[ الإستراتيجية الإماراتية السعودية في اليمن لم تتأثر بالرهان المؤقت على التجمع اليمني للإصلاح ]
يقرأ مراقبون في التصريحات التي نقلتها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية عن الأمين العام لحزب التجمع اليمني للإصلاح عبد الوهاب الآنسي، استمرارا في الإستراتيجية الإماراتية السعودية بالرهان على جناح الرئيس السابق علي عبد الله صالح في حزب المؤتمر الشعبي، مع صعود الانفصاليين في جنوب اليمن.
ونقلت نيويورك تايمز عن الآنسي تأكيده أن وليي عهد السعودية محمد بن سلمان وأبو ظبي محمد بن زايد، طلبا منه تشكيل تحالف مع من تبقى من حزب المؤتمر الشعبي في صنعاء ضد الحوثيين، واصفا اللقاء الأول من نوعه بأنه "كان نقطة تحول".
لكن كلمة السر -بحسب مصادر يمنية تحدثت للجزيرة نت- في حديث الآنسي، كانت اعتباره أن "الوقت مربك، وأن التواصل مع هذه القيادات صعب ويحتاج لوقت طويل".
وقرأ مصدر يمني في الإشارة الأخيرة أنها تعبّر عن عدم وجود حماس كبير لدى الإصلاح للسير في وصفة التواصل مع الجناح المحسوب على صالح، ولا سيما أن الحزب حسم رهانه بالتحالف مع الرئيس الشرعي لحزب المؤتمر الشعبي رئيس الدولة عبد ربه منصور هادي.
سببان رئيسيان
وبرأي المصدر فإن هناك سببين يقفان وراء الرغبة السعودية الإماراتية لدفع الإصلاح للتحالف مع الجناح المحسوب على الرئيس الراحل علي صالح.
الأول أن هذا الجناح من المؤتمر كبير جدا، ولا يزال يرفض لأسباب عديدة التعامل مع قيادة عبد ربه منصور هادي للمؤتمر ورئاسة الدولة.
والثاني اعتراف الدولتين بالوقائع على الأرض، والتي تشير إلى أنه بعد مقتل صالح لم تعد هناك أي قوة منظمة ذات بعد شعبي لها مساهمة كبيرة في المقاومة الشعبية المناوئة للحوثيين سوى حزب الإصلاح.
وفي هذا الجانب بالذات، يبدو الرهان الإماراتي السعودي قائما على العلاقة التاريخية بين حزبي المؤتمر والإصلاح، حيث إن الحزبين ظلا حليفين حتى الفراق الأول بينهما قبل عقدين من الزمن.
ورغم الفراق ظلت العلاقة بين قيادات الحزبين دافئة حتى الفراق الثاني بينهما، بعد أن انخرط الإصلاح في ثورة الشباب التي أطاحت بعلي صالح عام 2011.
لا رهان على هادي
مصادر يمنية أخرى قرأت أيضا فيما وراء تصريحات الآنسي، أن الرياض وأبو ظبي لا تزالان متمسكتين بإستراتيجيتهما القائمة على عدم الرهان على الرئيس هادي لأسباب عدة، أهمها أن الرجل -بالرغم من كل الملاحظات عليه- لا يزال يشكل الضمانة الرئيسية لبقاء اليمن موحدا.
وترى هذه المصادر أن إستراتيجية الدولتين واضحة في إعادة إحياء تقسيم اليمن لدولتين أو كيانين، ضمن صيغة فدرالية تمنح الجنوب صلاحيات دولة، على أن يدير شمال اليمن الجناح المحسوب على صالح من حزب المؤتمر بنوع من الشراكة غير المؤثرة في شكل الدولة مع الإصلاح كطرفين رئيسيين.
وفي الجنوب حيث تتمتع الإمارات العربية بنفوذ واسع، والذي أعلن فيه قبل أسابيع ما يسمى "المجلس الانتقالي" برئاسة عيدروس الزبيدي؛ أعلن -يوم أمس السبت- عن تشكيل جمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي.
واختارت الجمعية اللواء أحمد بن بريك رئيسا لها، وأنيس نعمان نائبا له، واللافت أن هاتين الشخصيتين محسوبتان على الإمارات، وترفضان التعامل مع الشرعية اليمنية برئاسة عبد ربه منصور هادي.
أحمد علي صالح
جانب آخر من الإستراتيجية -وإن كان لا يزال غير واضح حتى الآن- يتمثل في الدور المستقبلي لأحمد نجل الرئيس السابق علي صالح، الذي تعمل الإمارات العربية على إعادة إحيائه بصيغة لم تتضح معالمها بعد.
ويرى محللون ومراقبون للشأن اليمني أن هذه الإستراتيجية تصطدم بشكل أو بآخر مع رؤية حزب الإصلاح، فالحزب حسم أمره مبكرا بالانحياز لشرعية الرئيس هادي ودفع مقابل ذلك أثمانا باهظة.
والسبب في رهان الإصلاح على هادي يعود لكونه الرئيس الدستوري للبلاد، ونتيجة الثورة التي قامت على علي عبد الله صالح.
والأهم أن هادي وبالرغم من وصفه من قبل سياسيين ومحللين بـ"الضعيف"، فإنه يمثل ضمانة لوحدة اليمن، كما أنه أقال كافة الشخصيات المحسوبة على الانفصال، وهو ما أدى لاصطدامه بشكل مباشر بالإمارات.
تعارض الرؤيتين
أمر آخر في تعارض رؤيتي الإصلاح وأبو ظبي والرياض، يتمثل في رفض الحزب الإسلامي أي دور لأحمد علي صالح في مستقبل اليمن، لأن ذلك يشكل عودة لأسباب صدام الحزب الأولى بوالده الراحل.
وهنا يذكر مصدر يمني أن الفراق بين الإصلاح والمؤتمر عام 1997 كان سببه اتهامات الأول للأخير بتزوير الانتخابات، وتحول الأمر بعد ذلك لنوع من الصدام بعد أن بدأ صالح في نهاية تسعينيات القرن الماضي تهيئة نجله أحمد لوراثته في الحكم، وهو ما عارضه الإصلاح بقوة ولا يزال.
لكن مصادر يمنية لا تزال تراهن على نجاح الرهان السعودي الإماراتي على الدور العام لحزب الإصلاح لهزيمة الحوثيين عسكريا وإعادة تحجيمهم سياسيا، وإن كان هذا الرهان تكتيكيا وليس إستراتيجيا.
في المقابل، ترى مصادر أخرى أن رهان المضطر لوليي عهد السعودية وأبو ظبي على حزب الإصلاح لا يشكل حتى الآن أي تغيير في إستراتيجيتهما التي لا يعرف إلى أين ستقود اليمن، ويكتفي هؤلاء بالإشارة إلى أن الدولتين فضلتا في عام 2014 الانحياز لوصفة صالح بتسليم صنعاء للحوثيين، على أن يرثا يمنا جديدا تنتجه ثورة شبابية حصة تيار الإسلام السياسي فيها كبيرة.