[ قوات تابعة للشرعية في شمال غرب تعز - فرانس برس ]
بعد بسط سيطرتها عسكرياً وإدارياً على جنوب اليمن، تسعى دولة الإمارات إلى تأمين المناطق التي سيطرت عليها وتوسيع دائرة نفوذها تدريجياً، في محافظة تعز التي تعدّ أهم محافظة يمنية حاضنة للمشروع الوطني والثوري. وتعمل الإمارات حالياً على استنساخ تجربتها في عدن من خلال تأسيس وحدات عسكرية تابعة لها في محافظة تعز للإشراف على الحزام الأمني الذي تزمع على تشكيله من فصائل مسلحة موالية لها، وفقاً لمصادر عسكرية وسياسية.
ومنذ مشاركتها ضمن "التحالف العربي" الداعم للشرعية في اليمن، سعت الإمارات إلى بسط سيطرتها على المحافظات الجنوبية والاستحواذ على أبرز المنافذ البحرية، مثل مضيق باب المندب، والتحكم بطرق التجارة البحرية، كما عملت على تجنيد جماعات سلفية وقدمت لها الدعم اللامحدود بالمال والسلاح من أجل تنفيذ أجندتها. ومع سيطرتها على معظم المحافظات الجنوبية، تمدد النفوذ الإماراتي باتجاه الساحل الغربي من خلال السيطرة على باب المندب وميناء المخا الواقعين غربي محافظة تعز.
وفي الجنوب عمدت الإمارات إلى تجنيد جماعات سلفية لا تؤمن بالعمل السياسي ولا بالديمقراطية أو بمبدأ القبول بالآخر. وقامت بتجنيد أفراد هذه الجماعات، ووفرت لهم تدريباً عسكرياً عالياً. وقدمت لهم المال والسلاح وتم استخدامهم في سبيل تنفيذ الأجندة الخاصة بالإمارات التي تسعى إلى محاربة خصومها السياسيين من القوى المشاركة في الربيع العربي. ومن خلال هذه الجماعات، تمكنت من بسط نفوذها على الأرض والسيطرة على ميناء عدن بهدف تعطيله عن القيام بدوره لكونه يهدد شركة "موانئ دبي" نتيجة موقعه الاستراتيجي الهام بالإضافة إلى عدة عوامل تؤهله ليكون من أفضل موانئ المنطقة.
وقد جندت الإمارات عدداً من الشخصيات الجنوبية، وحشدت مجموعات مسلحة خارجة عن نطاق القوات اليمنية تحت مسمى "قوات الحزام الأمني" التي تتلقى دعماً مباشراً من الإمارات. واستطاعت هذه القوات فرض سيطرتها على العاصمة المؤقتة عدن، وعدد من المدن الجنوبية الأخرى.
وفي تعز، تحاول الإمارات توسيع نفوذها من خلال دعم ألوية وفصائل عسكرية تقاتل في جبهات حيوية وذات أهمية إستراتيجية جنوب وغرب تعز، كون هذه المنطقة تؤمن السيطرة التامة على الساحل الغربي بينما الجبهات الجنوبية تزيد من تأمين الشريط الحدودي للعاصمة المؤقتة عدن، والمحافظات الجنوبية الواقعة تحت النفوذ الإماراتي.
ونظراً لأهمية محافظة تعز التي يقع في نطاقها مضيق باب المندب وميناء المخا التاريخي، بدأت الإمارات بدعم فصائل مسلحة وألوية عسكرية لأن ذلك يساعدها على توسيع سيطرتها في تعز. وتنفذ هذه الترتيبات منذ عدة أشهر، في إطار نقل تجربتها من المحافظات الجنوبية إلى مدينة تعز.
وبدأت الاستعدادات العسكرية للإمارات لخوض مغامرة توسيع السيطرة على تعز، على الرغم من صعوبة المهمة بسبب وجود وعي سياسي لدى أبناء تعز، الذين لا يمكن أن يصمتوا أمام تجاوزات الإمارات ومحاولتها نقل نسخة من سياستها العسكرية والإدارية في الجنوب إلى محافظة تعز.
