[ استمرار انتشار قوات تابعة للطرفين في صنعاء - فرانس برس ]
من يلقي نظرة على طريقة تعاطي إعلام دول خليجية محددة مع تطورات خلافات شريكي الانقلاب في اليمن، تحديداً الإعلام الإماراتي التابع لإمارة أبوظبي، يدرك كم أن هناك حماسة إماراتية لأزمة الحوثيين وأنصار المخلوع علي عبدالله صالح، وكم أن هناك انحيازاً لطرف الأخير على حساب الحوثيين، حتى يكاد هذا الإعلام الإماراتي يخوض معركة صالح الدعائية.
ولما كان أداء الإعلام غير كاف لكشف المستور، جاءت مواقف وزير الدولة الإماراتية للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، أمس الاثنين، عن أحداث اليومين الماضيين في صنعاء، خير دليل على استعجال انفجار الأزمة بشكل مسلح بين الطرفين، ربما ليتخلص المحور الذي تشكل الإمارات جزءاً منه، من الحوثيين، ولتسنح الفرصة لإبرام اتفاق بين الإمارات والسعودية من جهة، والحليف السابق علي عبدالله صالح وحزبه الذي لطالما خاص حروب هذا المحور ضد الحوثيين، وما كان ليظل في اليمن بعد ثورة 2011 لولا تدخل الرياض وأبوظبي لحمايته عبر ما سمي في حينها بالمبادرة الخليجية.
ومنذ بدء الحرب في اليمن عام 2015، لم تتوقف التسريبات التي تتحدث عن تواصل مستمر وإن كان غير مباشر بين صالح وحزبه من جهة، وبين أبوظبي خصوصاً، من جهة ثانية، علماً أن نجل صالح، أحمد، ظل سفيراً لليمن لدى أبوظبي حتى اندلاع الحرب، وهو لا يزال يقيم فيها حتى اليوم. ويبدو أن الأزمة بين شريكي الانقلاب في اليمن، تقترب أكثر من احتمال الانفجار المسلح في العاصمة صنعاء، التي تتوجّه إليها أنظار اليمنيين والمهتمين بالشأن اليمني، بالتزامن مع تصريحات إماراتية، وصفت وضع العلاقة بين الطرفين بـ"الانفجار الخطير"، وأشارت إلى مواجهة مقبلة، في وقتٍ لم تظهر فيه ملامح تهدئة واضحة بين جماعة الحوثيين وحزب "المؤتمر الشعبي" الذي يترأسه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.
وأكد سكان في العاصمة اليمنية، أمس الاثنين، لـ"العربي الجديد"، استمرار انتشار طواقم مسلحة تابعة للطرفين وقوات أمنية، على نحو أقل مما كانت عليه الأيام الماضية، إذ يُخيّم الهدوء الحذر، منذ الاشتباكات التي وقعت مساء السبت الماضي في إحدى النقاط الأمنية، وبدت تبعاتها مؤشراً إضافياً على احتمال توجّه الوضع نحو الانفجار، مع عدم توصل الطرفين إلى تفاهمات واضحة تنزع فتيل الأزمة كلياً، باستثناء تمكّنهما من الاحتواء السريع للاشتباكات التي جرت، والتصريحات التي تطلقها قيادات بارزة في الطرفين، بالتحذير من "شق الصف"، و"عدم الانجرار إلى الفتنة الداخلية"، الأمر الذي يرون أنه يحقق مصالح "العدوان"، في إشارة للتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات.
في مقابل ذلك، واصلت قيادات بارزة في جماعة الحوثيين الدعوة إلى تفعيل "حالة الطوارئ"، إذ اعتبر القيادي في الجماعة، حمزة الحوثي، في تصريح لصحيفة "صدى المسيرة" التابعة للجماعة، أن "إعلان الطوارئ ضرورة، ومن يمانع يخالف دستور الجمهورية اليمنية". هذا التصريح اعتبره معارضو الجماعة مؤشراً إلى مضيها بـ"الطوارئ"، لإحكام سيطرتها على العاصمة بـ"قبضة حديدية"، لمواجهة ما تعتقد أنه توجّه من صالح وحزبه إلى فك الشراكة معها، أو التهيئة لانقلاب، تسعى الجماعة لاستباقه من خلال إجراءات أمنية وعسكرية متعددة.
