[ تسريبات بريد العتيبة كشفت عن دور مثير للجدل كان يقوم به للتأثير في صناع القرار بأمريكا- أ ف ب ]
أوردت صحيفة "ذي إنترسيبت" أن تسريب بريد سفير الإمارات في الولايات المتحدة الأمريكية يوسف العتيبة، كشف عن سعي إماراتي للتأثير على إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، في ملف حساس بالنسبة لأبو ظبي.
وأوضحت في التقرير الذي ترجمته "عربي21" أن تسريب بريد العتيبة كشف عن أن السفير الإماراتي كان يسعى للتأثير على البيت الأبيض في عهد أوباما بسبب الحرب في اليمن.
وقال معد التقرير، أليكس إيمونز، إن العتيبة حاول إقناع روبرت مالي، الذي كان حينها مستشارا للرئيس باراك أوباما حول الشرق الأوسط، بأن تقارير حقوق الإنسان المنتقدة لتحالف القصف الجوي الذي تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن كانت منحازة وبعيدة عن الإنصاف.
وأضاف أنه "من المعلوم أن دولة الإمارات العربية المتحدة عضو أساس في التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في حرب اليمن، التي سقط فيها الآلاف من الناس، ونجم عنها تدمير المستشفيات ومصادر الأغذية والبنى المائية التحتية، وبات بسببها ما يقرب من سبعة ملايين نسمة على حافة المجاعة".
وفي ما يأتي نص التقرير:
ضمن الحرص على الحفاظ على العلاقات مع الدول التي تنتهك حقوق الإنسان بشكل ممنهج، كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية، تمارس حكومات تلك الدول ضغوطا مستمرة حتى تضمن تجاهل ما يصدر من تقارير حول انتهاكاتها.
تجلت هذه الآلية بشكل كامل من خلال الإيميلات المسربة، التي تشتمل على مراسلات بين السفير المتنفذ لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة الأمريكية، ومسؤول كبير في الأمن القومي في إدارة الرئيس أوباما.
وهذه المراسلات، التي حصلت "ذي إنترسيبت" على نسخة منها، التي تتسم في بعض الأوقات بالحدة بين الحلفاء، تظهر كيف تسعى الحكومات الأجنبية الصديقة للضغط على البيت الأبيض فيما يتعلق بقضية حقوق الإنسان، وكيف يعمد البيت الأبيض في بعض الأوقات إلى دفعها.
وفي الرسائل المتبادلة، التي جرت في يونيو/حزيران من عام 2016، يحاول سفير الإمارات العربية المتحدة يوسف العتيبة إقناع روبرت مالي، الذي كان حينها مستشارا للرئيس باراك أوباما حول الشرق الأوسط، بأن تقارير حقوق الإنسان المنتقدة لتحالف القصف الجوي الذي تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن كانت منحازة وبعيدة عن الإنصاف.
ومعلوم أن دولة الإمارات العربية المتحدة عضو أساس في التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية في حرب اليمن، التي سقط فيها الآلاف من الناس، ونجم عنها تدمير المستشفيات ومصادر الأغذية والبنى المائية التحتية، وبات بسببها ما يقرب من سبعة ملايين نسمة على حافة المجاعة.
وحاول العتيبة في الرسائل المتبادلة إقناع روبرت مالي بأن التقارير الصادرة عن وكالة رويترز التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها، غير منصفة ومنحازة.
وركز العتيبة بشكل خاص على تقرير لوكالة رويترز جاء فيه أن الدول العربية تضغط على أمين عام الأمم المتحدة حينها بان كي مون لكي يزيل اسم التحالف العربي في اليمن من قائمة الأمم المتحدة التي تفضح البلدان التي تقتل الأطفال.
وزعم تقرير رويترز أن وزراء خارجية دول الخليج هددوا بوقف دفع ملايين الدولارات إلى برنامج الأمم المتحدة الغذائي.
بعد ذلك بيومين، عقد بان كي مون مؤتمرا صحفيا غير اعتيادي، أكد فيه صحة ما ورد في تقرير رويترز.
في ذلك الوقت، كان لويس شاربونيه، الصحفي الذي حرر تقرير رويترز، قد قبل عرض عمل ليشغل منصب مدير مكتب منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية التي تتخذ من نيويورك مقرا لها في الأمم المتحدة، وكان سيترك العمل في رويترز الشهر التالي.
