تأثرت ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية بالعامل الدولي في مختلف مراحلها، بدءًا من مرحلة النضال السلمي التي سبقت الثورة ومهدت لها، مرورًا بثورات الربيع العربي، ثم الثورات المضادة، وانتهاء بانقلاب الحوثيين والمخلوع علي صالح ضد السلطة الشرعية، ومحاولة إيران مد نفودها إلى اليمن.
وقبل الحديث عن طبيعة العامل الدولي، تجدر الإشارة إلى أن ذلك لا يعني أنه لولا العامل الدولي لما اندلعت الثورة، ذلك أن العامل الدولي تفاوت تأثيره بين السلب والإيجاب، وكان حاضرًا في بعض مراحل الثورة وغائبًا في بعضها الآخر، أو كان تأثيره كبيرًا في بعض المراحل ومحدودًا في بعضها الآخر.
مرحلة النضال السلمي
تتميز ثورة 11 فبراير في اليمن عن مثيلاتها ثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا، أنها لم تندلع فجأة، دون أن تسبقها مقدمات، وإنما مثّلت ذروة مرحلة الغضب الشعبي ضد نظام المخلوع علي صالح، والذي بدأ منذ انتخابات 2006 الرئاسية، حيث كانت الجماهير الغفيرة تخرج في مهرجانات مرشح المعارشة فيصل بن شملان للتعبير عن غضبها، وبعد الالتفاف على نتائج الانتخابات، بدأت الجماهير تعبر عن احتجاجها بالوسائل السلمية، وعلى رأسها المظاهرات والاعتصامات.
وشهدت البلاد منذ العام 2007 وحتى مطلع العام 2011 انتشار ثقافة النضال السلمي لنيل الحقوق والحريات، وهي الثقافة التي تبنتها أحزاب المعارضة الرئيسية (تكتل اللقاء المشترك)، كما ظهر خلال الفترة ذاتها الحراك السلمي الجنوبي، والذي بدأ باعتصامات محدودة للمتقاعدين والمسرحين من وظائفهم من عسكريين ومدنيين على خلفية حرب صيف 1994، مطالبين بإعادتهم إلى وظائفهم وتعويضهم، ثم اتسعت دائرة الاحتجاجات وانحرفت من مطالب حقوقية إلى مطالب سياسية تتمثل في المطالبة بالانفصال، بسبب فشل نظام المخلوع صالح في التعاطي مع المطالب الحقوقية.
وخلال هذه المرحلة، كان دور العامل الدولي ثقافيًا أكثر منه سياسيًا، ذلك أن الجماهير الغاضبة استحضرت تجارب ناجحة في النضال السلمي، وبرزت أسماء مناضلين كبارًا، مثل المهاتما غاندي في الهند، ونيلسون مانديلا في جنوب أفريقيا، وكانت قصص مسيرتهم السياسية ونضالهم السلمي هي الملهمة لشباب اليمن، وخاصة طلاب الجامعات والعاطلين عن العمل، للنضال السلمي ضد فساد واستبداد النظام الحاكم، إضافة إلى الثورات السلمية أو المخملية التي شهدتها أوروبا الشرقية ضد الأنظمة الشيوعية.
مرحلة الربيع العربي
قبل أن تندلع ثورات الربيع العربي، كان شباب العالم العربي يتابعون بإعجاب أخبار المظاهرات الصاخبة لشباب اليمن شمالًا وجنوبًا عبر كبريات القنوات الفضائية الإخبارية، وهم يطالبون بالإصلاح السياسي والاقتصادي وتحسين المستوى المعيشي، وفي الجنوب يطالبون بالانفصال.
إذن، لقد كان الحراك السلمي اليمني هو الملهم لثورات الربيع العربي، ثم تأثر شباب اليمن بالفكرة الجديدة التي جاءت مع الربيع العربي، وهي "إسقاط النظام" بدلًا من مطالبته بالإصلاح السياسي والاقتصادي.
وبسبب تعقيدات الموجة الثورية الأولى في تونس ومصر، وتحولها إلى حرب أهلية في سوريا وليبيا، حضر العامل الدولي في اليمن، ممثلًا بدول الخليج، وعلى رأسها السعودية، والتي تقدمت بمبادرة الغرض منها تحقيق انتقال سلمي للسلطة، بعد أن ظهرت محاولات من المخلوع صالح لعسكرة الثورة.
وبما أن المبادرة الخليجية جعلت من النموذج اليمني حالة خاصة من بين ثورات الربيع العربي، لدرجة أن ظهرت دعوات لتطبيق هذا النموذج في سوريا وغيرها، لكن المخلوع علي صالح كان يضمر الشر للثورة وللمبادرة الخليجية وكل ما تحقق خلال المرحلة الانتقالية من توافق سياسي وحوار وطني.
