[ مؤيدون للحراك الانفصالي في عدن ]
لا يفهم في الأوساط اليمنية المؤيدة للحكومة الشرعية والتحالف العربي حتى اللحظة سبب الإصرار على استمرار دعوات المظاهرات في عدن جنوبي اليمن، في ظل حالة الانقسام الشديدة التي خلفها إعلان محافظ عدن المقال عيدروس الزبيدي ونائبه الوزير المقال هاني بن بريك إنشاء المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي دعا إلى حكم جنوبي وتمثيل في الداخل والخارج للجنوبيين، وهي رسالة تحمل مدلولات انفصالية لطالما نادت بها فصائل الحراك الجنوبي منذ قيامه عام 2007.
لكن اختيار التوقيت هذه المرة بدا مقصودا -بحسب مراقبين- فمظاهرات أمس الأحد التي شارك فيها الآلاف من الجنوبيين من محافظات مختلفة جاءت قبل يوم واحد من إعلان الذكرى السابعة والعشرين للوحدة اليمنية التي انطلقت في الثاني والعشرين من مايو/أيار عام في 1990، كما جاءت المظاهرة لإحياء ذكرى إعلان فك الارتباط ودعم المجلس الجنوبي الانتقالي في ظل وجود رئيسه ونائبه في دولة الإمارات والرجلان معروفان بأنهما مدعومان من أبوظبي.
وقد تساءل كثيرون حول هدف الرسالة التي يريد منظمو مظاهرات عدن إرسالها في نفس اليوم الذي تستضيف فيه المملكة العربية السعودية قمما مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمناقشة قضايا المنطقة وفي المقدمة منها القضية اليمنية.
وعلى الأرجح فإن من أنشؤوا المجلس الانتقالي ومن يقف خلفهم قرروا المضي في خطواتهم باتجاه تقوية المجلس الانتقالي المعلن والاستمرار في مطالبه وهي مطالب انفصالية في المجمل وإن تم إعلان الشراكة مع التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية لدحر انقلاب الحوثيين وصالح.
وما يلفت النظر أن الزبيدي وبن بريك المقالين ومعهما محافظ حضرموت أحمد بن بريك يتواجدان في أبوظبي، بل إن محافظ حضرموت هاجم -عبر قناة يمنية تتبنى المجلس الانتقالي وتبث من الإمارات- الحكومة الشرعية واتهمها بالفشل، وقال إنها ترفض الاعتراف بحق الجنوبيين ولا تقدم لهم إلا الكلام، كما اتهم قيادة المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت بدعم الإرهاب.
هذا التصعيد في اللغة والاتهامات التي حملها خطاب محافظ حضرموت من أبوظبي يجعل علامات الاستفهام مفتوحة على خيارات الجهات الداعمة للمجلس الانتقالي في الجنوب بعد انضمام محافظين آخرين لإعلان تأييد المجلس مثل محافظ لحج ناصر الخبجي ومحافظ شبوه أحمد لملس ومؤخرا فضل الجعدي محافظ الضالع.
لا يمكن القفز عند قراءة خريطة الأحداث في اليمن على المشهد المربك جنوب البلاد، الذي تحول على معركة بين أطراف من المفترض أنها تدعم الشرعية والتحالف.
ولذلك يطرح السؤال عن مسؤولية أطراف الشرعية اليمنية في تأجيل هذه الخلافات البينية التي قد تنجم عن انقسام داخل بيت الشرعية ينتصر فيه محور جماعة الحوثي والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، كلما طالت المعارك الجانبية بين أصحاب الهدف الواحد على حساب المعركة الرئيسية.
أما السؤال الثاني، فهو يخص دول التحالف العربي بقيادة السعودية ومسؤوليته في أن تنجز اليمن مشروعها الذي حددته عمليات عاصفة الحزم وإعادة الأمل بعيدا عن التباينات في الرؤى والاختلافات في وجهات النظر، خاصة بعد الأزمة التي اندلعت بين الرئيس عبد ربه منصور هادي ومسؤولي الإمارات إثر إقالة هادي للزبيدي وبن بريك المدعومين من أبوظبي.
على صعيد آخر، لا تبدو المملكة العربية السعودية قائدة التحالف راضية عن ما يحدث من تصرفات في الجنوب، وهو ما أدى -بحسب مصادر- إلى خلاف مع أبوظبي لم يعلن حتى الآن لكن مؤشراته واضحة، فقد كانت السعودية حاسمة في بيان مجلس التعاون الخليجي الذي صدر مؤيدا للوحدة رافضا الخروج على شرعية الرئيس اليمني ومطالب الإنفصال.
وقد حرصت الرياض أمس الأحد على نشر تهنئة للعاهل السعودي وولي عهده وولي ولي عهده للرئيس اليمني بذكرى الوحدة اليمنية الذي يصادف الاثنين في وسائل إعلامها كتأكيد على موقفها من دعوات الانفصال في يوم مظاهرة عدن التي تحتفي بذكرى فك الارتباط.
لا يعرف حتى الآن إلى أي مدى يمكن أن يستمر المجلس الانتقالي الجنوبي في فعالياته ومظاهراته التي قد ينجم عنها إرباك متزايد في ضرب خطط التحالف العربي وحرف مسار الحرب من حرب ضد ميليشيات الحوثي وقوات علي عبدالله صالح إلى حرب بين القوى الرئيسية في التحالف حول مستقبل الجنوب.
ومن غير المعروف أيضا هل الهدف من هذه المظاهرات والمجالس المعلنة ابتزاز حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي والضغط عليه بعد الغضب الإماراتي من إقالة حلفائها أم أن المسألة تتعدى ذلك إلى مخطط كان يحاك في الظلام يهدف إلى فصل الجنوب اليمني عن الشمال دون إدراك خطورة تلك الخطوات على اليمن وعلى الخليج والمنطقة برمتها.
في كل الأحوال فإن الوقت ليس مناسبا للتناقض في المواقف والرؤى التي سيسببها فتح معركة جانبية جنوب اليمن تستفيد منها إيران وحلفاؤها سواء في اليمن أو الميليشيات في سوريا والعراق ولبنان التي تهدد علنا بضرب المنطقة وتهدد المملكة الجنوبية أو باستهدافها بالصواريخ البالستية.