وكانت الصلة بمنظمة هيومن رايتس ووتش كافية وحدها لإقناع العتيبة بأن التقرير كان في غاية الانحياز.
وكتب العتيبة إلى روبرت مالي قائلا "ما أود أن أقوله هو أن التغطية الإعلامية منحازة".
فما كان من مالي، الذي قال في تصريح لصحيفة "ذي إنترسيبت" إن الإيميلات كانت صحيحة، ولكنه رفض التعليق بأكثر من ذلك، إلا أن رد على رسالة العتيبة بعد دقائق معدودة، قائلا وهو لا يكاد يصدق ما وصله منه "بجد؟ هل بات الإيمان بحقوق الإنسان انحيازا؟ لربما كنت تظن كذلك أن التغطية الإعلامية لتقرير الأمم المتحدة بأسره كانت منحازة أيضا".
فرد عليه العتيبة بصيغة تعبر عن صدمته "لابد أنك تمزح. أليس كذلك؟ هل تريد مني فعلا أن أصدق أن صحفيا على وشك أن يوظف في منظمة هيومن رايتس ووتش سوف يغطي أحداث اليمن بموضوعية؟ أرجوك".
وفي تصريح لصحيفة "ذي إنترسيبت" قال صحفي رويترز السابق شاربونيه، إن التقرير الذي أعده لا يمكن التشكيك في صحته، واصفا إياه بأنه "نجم عن بحث دقيق"، مذكرا في الوقت ذاته بأن الأمين العام السابق كان قد أكد صحته بنفسه.
وقال شاربونيه "تتحدث الحقائق عن نفسها، سواء أعجب ذلك بعض الدبلوماسيين أم لم يعجبهم".
ومضى العتيبة يجادل زاعما بأن "هيومن رايتس ووتش" حددت معيارا لا يمكن تحقيقه، وكتب في الرسالة يقول "وبطبيعة الحال نحن نؤمن بحقوق الإنسان، ولكن بعض هذه المجموعات أوجدت معيارا من البلاتين، لا يمكن لأحد أن يحققه في أرض الواقع. ذكرني أن أخبرك عن لقائي مع هيومن رايتس ووتش أول مجيئي إلى واشنطن العاصمة".
وفي تصريح لصحيفة "ذي إنترسيبت"، قالت ساره لياه ويتسون، التي تدير أعمال منظمة "هيومن رايتس ووتش" في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بأنها فعلا عقدت اجتماعا مع العتيبة، ولكنها لا تذكر متى كان ذلك، لأن مفكرتها لم تكن برفقتها.
إلا أن واتسون هاجمت العتيبة على ما بدر منه من عدوان على صدقية هيومن رايتس ووتش، وقالت "إن ادعاء الإمارات العربية المتحدة بأن هيومن رايتس ووتش منحازة ضدهم يتجاهل العمل الذي نقوم به في 19 بلدا في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والعمل الذي نقوم به في ما يقرب من مئة بلد حول العالم. عدد قليل من البلدان تتطرف في رفضها لما يوجه من نقد لسجلها في حقوق الإنسان".
إضافة إلى سلوك الإمارات العربية المتحدة في حرب اليمن، لم تزل منظمة "هيومن رايتس ووتش" تنتقدها بسبب انتهاكاتها لحقوق العمال الوافدين ومعاملتها للمعارضين في الداخل، بما في ذلك ما يزعم من ممارسة للتعذيب وما يقع من اختفاء قسري.
وتقول ويتسون "لم يصدر نقد عن الإمارات العربية المتحدة لمنظمة هيومن رايتس ووتش إلا على إثر إصدارها تقارير حول سجلها في ممارسة التعذيب وإساءة معاملة المعارضين في داخل البلاد. وإذا ما أضفت إلى ذلك مسيرتهم الشريرة في اليمن -على سبيل المثال تورطهم في المئات من الهجمات غير المشروعة على المدنيين- بإمكانك أن ترى لماذا يجن جنونهم ويفقدون توازنهم. فهذه حكومة لا قبل لها بالتسامح مع الانتقاد من أي نوع ناهيك عن أن يتعلق ذلك بسجل حقوق الإنسان".
وفي عام 2014، حظرت الإمارات العربية المتحدة على ويتسون الدخول إلى البلاد.
