من أدب الحرب إلى أدب الثورة والحنين والشوق ومسامرة الموتى وحكايا الأطفال، إلى رجل سرد حكاية وفقد معها العنوان.
إصدارات روائية، استأنف فيها أدباء يمنيون إنتاجهم الثقافي في بلد يشهد حرباً بالغة التعقيد منذ العام 2014.
ومنذ أغسطس/آب الماضي، عادت عجلة الإنتاج الأدبي للدوران في هذا البلد، وبدأت معها الحكايات تروى، وللحرب والثورة والفقد والحنين وتراجيديا المصائر الإنسانية نصيب منها.
بدأها الأديب اليمني والقاص محمد الغربي عمران في روايته "مسامرة الموتى"، التي صدرت عن دار الهلال المصرية، في أغسطس/آب الماضي، وبها أوغل رئيس نادي "إلمقه" للقصة القصيرة في التاريخ وخاض في خبايا النفس البشرية.
"مسامرة الموتى" رواية يخيط فيها عمران المؤامرات والحروب والتحالفات الممتدة من اليمن إلى مصر، في حقبة تاريخية، ويعزف على انتصار حيلة الأنثى على عسكرية أكتاف الرجال في آخر المطاف.
يقول عمران، للأناضول، إن مغامرته الأدبية الأخيرة، كانت في سياق آخر، غير الذي تسير فيه أوضاع اليمن.
يضيف "في عملي الأخير (رواية مسامرة الموتى) كتبته بعيداً عن أجواء ما نعيشه من حرب وأزمات إنسانية لنا كيمنيين، أي أنها فكرة سابقة، ولم تكن في سياق الأحداث".
وأشار إلى أن "الكتابة والخيال خروج من المكان والواقع إلى عوالم خيالية يرتضيها الكاتب ويتكيف مع التخييل دون أن تؤثر به أجواء القبح.. فالخيال أيضاً حياة".
لكن عمران يرى في الحرب فرصة للكاتب لكي يجدد خياله ويكتسب معارف لم تكن تتاح له، "لكني حزين على من يسقطون من الأبرياء وحزين أن تطول معاناة الناس وتصل إلى هذا الحد".
واعتبر أن "الحرب حالة استثنائية بالنسبة لحياة الكائن المدني على عكس المليشيات والعسكر، لكنها ليست سيئة لنا كأدباء وكُتّاب، فأن نعيش حالات أو زمن استثنائي هذا بألف كتاب، وأن نتابع ألاعيب أمراء الحروب هذه دروس أدبية رائعة".
وأردف "أن نستمع ونعايش قصص القتل والتدمير الوحشي وملاحقة واغتيال البعض هذه أفكار ثرية، وأن نكون تحت رحمة جماعات تتقن فن التجويع والكذب والزيف والتخلف والتدمير هذه تفاصيل رائعة.. هي تجربة سعيدة لأني أعيشها".
بعد أن صدرت "مسامرة الموتى" بنحو شهر، أضافت الكاتبة والروائية اليمنية "نجلاء العمري" للمكتبة في بلادها، عملاً سردياً جديداً تحت عنوان "مراكب الضوء"، وقبلها بيومين كانت الكاتبة "مها صلاح" توّقع إصدارها الجديد "كيف أنام من دون حكاية"، بينما أصدر الكاتب عبدالفتاح حيدرة في نفس الشهر روايته "دبي صنعاء والعودة".
وقالت العمري للأناضول إن عملها "مراكب الضوء"، رواية "تبحر في خفايا الروح كلما داهمنا وجع الفقد وصوت الحنين .. قلت عنها هي رواية الشوق والتوق .. وهي تدور حول فكرة الحياة والموت من خلال مونولوج داخلي عميق لفتاة تصارع مشاعر الفقد والشوق والحنين وهي تركض خلف معنى مختلف للحياة.. وشكل آخر من أشكال الحرية".
وأوضحت أن الرواية "تبحر في تفاصيل المشاعر الإنسانية بشأن الحب والحنين والفقد والموت وتبحث من خلاله عن منبع للضوء والحرية".
وصدرت الرواية عن دار كنوز للمعرفة في الأردن.
وعن دار الحدائق اللبنانية المتخصصة في الكتابة للأطفال صدر كتاب "كيف أنام من دون حكاية؟" للكاتبة اليمنية مها صلاح، وجاء مصحوباً برسومات للفنانة التشكيلية السورية صفاء نبعة.
