[ حفريات الأنفاق المُكتشفة مؤخراً تحت مباني صنعاء القديمة وصل إلى 15 حفرية ]
كشفت مصادر لصحيفة القدس العربي أن عدد حفريات الأنفاق المُكتشفة مؤخراً تحت مباني صنعاء القديمة وصل إلى 15 حفرية، مُحذرةً من انهيارات وشيكة لكثير من مباني هذه المدينة التاريخية.
وتُعد صنعاء من أقدم المدن العربية المأهولة بالسكان، ولخصوصيتها التاريخية والحضارية أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونيسكو" ضمن قائمة التراث العالمي عام 1984، ونتيجة لما تتعرض له من مخاطر بفعل الوضع الراهن للبلد أقر اجتماع لجنة التراث العالمي (إعلان بون، يوليو 2015)، وضع المدينة ضمن قائمة المواقع المعرضة للخطر.
وبدلاً من أن يترتب على قرار هذه اللجنة مضاعفة وتضافر جهود الحفاظ المحلي والدولي تضاعفت وتضافرت مصادر معاناة هذه المدينة خلال وجراء الحرب الراهنة في البلاد، فعلاوة على الأضرار الكبيرة التي ألحقتها غارات طائرات التحالف في عدد من مبانيها، أسهم تقاعس السلطات المحلية عن مهامها في الحفاظ على المدينة، في ازدياد مخالفات سكان المدينة إنشائياً ومعمارياً واتساع هذه المخالفات بشكل مخيف حداً صارت تشكل تهديداً كبيراً لنمط المدينة ومخططها التاريخي، بالإضافة إلى ما أسفر عنه توقف تنفيذ أعمال الترميم الدورية من انهيار بعض المباني وتهديد أخرى، وهي المهددات التي تجاوزت سطح أرض المدينة إلى باطنها من خلال حفريات أنفاق سرّية تحركها أحلام وأوهام العثور على الكنوز، لتُمثل خطراً أكبر وفق الهيئة اليمنية للمحافظة على المدن التاريخية.
حفريات داخل منازل
وأبلغ أحد سكان المدينة أواخر يناير الشرطة بسماعه ليلاً أصوات حفر "كأنها تحت الأرض" ما قاد تحريات الشرطة إلى اكتشاف أول حفرية نفق، ومنها ما زال يتواصل اكتشاف حفريات أنفاق أخرى.
وكشف رئيس الهيئة اليمنية للآثار والمتاحف مهند السياني -في حديثه لصحيفة القدس العربي- أنه تم الكشف، حتى كتابة هذا التقرير، عن 15 نفقا حفرت جميعها في المحيط الشمالي الشرقي للجامع الكبير وسط المدينة، وتم اكتشاف حفريتين منها داخل منزلين والبقية داخل دكاكين، موضحاً أن أعماق بعض الحفريات المكتشفة وصلت إلى عشرة أمتار فيما وصل الامتداد إلى أكثر من عشرين متراً.
ووفقاً للسيّاني، فإن تقرير الآثاريين حول هذه الأنفاق قد كشف أن بعضها يعود إلى نحو عشر سنوات، ما معناه أن حفر الأنفاق ليس جديداً على المدينة بل ممتد لسنوات دون علم السلطات المعنية، وهو ما يمثل دليلا إضافيا لما تعانيه المدينة من عبث وإهمال من قبل ثلاثي لصوص التاريخ والقائمين عليها والساكنين فيها.
وعزا نائب رئيس الهيئة اليمنية للمحافظة على المدن التاريخية نبيل منصّر -في حديث لصحيفة القدس العربي- عدم اكتشاف هذه الأنفاق في الفترة السابقة إلى كون هذه الأنفاق داخل منازل ودكاكين والتي تمثل حُرمات خاصة، علاوة على عدم تلقي الهيئة لأي بلاغ اشتباه قبل البلاغ الأخير، موضحاً أن الهيئة باتت بفعل الظروف الراهنة عاجزة عن مواجهة أي تحديات نظراً لضعف إمكاناتها وافتقارها لما يمكنها من تنفيذ الحد الأدنى من جهود الحفاظ، معتبراً ما تعانيه صنعاء القديمة في ظل الظروف الراهنة جراء الحرب يمثل تحدياً وتهديداً هو الأكبر لتاريخها وتراث اليمن الثقافي عموماً.
