[ أحمد الشيباني صحفي قتلته المليشيا في تعز ]
المتابع للإعلام الغربي، وطريقة تغطيته للوضع في اليمن سيجد أنها في الغالب تغطية غير محايدة، وتفتقد كثيرًا للمهنية، ونقل ما يدور على الأرض بدون تزييف أو التركيز على جزء من الحقيقة وإهمال الجزء الآخر، وطريقة التغطية تلك تخدم كثيرًا الانقلابيين، وهناك استثناءات محدودة تتسم بالمهنية والحياد.
والغريب أن تغطية الإعلام الغربي لبقية الصراعات في المنطقة تتسم نسبيًا بالمهنية والحياد، وبشكل يختلف تمامًا عن تغطيته للأزمة اليمنية. فيا ترى، ما هي أسباب ذلك؟ وهل الإعلام الغربي متعمد تزييف ما يدور في اليمن، وبشكل يميل كثيرًا لصالح الانقلابيين، أم أن هناك أسباب أخرى جعلت هذه التغطية غير مهنية وغير محايدة؟
- خطورة التغطية الغير مهنية
تكمن خطورة تغطية الإعلام الغربي للأزمة اليمنية الغير مهنية وغير محايدة في الغالب، في تأثيرها على توجهات صناع القرار هناك، وتأثيرها أيضًا على الرأي العام، وإن كان ذلك بشكل محدود، لعدم اهتمام الرأي العام -أي عامة المواطنين- باليمن، التي لا يعرفون موقعها على الخريطة، لكن الخطورة الأكثر تكمن في التأثير على مواقف صناع القرار من الأزمة اليمنية وأطراف الصراع، كما أنها ستؤثر على الأبحاث والدراسات التي تجريها مراكز البحوث الدراسات، ويعتمد عليها صناع القرار في اتخاذ مواقفهم السياسية، لاعتمادها -أي مراكز البحوث والدراسات- كثيرًا على المعلومات والأخبار التي تنشرها وتبثها وسائل الإعلام الغربية كمصادر رئيسية للبحوث والدراسات.
هناك عدة أسباب جعلت وسائل الإعلام الغربية تبدو غير محايدة وغير مهنية بخصوص تغطيتها للأزمة اليمنية، وعند التأمل في أسباب ذلك، سنجد أن تلك الوسائل لا تتعمد التزييف أو قلب الحقائق، أو تتعمد نشر جزء من الحقيقة، وتعمد تغييب الجزء الآخر، بهدف الانحياز لهذا الطرف أو ذاك، ولكنها أسباب، أبرزها تتعلق بطبيعة الوضع في اليمن من جانب، وتتعلق بمنطلقات تغطية الإعلام الغربي للأزمة اليمنية من جانب آخر، وهو ما سنوضحه في السطور التالية.
- الأسباب الرئيسية
هناك أسباب رئيسية جعلت تغطية الإعلام الغربي للأزمة اليمنية تختلف عن تغطيته لبقية الأزمات المشابهة في العالم العربي، وهي أسباب تعود لخصوصية الواقع اليمني، وتداخل أزماته مع أزمات أخرى في المنطقة، وهذه الأسباب هي:
- عدم وجود مراسلين ميدانيين:
كان لافتًا أن كبريات وسائل الإعلام الغربية، ووكالات الأنباء، التي ترسل صحفيين إلى مختلف مناطق الحروب والصراعات في العالم للتغطية الميدانية، أنها لم ترسل صحفيين إلى اليمن بهدف التغطية الميدانية للحرب، وما تخلفه من مآسٍ وكوارث، وذلك خشية تعرضهم للاعتداء أو القتل، أو على الأقل الاختطاف، والمطالبة بفدية مالية مقابل الإفراج عنهم.
