[ الكاتب فيصل علي ]
بعد يوم من موته على أيدي فجرة الحوثيين أشغل صالح الرأي العام للمرة الأخيرة، توقف المدح والقدح فجأة، إنه الموت! وما هو أكثر من الموت هو بشاعة الجماعة الحوثية الإرهابية التي قتلت حليف الأمس، فكيف ستصنع بعدو اليوم إن ظفرت به؟ قبل ساعات من إعلان موته كنت اكتب المنشورات القادحة في ما اسموه بالانتفاضة والدفاع عن الجمهورية، وسردت المعلومات حول ماهية الجمهورية والانتفاضة، رددت في نفسي "فاتكم القطار" للدفاع عن الجمهورية أو المشاركة في انتفاضة شعبية.
انطلقت من رفض تسمية ما يقوم به صالح وحراس منزله بانتفاضةآ لأن الانتفاضة ثورة شعبية في أبسط معانيها وما حدث كان حركة بسيطة في بعض شوارع صنعاء لا تعدو كونها اشتباكات متقطعة، وخشيت أيضا من تبدل المواقف والأدوار، فدول العداء للربيع العربي تورطت في إعادة الأنظمة السابقة عبر الثورات المضادة، واليمن تحت سلطاتهم المباشرة، وهم أصلا من تورطوا في دعم الحوثي حينما أسقط الدولة ودفعوا فاتورة الانقلاب مقدما، وتسألت هل سيعيدونه؟ كانت كل تصرفات الإمارات من المهرة حتى المخا تشي بذلك، هؤلاء لا برنامج لديهم ولا مشروع حقيقي يحكمهم، سيعيدونه نكاية في الحراك السياسي الذي أحدثته ثورة 11 فبراير في اليمن، والأمن القومي العربي لديهم مصطلح مجرد من المعاني الحقيقة ذات الدلالة.
عارضنا صالح فعليا في 2011 واسقطناه ولم نفكر بقتله ولا بإيذائه، كانت ومازالت ثورة 11 فبرير أشرف فعل مجتمعي يمني على الإطلاق -وتليها المقاومة- كل الذي فعلناه أرحناه من قيادة بلد أوصلها إلى الفشل، لكنه لم يستوعب رسالة الثورة ولا أهدفها، في لحظة موته اهتز كياني، فالرجل الذي أسقطناه وسهل مع غيره عملية إسقاط الدولة قد سقط ميتا، ولم أجد نفسي إلا منهيا الخصومة، فمن ذا بعقله ويخاصم ميتا! مررت بلحظات من التأمل ومراجعة التاريخ والترحم سرا وعلانية على خصم تعلمت في عهده التعاطي مع الشأن السياسي، ضجيج اللحظة ما بين مقدس له وبين شامت وجدت نفسي متوقفا عن الحديث بسوء عن الرجل ولا ممجدا له، لقد ذهب إلى محكمة العدل الإلهي وهناك يحاسبه الله العظيم والذي سيحاسبنا جميعا، لم تكن لحظة سياسية بل لحظة مجتمعية بحته فتقاليدنا اليمنية الأصيلة تحتم علينا احترام الموت والقيام بالواجب، ولست خارجا عن عادات قومي ولا أعرافهم، لم يعد لديَّ عمل مع الرجل، فعليا انتهى الأمر.
أرسل لي صديق عزيز رسالة ماذا بعد صالح؟ فقلت له: "فرقنا في حياته وجمعنا في موته"، ولم يرحل إلا وهو مع الشعب اليمني محاربا للهاشمية السياسية العدو الأزلي لشعبنا، لست مهتما بحسن خاتمة الرجل ولا يهمني أصلا ذهابه للجنة أو النار -فهذا ليس شأني-، لكن قتلته البشعة يجب أن تكون لعنة في وجوه القتلة المتوردون ..
