[ أرشيفية ]
خلفت الحرب المستمرة في البلاد العديد من القصص المأساوية والآثار السلبية في المجتمع.
وساهم الوضع المعيشي المتردي وانقطاع الرواتب وغلاء الأسعار والقصف المستمر في مضاعفة التوترات النفسية للموطن.
ويفسر مختصون تنامي معدلات العنف الأسري بسبب العنف الذي واجهه اليمنيون عموماً وبسبب قسوة الظروف المعيشية وإحساس الرجل بالعجز عن تأمين احتياجات عائلته وفقدانه لأي أمل بتغيير تلك الظروف في المستقبل القريب مما يجعله سريع الغضب وغير قادر على الحوار.
تعامل بقسوة
تقول أم منير "تزوجت قبل خمسة عشر سنة وكانت تربطنا علاقة زوجية حميمة، ومنذ بدء الحرب في تعز تغيرت أحوال زوجي وأصبح عصبيا جداً، يغضب لأي سبب وأصبح عنيفاً معي ويضرب الأبناء بقسوة".
ثم تضيف -في حديث لـ"الموقع بوست" بلغة يائسة- "عندما تفرغ جيوب الرجل يصبح عصبيا، بالإضافة إلى أنه كان لدينا منزل بالجحملية صحيح أنه صغير لكنه كان ملكا نزحنا منه بداية الحرب وفجره الحوثيون قبل تحرير الجحملية، وحاليا نسكن في غرفة في حي الجمهوري بالإيجار مع خمسة من أولادي".
وتشير إلى أن زوجها "كان يعمل في بيع القات إلا أنه بسبب الحرب يوم يعمل وشهر لا يعمل، وبذلك أصبحت هواجس الخوف التي نعيشها على الدوام خشية عدم المقدرة على تأمين الإيجار وطعام الأبناء".
تضيف أم منير -بشيء من الوجع- "أعرف أن هناك مئات الأسباب التي جعلت زوجي عنيفاً تجاهي وتجاه أطفالنا لكن ماذا أقول غير حسبنا الله ونعم الوكيل على علي صالح بسبب حقده على تعز دمر كل شيء فيها".
وضع مأساوي
الإخصائية الاجتماعية أشواق صالح مهدي قالت "من السذاجة أن نهتم بالمشكلة من دون الرجوع إلى الأسباب الحقيقية التي أفرزتها، فعلى سبيل المثال ما يحصل في اليمن هو نتاج أكيد لما خلفته ويلات الحرب منذ أكثر من عامين من وضع اجتماعي مأساوي ومئات الآلاف من النازحين والذين انقطعت رواتبهم، وهذا في طبيعة الحال يخلق شرخا واضحا في كيان الأسرة ماديا وتربويا، وهذه الأسباب وأسباب أخرى أوجدت حالة من الصراع الأسري والصراع الأخلاقي في آن واحد".
وأضافت أشواق في حديث لـ"الموقع بوست" أن "حالة العنف الأسري مرتبطة ارتباطا وثيقا بالوضع المعيشي للأسرة نفسها إذ إن أغلب الأسر الفقيرة والأسر التي انقطعت أرزاقها ومن بينها انقطاع الرواتب عن الموظفين هي التي تعاني من هذه الأزمة فهي محصورة بمشاكل ومتطلبات الحياة ليس إلا".
ظاهرة خلفتها الحرب
ويقول عمار الشرعبي، وهو طالب في جامعة تعز قسم علم النفس "ظاهرة العنف الأسري بصفة عامة انتشرت في الآونة الأخيرة وأكثر ما يكون قاسيا فيها أنها تحدث بين الأسرة الواحدة وهو أمر بات متكررا بشكل ملحوظ مما يجعله يقترب من الظاهرة وكل ذلك خلفتها الحرب الدائرة في اليمن التي تسببت بتشريد الآف الأسر".
وأضاف الشرعبي في حديث لـ"الموقع بوست" أنه إذا كانت هناك أسباب متعددة للعنف بصفة عامة والعنف الأسري بصفة خاصة فإن وسائل الإعلام تعد وبشكل واضح أحد أهم هذه الأسباب لأنه أصبح كل ما يُعرض في تلك الوسائل عن الحرب والقصف والدمار.
وشدد الشرعبي على أهمية دور وسائل الإعلام في إطار مسئوليتها الاجتماعية والأخلاقية والدينية أن تلعب دورا مؤثرا في مناهضة العنف بصفة عامة والعنف الأسري بصفة خاصة بالحد من مشاهد الحرب والعنف والقتل على الشاشة، والاهتمام ولو قليلا بالبرامج الدينية التي تحث على حسن معاملة الزوج لزوجته والأولاد لآبائهم والآباء لأبنائهم وتقديم النماذج والقدوة الصالحة.
الحرب والنزوح
وتحدثت رفيقة المخلافي، وهي أستاذة في علم النفس، قائلة "إن جذوة التحدي أو الصراع قد انبثقت من الشارع، جراء الحرب والنزوح والضغوطات النفسية، حيث إن الإنسان في طبيعته كائن اجتماعي يدرك ما يدور حوله من أنماط سلوكيه ايجابية كانت أم سلبية".
وأضافت رفيقة في حديث لـ"الموقع بوست" قائلة إنه "مادام تردي الوضع بهذا الشكل واستمرار الحرب إذن هي الحرب التي أوجدت حالة من الصراع النفسي الشديد بين الحفاظ على المبادئ والقيم والثوابت، وبين الانجراف في دوامة الاستحواذ على كل شيء بدون أي وجه حق أو بمعنى أخر الغاية تبرر الوسيلة، على هذا يمكننا القول إن ظاهرة العنف الأسري هي عنوان آخر لحالة الصراع الأزلي بين الخير والشر".