يصادف اليوم الجمعة الذكرى العاشرة لتأسيس "الحراك الجنوبي" الذي يطالب بانفصال جنوب اليمن، وسط تعالي النزعة الانفصالية أكثر من أي وقت مضى، بفعل مكون جديد يرفع المطلب ذاته.
ففي مايو/أيار الماضي ظهر في الساحة السياسية المضطربة أصلا "المجلس الانتقالي"، الذي أسسه محافظ عدن المقال عيدروس الزبيدي، مما أعطى زخما إضافيا لدعوات الانفصاليين.
وفي 7 يوليو/تموز من كل عام، درج أنصار "الحراك الجنوبي" على التعبير عن رفضهم للوحدة التي دمجت شطري اليمن في 1990.
ويتزامن هذا اليوم مع انتهاء الحرب الأهلية في 1994، بانتصار قوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح القادمة من صنعاء، على قوات نائبه حينذاك علي سالم البيض، الذي أعلن من جانب واحد انفصال الجنوب.
ويطلق الانفصاليون على الـ7 من يوليو/تموز "يوم الاحتلال"، فيما يصفه الوحدويون بأنه يوم "انتصار الشرعية"، الذي انتهى بهروب خصومهم خارج البلاد.
وخلافا للأعوام السابقة، تطغى المخاوف هذه المرة من أحداث عنف بفعل الخلافات الحادة بين الحكومة و"المجلس الانتقالي"، الذي يعتبر نفسه ممثلا للجنوب، مما أدى إلى اشتداد النبرة الانفصالية.
* عدن المنقسمة على ذاتها
في فبراير/شباط 2015، وعقب سيطرة جماعة الحوثيين على صنعاء، أعلنت الحكومة عدن عاصمة مؤقتة، فيما يروق الجنوبيين تسميتها "العاصمة"، تيمنا بحاضرة دولتهم المحتملة.
ومن مشاهد الانقسام، يعمل رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر بمعية محافظ عدن الجديد عبد العزيز المفلحي في قصر "معاشيق" الرئاسي بمدينة "كريتر"، فيما يتخذ المجلس الانتقالي من مديرية "التواهي" مقرا له.
ومن مفارقات هذا العام، أن الاحتفالات التي اعتاد الحراك الجنوبي على إقامتها في "ساحة العروض" بمديرية خور مكسر، انتقلت إلى "ساحة مدرم" في مديرية "المعلا" التي يقع في نطاقها مبنى محافظة عدن الممنوع على المحافظ الجديد دخوله.
وكانت مصادر تحدثت لوكالة الأناضول قد رجحت أن تشهد الساحة الكبرى في مديرية خور مكسر عصر اليوم الجمعة حشدا داعما للشرعية والوحدة اليمنية، ومناهضا للأصوات الانفصالية التي ستكون على بعد مئات الأمتار منهم.
لكن في وقت لاحق من مساء الخميس، تراجعت الحكومة عن تنظيم أي فعالية بالتزامن مع احتفالات الحراك، باعتبار أن ذلك سيكون "عملا فوضويا".
* الحوثي بديلا
وشهدت الأيام الماضية تراشقا إعلاميا بين الحكومة والمجلس الانتقالي الذي عادت قياداته إلى عدن في خطوة تصعيدية.
وبينما حذر بن دغر مما وصفه بـ"الصراع الغبي على النفوذ" في العاصمة المؤقتة، دعا إلى عدم المساس بالرئيس عبدربه منصور هادي، لأن البديل سيكون زعيم جماعة الحوثيين.
وبالمقابل اعتبر المجلس الانتقالي هذه التصريحات "استفزازا، وتشكل جريمة لن تغتفر، وتستوجب العقاب".
وأفاد مراسل وكالة الأناضول بانتشار قوات أمنية وأخرى تابعة للتحالف العربي بقيادة السعودية في جميع أحياء عدن عشية الاحتفال، وذلك بعد توجيهات بن دغر برفع حالة التأهب القصوى.
وفي الأثناء استمرت حشود "الحراك الجنوبي" القادمة من محافظات أبين وشبوة ولحج وحضرموت بالتدفق إلى ساحة مدرم في شارع المعلا.
وخشية حدوث أعمال عنف واحتكاكات بين أنصار الشرعية ومؤيدي الانفصال، وجه بن دغر بحماية المسيرة التابعة للحراك.
ويعتقد الناشط والمحلل السياسي الجنويي سامي الكاف أن "فعالية الحراك الجنوبي ستقام مثل سابقاتها، حيث حضر أعلام دولة الجنوب وانصرف بعدها المتحشدون إلى محافظاتهم".
وفي تعليقه لوكالة الأناضول، أضاف الكاف أن "كثيرا من الناس يتوقون لاستعادة دولتهم السابقة (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)، ليس لكونها ناجحة، بل لكونها أقل سوءا من دولة ما بعد 1990".
