[ تعرض البهائيون للمضايقات والسجن من قبل مليشيا الحوثي ]
اضطهاد، قمع، عنف، "استهداف منهجي"، اعتقالات، ملاحقات، اتهامات "كاذبة"، تعذيب، نهب ممتلكات، اقتحام منازل، ترويع نساء وأطفال، تهديد، ترهيب.. لائحة الممارسات القمعية طويلة، وتزداد كل يوم. النداء ملح جدا: البهائيون اليمنيون في خطر كبير.
ما تشهده صنعاء تحديدا، وتوثقه منظمات إنسانية وناشطون حقوقيون مخيف، إنها "بدايات جريمة إنسانية خطيرة تحاول مسح هوية مجموعات كاملة في المجتمع اليمني، وإجبارها على تغيير معتقداتها قسرا"، يؤكد محمد محمود من "المبادرة اليمنية للدفاع عن حقوق البهائيين" لـ"النهار".
إنه اسمه المستعار. محمد طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي، خوفاً على حياته. المضطَهِدون في صنعاء يتربصون، ليس بالبهائيين فحسب، إنما أيضا بـ"المبادرة اليمنية" وكل من يحاول الدفاع عنهم. ورغم ذلك، لا بد من رفع الصوت. "البهائيون اليمنيون يتعرضون لاضطهاد ممنهج في صنعاء، بما يشكل ظلما واضحا واختراقا صريحا لحقوق الإنسان والدستور اليمني". ومطلوب من "كل حكومات الدول ومنظماتها الحقوقية أن تتحرك".
بين "الباب" و"بهاءالله"
بهائيون نسبة إلى مؤسسهم "بهاء الله". في تعريف بها، البهائية "دين عالمي مستقل" له كتبه المقدسة وعباداته وأحكامه الخاصة. نشأ قبل أكثر من قرن ونصف القرن، من خلال "رسالة أوكلها الله إلى مبعوثَين إلهيَّين، هما حضرة الباب وحضرة بهاء الله"، يفيد موقع البهائية(1).
"حضرة الباب" (علي محمد الشيرازي) هو "المبشر بالدين البهائي الذي أعلن في أواسط القرن التاسع عشر (شيراز في ايران-1844)، إنه حامل رسالة مقدَّر لها أن تُحدث تحولا في الحياة الروحانية للبشر، وإن مهمته التمهيد لمجيء رسول إلهي آخر أعظم منه، يظهر ليهدي البشر في عصر السلام والعدل". العام 1847، ألقت السلطات الإيرانية القبض عليه وسجنته، قبل إعدامه رميا بالرصاص في العام 1850.
بعد "البابية"، ظهر الدين البهائي، للمرة الأولى رسميا، العام 1863 "عندما أعلن حضرة بهاء الله دعوته في بغداد أوائل مدّة نفيه من إيران". "حضرة بهاء الله" (ميرزا حسين علي النوري، من إيران) هو "الموعود الذي بشّر به حضرة الباب وكافة المرسلين من قبل. حمل رسالة جديدة من عند الله إلى البشر. ومن خلال آلاف الآيات والرسائل والكتب التي نزلت من يراعه المباركة، وضع الخطوط الرئيسة لإطار عمل يهدف إلى تطور الحضارة العالمية، ويأخذ في الاعتبار البعدين الروحاني والمادي لحياة الإنسان. ومن أجل ذلك، تحمّل السجن والتعذيب والنفي طيلة 40 عاما(1)". وقد توفي في سجنه.
معبد بهاء الله في عكا- إسرائيل
إلى جانب الإيمان "بالمكانة المقدسة الإلهية لحضرة الباب وحضرة بهاء الله والمعينين من بعدهما"، يؤمن أيضا البهائيون بـ"وحدانية الله وكل كتبه ورسله وأنبيائه، ووحدة الدين". وتشمل أيضا معتقداتهم "وحدة البشر، والتحرر من التعصبات، والعزّة المتأصلة في الإنسان، والظهور التدريجي للحقيقة الدينية، وتطوير الخصال الروحية، وتكامل العبادة والخدمة، والمساواة الأساسية بين الجنسين، وتناغم الدين والعلم، ومحورية العدل في كل المساعي البشرية، وأهمية التعليم، وديناميكية العلاقات التي تربط الأشخاص والمجتمعات والمؤسسات بينما تتقدم البشرية نحو رشدها الجماعي...(1)".