وجاءت المطالبة بـ"الطوارئ"، وسط تسريبات عن مطالبة الحوثيين لصالح وقيادات في حزبه، بالبقاء قيد الإقامة الجبرية (وفقاً لما نقلته وسائل إعلامية قريبة من الإمارات والسعودية ولم يتأكد من مصادر رسمية).
وبدت هذه التسريبات أيضاً أقرب ما تكون إلى تحريض أنصار صالح للتحرك ولفك الإقامة الجبرية تلك. أكثر من ذلك، أصدر جناح الجماعة في وزارة الداخلية، بياناً باسم الوزارة، طالب بتسليم المسؤولين عن استهداف أفراد نقطة أمنية، إشارة إلى القتلى الذين سقطوا خلال مواجهات مع مسلحين موالين لصالح في تقاطع "المصباحي"، القريب من مقر دار الرئاسة اليمنية، يوم السبت الماضي. وانتقد موالون لصالح ذلك البيان، معتبرين أنه صدر من دون علم وزير الداخلية في حكومة الانقلابيين، والمحسوب على حصة حزب "المؤتمر"، محمد عبدالله القوسي.
ومع انتشار مسلحي الجماعة في العديد من شوارع صنعاء، وتصعيد الحوثيين لهجتهم ضد حزب صالح، في مقابل انتقادات حادة من ناشطين في "المؤتمر" للجماعة، اتجهت التحليلات إلى الحديث عن موازين القوى، وما إذا كان الحوثيون، وبالنظر إلى تحركاتهم المكثفة، يمتلكون القوة الحقيقية على نحو يجعلهم الأقدر في أي مواجهة مسلحة مع أنصار صالح، وحول ما إذا كان الانتشار المسلح للجماعة قد مثّل طوقاً أمنياً حول المناطق التي يقيم فيها صالح ومسؤولون في حزبه. وكل ذلك، بدا أمراً ملتبساً بالغموض والشائعات إلى حد كبير.
ودخلت الإمارات على الخط بوضوح لأول مرة بهذا الشكل الصريح، من خلال تغريدات لوزير الدولة الإماراتي أنور قرقاش، قال فيها إن "التقارير الواردة من صنعاء تنبئ بانفجار خطير في العلاقة بين المؤتمر والحوثي"، وأضاف أن "المهم تجيير هذا الوضع لمصلحة اليمن ونحو الخروج من أزمة الانقلاب".
وفي ما بدا انحيازاً لصالح، قال الوزير الإماراتي "الواضح أن الحوثي هو العقبة أمام الحل السياسي والمبادرات الإنسانية". وفي مؤشر واضح على أن القراءة في أبوظبي، هي التصعيد بين الطرفين، قال قرقاش إن "المواجهة المقبلة في صنعاء قد تقصّر الأزمة أو تطيلها، نسعى للخيار الأول"، مضيفاً أن "أولوية السلام في اليمن والإغاثة الإنسانية في الشمال مرتبطة بالتطورات المتسارعة في صنعاء، إخضاع الحوثي للمؤتمر بمثابة استمرار للأزمة".
وتُعزز تغريدات قرقاش على موقع "تويتر" التي أبدت خلالها أبوظبي انحيازاً لحزب صالح، التسريبات التي تحدثت أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية، عن تفاهمات غير معلنة بين ممثلين عن الحزب وأبوظبي والرياض، اللتين تقودان التحالف العسكري الذي ينفذ عمليات جوية منذ أكثر من عامين. كما أن الحديث عن "الشمال"، في تصريح قرقاش، يمكن اعتباره موقفاً يعكس واقع التقسيم الذي رسخه التحالف في الجنوب خلال العامين الماضيين.
وفي ظل عوامل التوتر على أرض الواقع، والتي تجعل تحالف الحوثي وصالح أمام افتراق حتمي، ارتفعت مؤشرات المواجهة منذ ما يقرب من أسبوع، على أن تأجيلها أو التهدئة إلى حين، لا تزال خياراً وارداً، ولا يمكن الحسم بأي الخيارات، قبل بروز ما تحمله الأيام المقبلة من جهود تهدئة، أو أوراق قوة من عدمها، بالنسبة للطرفين.