وأبدى أمله أن "لا يحدث صدام مسلح، يعيدنا إلى مربع الذكريات الدموية".
* هل من تصورات لشكل الدولة؟
منذ 2007 كانت المطالب التي يطلقها الحراك الجنوبي لا تتجاوز وسائل الإعلام التابعة له، ودون رؤى واضحة.
غير أن محافظ عدن المقال عيدروس الزبيدي الذي يتصدر المشهد حاليا، أعلن مساء أمس الخميس أن المرحلة القادمة "ستشهد الشروع الجدي للانتقال من العمل الوطني والثوري العفوي، إلى العمل المؤسسي المخطط والمبرمج".
وبعد أعوام من التفكك وسط قيادات الحراك الجنوبي، يقول المجلس الانتقالي إن احتشاد اليوم الجمعة أو ما يطلقون عليه "مليونية رفض نهج الاحتلال"، سيكون تعبيرا عن التفاف أبناء الجنوب نحو هدفهم الإستراتيجي لاستعادة دولتهم.
وخلافا لديناميات الحراك السابقة، يمتلك التنظيم حاليا قوة عسكرية على الأرض مدعومة من الإمارات، كما يحظى بتأييد محافظي لحج ناصر الخبجي، والضالع فضل الجعدي، ووزير النقل مراد الحالمي.
واحتفظ الخبجي والجعدي بمنصبيهما رغم إطاحة ثلاثة محافظين مؤيدين للحراك الأسبوع الماضي، هم محافظ حضرموت أحمد بن بريك، ومحافظ شبوة أحمد لملس، ومحافظ سقطرى سالم السقطري.
ومن أهداف تظاهرة اليوم تنديد أنصار الحراك بهذه الإقالات.
ورغم مظاهر التوافق، إلا أن الانقسامات لا تزال حاضرة بين أطراف الحراك، وفقا للكاف الذي صرح بأن "سياسة النفخ في كير الخلافات بين الفرقاء الجنوبيين ما زالت تتصدر المشهد على حساب الأصوات التي تحاكي العقل".
وعند النظر إلى تركيبة المجلس الانتقالي وعناصره قبل النظر إلى تركيبته القانونية ومدى مشروعيتها، يضيف المحلل السياسي أن ثمة تساؤلا عن "تصورهم لمشروع دولة المستقبل، وهم لا يزالون في مربع البداية الإقصائي لباقي الأطراف في الجنوب".
واستشهد بأنه "بعد الحرب الأخيرة حاول السلفيون بعد تصدرهم للمشهد، بلورة مفهومهم لشكل الدولة القادمة بما يتعارض مع مفهوم استعادة الدولة السابقة، لأنها كانت ماركسية".
ولتعضيد رؤيته أكثر أشار إلى "اقتراح السلفيين الذين يتصدرون الآن واجهة المجلس الانتقالي في شخص هاني بن بريك نائبا لرئيسه، علما جديدا لدولتهم المفترضة".
وأبقى العلم، كما أفاد الكاف، على اللون السماوي مع استبدال النجمة الحمراء بـ"كتابة شعار باللون الأبيض، يحاكي ذات الشعار المكتوب في علم السعودية".
مشيرا إلى أن الانقسامات ممتدة أيضا وسط السلفيين، ما بين مؤيد للشرعية التي يمثلها الرئيس عبدربه منصور هادي المدعوم من الرياض، وآخرين مناصرين للمجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات.
ويرى مراقبون أن المجلس الانتقالي لا يهدف إلى انشاء دولة في الوقت الراهن، لاستحالة ذلك، بل يسعى إلى إرباك عمل الحكومة الشرعية التي تحاول استعادة عافيتها خصوصا في المناطق المحررة.
* الموقف الدولي
وبينما تتبنى الدول العربية والغربية موقفا موحدا بشأن اليمن يدعم استقراره ووحدته، لاسيما بعد تشكيل المجلس الانتقالي، يتهم مراقبون الإمارات بتغذية النزعة الانفصالية.
لكن أبوظبي تنفي ذلك، وتجادل بأنها ثاني أكبر شريك في التحالف العربي الداعم للحكومة الشرعية.
ومن سجالات المشهد الجنوبي أيضا احتفاء أنصار الحراك قبل أيام بإعلان سفير بريطانيا لدى اليمن "سايمون شيركليف"، أن بلاده "تدعم صوتا جنوبيا قويا موحدا من خلال الحوار السياسي والتوافق، وليس العنف".
وأخذ التصريح رمزيته لكونه أتى عقب لقاء بين شيركليف ومحافظ عدن المقال عيدروس الزبيدي.
ويتهم وحدويون بريطانيا التي كانت قد احتلت عدن لأكثر من قرن بدعم الانفصاليين.