في البهائية، "لا وجود لكهنة أو رهبان أو رجال دين أو قديسين أو أولياء". العبادة تخلو من طقوس ومراسيم، وتؤدّى الصلاة على انفراد". وفقا لتقديرات، يراوح عدد البهائيّين في العالم بين 5 ملايين و7 ملايين، وينتشرون في عدد كبير من الدول.
واليمن إحداها (بين ألفين و3 آلاف، وفقا لتقديرات مصادر حقوقية يمنية). ويعود ارتباطها الأول بالبهائية إلى العام 1844، وفقا لموقع البهائيين في اليمن(2)، إذ كانت، وتحديدا مدينة مخا الساحلية، إحدى المحطات التي توقف فيها المؤسس الأول للدين، "حضرة الباب"، في طريق حجته، ذهابا وإيابا.
بهائيون في عدن في بداية الخمسينيات في القرن العشرين
وبعد أقل من 3 عقود، يوم أمر الخليفة العثماني بسجن بهاءالله في قلعة عكا-فلسطين، "عادت اليمن لتشهد مرور أعداد متزايدة من المؤمنين الأوائل بالدين البهائي. فالمسار المائي عبر بحر العرب وباب المندب والبحر الأحمر طريق سلكه جمع من أهل المشرق القاصدين زيارة "حضرة بهاء الله" في سجنه". واستمر مرور البهائيين باليمن، حتى "تعلقت قلوب العديد من اليمنيين بالدين. وأصبح البهائيون اليوم أحد المكونات الأصيلة في المجتمع اليمني"(2).
اضطهاد ممنهج
عدن، المكلا، تعز، الحديدة، إب، سقطرى، لحج، وصنعاء... مدن يمنية ترعرت فيها البهائية وأتباعها بهدوء على مر العقود. ما شكّل لهم في الماضي مكان عيش أمين تحوّل في الأعوام الأخيرة رعبا متواصلا، خصوصا في صنعاء. "لا نستطيع أن نقول بأن السلطات اليمنية عموما تقف خلف اضطهاد البهائيين، أو أن نعمم حالة القمع هذه على أنها حالة عامة في البلاد. الأحداث والأرقام تُظهر بأن معظم ما يتعرض له البهائيون من قمع واستهداف منهجي، وما يشمل ذلك من اعتقالات وملاحقات وتعذيب ونهب للممتلكات وترويع للنساء والأطفال وغيره، يحدث في مناطق نفوذ الحوثيين، خصوصا في صنعاء"، يقول محمود.
ماذا يحصل في صنعاء؟ لماذا يستهدف الحوثيون البهائيين؟ ما يلاحظه مقرّر الأمم المتحدة الخاص المعنيّ بحريّة الدين أو المعتقد أحمد شهيد ويعلنه هو ان "تفاقم عمليّات الاضطهاد المُمَنْهَجَة ضد البهائيين في صنعاء يعكس الاضطهاد الذي يعانونه في إيران". ويقول: "يبدو أنّ المضايقات التي تُمارَس ضدّ البهائيّين بصفتهم أقلية دينيّة، لا تزال مستمرّة، لا بل تزداد سوءًا وتتحوّل في اليمن اضطهادا دينيّا" (بيان- 22 ايار 2017).
ملاحقات، اعتقالات جماعية لعشرات، "بينهم نساء واطفال". وأبرز المعتقلين حامد بن حيدرة (منذ 2013، لم يصدر حكم بعد في قضيته). "خطف" على "يد مأمورين بزي مدني". موجة استدعاءات قضائيّة، مذكّرات توقيف، "اتهامات غريبة وواهية، منها مساعدة العوائل الفقيرة، وإبراز اللطف والمحبة لجذب الناس إلى البهائية". تعذيب في الاعتقال. مصادرة أملاك، من دون وجه حق. ترهيب. تخويف، وصولا إلى "اتهام كل من يدافع عن حقوق البهائيين بأنهم عملاء وجواسيس". تهديد بالسلاح "وأمر بإطلاق النار على مشايخ وأعيان قبائل من غير البهائيين، لتنظيمهم وقفة تضامنية سلمية مع المعتقلين البهائيين من أبناء قبيلتهم".
