[ أفراد من الجيش الوطني ]
على الرغم من مرور أكثر من عامين على إعلان التحالف العربي والحكومة الشرعية في اليمن عن "تحرير" مدينة عدن والمحافظات المحيطة بها جنوبي البلاد من الانقلابيين، لم يتمكّن رئيس الهيئة العامة للأركان اليمنية التابعة للشرعية، اللواء محمد علي المقدشي، من زيارة عدن ومعسكراتها، بوصفه أعلى مسؤول في الجيش كما يُفترض، والسبب الواضح لعدم الزيارة، هو أن رئيس الأركان يُعتبر "شمالياً" وفقاً للتقسيم الشطري لليمن، الذي يُعاد تكريسه بخطوات واضحة منذ أكثر من عامين.
وتفيد مصادر يمنية قريبة من قوات الشرعية، لـ"العربي الجديد"، بأن تحركات رئيس هيئة الأركان والعديد من المسؤولين العسكريين، تنحصر في الغالب بين محافظتي مأرب والجوف وأطراف صنعاء الشرقية، في حين أنه منذ إعلان "تحرير" عدن من مسلحي جماعة الحوثيين وحلفائهم من القوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، في يوليو/تموز 2015، والمحافظات المحيطة بها خلال أغسطس/آب من العام نفسه، لم يتمكن رئيس أركان الشرعية، من زيارة هذه المحافظات التي تُوصف بأنها "محررة من الانقلابيين"، لكنها تبدو أيضاً خالية من "الشرعية" المحسوبة على الشمال أيضاً، فضلاً عن أن التحالف يبدو المسيطر عسكرياً في هذه المحافظات.
أدت مجموعة من العوامل، بما فيها المرتبطة بسوابق التشطير والحرب الأهلية عام 1994 ثم الانقلاب، إلى تحويل قوات الجيش والأمن اليمنية التي كانت تنتشر في عدن ومحيطها على نحو خاص، إلى هدف للحرب بعد أن وقعت غالبية معسكراتها تحت سيطرة ونفوذ الحوثيين وصالح في الفترة التي تلت اجتياح الأخيرين عدن في مارس/آذار 2015، لتنتهي حرب التحالف والشرعية في الأشهر التي تلت ذلك، إلى وضعٍ كانت معه مختلف معسكرات الجيش والأمن قد انهارت تقريباً، وانسحب منها الجنود الذين كانت الغالبية منهم يتحدرون من المحافظات الشمالية.
عقب خروج الحوثيين والقوات المتحالفة معهم من المحافظات الجنوبية، شرعت قوات التحالف بواجهة قيادة إماراتية، بإنشاء قوات جديدة مؤلفة من خليط من عسكريين وأمنيين كانوا جزءاً من الجيش قبل الحرب وانحازوا للشرعية، ومن مجندين جرى تجنيد أغلبهم من الجماعات المسلحة ومن انتماءات مختلفة، لكن الرابط في كل ما يجمع هذه القوات، هو أن جميعها تقريباً مؤلفة من أبناء المحافظات الجنوبية، ما يجعلها قوات "جنوبية"، أكثر من كونها قوات تابعة للدولة اليمنية الموحّدة.
ومن أبرز القوات التي دعمت أبوظبي تأسيسها، "قوات الحزام الأمني" في عدن ومحيطها جنوباً، وهي قوة يعتبرها البعض تابعة للإمارات أكثر منها للحكومة الشرعية، ومثلها قوات أمنية وعسكرية مختلفة يجمعها رابط "الجنوب"، وتعددت الولاءات بين المحسوبين على أبوظبي أو على الرئيس عبدربه منصور هادي والحكومة الشرعية. وفي الجزء الشرقي أشرفت أبوظبي على تأسيس ما يُسمى "قوات النخبة الحضرمية"، في حضرموت، وأخيراً "قوات النخبة الشبوانية"، في محافظة شبوة التي تتوسط بين الجنوب والشرق.