يضاف إلى ذلك، السلوك العدائي لجماعة الحوثيين وأتباع المخلوع علي صالح ضد الصحفيين، لاسيما وأن عشرات الصحفيين اليمنيين اعتقلتهم المليشيات الانقلابية، ويتعرضون في سجونها للتعذيب النفسي والجسدي، وحرمان أهاليهم من زيارتهم، أو على الأقل معرفة أماكن اعتقالهم، كل ذلك يجعل البيئة اليمنية غير مناسبة للعمل الصحفي، سواء للصحفيين من أبناء البلاد، أو للقادمين من خارجها، خاصة وأن منظمات دولية صنفت جماعة الحوثيين ثاني جماعة بعد تنظيم الدولة (داعش) انتهاكًا للصحفيين وحرية الإعلام.
- ضعف إعلام السلطة الشرعية:
تتحمل السلطة الشرعية مسؤولية كبيرة لعدم اهتمامها بالجانب الإعلامي، ويعود فشلها الذريع في هذا الجانب إلى عدم إسنادها مهمة وزارة الإعلام، وإدارة مختلف وسائل الإعلام الرسمية، لإعلاميين محترفين، لديهم القدرة على تطوير أداء وسائل الإعلام الرسمية بما يؤثر على الرأي العام في الداخل، ويستطيع إيصال رسالة السلطة الشرعية وطبيعة الصراع وأهداف الانقلابيين للداخل والخارج على حد سواء.
ما لم تدركه السلطة الشرعية أن الإعلام نصف المعركة، ففي أوقات الحروب لا يهم المواطن في الداخل، أو السياسي أو الباحث والمتابع في الخارج، تصريحات وزيارات ولقاءات المسؤولين في السلطة الشرعية، كما تهتم بذلك وسائل الإعلام الرسمية للسلطة الشرعية، ولكن يهمه ما يدور على الأرض، وإبراز جرائم الانقلابيين وانتهاكاتهم ضد حقوق الإنسان، والتركيز على أهدافهم وخطورتها على الوطن والمنطقة، بالإضافة إلى الاهتمام بالقصص الإنسانية، وإبراز حجم الخراب والدمار الذي تسبب به الانقلابيون في البلاد.
- تعدد المصادر وعدم مهنيتها:
تتعدد المصادر التي يعتمد عليها الإعلام الغربي في سياق تغطيته للأزمة اليمنية، وذلك بسبب عدم القدرة على إرسال مراسلين ميدانيين، واللافت أن الإعلام الغربي يحرص على تعدد مصادر المعلومات من الوسائل الإعلامية للطرفين، حرصًا منه على الحياد وعدم الوقع في فخ التضليل الإعلامي، غير مدرك بأن أكثر ما يبث يتعمد التضليل، ويتضح ذلك من خلال المفردات التي يرددها باستمرار، فهو يصف الحرب في اليمن بأنها حرب شنتها أغنى دولة عربية (السعودية) ضد أفقر دولة عربية (اليمن)، ومعلوم أن هذا المصطلح أكثر من يستخدمه ويروج له الإعلام الفارسي.
كما أنه -أي الإعلام الغربي- يصف الحرب بأنها اندلعت بسبب الاستفزازات الإيرانية لدول الخليج، ومحاولة تمديد نفوذها في العالم العربي، وهذه المصطلحات استقاها الإعلام الغربي من الإعلام الخليجي.
وبين الجانبين، تغيب حقيقة الصراع في الداخل اليمني عن الإعلام الغربي، فالإعلام الغربي لم يتنبه أن الصراع، أو الحرب، لها مسبباتها المحلية، وجذورها التاريخية، ودوافعها السياسية والمذهبية والعنصرية، وأن إيران استغلت الاختلالات التاريخية والاجتماعية التي تسبب بها الانقلابيون لتتخذ منهم مركبًا لاستفزاز السعودية.
كما أن الإعلام الغربي لم يدرك أن المعركة في اليمن هي معركة مصير، وأنها اندلعت نتيجة تراكمات سلبية من الاستبداد والعنصرية والهيمنة والاستبداد للطرف الانقلابي، وهذا الأمر لم يدركه حتى كثير من المواطنين اليمنيين في الداخل، فضلًا عن الإعلام الغربي، ويعود ذلك إلى عدم اهتمام السلطة الشرعية بالجانب الإعلامي، سواء الموجه للداخل أو للخارج، وليس لديها حتى مجرد موقع إخباري على الإنترنت باللغة الإنجليزية، ليكون إحدى المراجع التي يعتمد عليها الإعلام الغربي في سياق تغطيته للأزمة اليمنية.
