[ حركة نزوح كبيرة من المحافظات الشمالية باتجاه حضرموت - فرانس برس ]
أنعشت ظروف الحرب في اليمن، سوق العقارات في محافظة حضرموت شرقي البلاد، والتي شهدت ارتفاعا غير مسبوق في أسعار الوحدات السكنية وقطع الأراضي البيضاء، مما أدى إلى تنشيط الحركة الاقتصادية وأعمال التشييد والبناء في المحافظة.
وبعد عام ونصف من تحرير مدينة المكلا عاصمة المحافظة من قبضة تنظيم القاعدة، بدأت المدينة تتعافى من آثار سيطرة التنظيم، الذي حكم المدينة لمدة عام كامل، تراجعت معه الحركة الاقتصادية، خصوصًا في القطاع العقاري والسياحة الداخلية.
وبخلاف سيطرة القاعدة على المدينة، والذي انتهى بدخول القوات الحكومية، في 24 أبريل/نيسان من العام الماضي، لم تصل الحرب الدائرة بين القوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي ومليشيا الحوثي وصالح إلى حضرموت، إذ بقيت المحافظة بعيدا عن أجواء الصراع، واستقبلت عشرات الآلاف من النازحين إبان اندلاع الحرب في مارس/آذار 2015.
ووفقا لمتخصصين في سوق العقارات، فقد ارتفعت أسعار الوحدات السكنية، خلال الأشهر القليلة الماضية، في مدينة المكلا بنسبة 50% وإلى 70% في الأحياء العادية، أما في الأحياء الراقية وسط المدينة فبلغت الزيادة 150%.
كما قفزت الإيجارات، لترتفع في الأحياء العادية بالمدينة من 40 ألف ريال (100 دولار) للوحدة السكنية، بدلا من 30 ألف ريال خلال الأعوام الماضية، فيما بلغت في الأحياء التجارية ما بين 160 ألفا و200 ألف ريال (400 ـ 500) دولار، بزيادة تصل إلى قرابة 150% قبل عام من الآن.
ولا يختلف الوضع بالنسبة لحركة بيع وشراء الأراضي البيضاء، لتقفز بنسبة 70% في الأحياء الراقية، بحسب إفادة مختصين في سوق العقارات.
وبدا واضحاً تحوّل مالكي العقارات في مدينة المكلا أخيراً، إلى التعامل بعملتي الريال السعودي أو الدولار الأمريكي، في ظل تراجع صرف الريال اليمني وعدم استقراره.
ويلاحظ الزائر للمدينة توسعا واضحا في تشييد المباني الجديدة، عوضا عن إعادة بناء منازل قديمة وتصميمها بما يتوافق مع أسلوب السكن العصري، خصوصا تلك التي تقع في وسط المدينة.
وكانعكاس للحركة النشطة في القطاع العقاري، بدا لافتا، خلال الأشهر الأخيرة، الانتشار الهائل لمكاتب بيع وشراء العقارات، فضلا عن الزيادة في حجم الإعلانات المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي.
ويرجع المهندس هاني بفلح، وهو صاحب مكتب استشاري في التخطيط والتطوير العقاري، ارتفاع أسعار الأراضي والوحدات السكنية، إلى حركة النزوح الكبيرة من المحافظات الشمالية جراء الحرب إلى مدينة المكلا، فضلا عن عودة أعداد كبيرة من المغتربين في السعودية إلى المحافظة جراء فرض السلطات في المملكة رسوما على مرافقي المقيمين.
وأوضح بفلح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن عدم وجود مراكز تجارية وخدمية في أنحاء متفرقة من المدينة وتركزها في أماكن محددة فقط، يعد سببا آخر في انتعاش القطاع العقاري في هذه الأحياء.
ويضيف أن وجود مشكلات في تملك الأراضي وحالات السطو بالقوة على الأراضي في ضواحي المدينة والمديريات الأخرى، أدى إلى زيادة أسعارها في الأماكن الآمنة وسط المدينة.
ويتوقع بفلح أن تتوقف هذه الطفرة في سوق العقارات لاحقا، لكنه يستبعد أن تتراجع أسعارها إلى ما كانت عليه من قبل. ولحل المشكلة، يطالب المختص في التطوير العقاري بأن تتبنى الدولة مشاريع بنية تحتية من ماء وكهرباء وطرق وخدمات في أطراف المدينة كمنطقة الريان مثلا، لتخفيف الضغط عن وسط المدينة، وإغراء المواطن لشراء الأراضي في تلك المناطق التي ينخفض سعرها مقارنة بوسط المدينة.
وبينما فتح سوق العقارات شهية المستثمرين ورجال الأعمال، يشعر المواطنون بالقلق جراء تضخم الأسعار إلى مستوى يفوق قدرتهم الشرائية، إذ بات الحصول على شقة سكنية بسعر يتوافق مع دخلهم أمرًا في غاية الصعوبة.
يقول محمد، شاب متزوج حديثًا، لـ"العربي الجديد"، إن كل محاولاته منذ يوليو/تموز في الحصول على وحدة سكنية في مدينة المكلا بسعر يتناسب مع دخله باءت بالفشل.
وقدم محمد من وادي حضرموت إلى المكلا للعمل، لكنه تفاجأ بالارتفاع السريع في أسعار الشقق السكنية خلال الأشهر القليلة الماضية، موضحا أن العيش بمدينة المكلا لم يعد سهلا كما تصوره سابقا.
وأخيرا، اضطرت كثير من الأسر إلى مغادرة وحداتها السكنية بعد رفع سعر الإيجار فجأة، وتخييرهم بين القبول بالسعر الجديد أو المغادرة.
ولا يختلف الوضع كثيرا في مدن وادي حضرموت كسيئون وتريم والقطن، التي تشهد هي الأخرى ازدهارا في سوق العقار لكن بنسب أقل عن مدينة المكلا، وذلك بسبب النزوح الكبير من مناطق الحروب إلى وادي حضرموت.