[ أفراد من المقاومة الشعبية في تعز - رويترز ]
قلة من سكان مدينة تعز تحدوهم الجرأة والأمل في مرور شهر رمضان بسلام.
فبعد فشل جهود الأمم المتحدة في تأمين هدنة، شهدت الأيام القليلة الأولى من شهر رمضان قتالا عنيفا بين القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي الذي يعيش في المنفى والحوثيين.
تقع تعز في منطقة جبلية بالجنوب الغربي من اليمن، وقد اعتبرت العاصمة الثقافية للبلد قبل أن ينزلق إلى نزاع منذ أكثر من عامين.
ويعيش في تعز نحو 300 ألف شخص تلقوا نسبيا تعليما جيدا، وكانت المدينة مهد احتجاجات "الربيع العربي" في عام 2011، التي أدت في نهاية المطاف إلى إرغام الرئيس الذي ظل في الحكم لمدة طويلة، علي عبدالله صالح، على تسليم مقاليد الحكم إلى هادي الذي كان آنذاك نائبه.
واليوم اضطر الكثيرون من مهنيي تعز إلى المشاركة في الصراع من أجل البقاء على قيد الحياة، بينما يحاصر الحوثيون وأنصار صالح منازلهم.
لا يزال مفيد الشميري يتذكر كيف أنه أطلق النار لأول مرة من بندقية "كلاشينكوف" في جبهة القتال.
ويقول الشميري "أذكر أني كنت أشعر أني ابتعدت عن الطريق الذي كنت قد سلكته من قبل".
بدأ الشاب البالغ من العمر 28 عاما حياته المهنية كمدرس مساعد في كلية العلوم التطبقية بجامعة تعز، وكانت لديه خطط بأن يحصل على درجة الدكتوراه.
وكانت أقرب تجربة للتعامل مع السلاح عاشها الشميري هي ارتداء الخنجر اليمني التقليدي الذي يُربط بحزام حول الخاصرة من أجل الزينة.
لكن بعدما احتدم القتال في المدينة وإغلاق الجامعة لأبوابها، شعر بأن الخيار الوحيد المتاح أمامه هو الانضمام إلى ميليشيا محلية موالية لهادي تعرف باسم "المقاومة الشعبية".
تشكلت المقاومة الشعبية من قبل سكان محليين بعد أسابيع من وصول الحوثيين والقوات الموالية لصالح في أواخر شهر مارس/آذار 2015، وذلك بعد أن كانوا قد سيطروا على العاصمة صنعاء.
وأفلح رجال الميليشيا في طرد المتمردين من معظم أجزاء تعز خلال الشهور القليلة الماضية بمساعدة التحالف الذي تقوده السعودية ويقدم الدعم لهادي.
لكنهم لم يتمكنوا من منع المتمردين من إغلاق الطرق المفضية إلى المدينة، ووقف نقل البضائع الأساسية إلى تعز.
وبالرغم من مرور عامين على القتال والقصف المستمرين فعليا واللذين دمرا تعز، فإن أيا من الطرفين لم يتمكن من الخروج من الطريق المسدود وحسم الحرب لصالحه.
وقالت منظمة "أطباء بلا حدود" العاملة في المجال الإنساني الطبي في يناير/كانون الثاني الماضي إنها ساعدت 10700 شخص أصيبوا بجروح في المدينة منذ 2015، في حين قالت الأمم المتحدة في مارس/آذار إن أكثر من 2000 شخص قتلوا في تعز والمناطق المحيطة بالمحافظة.
وكان الحميري البالغ من العمر 32 عاما يعمل محاميا، لكن مسيرته المهنية توقفت عندما أغلقت المحاكم المحلية أبوابها.
ولم يفكر كثيرا في المستقبل عندما انضم لأول مرة إلى المقاومة الشعبية.
ويقول الحميري "في ذاك الوقت ما كنت أتخيل أنه بعد ستة أشهر وبعد سنتين ستستمر الحرب".