العبرة من قتل الإرهابيين الحوثيين لحليفهم الحالي بهذه الطريقة البشعة تقودنا إلى تنبيه قادة اليمن والمنطقة بأن هذه هي نهاية كل من يتهاون مع "أبناء إيران"، فقد فعلوها من قبل مع المهيب الشهيد صدام حسين رحمه الله، وإن تمكنوا اليوم فغدا سنرى سلمان وابنه وعيال زايد وقادة التحالف وقادة مجلس التعاون واليمن هكذا يقتلون، إيران لا تلهو يا سادة، ورؤوسكم مطلوبة يا قادة، ومن لم يتعظ بصالح فليذهب غير مأسوفا عليه، من يمد يديه لعصابات إيران بسلم أو من لم يحاربهم ويأخذ على أيديهم بقوة فمصيره "بزابيز بزابيز"، إننا أما مشهد متكرر وربما لن يتوقف، فمال الحل؟
دعونا نذكر قادة الخليج واليمن أن التراخي في الحرب سيكلفكم الكثير، ولن تستطيعوا دفع الفاتورة، ونذكر قادة الخليج وحدهم أن دفعهم بقطر نحو إيران له ما بعده، فقد دفعوها سابقا نحو إسرائيل فماذا استفادوا! هذه اللحظة العربية بحاجة إلى مراجعة شاملة للمفاهيم والأداء والتعاطي مع الأحداث برمتها، كما أن تحالف دعم الشرعية المثلوم يجب أن يصحح أداءه وخروج الإمارات من معادلة اليمن ضرورة عربية، التفكير الإماراتي ما زال طفوليا وأمنيا وغير قادر على تحليل الواقع اليمني ولا التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور، "تخبيص" الإمارات من المهرة إلى المخا لا يخدم الإمارات ولا التحالف ولا اليمن، وكل تحركاتها تخدم إيران، ليس لديهم بعد نظر ليعرفوا حقيقة الحراك السياسي في اليمن ومن المؤثر ومن لا تأثير له، عندما أتذكر من دعمتهم الإمارات في عدن أصاب بنوبة من الضحك هؤلاء الأرجوزات لا يصلحون لقيادة أنفسهم كيف بقيادة حركات اجتماعية وسياسية وعسكرية؟
المملكة العربية السعودية هي المستهدفة من خلف كل هذا الضجيج وكل هذه الحرب وتسلميها بعض الشأن اليمني للإمارات سيصعب وضعها مستقبلا، الإمارات كشركة تجارية غير مضمونة النجاح والربح كيف يسمح لها بكل هذا التهور والسعي لقيادة المنطقة وهي أصلا غير مؤهلة سياسيا ولا عسكريا ولا حتى أخلاقيا؟
ما الحل في اليمن للقضاء على حركة الحوثي بعد خروج الإمارات من المعادلة اليمنية وتسليمها كلما يتعلق بالشأن العسكري للشرعية والحكومة اليمنية؟
تتمثل إجابة هذا السؤال في محاولة معرفة المعادلة السياسية والاجتماعية والعسكرية في اليمن، وهذا لا يحتاج إلى الكثير من الحذق أو الفطنة، بل يحتاج إلى الإجابة عن سؤال ضمني حول ماهي القوى السياسية الفاعلة في اليمن والتي لها حضور في مختلف الميادين السياسية والعسكرية والثقافية والمجتمعية؟ أفرزت الثورة اليمنية في 2011 قوتان لا ثالث لهما: القوة الأولى هي التجمع اليمني للإصلاح بكافة تحالفاته السياسية والعسكرية والمجتمعية، والقوة الثانية هي شباب 11 فبراير حيث الحجة والاقناع والواقعية، لكن هذه القوة للأسف بلا حامل سياسي حتى هذه اللحظة.
