تقبع اليمن في خضم صراعات وفي أزمة إنسانية هي الأكبر في العالم. وعلى الرغم من مقتل وجرح المدنيين أو نزوحهم واختيار بعض اللاجئين العودة إلى ديارهم، يبقى اليمن ملاذا لأكثر من 280,000 لاجئ وطالب لجوء، وهو البلد الوحيد في شبه الجزيرة العربية الذي وقع على اتفاقية اللاجئين وبروتوكولها.
مع استمرار الحرب في البلاد، تتمسك مجموعة من طلاب الحقوق والقضاء بما درجت عليه اليمن طوال تاريخها والمتمثل بالترحيب بمن هم بحاجة للحماية الدولية. ففي صباح خريف باكر، خلال عطلة نهاية الفصل الدراسي، يملأ الطلاب قاعة محاضرات صغيرة في جامعة صنعاء.
وكجزء من دورة تدريبية طويلة تمتد على مدى ثلاثة أسابيع حول قانون اللاجئين، تشارك هذه المجموعة في جلسة محكمة صورية تعرف بـ"مناظرة تدريب على المرافعة"، حيث سيصدرون خلالها أحكاماً في قضيتين متعلقتين باللاجئين.
مع بدء المرافعات، تضع امرأة رأسها بين يديها وتبدأ بالنحيب، في حين يهز رجل كتفيه كعلامة على اليأس، في مشهد تمثيلي لطالبي لجوء غاضبين إزاء القرارات التي تمت تلاوتها عليهما.
فعلى الرغم من الإدلاء بتجربتهما بشأن رحلاتهما الشاقة عبر خليج عدن للفرار من الصراع والاضطهاد، إلا أنهما حرما من الحصول على صفة اللجوء في الجزء الأول من المرافعة.
يملأ صراخ المرأة قاعة المحكمة المزدحمة وينتظر الجمهور المشهد التالي حول المحكمة الوهمية التي ستفصل في استئنافهما ضد القرار، ليدخل قاضٍ وهمي قاعة المحكمة بملابس المحكمة اليمنية التقليدية، والتي تتكون من عباءة سوداء وعمامة بيضاء متينة وشالٍ من الصوف المزخرف. يقف الحضور ويأخذ القاضي مكانه في مقعد خشبي منقوش.
وقال قاضي المرافعة، عصام عبد الحميد، البالغ من العمر 29 عاماً: "الأمر الأهم اليوم هو أن يفهم الطلاب من هو اللاجئ وكيف تتخذ القرارات بشأن وضع اللاجئ".
التحق عصام، وهو خريج كلية حقوق وقاضٍ متمرس على أرض الواقع، بدورة تدريبية تمتد على مدى عامين في المعهد العالي للقضاء في صنعاء، حيث أنهى مؤخراً تدريباً بشأن قانون اللاجئين يقدمه مسؤولون من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وسوف تساعد المناظرة اليوم على ترجمة بعض مما جاء في التدريب إلى ممارسة عملية.
أنشأت المفوضية في عام 2009 مركز دراسات الهجرة واللاجئين، وهو معهد بحوث تابع لجامعة صنعاء، بغية دعم السلطات الوطنية وبناء القدرات على حماية اللاجئين.
ويقدم المركز للسلطات والمؤسسات الوطنية، بما في ذلك الشرطة والقضاء والمدعون العامون وطلاب الحقوق، دورات دراسية عن قانون اللاجئين وحمايتهم.
وتعد هذه المناظرة الأولى من نوعها التي ينظمها المركز وهي تجمع بين مختلف المؤسسات والسلطات والطلاب المستفيدين من التدريب.
وقال غويندولين منساه، مسؤول الحماية التابع للمفوضية في اليمن: "تركز مناظرة اليوم ودورة الحقوق التي تمتد على مدى ثلاثة أسابيع والمخصصة للطلاب على ماهية حماية اللاجئين، وهي تغرس لدى الطلاب تقديراً وتفهماً لتجربة اللاجئين، وتهدف في نهاية المطاف إلى تمكينهم من أن يكونوا في وضع يسمح لهم بمعالجتها عندما يحين الوقت المناسب".
رغم أن اليمن من بين الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين، إلا أنه حتى الآن ليس لديه تشريعات وطنية لاتخاذ قرارات بشأن وضع اللاجئ. وفي مثل هذه الحالات، تتولى المفوضية مسؤولية تحديد ما إذا كان الأشخاص الذين يلتمسون الحماية الدولية مؤهلين لاعتبارهم لاجئين بموجب القانون الدولي.
وقال عماد داوود، مسؤول تحديد وضع اللاجئ في المفوضية: "يشكل عمل المركز وحتى قضايا اللاجئين الصورية اليوم كلها جزءاً من الجهود المبذولة في محاولة لبناء القدرات والحفاظ على الزخم مع السلطات لدعمها في صياغة قانون وطني للاجئين وتولي زمام عملية تحديد وضع اللاجئ كاملة".
وعندما تعقد المحكمة جلسة الاستئناف، يخاطب كل محامٍ متمرسٍ الهيئة القضائية. فيوجه محامو طالبي اللجوء مرافعات عاطفية بشأن قضاياهم ويدعمون ادعاءاتهم باتفاقية اللاجئين لعام 1951. فيقرأ القاضي عصام الحكم قائلاً: نجحت إحدى مطالبتي طالبَي اللجوء بالحصول على وضع اللاجئ، أما الأخرى فلا.
كانت مناظرة اليوم تثقيفية بالنسبة لخريج الحقوق، هيثم الشامي، البالغ من العمر 24 عاماً: "أنا مهتم في قانون اللاجئين لأن العالم، بما في ذلك اليمن، يواجه أزمة لاجئين عالمية. لدينا العديد من اللاجئين هنا".
خارج أسوار المحكمة، سربت تقارير إخبارية أنباءً عن وقوع أعمال عدائية جديدة في منطقة قريبة من الجامعة، ولكن من غير الواضح ما إذا قتل أي من المدنيين. وبعد لحظات قليلة، توضحت الأمور: لا قتلى بين المدنيين، هذه المرة على الأقل.
أما بالنسبة لميار فيصل، وهي طالبة حقوق أخرى، فإن المناظرة الصورية وواقع الحرب يساعدان في وضع حماية المدنيين واللاجئين في الحسبان: "إن التحدي الأكبر الذي يواجهه المدنيون واللاجئون في اليمن هو الأمان. هناك حرب ومع ذلك هناك العديد من اللاجئين في البلاد، لذلك فإننا نريد مساعدتهم".