دور إيراني مباشر
غيض من فيض معاناة يعيشها البهائيون في صنعاء. وفقا لمحمود، "هناك أجهزة خاصة في صنعاء تدير عمليات القمع والاضطهاد ضد البهائيين، في مقدمها النيابة الجزائية المتخصصة التي يتبنى عدد من كبار مسؤوليها علنا مطاردة البهائيين، ويتباهون بذلك في المجالس والمقايل". يضاف إليها جهاز الأمن القومي والأمن السياسي اللذين "لهما سجلات غير مشرفة في اعتقال بعض البهائيين وتعذيبهم وحرمانهم من أبسط الحقوق الإنسانية والمدنية التي يكفلها الدستور اليمني".
وراء كل هذا ما يسميه "دورا إيرانيا مباشرا في ملف البهائيين". المؤشرات تكشف، على قوله، عن "دور إيراني مباشر ومؤثر خلف ما يتعرض له اليمنيون البهائيون. ما يحصل مؤسف جدا، إذ من المؤلم رؤية أجهزة يفترض أن تحافظ على العدل والأمن تتحول أجهزة قمعية يضرب فيها اليمني أخاه اليمني بأوامر خارجية".
"أجندة واضحة" ضد اليمنيين البهائيين، "استهداف منهجي" لهم... و"القلق شديد" لدى "المبادرة اليمنية للدفاع عن حقوق البهائيين"(3) وعدد من منظمات المجتمع المدني والناشطين والحقوقيين. ما يتلمسه محمود "مؤشران خطيران جدا". الأول "نيّة واضحة لاستهداف البهائيين، كأقلية كاملة في مناطق حكم الحوثيين، وتصاعد النبرة الطائفية المتشددة ضدهم، وارتفاع أصوات تقودها شخصيات معروفة لاجتثاثهم واغتيال هويتهم وتشويه سمعتهم". الثاني "دور إيراني واضح خلف ما يحدث للبهائيين في اليمن... النظام الإيراني يصدّر اليوم في شكل منهجي إلى اليمن أجندته المعروفة لمحاربة البهائيين وقمعهم".
نداء
حتى الدفاع عن البهائيين أو التنبيه إلى قمعهم لم يعد مسموحاً به أو آمناً. ففي وقت أمكن منظمات إنسانية توثيق معاناة البهائيين، هناك "محاولات حثيثة لكمّ أفواه ناشطين" غير بهائيين يدافعون عن البهائيين. المبادرة اليمنية "تتعرض لهجوم مستمر"، على قول محمود، و"تم اختراق موقعها مرات، إلى جانب تعرض أحد الداعمين لها لمحاولة خطف أخيرا. كذلك، يتم استهداف المواقع الشخصية والبريد الإلكتروني الخاص للأفراد الداعمين لها".
نداء إلى كل العالم. "على الجميع التحرك"، عللا ما يؤكد، "وعلى حكومات الدول ومنظماتها الحقوقية أن تتحرك. فلا ينبغي أن ننتظر". نداء آخر إلى العالم العربي. "علينا جميعا أن نقف وقفة واحدة في وجه التعصب والإقصاء والطائفية وخطاب الكراهية. وفي المقابل، علينا أن نعزز قيم التعايش والأخوة والعدل والمواطنة المشتركة".
13 مطلبا تتركها "المبادرة اليمنية" برسم كل العالم. "الإفراج الفوري عن كل المعتقلين البهائيين والسماح لهم بتلقي العلاج". "كفّ يد جميع من ظهر عداؤهم الشديد ونيتهم الواضحة لسفك الدماء، وإحالة من ثبت ضلوعهم في الخطف وسوء استخدام السلطة والتهديد بالقتل ونهب الممتلكات وترويع الآمنين إلى القضاء".
إلى جانب التشديد على "احترام سيادة القانون ومراعات حقوق الإنسان الأساسية المكفولة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والدستور اليمني"، مطلوب أيضا "الاعتراف الكامل بالحقوق الوطنية للمواطنين اليمنيين البهائيين والمكفولة وفقا للدستور، ووقف كل أعمال الترهيب والتهديد والخطف والاعتقال والتعذيب ضدهم".