32 ألف شخص مصابون بأمراض مزمنة وأخرى بسبب النزوح.
تجدر الإشارة إلى أنّ أقلّ موجات نزوح سُجّلت في عام 2017، بعدما كان عدد النازحين قد بلغ في عام 2016 نحو 3.2 ملايين شخص.
وبحسب تقرير الاحتياجات الإنسانية في اليمن لعام 2018 الصادر عن عدد من المنظمات، فإنّ ملايين اليمنيين في حاجة إلى مساعدات إنسانية لضمان بقائهم على قيد الحياة. فثمّة 17.8 مليون شخص تقريباً يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و16 مليوناً يفتقرون إلى المياه المأمونة وخدمات الصرف الصحي، و16.4 مليوناً يفتقرون إلى الرعاية الصحية الكافية. وقد ازدادت الاحتياجات حدّة في كلّ أنحاء البلاد منذ يونيو/ حزيران 2017، إذ أصبح 11.3 مليون شخص في حاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية من أجل البقاء على قيد الحياة، وهذا يمثّل زيادة بنسبة 15 في المائة خلال النصف الأول من عام 2017 المنصرم.