- منطلقات التغطية
هناك بعض المنطلقات التي يعتمد عليها الإعلام الغربي وكأنها أسس ثابتة في سياق تغطيته للأزمة اليمنية، فيما يلي أهمها:
- أن اليمن دولة هامشية بالنسبة لاهتمامات القارئ الغربي، الذي لا يعرف موقعها على الخريطة، ولا تحظى أخبارها بالاهتمام إلا إذا كانت في سياق يهم المواطن الغربي، مثل عملية الإنزال العسكري الأمريكي في إحدى قرى مديرية رداع بمحافظة البيضاء، أو استهداف مليشيات الانقلاب لمدمرة أمريكية بالقرب من مضيق باب المندب.
- التركيز على الدور السعودي في الأزمة اليمنية ينصب على صفقات الأسلحة، وتعاون الإدارة الأمريكية معها، وتصوير كل صراعات المنطقة على أنها بسبب سباق النفوذ بين إيران والسعودية، وعدم الاهتمام بجذورها وأسبابها المحلية.
- الاهتمام بالجانب الإنساني، رغم التزييف، واستخدامه كوسيلة للابتزاز أحيانًا، حيث يلاحظ أن وسائل الإعلام الغربية تتهم كثيرًا السعودية بانتهاك حقوق الإنسان في اليمن، بسبب أخطاء لهجمات جوية نفذتها طائرات حربية للتحالف العربي ضد مواقع عسكرية للانقلابيين، بالإضافة إلى اعتمادها على تقارير لمنظمات حقوقية لم تكن محايدة في عملها، لسبب بسيط، وهو أنها تعمل تحت إمرة وتوجيهات مليشيات الانقلابيين، ولم يُسمح لها بزيارة المناطق التي يرتكب فيها الانقلابيون انتهاكات فظيعة ضد المدنيين، مثل تعز وغيرها.
- التركيز على الإرهاب، وكأنه أساس المشكلة وأساس الحل، ويعود ذلك إلى أن الغرب لا يرى العالم إلا من زاوية مصالحه، فالبرغم من ضخامة الأحداث التي تشهدها البلاد، وما تسبب به الانقلابيون من كوارث ودمار حلت بمختلف المحافظات اليمنية، إلا أن الإعلام الغربي، والسياسيين الغربيين، يهمهم فقط تحرك عدد محدود من الأفراد في منطقة نائية، ويكفي أن يصل بلاغًا من العملاء المحليين للمخابرات الأمريكية بأن عددا من المشتبه بانتمائهم لتنظيم القاعدة في مكان ما، لتتحرك على الفور طائرات بدون طيار لتقتلهم، واعتبار ذلك انتصارًا كبيرًا ضمن الحرب على الإرهاب، وسيحظى ذلك باهتمام وسائل الإعلام الغربية، نقدًا وتحليلًا وتغطية خبرية.
وأخيرًا، ينبغي التذكير بأن السلطة الشرعية تتحمل المسؤولية الأكبر في عدم اهتمامها بالإعلام، سواء الإعلام الرسمي أو الإعلام المستقل الذي يعمل في صف الشرعية، وتتحمل مسؤولية تبعات ذلك، سواء داخل البلاد، حيث يستغل الانقلابيون هذا الفراغ في المناطق التي يسيطرون عليها، ويؤثرون إعلاميًا على عدد كبير من المواطنين، ويستغل ذلك أيضًا الإعلام الفارسي الموجه نحو الغرب، ويبث موادًا إعلامية دعائية وتضليلية، تشوه الحقيقة، وتقزم دور ومكانة السلطة الشرعية، ذلك لأن الإعلام "نصف المعركة"، وهي الحقيقة التي يجب أن تستوعبها السلطة الشرعية جيدًا وتعمل وفقًا لها.