وتخطط قوات الشرعية بالتنسيق مع قيادة القوات الإماراتية التي تقود "التحالف العربي"، لتحريك جبهات غرب وجنوب محافظة تعز اليمنية. وتتركز الترتيبات العسكرية الإماراتية في جبهتي الصلو جنوبي تعز والكدحة في غربها، بالتزامن مع استعدادات عسكرية في جبهة كرش الواقعة في بين محافظتي لحج (جنوباً)، وتعز (شمالاً).
وبحسب مصادر خاصة تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن التحركات الإماراتية جاءت بعد مشاورات مع الدول الفاعلة في ملف الأزمة اليمنية للقيام بعمليات عسكرية في مناطق محددة في جبهات تعز، إضافةً إلى عمليات عسكرية في جبهة نهم شرقي صنعاء، بشرط أن تتوقف العمليات العسكرية المقرر أن تخوضها قوات الشرعية في جبهة نهم، عند مناطق "نقيل ابن غيلان" المطلة على صنعاء من الجهة الشرقية.
وتكتفي تلك العمليات بحصار صنعاء من دون القيام بعمل عسكري داخل المدينة التي تشهد كثافة سكانية، ما يعني أن أي عمل عسكري سيسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، وهو ما تتجنبه الأطراف كافة.
وتهدف العمليات العسكرية لإجبار طرفي الانقلاب للعودة إلى طاولة الحوار. وتحت هذا الغطاء السياسي، تتحرك الإمارات لتحقيق أهدافها خصوصاً في محافظة تعز التي من المقرر أن تكون أبرز الجبهات المرشحة لمعركة تسعى الإمارات من خلالها لتوسيع سيطرتها وربط جبهات الساحل الغربي في تعز بجبهات الضواحي الغربية والجنوبية في المحافظة.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر عسكرية، لـ"العربي الجديد"، عن أن استعدادات عسكرية تجري لتنفيذ عمليات ميدانية في محورين في تعز. المحور الأول، في جبهة الكدحة الواقعة غربي المحافظة، والتي تمثل بوابة للتقدم باتجاه مناطق الوازعية جنوبي غرب تعز.
وعملية تحرير الكدحة تشكل إحدى الخطوات التي تحتاج لها القوات الإماراتية لتوسيع سيطرتها في تعز. ويشار إلى أن الكدحة تمثل جغرافياً منطقة ربط استراتيجي (غرباً) بين مناطق أرياف الضواحي الغربية لتعز، ومناطق بمديرية الوازعية المرتبطة على الساحل الغربي في المخا وموزع وباب المندب، وهي مناطق ساحلية تابعة لتعز وتقع تحت سيطرة القوات الإماراتية.
وتأتي جبهة مديرية الصلو جنوبي تعز في الخطة العسكرية لقوات الشرعية المدعومة إماراتياً، في المحور الثاني. إذ تسعى قوات "اللواء 35 مدرع" إلى تحرير هذه الجبهة لما تمثله من أهمية استراتيجية للتوسع الإماراتي.
وتكمن أهميتها من ناحية أنها مطلة على جبهات الدمنة والراهدة من الجهة جنوبي شرق تعز وجبهات حيفان من الجنوب الأوسط لتعز، إضافة إلى أن تحريرها يشكل خطوة للوصول إلى منطقتي كرش والقبيطة في الجهة الجنوبية من محافظة تعز على الحدود الشطرية السابقة بين شمال وجنوب اليمن، حيث تتركز في هذه المناطق قوات إماراتية وسودانية.
وذكر مراقبون أن الدعم الذي تقدمه الإمارات إلى "اللواء 35 مدرع" و"اللواء 170 دفاع جوي" و"كتائب أبي العباس" التابعة لـ"اللواء 35"، لا يهدف إلى تحرير جبهتي الكدحة والصلو في تعز وكسر حصار المدينة، بقدر ما يندرج في إطار تنفيذ أجندة إماراتية تهدف لتحقيق تقدم عسكري يتيح توسيع نفوذ أبوظبي ووصولها إلى تعز. وهذا هدف تساهم تلك الألوية في تحقيقه بقصد أو من دون قصد.
