[ جهود الحوثيين للاستفراد بمكامن القوة تحسبًا لأي تحول يجدون فيه أنفسهم هدفًا مستباحًا لكافة الأطراف ]
لا يزال كثيرون ينكرون وجود خلاف بين أنصار الله (الحوثيين)، والرئيس السابق، علي عبد الله صالح، الذي يمثِّل حزب المؤتمر الشعبي العام، فصالح -برأيهم- هو الحوثي، أو إن الحوثي ليس سوى واجهة لصالح وحزبه. والحقيقة أن في هذا الطرح تجاوزًا للواقع وللتاريخ، إلا أنه ينبغي الأخذ في الحسبان، الخبرة والعلاقات الكبيرة، التي يتمتع بها صالح، وقدرته الفائقة على توظيف التناقضات داخل المكونات السياسية والقبلية والمذهبية، واختراقها والتلاعب بها بما يخدم أجندته الخاصة، وهذا ما لم تسلم منه حركة أنصار الله، التي شتَّت شملها في كل اتجاه، ودفع الجميع لمواجهتها، ثم أعاد أجزاء من أشتاتها -وليس كلها- فيما يسمى "المجلس السياسي الأعلى"، الذي يُعدُّ الكيان الأوضح للتحالف القائم بينهما، والأداة الرسمية، التي يتحرك من خلالها هو وحزبه، مع ما يواجهه من أجنحة متمردة داخل حركة أنصار الله -وليس المجلس- وهذه الأجنحة -في الأغلب- تخوض صراعًا ضد صالح، ويخوض صالح صراعًا ضدها، لا تزال نتائجه غير قابلة للتحديد بشكل دقيق.
للاقتراب مما يدور بين الجانبين من تناوش سياسي -وأحيانًا عسكري- ولتفهُّم طبيعة الشراكة القائمة بينهما، والخلافات، التي تعصف بها، وآفاقها المستقبلية، سنناقش ذلك من خلال مجموعة من المحاور الرئيسة والفرعية، التي تكتمل بها رؤية ما يجري وما يُتوقَّع.
خلافات تعصف بالاتفاق السياسي
بعد مرور عام على الاتفاق السياسي بين حركة أنصار الله، وحزب المؤتمر الشعبي، ظهر الخلاف بينهما على نحو توقع معه الكثير، أنه سيؤول إلى مواجهة مسلحة عنيفة، يُقصي بها أحدهما الآخر، إلا أن ذلك لم يحدث، بل اختفت حدة التوتر، مع انقضاء احتفالية جماهيرية أقامها الحزب في 24 أغسطس/آب 2017، احتفاء بذكرى تأسيسه الخامسة والثلاثين، وذلك لا يعني انتهاء الخلاف، بدليل ما يصدر عن وسائل إعلام الجانبين.
جذور الخلاف وأسبابه ومنعطفاته التصعيدية
يشكِّل الاحتقان القائم بين الحوثيين وحزب المؤتمر، جزءًا من الاحتقان السائد في البلاد كلها؛ نتيجة استفراد أنصار الله بالسلطة، وما أحدثوه، أو يحاولون إحداثه، من تغييرات في الأبعاد المختلفة لكيان الدولة، وعزلها عن محيطها، في سياق صراع تاريخي، تحركه معتقدات أيديولوجية وسياسية متناقضة، تتداخل معها مصالح ذاتية متعارضة مع مكونات المجتمع اليمني، ممثلة بالتنظيمات السياسية(1).
تعبِّر عن هذا الاحتقان حروب صعدة الستة (2010-2004)، التي مثَّل فيها أنصار الله الطرف المتمرد على النظام الحاكم، وكان رأس النظام آنذاك، الرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي يتحالفون معه حاليًّا، لكن تلك الحروب الست لم تكن حربًا لمجرد تحقيق مكاسب سياسية صرفة، بل حربًا أيديولوجية سياسية، جوهرها فكرة الأحقية بالحكم، التي يؤمن بها الحوثيون وأضرابهم ممن يدَّعون الانتساب إلى الحسن والحسين، ابني علي بن أبي طالب -رضي الله عنهم جميعًا- اعتقادًا بأن "الإمامة شورى بين الأفاضل من ولد الحسن والحسين، فمن شهر منهم سيفه، ودعا إلى سبيل ربه، وباين الظالمين، وكان صحيح النسب من هذين البطنين، وكان عالمًا، زاهدًا، شجاعًا، فهو الإمام"(2).