في عدن ومحيطها، كانت الحرب مع الحوثيين وحلفائهم، هي المدخل لسيطرة التحالف عسكرياً ودعم تأسيس قوات جنوبية بديلة. أما في حضرموت، حيث الثروة النفطية والمحافظة التي تحتل ثلث مساحة اليمن، فقد كان انهيار قوات الجيش في الجزء الساحلي من المحافظة وسيطرة مسلحي تنظيم "القاعدة"، في أبريل/نيسان 2015، هو البداية التي أدخلت التحالف بقيادة إماراتية إلى الجزء الشرقي من اليمن، وفيه جرى تأسيس "قوات النخبة الحضرمية".
غير أن جزءاً كبيراً من حضرموت يقع في نطاق "المنطقة العسكرية الأولى" ومركزها مدينة سيئون، وبقي حالة استثنائية على مستوى اليمن، إذ حافظت قوات الجيش التقليدية المؤلفة من شماليين وجنوبيين على مواقعها وأعلنت الولاء للشرعية، بما منع استهدافها من التحالف. لكنها تعرضت وما تزال تتعرض لمضايقات تهدف إلى التضييق عليها، ليتسنى لـ"قوات النخبة الحضرمية" إكمال السيطرة على المحافظة، وبالتالي في حال خرجت هذه القوات، قد يخلو الجنوب اليمني الذي كان دولة قبل عام 1990 من أي وجود لقوات تضم خليطاً من شماليين وجنوبيين.
ومن أهم ما يمكن الإشارة إليه في السياق، أن هناك عدداً غير قليل من ألوية الجيش اليمني سواء السابقة أو من المجندين خلال الحرب، توالي الحكومة الشرعية، لكنها ترابط في محافظة مأرب ومحيطها من المناطق المحسوبة على الشمال، وهذه المناطق (مأرب ومحيطها) هي إطار تحرك مسؤولي الشرعية العسكريين (الشماليين) في الغالب. وما يمنع القوات المتواجدة فيها من الانتشار جنوباً، كونها "شمالية" بالتصنيف المناطقي وليس وفق تصنيف "شرعية" أو "انقلاب".
وفي مايو/أيار الماضي، افتتحت الحكومة اليمنية في عدن مقراً لوزارة الدفاع، بحضور نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية، حسين عرب. وفي الأسابيع الأخيرة، يحضر الاجتماعات العسكرية في عدن، نائب رئيس الأركان، اللواء صالح قائد الزنداني، وهو من المتحدرين من المحافظات الجنوبية، وكذلك فإن أغلب المسؤولين العسكريين والأمنيين المتواجدين في المدينة من الجنوبيين.
وهناك استثناء لوجود قوات مؤلفة من جنوبيين في مناطق محسوبة على "الشمال" وفقاً لحدود ما قبل توحيد البلاد، وهي القوات التي خاضت المواجهات في الجزء الجنوبي من الساحل الغربي لتعز، بقيادة إماراتية، وتمكّنت من السيطرة على أجزاء واسعة من مديريتي المخا وذوباب التابعتين إدارياً لتعز. لكن هذا الاستثناء، الذي يتعدى الحدود الشطرية، يرتبط كما يقول مراقبون لـ"العربي الجديد"، بالأهمية الإستراتيجية لمضيق باب المندب والمناطق القريبة من الساحل اليمني، والتي دفعت أبوظبي/التحالف للسيطرة على تلك المناطق.
وبشكل عام، باتت المحافظات الجنوبية لليمن، وإلى حد كبير الشرقية، تحت سيطرة قوات أغلبها تأسس حديثاً بطابع "جنوبي" أو "محلي"، في الوقت الذي تتواصل فيه الحرب، في أكثر من جبهة على الشمال. وليس الواقع العسكري الذي هو مستمد من عوامل تاريخية وأزمات سابقة، وساهم التحالف وأبوظبي على وجه التحديد، بدعمه في العامين الأخيرين، سوى أحد مظاهر التقسيم الحاصلة في البلاد، في حين أن هناك خطوات حثيثة لبناء مؤسسات حكومية يمكن اعتبار أنها تعزز تأسيس كيان مستقل جنوباً، وهو ما قد تتضح ملامحه، على أكثر من صعيد، في المرحلة المقبلة.