ووفق رئيس هيئة الآثار والمتاحف فإنه تم ضبط اثنين من المتهمين بهذه الحفريات، فيما ما زال التحري والتحقيق جاريا لمعرفة بقية المتورطين.
وكانت أعمال حفريات أثرية سابقة في نطاقات مباني تاريخية داخل المدينة قد كشفت عن بقايا أساسات مباني مدفونة ولُقى أثرية تعود إلى مراحل سابقة، وهو ما يعتبره مهند السيّاني أمراً طبيعياً لأن تاريخ المدينة يمتد لأكثر من ألفيّ سنة شهدت خلالها تراكما آثاريا لمدن قديمة شُيّدت مبانيها على أساسات مبانٍ أقدم، وبالتالي فإن العثور على أساسات ولُقى قد دفع بعض المهووسين بالكنوز لتضخيم أحلامهم وأوهامهم لاسيما في هذه الفترة ودفعهم للتسابق لتنفيذ حفريات أنفاق "بحثاً عن أحلام مدفونة".
كتابة جديدة لتاريخ المدينة
ووفق السيّاني فإنه لم تتم معرفة ما إن كان الحفارون قد عثروا على شيء أو أخرجوه من الأنفاق، إلا أنه أشار إلى أنه تم اكتشاف بعض الأنفاق مغلقة بجدار حديث "وكأن الحفارين قد عرفوا بضبط بعض المتورطين مؤخراً فأوقفوا أعمالهم ليستأنفوها لاحقاً".
وقال إن هذه الأنفاق تمثل تهديداً كبيراً لصنعاء سواء على مستوى البحث الأثري أو التراث الثقافي والبناء التاريخي أو حياة الناس، وحذر من أنه في حال لم تتضافر الجهود لاكتشاف جميع الأنفاق وضبط كافة المتورطين ومعالجة وضعها سريعاً فقد تتسبب هذه الأنفاق بانهيار عدد كبير من مباني المدينة وبالتالي حصول كارثة كبيرة نتيجة اعتماد أساسات المباني القائمة حالياً على المدفونة، ما معناه أن أعمال الحفر تتسبب في خلخلة تلك الأساسات ما يضعف من مقاومتها، بالإضافة إلى تأثير الرطوبة عليها جراء التسرب المتوقع لمياه الصرف الصحي والأمطار إلى داخل تلك الأنفاق ما قد يؤدي إلى انهيارات تشمل عددا كبيرا من المباني لاسيما في ظل تلاصقها وتقاربها.
فيما أشار نائب رئيس الهيئة اليمنية للمحافظة على المدن التاريخية نبيل منصّر إلى مخاطر الحفر والنبش العشوائي في هذه الأنفاق، والذي يؤدي إلى طمس معالم أثرية تحتاج لاكتشافها، عادة، إلى عملية علمية دقيقة يتم فيها الحفر بآلات وأدوات صغيرة مُعدّة لهذا الأمر ويقوم بها فريق مختص يرصد ويصور كل تفاصيل الحفر والاكتشاف وصولاً إلى قراءة الموقع كما هو عليه، وبالتالي فإن أي طمس أو خدش أو تهديم قد يؤثر على الشواهد المدفونة ويعمل "لخبطة" في قراءة الأثر وتحديد عمره وهويته. وأوضح أن المدن التاريخية تمثل مجموعة كبيرة من المواقع الأثرية، وبالتالي فان النبش العشوائي يؤثر فيما هو قائم فوق الأرض وتحت الأرض.
ودعا إلى سرعة وقف هذه الحفريات ومراقبتها وعمل خطة مزمّنة لدراستها، والتي قد يترتب على ما تقدمه بعضها من قراءة كتابة جديدة لتاريخ المدينة.