أبرز الأسباب الراهنة، التي تقف خلف تدهور العلاقة بين الطرفين، انكشاف نوايا كل منهما تجاه الآخر، وما تحمله تلك النوايا من تهديد وجودي سياسي، رغم تعاونهما، قبليًّا، وحزبيًّا، وعسكريًّا، وإعلاميًّا، على إسقاط صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وما تلا ذلك من أحداث أفضت إلى حصار الرئيس، عبد ربه منصور هادي، حتى اضطر إلى الهروب إلى عدن في 25 مارس/آذار 2015(3)؛ إذ في الوقت، الذي كان فيه صالح يخطط للاستيلاء على السلطة دستوريًّا، سبقه أنصار الله إلى ذلك، بعرقلة قبول مجلس النواب (البرلمان) استقالة الرئيس هادي؛ حيث احتلوا مبنى البرلمان(4)، وأصدروا بيانًا دستوريًّا قضى على مراكز نفوذ حزب المؤتمر، كخطوة مكملة للانقلاب، قطعت الطريق أمام صالح، ونسفت آمال عودته إلى الحكم، أو الترتيب لنجله أحمد.
إلى ذلك، يعترض أنصار الله على جملة من ممارسات حزب المؤتمر، التي يعدونها شكلًا من أشكال التصعيد أو بابًا للخلاف معه، ويتصدر هذه الممارسات ما يلي(5):
إثارة مشكلة تأخر صرف رواتب وأجور الموظفين المتوقفة منذ عام 2016، للابتزاز السياسي.
تكوين معسكرات تجنيد وتدريب للمقاتلين خارج سيطرة وزارة الدفاع.
تعطيل إجراء حركة تنقلات في السلك القضائي.
فتح قنوات اتصال سرية مع بعض دول التحالف.
فيما يعترض حزب المؤتمر على جملة من ممارسات أنصار الله، التي تُصنَّف على أنها تخل بالشراكة القائمة بينهما، وتُبقي الخلاف قائمًا، ومن ذلك ما يلي(6):
التعيين في مناصب سيادية مدنية وعسكرية، دون توافق.
بقاء اللجان الشعبية كقوة مستقلة موازية للجيش والشرطة، خارج الأطر الرسمية للدولة.
تدخل اللجنة الثورية (الحوثية) والمجلس السياسي لأنصار الله في قرارات المجلس السياسي الأعلى، وفي أعمال موظفي سلطات الدولة.
قيادة العملية التربوية والتعليمية وفق رؤى أحادية الجانب.
تسخير الإعلام الرسمي للتعبير عن أنصار الله دون حلفائهم.
توجيه العائدات المالية للدولة إلى غير أوعيتها الرسمية.
تصاعد الخلاف واتساع فجوته
مع كل منعطف مرت به الأزمة اليمنية، كانت فجوة الخلاف بين أنصار الله وحزب المؤتمر، تزداد عمقًا واتساعًا، خاصة مع سعي الحوثيين للاستفراد بكل مكامن القوة، تحسبًا لأي تحول يجدون فيه أنفسهم هدفًا مستباحًا لكافة الأطراف، الداخلية والخارجية. وفيما يبدو أنه قطع للطريق على أية تسوية تتعلق بما أثاره مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، في مبادرته حول تسليم ميناء الحديدة لطرف ثالث، مقابل حل مشكلة انقطاع رواتب الموظفين، وما أثير من شكوك حول موقف حزب المؤتمر منها، فقد عمل أنصار الله، على فرض وجودهم العسكري على مناطق الساحل الغربي للبلاد، لمراكمة مزيد من القوة أمام وحدات الجيش، التي تدين بالولاء للرئيس السابق، علي صالح، وتخضع للحوثيين بحكم الأمر الواقع(7)، إلى جانب وحدات عسكرية، سبق أن أُسندت قيادتها إلى مجموعة من الضباط المنتمين إلى الحوثيين أيديولوجيًّا وسُلاليًّا، كما عززوا هذا التوجه بنشر تشكيلات ميليشياوية حوثية، تتناوب على القتال في هذه المناطق بين الحين والآخر(8).
