[ لم يعرف عن أماكن دفن جثامين قيادات يمنية سابقة - أرشيفية ]
طويت صفحة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وثار الجدل وتضاربت المعلومات حول مكان دفن جثته مع عدد من رفاقه، الذين لم يعرف مصيرهم حتى اللحظة.
وبعد أيام من التكهنات ظهر ياسر العواضي القيادي في حزب صالح وهو الآخر ظل مصيره غامضا لأيام، ثم أطل من تويتر وقال في تغريدة له إنه تم دفن صالح دون الإشارة إلى مكان الدفن ودون نشر أي صور.
ولم يتم دفن أي من رفقاء صالح الذين قتلوا مؤخرا بشكل علني عدا أمين عام الحزب عارف الزوكا، الذي سلمت جثته "لمشائخ" ونقلت إلى شبوة، في حين لا يزال مصير نجل شقيق صالح (طارق محمد صالح) مجهولا مع عدد من أولاد صالح صغار السن.
ويدير التاريخ دورته، فقد كان صالح أحد قادة اليمن الذين كان لهم اليد الطولى في إخفاء جثامين المناوئين له منذ تولى الحكم، ابتداء بجثامين قادة انقلاب 1978 وحتى قادة حرب صعدة.
جثامين قادة الانقلاب الناصري
ومع مقتل الرئيس صالح يختفي ملف غامض ظل ذوو ضحاياه يطالبون لثلاثة عقود ونصف بكشف أسراره، ذلك هو ملف القادة الناصريين الذين خططوا لعملية الانقلاب على صالح بعد أشهر من تسلمه السلطة في 1978، حيث فشل الانقلاب في لحظاته الأخيرة وتم القبض على قرابة الـ40 شخصية من المخططين للعملية.
وحوكم المخططون للانقلاب بقيادة أمين عام التنظيم الناصري عيسى محمد سيف، والأمين العام المساعد سالم محمد السقاف الذي كان نائبا لمدير مكتب رئيس الجمهورية، وكذلك عبدالسلام مقبل وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، و17 شخصية عسكرية ومدنية أخرى.
وحكم بالإعدام على 20 شخصية وأخفيت جثامينهم حتى اليوم، ومع رحيل صالح يمكن أن يطوى الملف نهائيا دون معرفة أماكن دفنهم.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد تمت ملاحقة عشرات الأسماء طوال عقدين واختفت أكثر من ثلاثين شخصية سياسية بينهم قادة عسكريون وسياسيون، ولا أحد يعرف مصيرهم حتى اللحظة.
قادة الجنوب
في الجنوب اختفت أيضا جثامين قادة كان من بينهم رؤساء وزراء وقادة سياسيون.
ويعد قحطان الشعبي أول رئيس للجمهورية بعد الاستقلال عن الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن، وتولى الرئاسة لعامين وقدم استقالته مجبرا من الحكم عام 1969، لكنه ظل في سجون النظام الذي تلاه حتى 1981، حيث توفي في سجنه.
وأخفيت جثة أول رئيس للوزراء فيصل عبد اللطيف الشعبي، إلى اليوم، منذ مقتله وهو في سجن (الفتح) في مدينة التواهي بعدن.
ويعتبر فيصل الشعبي مؤسس حركة القوميين العرب في اليمن التي تأسست عام 1956م كفرع لحركة القوميين العرب في بيروت بزعامة المناضل الفلسطيني جورج حبش، ثم تحولت الحركة إلى مسمى (الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل)، وكان الشعبي أبرز قادة الجبهة وأول رئيس حكومة بعد الاستقلال ووزير خارجية.
وعقب الانقلاب على الرئيس قحطان الشعبي في 1969 اعتقل فيصل مع عدد من رفاقه وزج به في السجن وتمت تصفيته في الزنزانة في فبراير 1970 وأخفيت جثته حتى اليوم.
ومثله أيضا رفيقه علي عبدالعليم أحد أبرز قيادات الجبهة القومية والذي تم إعدامه في زنزانته في أكتوبر عام 1970 بعد محاكمة وصفت في المراجع التاريخية بالصورية.