وفي إطار الإجراءات المتخذة، ذكرت مصادر عسكرية متعددة أن قيادة "التحالف العربي"، وبعد ترتيب أرضية المعركة العسكرية المرتقبة، دفعت بعدد من مركبات النقل المحملة بذخيرة مختلفة الأنواع، لتعزيز قوات الجيش المتمركزة في جبهتي الصلو والكدحة غرب وجنوب المحافظة، إضافة إلى أن مقاتلات "التحالف" ستشارك في المعركة بغارات جوية مكثّفة، في سبيل تنفيذ خطة تحرير جبهتي الصلو والكدحة، اللتين تتواجد فيهما مجموعات مسلحة وألوية مدعومة بشكل خاص من قبل الإمارات.
وعلى الرغم من ذلك، لم تكن الترتيبات من قوات الشرعية المدعومة إماراتياً، خارج دائرة المعلومات العسكرية لدى طرفي الانقلاب.
وهناك استعدادات عسكرية من طرف الانقلابيين (الحوثيين والمخلوع علي عبدالله صالح) للمواجهة والحفاظ على مناطق سيطرتهم. ولم تنعكس صراعات تحالف الانقلاب على وجودهم في جبهات القتال. وخلال الأيام الماضية، دفع الحوثيون وصالح بتعزيزات إلى جبهة الكدحة غربي تعز، وتم تعيين قائد عسكري جديد لقيادة الجبهة يدعى العميد ركن أبو علي الشرفي، وفق مصادر عسكرية.
كما نفذت قوات الانقلابيين أخيراً، هجمات استباقية استهدفت مواقع قوات الشرعية في جبهة الكدحة غرباً، واندلعت مواجهات عنيفة بين قوات الشرعية المتمركزة في الكدحة والانقلابيين، تقدمت خلالها قوات الشرعية وسيطرت على عدد من المواقع الاستراتيجية قبل أن تتراجع إلى مواقعها السابقة.
ورأى محللون أنه يمكن لأي معركة في تعز أن تختصر الحرب اليمنية وتغير في مسار الأزمة عسكرياً وسياسياً، إذا ما تم التخطيط لها لتحقيق أهداف إستراتيجية لصالح الشرعية بعيداً عن الحسابات الخاصة الإماراتية.
وتعز بأهميتها الجغرافية والسكانية والتاريخية والسياسية، كانت ولا تزال الجبهة الأهم لناحية تحديد شكل اليمن، باعتبارها المحافظة التي تربط ما بين شمال تحت حكم الحوثيين وصالح في جزء كبير ورئيسي منه، وجنوب تحت سيطرة جماعات سياسية وعسكرية موالية وخاضعة للإمارات.
وتبقى محافظة تعز حاضرة وتحتل موقعاً بارزاً في الأحداث المصيرية في اليمن، فالتاريخ سجل لها دورها الأهم والرئيسي في منعطفات مسار ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962، والتي أدت إلى قيام الجمهورية العربية اليمنية. كما أن تعز مثلت أهم المدن التي استندت إليها الثورة الشبابية الشعبية وأسفرت عن إطاحة حكم صالح في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وإنْ تم ذلك باتفاق سياسي.
وعلى الرغم من الترتيبات الإماراتية في ملف تعز، هناك عوامل عدة تجعل أبوظبي غير قادرة على استنساخ سيناريو العبث الذي تمارسه في عدن، أو حتى صياغة سيناريو قريب منه في تعز. وأبرز هذه العوامل، هو ما تتمتع به تعز من طاقة شبابية متحركة ومؤثرة، إلى جانب الإرث التاريخي في الدفاع عن القضايا الوطنية، إضافةً إلى ارتفاع الوعي الثقافي والسياسي، الذي تتكئ عليه مدينة الثورة، والذي يفاخر به أبناؤها. وهذه العوامل تجعل أي محاولة من الإمارات لتجاوز الهدف المتمثل باستعادة الشرعية وبسط نفوذها في تعز، مهددة بالفشل.