الجدير بالإشارة إلى أن الوضع الراهن للبلد جراء الحرب (أكملت عامها الثاني) قد تسبب بمزيد من المشاكل والمخاطر للتراث الثقافي بما فيها المُدن التاريخية وفي مقدمتها مدينة صنعاء القديمة التي تمثل إحدى ثلاث مُدن يمنية مٌدرجة ضمن قائمة التراث العالمي، بالإضافة إلى شبام حضرموت، وزبيد، ومعها جزيرة سقطرى ومحمية بُرع التي أدرجتمها "اليونيسكو" ضمن قائمة التراث الطبيعي العالمي من اليمن. وللأسف فإن الإهمال والأضرار التي لحقت بالمٌدن التاريخية الثلاث قد دفع لجنة التراث العالمي المنبثقة عن "اليونيسكو" إلى وضعها ضمن قائمة مواقع التراث العالمي المعرضة للخطر كرسائل إنذار، لكن الــحـرب، للأسف، كأنها لا تُجيد سوى قراءة أهــدافها وأرباحــها ولا يعنيها فهم أبعاد هذه الرسائل.
صنعاء على لائحة "اليونيسكو"
أضيفت مدينتا صنعاء وشبام (وسط) في اليمن المهددتان نتيجة المواجهات بين المتمردين والقوات الحكومية إلى لائحة اليونيسكو للتراث العالمي المهدد، على ما أعلنت المنظمة في دورتها الـ36 لعام 2015.
وأفادت المنظمة الثقافية الأممية في بيان أن مدينة صنعاء القديمة عاصمة اليمن "تعرضت لأضرار كبرى بسبب النزاع المسلح وأصيب حي القاسمي بمحاذاة حديقة مقشامة القاسمي الشهيرة بأضرار فادحة".
وأضافت المنظمة أن "الجزء الأكبر من النوافذ الزجاجية والأبواب الملونة والمزينة" في العاصمة "التي تشكل ميزات هندستها المحلية، تحطم أو تضرر". وأعربت عن "الحزن والقلق" إزاء الدمار الذي يطال "مدينة إسلامية ذات أهمية كبرى تاريخيا وتراثيا".
كما أضيفت مدينة شبام اليمنية أيضا التي بنيت في القرن السادس عشر على كتلة صخرية وسورها إلى لائحة المواقع المهددة
وبالإضافة إلى "التهديدات المحتملة المرتبطة بالنزاع" تعاني المدينة التي أطلقت عليها تسمية "مانهاتن الصحراء" بسبب مبانيها المشابهة للأبراج، من "مشاكل صيانة وإدارة" حسب اليونيسكو.
وحسب تعريف المنظمة فإن الموقع المصنف على أنه "في خطر مؤكد" يكون عرضة لتهديد وشيك محدد أما الموقع "المهدد" فهو الذي قد يكون عرضة لما يضر بقيمته.
ويتيح إدراج موقع ما على هذه القائمة للجنة المختصة أن تباشر على الفور ما يلزم من مراقبة ومساعدة في إطار صندوق التراث العالمي، وتحشد دعماً دولياً لإنقاذه والحفاظ عليه.
وكانت لجنة التراث العالمي أدرجت في دورتها الأربعين، التي عقدت في يوليو الماضي في تركيا، مواقع جديدة في عدد من البلدان، مثل مالي وأوزبكستان، على قائمة المواقع المهددة، وأضيفت إلى القائمة خمسة مواقع في ليبيا تضررت أو يخشى أن تتضرر بفعل النزاع المسلح في هذا البلد.
ومن أمثلة المواقع المهددة في أفغانستان: مئذنة جام في أفغانستان ووادي باميان. وفي سوريا: المدن القديمة في حلب، وبصرى الشام، ودمشق، وقلعة الحصن وقلعة صلاح الدين، وتدمر، والمدن القديمة في الشمال. وفي العراق: مدينة آشور، وآثار مملكة الحضر، وآثار مدينة سامراء التاريخية. وفي القدس: القدس القديمة وأسوارها.
المصدر: القدس العربي