سالمين وما بعده
وتولى سالم ربيع علي الملقب بـ"سالمين" الرئاسة في الجنوب عام 1969 عقب الانقلاب على قحطان الشعبي، واستمر حتى 1978 في أطول فترة رئاسة لرئيس جنوبي، لكن نهايته كانت أبشع من نهاية خلفه.
ودبر رفاقه عملية انقلابية له عقب اغتيال رئيس اليمن الشمالي بساعات، واتهم بترتيب اغتيال رئيس الشمال حسين الغشمي.
واعتقل سالمين وتمت محاكمته التي وصفت بالصورية، أيضا، وأعدم وأخفيت جثته حتى اللحظة، ليكون المصير مشابها لمصير فيصل الشعبي ورفاقه.
وتوالت الصراعات بين رفقاء النضال في الجبهة القومية التي أصبحت في عام 1978 الحزب الاشتراكي اليمني وهو الحاكم الوحيد لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي).
وانفجر صراع دام بين فصائل الحزب في 1986 وقتل عدد من القادة العسكريين والحزبيين، كان أبرزهم الزعيم الاشتراكي عبدالفتاح إسماعيل أمين عام الحزب منذ تأسيسه في عام 1978 حتى 1980.
وكان منصب الأمين العام يعتبر كمنصب رئيس الجمهورية كون الحزب الاشتراكي هو الحزب الوحيد والحاكم أيامها.
وأطلق الحارس الشخصي للرئيس علي ناصر محمد النار على عبدالفتاح إسماعيل وعدد من الوزراء والقادة، وانفجرت المواجهات العسكرية المعروفة بـ"أحداث 13 يناير" عام 1986 في عدن.
واختفى عبدالفتاح إسماعيل وجثته منذ ذلك التاريخ حتى اليوم وأصبح الحديث عنه بمثابة أسطورة.
وبعد اختفاء عبدالفتاح ومعارك 1986 التي راح ضحيتها الآلاف بينهم المئات من القيادات السياسية والعسكرية كان أحد أبرز الأسماء في المشهد السياسي صالح منصر السيلي الذي تولى منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية في مرحلة ما بعد يناير 1986.
وظل السيلي في منصبه حتى قيام دولة الوحدة في 22 مايو 1990م فشغل منصب نائب رئيس الوزراء وزير شؤون المغتربين في أول مجلس وزراء لدولة الوحدة اليمنية برئاسة حيدر أبوبكر العطاس، وذلك لمدة عامين ونيف.
صدر بعد ذلك قرار رئاسي بتعيينه محافظا لعدن واستمر يمارس مهام منصبه حتى انفجار الأوضاع في صيف 1994م بين الشريكين الصانعين للوحدة.
وعقب انتصار القوات الشمالية اختفى أثر السيلي حتى اللحظة ولم يعرف مصيره مطلقا.
آخر الجثث المخفية كانت جثة حسين الحوثي مؤسس جماعة الحوثيين وشقيق عبدالملك الحوثي حيث اختفت جثته لمدة تسعة أعوام وكشف عن مصيرها أثناء انعقاد مؤتمر الحوار الوطني في 2013.
وقتل حسين الحوثي في 2004 في صعدة وانتهت الحرب الأولى بين الدولة والحوثي بمقتله وهو المؤسس للجماعة الحوثية، وتسلم زمام قيادة الجماعة بعده شقيقه عبدالملك الذي أنجز رحلة الثأر لشقيقه ولوالده الذي قتل هو الآخر في عملية غامضة.
وظهرت جثة الحوثي في أحد أسوار سجون العاصمة صنعاء وتم تسليم الرفات لشقيقه ونقل إلى صعدة.
ورتبت له جنازة باذخة وبني له ضريح أشبه بأضرحة بلاد فارس وعلى ذات النسق لكن طيران التحالف قصف الضريح ضمن عملياته العسكرية في 2015.
إضافة إلى هذه القوائم والأحداث فإن هناك مئات الجثث المخفية من الأسماء التي لم تبرز إلى المشهد السياسي، لكنها كانت ضحية لكل هذه الصراعات التي شهدتها اليمن شمالا وجنوبا منذ قيام الجمهورية في الشمال في العام 1962 والتحرر من الاستعمار في الجنوب عام 1967.