ومما زاد من تصاعد الخلاف واتساع فجوته بين الجانبين، تعرض قياديين مؤتمريين في حكومة صنعاء، للاعتداء من قبل مسلحي اللجان الشعبية (الحوثية)، وطرد ومنع آخرين من مزاولة أعمالهم في أجهزة الدولة، التي يقومون على إدارتها(9)، وتكرر ذلك أثناء توافد جماهير حزب المؤتمر إلى العاصمة، للمشاركة في مهرجان ذكرى تأسيسه الخامسة والثلاثين، والإقدام على تمزيق اللافتات والصور المعبِّرة عن المناسبة، والاحتشاد المسلح عند مداخل العاصمة. وقد فُسِّر بعض هذه التصرفات، بأنه ردة فعل على الخطاب الناري، الذي ألقاه الرئيس السابق، علي صالح، قبل أربعة أيام من المهرجان، والذي سخر فيه من أدبيات حركة أنصار الله، ووصف اللجان الشعبية (الحوثية) بالميليشيات، وتحذيره مثيري الفوضى بالملاحقة وسوء المصير(10).
في ظل الشحن والتراشق الإعلامي المتبادل، وتركيز وسائل الإعلام الدولية على الحدث، أوشك الوضع بين الجانبين على الانفجار، في أواخر أغسطس/آب 2017، أثناء نشوب مواجهة مسلحة بينهما في أحد أحياء العاصمة، أدت إلى مصرع واحد من القادة المؤتمريين الشباب، وفردين من اللجان الشعبية (الحوثية)، لولا تدارك الأزمة على مستوى القيادة العليا للجانبين(11). وفيما يمكن توصيفه بأنه اتساع لفجوة الخلاف، اندلاع مواجهات مسلحة عنيفة في إحدى مديريات محافظة البيضاء، مسقط رأس أحد قادة الصف الأول في حزب المؤتمر، وقد تم احتواء ذلك بصلح قبلي(12). وبين هاتين الحادثتين -والأمور على أشدها- أصدر رئيس المجلس السياسي الأعلى في 9 سبتمبر/أيلول 2017، عددًا من قرارات التعيين المختلَف بشأنها؛ الأمر الذي عمَّق الفجوة أكثر، ولم يعترف حزب المؤتمر بها، بوصفها مخالفة للاتفاق السياسي، تضاف إلى قرارات أخرى كانت مدعاة للخلاف القائم.
توقيت الخلاف ودلالاته
لم يُخْفِ أنصار الله توجسهم من الجلبة الكبيرة، التي رافقت قيام حزب المؤتمر بالتحضير -في نحو شهرين- لمهرجان جماهيري، احتفاء بالذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيسه عام 1982؛ حيث أثاروا حوله الكثير من الشبهات، في مشهد ذكَّرهم بتجربتهم الانقلابية، التي أوصلتهم إلى السلطة عام 2014، التي كان فيها حليفهم بالأمس، مبعث توجسهم اليوم؛ حيث أُشيع أن المهرجان خطوة على طريق الانقلاب، الذي يعده صالح بالتنسيق مع دول التحالف، وأجنحة في السلطة الشرعية(13).
وقد عزَّز هذه الشكوك، توقيت النشاط الحزبي للمؤتمر، الذي بدا كما لو أنه غطاء لانقلاب وشيك، لاسيما تقدم الجيش الوطني الموالي للسلطة الشرعية، في منطقة نهم الواقعة على الحدود مع صنعاء، وتقدمه في جبهات أخرى، كصعدة وحجة، في الوقت، الذي كان مجلس النواب، الذي أغلبيته من حزب المؤتمر، قد أعلن في أواخر يوليو/تموز 2017، عن مبادرة سلام لحل الأزمة، دعا فيها كافة الأطراف إلى "حوار بنَّاء وشامل، دون شروط مسبقة، وبإشراف دولي"(14). وقد أثار ذلك لغطًا كبيرًا؛ حيث وصفها أنصار الله، بأنها استسلام، رغم أن المؤتمر أكد أن المجلس السياسي وافق عليها قبل عرضها على البرلمان، وذلك ما أنكرته حركة أنصار الله (الحوثيين)(15).