مرحلة الثورات المضادة
أثرت الثورات المضادة في كل من مصر وتونس وليبيا على الثورة اليمنية، ذلك أن هذه الثورات شجعت المخلوع علي صالح على المضي قدمًا في الترتيب للانقلاب ضد السلطة الشرعية والمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
اعتقد المخلوع صالح أن الثورات المضادة في بلدان الربيع العربي، والموقف الإيجابي منها، والداعم لها أحيانًا، من قبل حكومات عربية وغربية، اعتقد أن كل ذلك سيساعده على إنجاح الانقلاب، ونسف كل ما تم التوافق عليه.
ولكي يتخلص من تبعات توقيعه على المبادرة الخليجية، عمد إلى ابتزاز السعودية عبر فزاعة الحوثيين، حيث تحالف معهم ومع إيران، بغية خلط الأوراق وخلق واقع جديد، اعتقادًا منه أن السعودية ودول الخليج ستساعده على الانقلاب ضد السلطة الشرعية وكل ما تم الاتفاق عليه، لكي يعود إلى التحالف معها ضد عملاء إيران في اليمن (الحوثيون)، بعد أن عمل على التضخيم من قوتهم، من خلال دعمهم بالسلاح، وتسليم محافظة صعدة الحدودية مع السعودية لهم، وأخيرًا دفعهم إلى إجراء مناورة عسكرية بالقرب من الحدود السعودية، بمشاركة وحدات عسكرية تتبع قوات الحرس الجمهوري الموالية له.
مرحلة الانقلاب والتمدد الإيراني
بعد أن سيطر الحوثيون شكليًا على العاصمة صنعاء، بتواطؤ ومساندة من المخلوع صالح الذي كانت القوات العسكرية والأمنية الموالية له هي المسيطرة فعليًا على العاصمة، ثم الانقلاب ضد السلطة الشرعية، ومحاصرة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي في منزله، كثفت إيران من استفزازاتها لليمنيين ولدول الخليج والدول العربية بشكل عام، من خلال الادعاء بأن صنعاء رابع عاصمة عربية تسقط بيد إيران، ثم الإعلان عن عودة الإمبراطورية الفارسية وعاصمتها بغداد.
بدأت إيران بعد ذلك بتسيير رحلات جوية مكثفة من طهران إلى صنعاء على مدار الأسبوع، وسط اتهامات لها بنقل أسلحة وأموال وخبراء عسكريين إلى اليمن، بهدف تعزيز قوة حلفائها الحوثيين، ودفعهم إلى التهديد بغزو السعودية واحتلالها، بغرض جر السعودية إلى مواجهات عسكرية معهم، ليتخفف الضغط على حلفاء طهران في سوريا، بسبب دعم السعودية وقطر للمعارضة السورية المعتدلة بالمال والسلاح.
استشعرت السعودية ودول عربية أخرى الخطر، وما الذي يعنيه سيطرة إيران على البوابة الجنوبية للعالم العربي ومضيق باب المندب، فتم تشكيل تحالف عربي للتصدي لإيران وعملائها، بعد أن طلب الرئيس عبد ربه منصور هادي من السعودية التدخل العسكري والقضاء على الانقلاب.
إذن، لقد أراد تحالف الشر، المكون من المخلوع علي صالح والحوثيون وإيران، القضاء على ثورة 11 فبراير وأهدافها، وتحويلها لصالحهم، إلا أن يقظة مختلف قوى الثورة، التي أسست لمفهوم المقاومة الشعبية، ثم دخول العامل الدولي على الخط، ممثلًا بدول التحالف العربي، المساندة للسلطة الشرعية، كل ذلك أفشل الانقلاب وطموحات إيران ومخططات عملاءها، وصب في صالح ثورة 11 فبراير الشعبية.
الخلاصة
نستنتج مما سبق، أنه رغم سلبية العامل الدولي في بعض مراحل الثورة، مثل الثورات المضادة والمواقف الإقليمية والدولية منها، ثم تداعيات الانقلاب العسكري في مصر، بالإضافة إلى الدور الإيراني، إلا أن الجانب الإيجابي في العامل الدولي كان الأكثر فاعلية وتأثيرًا، ممثلًا بدور السعودية ودول الخليج، ذلك أنه حمى الثورة مرتين، الأولى في مرحلة السلم، والثانية في مرحلة الحرب.
ففي مرحلة السلم، تقدمت السعودية ودول الخليج بمبادرة للحل تضمن تحقيق أهداف الثورة سلميًا، مع الحفاظ على بعض امتيازات النظام السابق، بغرض تجنب شره، وكان ذلك بمثابة إنقاذ للثورة السلمية من محاولة المخلوع صالح عسكرتها ووأدها.
وفي مرحلة الحرب، حمى العامل الدولي الثورة بعد الانقلاب عليها من قبل المخلوع صالح وحلفائه الحوثيين، ويتمثل ذلك في التدخل العسكري لدول التحالف العربي بقيادة السعودية للقضاء على الانقلاب، وهو التدخل الذي صب في صالح الثورة وأنقذها من تبعات الانقلاب، وسيساعدها على الاستمرار حتى تحقق أهدافها كاملة.