[ مخاوف حوثية من مهرجان مرتقب لحزب صالح ]
بعد أشهر من التراشق الإعلامي المحدود والخلاف على المناصب السيادية، بدا أن عقد الشراكة انفرط بين جماعة الحوثي والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، بعد خروجها إلى القواعد الجماهيرية، وبلوغها مرحلة كسر العظم.
وبعد تحالف عسكري استمر قرابة 3 سنوات، تعيش جماعة الحوثي وقوات صالح فترة احتقان غير مسبوقة، تزايدت عقب سعي الأخير للاحتفال بالذكرى الـ35 لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه، عبر مهرجان ضخم يستعرض فيه قاعدته الجماهيرية بعيدًا عن حليفه.
استنفر صالح قواعده الحزبية والقبلية في غالبية المحافظات اليمنية، لتحشيد أنصاره إلى ميدان السبعين في العاصمة صنعاء، يوم الخميس المقبل، ما أثار توجس حلفائه، الذين دعوا بدورهم لمهرجانات متزامنة، مما خلق خوفًا لدى مراقبين من انفجار الوضع عسكريًا.
في خطاب على غير العادة، خرج زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، بكيل اتهامات مختلفة لصالح وحزبه، قال فيها إنهم يتلقون "طعنات في الظهر، واتهامات أخرى تتعلق بـ" الابتزاز السياسي"، و"الفساد"، وأنكر كذلك مشاركتهم "بشكل حقيقي في الحرب ضد القوات الحكومية والتحالف العربي".
وفي الوقت الذي يغيّم فيه الضباب على ما سيؤول إليه المشهد، تتطابق رؤى مراقبين مع تخوفات الحوثي من انقلاب عسكري داخل الحلف المتهم بالانقلاب على السلطة سنة 2014، وهو ما قد يساهم بتسهيل الأمور أمام الحكومة الشرعية والتحالف العربي (تقوده السعودية) لانتهاز الفرصة وإحراز مكاسب على الأرض.
جذور الأزمة
بعد أشهر من التحالف العسكري ضد حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي (معترف بها دولياً) واجتياح العاصمة صنعاء، انخرط الحوثي وصالح في تحالف سياسي أواخر يوليو/تموز 2016، وشكلوا بالمناصفة ما سُمي بـ"المجلس السياسي الأعلى" لإدارة البلاد، وحكومة أطلقوا عليها "حكومة الانقاذ".
منذ الحرب، استفاد الحوثيون من تحالفهم مع صالح، فإلى جانب مشاركتهم في القتال داخل اليمن وعلى الشريط الحدودي مع السعودية، فُتحت لهم مخازن الأسلحة التي كان الأخير خلال فترة حكمه على مدار 33 عامًا، خاصة الصواريخ البالستية التي جرى تطوير مداها مؤخرًا.
الحوثيون استفادوا أيضًا من وضع يدهم في يد صالح، بدحر هادي وحكومته من صنعاء.
وخلافا للحرب التي قوّت تحالفهم، إلّا أن الصراع على المناصب السيادية والمؤسسات الإيرادية لم يغب، إلى جانب اتهامات بالإقصاء، لكن الخلافات بلغت ذروتها عقب تقديم صالح، أواخر يوليو/تموز الماضي، مبادرة لإنهاء الحرب، عبر مجلس النواب.
المبادرة نصّت على "دعوة الأطراف اليمنية لحوار سياسي تحت إشراف الأمم المتحدة دون شروط مسبقة"، و"مطالبة الأمم المتحدة بإيجاد آليات رقابة على المنافذ اليمنية تكفل تدفق إيراداتها المالية إلى البنك المركزي لمعالجة الالتزامات الأساسية للدولة، في مقدمتها صرف مرتبات الموظفين المتوقفة منذ عشرة أشهر".
ووفقا لمصادر سياسية للأناضول، فقد بعث حزب صالح بتلك المبادرة إلى دول التحالف العربي، وروسيا والولايات المتحدة وبريطانيا، وهو ما أثار سخط الحوثيين، الذين اعتبروها "مبادرة استسلام لا مبادرة سلام".
على غير المألوف، لوحظ على خطابات صالح غزل صريح للسعودية، أعلن خلالها الحوار مع الرياض، كما وصف المملكة بـ"الشقيقة الكبرى".
غزل صالح للسعودية، أثار مخاوف الحوثيين، الذين اعتبروا أن "لدى التحالف خطة لتفكيك جبهتهم الداخلية، بموازاة التصعيد العسكري الحاصل منذ أسابيع".
احتقان في صنعاء
الاحتقان بين جماعة الحوثي وصالح، انعكس على العاصمة صنعاء، التي تعيش توترا كبيرًا، وسط مخاوف من تطوّر الخلاف إلى مواجهات عسكرية.