كما ساءت ظنون أنصار الله حول توقيت هذه التحركات(16)، مع ما تناقلته وسائل إعلامية عربية ودولية، أوائل يوليو/تموز 2017، حول مسعى إماراتي لإقناع قيادة المملكة السعودية بالتخلي عن الرئيس هادي، والتعامل مجددًا مع صالح؛ بحيث تُسلَّم السلطة إلى نجله الأكبر، أحمد، الذي يقيم مع عدد من أفراد عائلته في أبوظبي(17). وقد عزَّز هذه الظنون -رغم نفيها- قيام الإمارات برفع الإقامة الجبرية عن نجل صالح، في وقت أثير فيه اجتماعه بأحد أعضاء البرلمان عن حزب المؤتمر، مكلَّف بهذا الملف(18).
تأثير الخلاف في مجالات التعاون بين الجانبين
كشفت الخلافات الحادة بين أنصار الله وحزب المؤتمر، أن التعاون القائم بينهما، ليس بمستوى المطامح، التي أثارها الاتفاق السياسي المبرم بينهما في يوليو/تموز 2016، سواء كان ذلك التعاون -بحسب ما يُفهَم من الاتفاق- في إدارة المناطق الخاضعة لهما، أو المواجهة العسكرية والسياسية مع التحالف وسلطة الرئيس هادي(19)، وما يمثله ذلك من تحدٍّ إلى جانب تحديات الحصار، والحرب، والعزلة الدولية. وتتلخص مجالات التعاون، وتأثير الخلافات فيها، فيما يلي:
إدارة مناطق سلطة الأمر الواقع
رغم تقاسم الحقائب الوزارية مناصفة فيما يوصف بـ"حكومة الإنقاذ"، إلا أن أغلبية الأجهزة التنفيذية، يديرها كوادر من حزب المؤتمر والأحزاب المناوئة للحوثيين. وقد كان من وسائل الحوثيين للحد من هذه السيطرة، فرض عناصر موالية لهم، يُطلَق عليهم "المشرفون"، يتولون الإشراف على مجريات الأعمال، بما في ذلك دواوين كافة المحافظات والوزارات، ومنها الواقعة ضمن حصة حزب المؤتمر، في ظل حالة من عدم الانسجام والتعاون بين المشرفين والعاملين الرسميين، فاتسم الأداء الوظيفي بالتباطؤ، والتحيز الحزبي، وشيوع الفساد المالي والإداري، الذي أنتج أعباء مختلفة أثقلت كاهل المجتمع. ومع تعاظم حدة الخلاف، يستغل المؤتمر ذلك سياسيًّا، بمؤازرة قوى أخرى تندرج فيما يمكن أن يوصف بـ"الدولة العميقة"، التي يهيمن عليها نافذون مؤتمريون وغير مؤتمريين، يتبنون موقفًا واحدًا تجاه الحوثيين، بهدف أن يتحمل الحوثيون -وحدهم- مسؤولية الفشل، بوصفهم سلطة الأمر الواقع(20).
في مجال تأثير الإعلام -بوصفه أبرز مجالات التأثير الملموس- لعب إعلاميو وناشطو حزب المؤتمر، دورًا بارزًا في إثارة السخط الشعبي تجاه الحوثيين، في إطار الحملات الإعلامية المتبادلة، وقد يكون من نتائجها المواجهات المسلحة، التي نشبت بين الطرفين، وحصول تحركات استفزازية لتشكيلات حوثية مسلحة استهدفت حزب المؤتمر برمته، ورئيسه على وجه الخصوص(21). علاوة على لجوء الحوثيين من أجل كبح هذا التأثير الإعلامي، إلى أساليب قمعية لإسكات بعض الإعلاميين والناشطين، بالاعتقال القسري والاعتداء الجسدي. على الجانب الآخر، تبرأ حزب المؤتمر من ممارسات ناشطيه، التزامًا باتفاق الطرفين على وحدة الصف، لكنهما مع ذلك استمر كل منهما في وصف الآخر بالطابور الخامس(22).