تعامل التحالف مع القوة الأولى بنوع من الانتهازية السياسية والإعلامية يشكل خطورة على نتائج الحرب في اليمن، ليس من حق التحالف فرض أفكاره على القوة الحقيقة التي تقاتل في الميدان ولا علاقة له بميولها السياسية، هذه القوة قادمة من قلب وروح الجمهورية التي تأسست في 1962 وأخذت ملامحها من بيئتها ومعرفتها بمكونات المجتمع اليمني، قد يكون لديها نقص في بعض الجوانب أو قصور أو ممارسات خاطئة وهي بحاجة إلى التقويم والتقييم المستمر إلا أن هذا لا ينزع عنها الحق في الشراكة وإدارة المرحلة.
كما أن تعامل التحالف مع القوة الثانية بنوع من الحدة والاقصاء والتوجس والشك المرضي يجعله يخسر الكتلة الحية في المجتمع اليمني، 2011 أفرزت واقعا جديدا لم يحسن المرحوم صالح التعامل معه فذهب ضحية قراراته الخاطئة بمعاداته للثورة، كان رجلا أميا التحق بالجيش والسياسة من باب القبيلة واللعب بعقول المشايخ وقطاع الطرق القبليون، لم يدخل السياسة من باب النضج السياسي ولذا خسر، وسيخسر التحالف حتما لتجاوزه ما أنتجه الواقع اليمني من قوة ناشئة ترغب في بناء دولة مدنية تغطي عجز العرب في أهم موقع استراتيجية في المنطقة والشرق الأوسط برمته، لن يواجه المد الإيراني الغوغائي سوى جيل 11 فبراير وقادة 11 فبراير وبدونهم سيضل التحالف طريقه حتما في شعاب اليمن ..
آ الواقع اليمني مختلف يا سادة ولم شمل اليمنين في حربهم ضد العصابة الحوثية المدعومة من إيران يحتاج الى وعي شامل بكل المعطيات في الساحة اليمنية، من يتحدثون اليوم عن عودة السفير أحمد علي لقيادة المعركة واهمون في هذا الطرح وسيذهبون بالعميد خلف والده ضحية جديدة -لا سمح الله- ومن أوهموا قادة الخليج من مهرجي وبهلوانات القنوات المضللة بأن التخلص من الحوثي لن يكون إلا عبر الراحل صالح .. لم يكن قادة التحالف قد توصلوا عبر أجهزتهم الاستخباراتية إلى معلومة تقول أن الحرس الجمهوري الذي أسسه صالح لم يعد لديه قدره على تحريكه، فقادته وأفراده الذين يقاتلون مع الحوثي يأتمرون بأمر السيد الولي المقيم في كهفه، قد أخطي أنا أو غيري في تقدير هذه المسألة فليس لدينا معلومات دقيقة، لكن أن يخطئ التحالف ولديه ما لديه من قوة واستخبارات ومعلومات فهذه كارثة.
هزيمة الحوثي تحتاج إلى نموذج ناجح ولا أنجح من نموذج تعز المدينة المحاصرة من ثلاث سنوات، خذوا الخبرة من القائد حمود المخلافي الذي قاد مقاومة بلا إمكانيات وانتصر في دحر كل الألوية المحاصرة لتعز، خذوا الخبرة من تعز فهي نموذج يجب أن يتكرر في كل أنحاء البلاد، ودعوني أهمس في أذانكم جميعا: اعيدوا قراءة التاريخ وتذكروا أن تعز هي من كسرت حصار السبعين في القرن الماضي عن صنعاء، ولن تتحرر صنعاء اليوم وتعز محاصرة، ليست تعز معجزة في شكلها أو لونها، لكنها معجزة في انتمائها الدائم للدولة، وهذا ما ينقص الطوق وقبائل الطوق، فالانتماء للدولة وحده هو من يحرر اليمن من رجس الحوثي وإيران وهو من سيقي الخليج وقادته من الوقوع في مصير صالح رحمه الله، كلمة السر في النصر ليست "جدتك" بل هي: تعز تعز تعز.