وفي نهاية المراسلات التي تمت بينه وبين العتيبة بهذا الشأن، ختم روبرت مالي المراسلة بملاحظة خفيفة الظل، حيث قال: "تعجبني الطريقة التي نختلف بها، لأننا دائما نظن أن الآخر يمزح! الصحفيون، والأمم المتحدة، والمنظمات الدولية، كل هؤلاء منحازون ضد المملكة العربية السعودية".
ويبدو أن مالي ذكر المملكة العربية السعودية من باب الإشارة إلى أنها الأخ الأكبر في المنطقة، الذي تتبعه الإمارات العربية المتحدة على الدوام.
ولم يرق للعتيبة الإيماء بأنه إنما كان ينشط نيابة عن المملكة العربية السعودية، فكتب يقول "أنا لم أذكر السعودية على الإطلاق. وإنما أتكلم عن حالات تعاطف مسبقة أو عن تحيزات بشأن قضايا بعينها، وكيف يمكن أن تدمج في موضوع مثل حقوق الإنسان. أنا متأكد أنك لا تسعى لإقناعي بأن كل صحفي على وجه المعمورة هو عنوان للصلاح والاستقامة".
ولم ترد سفارة الإمارات العربية المتحدة على طلبات تقدمنا بها إليها للتعليق على ذلك.
وما من شك في أن العتيبة صوت مؤثر في دوائر السياسة الخارجية في العاصمة الأمريكية، مشهور بحفلات العشاء الفاخرة التي يقيمها سعياً وراء دعم الولايات المتحدة للإجراءات العدوانية وسياسة التدخل في الشرق الأوسط.
وهذه الأيام، يشهد العتيبة أياما ذهبية، ويتنامى نفوذه بسبب علاقاته الوثيقة بصهر الرئيس دونالد ترامب وكبير مستشاريه جاريد كوشنر، وبحسب ما نشرته صحيفة "بوليتيكو" لا يكاد الاثنان يتوقفان عن التواصل فيما بينهما عبر الهاتف والإيميل.
وفي وقت مبكر من هذا الشهر، تمكن قراصنة من السطو على مجموعة من رسائل الإيميل في حساب "هوتميل" التابع للعتيبة، الذي يستخدمه لأغراض العمل.
وسرب الهاكرز الإيميلات إلى جملة من المواقع الإخبارية ووسائل الإعلام، بما في ذلك "ذي إنترسيبت"، و"ذي ديلي بيست"، و"الجزيرة" و"هافنغتون بوست".
وفي الأسبوع الماضي، أرسل الهاكرز إلى "ذي إنترسيبت" مجموعة من المراسلات المتبادلة عبر الإيميل، المتعلقة بالحرب في اليمن.
إلا أن "ذي إنترسيبت" قررت التحفظ على بعض المراسلات، لأنها لم تتمكن من توثيقها بشكل مستقل، وامتنعنا عن نشر بعضها، لأننا رأينا أنها غير ذات قيمة خبرية.
ويطلق الهاكرز على أنفسهم اسم "غلوبال ليكس" (التسريبات الكونية)، وكانوا قد ادعوا قبل ذلك بأنهم ينتسبون إلى موقع اسمه "دي سي ليكس".
واتهمت الوكالات الاستخباراتية في الولايات المتحدة الأمريكية الحكومة الروسية بالوقوف من وراء "دي سي ليكس"، وليس واضحا حتى الآن ما إذا كانت مجموعة "غلوبال ليكس" مرتبطة بروسيا، أم إنهم يحاولون فقط إعطاء مثل هذا الانطباع؟
وعندما سئلوا عن دوافعهم، أجاب الهاكرز بلغة إنجليزية مكسرة عبر الإيميل إنهم "لا ينتسبون إلى بلد بعينه ولا إلى دين بعينه"، ولكنهم أضافوا أن هدفهم هو "أن يجعلوا من أمريكا بلدا عظيما مرة أخرى".
ومنذ أن كان زمن المراسلات التي جرت بين العتيبة ومالي، تعرضت قوات دولة الإمارات العربية المتحدة نفسها في اليمن لانتقاد شديد على ما ترتكبه من انتهاكات لحقوق الإنسان.
وفي يناير/كانون الثاني، شاركت طليعة من القوات الإماراتية في عملية فاشلة للبحرية الأمريكية تمخضت عن مقتل عشرة أطفال.
وفي الأسبوع الماضي، كشفت وكالة أسوشييتد برس عن أن دولة الإمارات العربية المتحدة تدير شبكة من سجون التعذيب السرية في جنوب اليمن، لتزويد القوات الأمريكية بالمعلومات الاستخباراتية.