إدارة الحرب وقيادة المعارك
كثير من السجالات، التي تدور بين الحوثيين والمؤتمر، هي حول: من يقاتل؟ ومن يقود المعركة؟ ومن يضحي أكثر؟ عادة ما يكون موقف حزب المؤتمر ضعيفًا؛ لأنه لم يسلك مسلك الحوثيين في الاحتفاء الكبير بكل من يسقط من صفوفه في مختلف الميادين وبالاستهدافات والتعقب خارج ميادين القتال، ليحتج بهم في مواجهة من يقلِّلون من دوره وتأثيره كحليف للحوثيين في الحرب، وذلك ما فطن له أخيرًا(23). لكن من جانب آخر، فإن خسائر المؤتمر أثَّرت فيما يمكن أن يلعبه، راهنًا ومستقبلًا، كما اتضح ذلك في استهداف طيران التحالف صالة عزاء بصنعاء، في أكتوبر/تشرين الأول 2016، ذهب ضحيته عدد من كبار القادة والسياسيين المنتمين لحزب المؤتمر(24)، وغيرهم ممن قضوا في غارات أخرى في ميادين المواجهة.
واقعيًّا، لم يعد للرئيس السابق، علي صالح، من النفوذ المباشر في وحدات الجيش، ما يُبنى عليه تأثير يمكن أن يُحسب لحزبه في إدارة الحرب وقيادة المعارك، ضمن شراكته مع الحوثيين، باستثناء ما يمثِّله منصب وزير الدفاع، الذي يلاقي مصاعب كثيرة؛ نتيجة هيمنة رئيس هيئة الأركان المنتمي للحوثيين، لكن تظل هناك زوايا صغيرة يحضر فيها نفوذه المباشر، مثل "معسكر الشهيد الملصي"، الذي يشرف عليه أحد أنجال إخوته، مع خضوعه -شكليًّا- لوزارة الدفاع؛ حيث يجري فيه إعداد المقاتلين، والدفع بهم إلى الجبهات(25)، أما تأثيره غير المباشر على بعض الوحدات، فلا يزال قائمًا من خلال ولاءات شخصية وحزبية استعادت حيويتها بعد انقلاب 21 سبتمبر/أيلول 2014، وازدادت قوة بعد تدخل التحالف في مارس/آذار 2015؛ حيث تقاتل هذه الوحدات بشكل مستقل في بعض الجبهات، دون اختلاط أو تكامل مع تشكيلات الحوثيين، ومن أبرزها وحدات الحرس الجمهوري(26).
إدارة المفاوضات السياسية
قد تؤثر الخلافات بين الحوثيين وحزب المؤتمر، على موقفهما الموحد في أية مفاوضات سياسية قادمة، أو على موقف أحدهما، ولعل مخاوف الحوثيين من ذلك، بدت واضحة مع إعلان مجلس النواب مبادرته للحل السلمي للأزمة، التي قيل: إنها جاءت بناء على توافق أعضاء المجلس السياسي، في يوليو/تموز 2017، رغم أن الحوثيين نفوا موافقتهم، بل وصفها زعيم الحوثيين بـ"المبادرات الاستسلامية"(27). ومما يزيد مخاوف الحوثيين تزايد الحراك الحزبي للمؤتمر، ونشاط قادته، لخلق موقف شعبي مؤيد أو رافض لما تتبناه القيادة العليا للحزب تجاه أية مفاوضات أو مبادرات.