وبدأ أنصار صالح بالاستعداد للمهرجان المرتقب، برفع صوره ولافتات حزبه في ميدان السبعين الشهير، بعد إنزال صور لقادة عسكريين سقطوا في الحرب، مما أثار غضب الحوثيين الذي طالبوا حزب المؤتمر بـ"الاعتذار للشهداء على تلك التصرفات".
ووفقا لمصادر سياسية للأناضول، فقد دعا الحوثيون أنصار صالح للاحتفال في محافظاتهم، الأمر الذي خلق خشية لدى مراقبين من منع الحوثيين المتواجدين على مداخل العاصمة، أنصار صالح، دخول صنعاء للاحتفال.
هذه المخاوف، ترجمتها دعوة زعيم الحوثيين، أنصاره إلى "التصدي لمن يحاول الابتزاز السياسي وتدمير الجبهة الداخلية للحرب"، لافتا إلى أن "بعض المشبوهون يؤججون النزاعات الداخلية".
تحالف المضطرّين
المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية (خاص) "ماجد المذحجي"، يرى أن التوتر غير المسبوق في صنعاء، يعكس علاقة سنتين من تحالف المضطرين.
وقال المذحجي للأناضول إن التوتر "يعكس حالة القلق الحوثي من مجموعة تفاهمات ذات امتدادات إقليمية أقامها حزب المؤتمر، ربما مع الإمارات أو غيرها".
ولم يُخفِ خطرًا قد يُوجده "إحساس الحوثيين بالاستهداف، مما يدفعهم إلى تفجير الوضع دون كوابح".
وقال المذحجي أيضًا "إنه (التوتر) تتويج للمخاوف المتبادلة بين الطرفين".
وأضاف المحلل السياسي أن "خشية الحوثيين نابعة من إمكانية استغلال صالح حشد الخميس، لتحويل حقائق القوة في صنعاء".
وهنا يزيد القول "حقائق القوة سيتم تغييرها عبر إدخال آلاف المسلحين التابعين لصالح، من أجل ترجيح قوته في العاصمة (صنعاء)".
"الحوثيون لا يخشون اختراقًا أمنيًا من التحالف العربي في المهرجان، بل من اختراق أمني كبير لصالح، بعد أن كانوا القبضة المسيطرة على صنعاء".
وهل لدى صالح الجرأة على هذه الخطوة؟ يرد المذحجي "هو يدرك أن رأسه معلق في يد الحوثيين، فهم الطرف الوحيد في هذه الحرب الذي يدرك أين ينام".
ورأى المحلل السياسي أن صالح بحاجة لتعديل ميزان القوات لكي يبعد ظلمهم (الحوثيين) من أمامه".
واعتبر المذحجي أن هذا السيناريو "أمر خطير يغامر فيه صالح".
"الحوثيون يدركون أنهم إذا فقدوا صالح، فإنه سيذهب في اتجاه آخر، وبالتالي لن يصبح لهم تحالفًا آمنًا"، يضيف المحلل السياسي.
ماذا سيحدث؟
لا مؤشرات على عقد صالح صفقة مع التحالف العربي، لكن مراقبون، يرون أن "وصول السعودية إلى قناعة بالعمل معه بعد رفض طويل، فإنه سينقلب على كل حلفائه بما فيهم الحوثيون".
المراقبون توقّعوا أن يتمسك صالح بالتحالف، باعتباره فرصته الوحيدة حاليًا، سواء وصلت حشوده الجماهيرية إلى صنعاء، في مهرجان الخميس، أو اعترضها الحوثيون.
ويتوقع مراقبون، أن يكون الهدف من المهرجان، هو دفع الحوثي إلى سحب مقاتليه من الجبهات، لاسيما في مديريتي "نهم" و"صرواح"، اللتان تدافعان عن صنعاء.
وبالتالي، ستحصل القوات الحكومية والتحالف العربي، على فرصة سهلة لدخول صنعاء، بالتنسيق مع صالح، الذي قد يتجنب إثارة أي مواجهة فيما بعد وسيظهر بموقف المحايد، بحسب المراقبين.
بدوره، يرى الصحفي اليمني" طه ياسين" أن حزب المؤتمر مازال أحد أبرز الأدوات السياسية والحربية وأهمها لدى الرئيس المخلوع، الذي يستخدم جماهيره في حروبه وتحالفاته.
ويضيف ياسين في تصريحات للأناضول "هو (صالح) يستعرض حشوده كلما أراد تهديد خصومه أو التلويح بقدرته على هزيمتهم"، في إشارة إلى مهرجان الخميس.
ولا يستبعد أن يخفي مهرجان الحزب وراءه "انقلابًا سياسيًا وربما عسكريًا على حليفه الحربي، المتمثل بجماعة الحوثي المسلحة، التي ظهرت متوجسة من هذا الحشد ومرتابة من نوايا منظميه".