وأَجَّل عمر أيضا خططه للاستقرار طالما أن النزاع لم ينته بعد. ويقول "أنا لا أرغب في الزواج وأنا في المعركة ولا أضمن أني سأعيش".
لكن في الجانب الآخر من الجبهة، يقول أحمد أمين المساوى وهو مقاتل بارز في صفوف الحوثيين إن قرار سكان تعز حمل السلاح "أجمل ما حققناه في الحرب".
ويضيف قائلا "كانت تعز مسالمة ومدنية، لكن أصبح الكل مهيأ ليقاتل حتى عشرات السنين".
ومضى إلى القول "سواء كان في تعز أمن أو لم يكن هناك أمن، وسواء كان هناك جيش أو لم يكن هناك جيش، يستطيع أبناء تعز أن يحموا بيوتهم ومنازلهم وألا يحصل ما حصل اليوم".
ويقول موظف المحكمة السابق إن المجموعات المتشددة التي يقول الحوثيون إنهم يحاربونها في تعز تتعرض الآن لضغوط من قبل أعضاء المقاومة الشعبية.
ويضيف قائلا "بدؤوا يقولون لتنظيم القاعدة: اخرج من تعز سندافع نحن عن مدينتنا.. هذا بحد ذاته مكسب كبير".
ويستطرد موضحا "أتوقع مستقبلا أن يقاتلوهم وأن يطردوهم من تعز، وإذا حصل هذا الشيء تأكدي أننا سنتفق معهم".
وشُوهِد مسلحو "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" في جبهة القتال بتعز، كما أن التنظيم الجهادي ذاته نشر مقطع فيديو السنة الماضية يظهر حضوره في المدينة.
لكن العقيد عبده حمود الصغير من الجيش اليمني ينفي أن يكون تنظيم القاعدة أو أي مجموعات جهادية أخرى موجودة في تعز ولا يتفق مع الرأي القائل إن السلاح في تعز سيساعد المدينة.
يقول القائد العسكري "أبناء تعز صحيح أنهم لم يحملوا السلاح يوما ما حملوا القلم ضد الظلم، وعدوان الميليشيا أجبرت الناس على الدفاع عن أنفسهم".
ويضيف قائلا "ليس ذلك فعلا إيجابيا لكنه اضطراري".
ولا يعتقد العقيد أن القتال سيساعد سكان المدينة في حماية أنفسهم مستقبلا، وخصوصا مع دمج المقاومة الشعبية في الجيش اليمني.
ويقول "تعز الآن تبني جيشا وطنيا قادرا على الدفاع عن المدينة وعن أبنائها وعن ممتلكاتها، إنه قادر على الدفاع عن اليمن بشكل عام".
ومنذ أن أعادت جامعة تعز فتح أبوابها في أواخر السنة الماضية، يقضي الشميري يومه بين الثكنات وبين مدرجات الجامعة برفقة الكثير من الطلبة الذين يحاربون إلى جانبه.
ويقول الشميري "ما في يوم إلا والأقلام والدفاتر والملازم تكون معهم في الجبهة".
ويضيف أنهم في بعض الأيام يتناوبون على الدراسة والمشاركة في جهود الحرب بحيث ينخرط البعض في جهود الدراسة لمدة أربع ساعات في حين يقوم البعض الآخر بأعمال الحراسة.
وليس لدى الشميري استعداد للتخلي عن المعركة الآن، ولكنه لا يرى مستقبله كجندي.
ويقول "عندما يُرفع الحصار عن تعز، سيكون الهدف قد تحقق، وحينئذ سأعود إلى الجامعة بدوام كامل".
واحتفل الشميري بخطوبته في يناير/كانون الثاني، بعدما أجَّل خططه للزواج وبداية حياة الأسرة عندما نشب النزاع.
ويقول إن عودته إلى العمل في الجامعة ساعدته على اكتساب بعض جوانب حياته السابقة.
واختتم قائلا "أقدمت على هذه الخطوة. إن شاء الله الحياة القادمة ستكون أجمل. لقد عاد لي الأمل. سأعود إلى نفس الفكرة التي كنت أفكر فيها".