تداعيات الشراكة على الحرب
لا تزال القيادات العليا لكل طرف، تتعامل بشيء من الحرص -والمراوغة كذلك- للحفاظ على الاتفاق السياسي الجامع لهما. أما ما يحدث من مواجهات مسلحة عرضية، فإنها لا تعدو أن تكون تصرفات خارجة عن إرادة هذه القيادات، كما قد يكون ذلك تحت إملاء الضرورة، وفي حدود المسموح به، التي تقتضيها حسابات كل طرف، ولا أدل على ذلك اللقاء غير المباشر، الذي جمع بين زعيم أنصار الله، ورئيس حزب المؤتمر، في 14 سبتمبر/أيلول 2017(28)، في ظرف اعتقد فيه الكثير أنهما مقبلان على مواجهة وشيكة، ومع ذلك لم تنكمش فجوة الخلاف، بل تراجعت ظاهريًّا، خاصة بعد إصدار المجلس السياسي في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، مجموعة من قرارات التعيين، التي ضمت أغلبية مؤتمرية، وهي -كما يبدو- معادل توافقي لقرارات سابقة أصدرها المجلس في سبتمبر/أيلول 2017، دون توافق مع حزب المؤتمر، وثمرة لذلك اللقاء، الذي جمع بين الحوثي مع صالح.
في ضوء كل ما أُثير سابقًا، يمكن تصور مستقبل الشراكة أو الاتفاق السياسي بين أنصار الله، وحزب المؤتمر، وانعكاس ذلك على الحرب الدائرة، في إطار السيناريوهين التاليين:
السيناريو الأول: استمرار الشراكة
يفترض هذا السيناريو بقاء الشراكة بين الجانبين، انطلاقًا من توحدهما حول غاية واحدة، هي مواجهة التحالف والشرعية، أو "مواجهة العدوان"، حسب توصيفهما، أيًّا كانت دوافع هذه الغاية. وفي ظل هذه الشراكة يلعب عاملا التهديد الخارجي، والنفعية من الشراكة، دورًا في تماسكها، أو ضعفها، أو -في أسوأ الظروف- انهيارها.
فعلى المدى القريب، يتضح أن أيًّا من طرفي الشراكة، غير قادر على الاستغناء عن شريكه، للاستفراد بالقرار داخليًّا، وغير قادر -في الوقت ذاته- على مواجهة التهديد الخارجي بمفرده؛ وبالتالي فإن استمرار الشراكة قد يؤدي إلى إطالة أمد الحرب، في ظل تصلب مواقف كافة الأطراف، وإصرارها على رؤيتها لحل الأزمة، وغموض النهاية، التي يرسمها التحالف والقوى الدولية، التي تقف خلفه.
السيناريو الثاني: انفضاض الشراكة
يفترض هذا السيناريو انفضاض الشراكة بين الجانبين، في حال حدوث تحول إيجابي في موقف التحالف والشرعية، تجاه أي من طرفي الشراكة، وفق تفاهم حقيقي مشفوع بضمانات، وفي الوقت، الذي تكون فيه مكاسب بقاء الشراكة (النفعية) عديمة الجدوى.
قد تكون طريقة الخروج من هذه الشراكة عنيفة؛ حيث سيلجأ فيها الطرف المنسحب إلى فرض إرادته على الآخر بالقوة. كما قد يكون الخروج سلسًا نتيجة تسوية بين الشريكين. وفي هذا السيناريو تزيد فرص المؤتمر -في ظل وجود رئيسه صالح- مقابل الحوثيين؛ وبالتالي فإن ذلك قد يؤدي -تدريجيًّا- إلى انتهاء الحرب بشكلها الراهن، وانحصارها في مناطق محدودة، لكنها لن تكون -على الإطلاق- نهاية للصراع.
لا يبدو في الأمد الرقيب ما يؤشر إلى أن السيناريو الثاني أرجح من الأول؛ لأن قيادة التحالف أو الشرعية ترغب في التوصل إلى تسوية سياسية قد تضعضع الشراكة بين الحوثي وصالح، وتؤجِّج الخلاف بينهما، فيُضطرَّان إما إلى الصدام العنيف أو التوصل إلى تسوية لتقاسم النفوذ ولو إلى حين.
علي الذهب- باحث يمني في الشؤون الاستراتيجية