وهذا هو الإصدار الأول عن دار الحدائق للكاتبة مها صلاح، التي برعت في كتابة أدب الطفل، كان آخرها مسرحية بعنوان "الشجرة تثمر بسكويتاً" الصادرة مارس/آذار الماضي، عن منظمة إبحار للطفولة والإبداع.
أما العمل الروائي "دبي صنعاء والعودة"، فصدر عن "الدار العربية للعلوم ناشرون"، وهو الأول للكاتب اليمني عبدالفتاح حيدرة، الذي يُقيم في دبي، ويتناول الحرب في اليمن من خلال قصة عاشقين.
وتقدم الرواية سرداً للأحداث والشخصيات والعذابات والآمال، وتذهب الصفحات إلى جبهات القتال وتعود لتلاحق خطوات الحب في شوارع صنعاء قبل أن يجرها الدم من جديد للجبهات.
واسم العمل الروائي يعود لأحداث الرواية، التي يقطع فيها الراوي الطريق من صنعاء إلى دبي، وبسبب العلاقة المتشابكة بين الإمارات واليمن التي خلقتها الحرب، والمشاعر المتضاربة التي تعصف بالراوي بين دبي وصنعاء، وقد أصبحتا في مواجهة عسكرية بطريقة ما، تدور في قلبه وتستنزف روحه.
في ديسمبر/كانون أول الماضي، وقّعت الأديبة والأكاديمية بجامعة صنعاء نادية الكوكباني روايتها الصادرة عن دار الهلال "سوق علي محسن"، متناولة أحداث الرواية وشخصياتها، ببعدها الإنساني الذي لامس حياة البسطاء الذين يعيشون على هامش حياة السياسيين، ودائماً ما يكونون هم الضحية.
تقول الكوكباني للأناضول، إن روايتها التي تدور أحداثها في سياق انتفاضة الربيع العربي باليمن عام 2011، تأتي لمقاومة الحرب والأزمة التي يعيشها أبناء الشعب.
وذكرت أنه كان لابد من مقاومة الوضع المتردي في اليمن على مستويين، الأول يتمثل في المقاومة العامة للحرب عبر المحيط الاجتماعي في التفاعل معه لمواجهة الحرب عبر مبادرات إغاثة وتكاتف وترميمات مادية.
أما المستوى الثاني، بحسب الكاتبة، فعبر المقاومة الذاتية "وهي ما تعتبره خلاصاً يلجأ إليه من يريد".
وتوضح الكوكباني "الكتابة بالنسبة لي كانت خلاصاً ذاتياً ساعدني على تخطي ويلات الحرب الظالمة على بلدي، وبالنسبة للرواية (سوق علي محسن) كانت كتابتها قد بدأت قبل الحرب واستكملتها في بعض تلك المرحلة".
والكاتبة استوحت عنوان الرواية من اسم السوق الشعبي "سوق علي محسن" ، شمالي العاصمة صنعاء، وهي تبحث في العمق الإنساني المتجذر كيانه في البحث عن لقمة العيش الكريمة.
وتمزج الرواية بين المتحول الاجتماعي والسياسي عبر لحظة تحول تاريخية اندلعت فيها ثورة التغيير الشبابية السلمية في فبراير/شباط 2011 ضد نظام الرئيس علي صالح، حسبما تفيد الكاتبة.
وأبطال الرواية ولدوا ونشأوا في "سوق علي محسن"، لم يستسلموا لظروف الحياة القاهرة بل حاولوا السعي لتحسين أوضاعهم المعيشية من خلال حدث الثورة.
انتزع الحلم أبطال الرواية بالأفضل وقذف بهم في أتون السياسة، ولم يحاولوا أن يفهموا لما قامت الثورة، لأن تجهيلهم عن معرفة حقوقهم كان قد بلغ مداه عبر عقود نظام الحكم، لكنهم كانوا مع التيار الجارف للثورة الذي حلموا من خلاله بالتغيير.
وبالانتقال إلى يناير/كانون ثان الماضي، فإن سبعة أعمال أدبية أرفدت مكتبة الإبداع اليمني، فالكاتبة لمياء الأرياني أصدرت روايتها الأولى "ثورة مهيوب" عن دار أروقة المصرية للنشر، كما كان عبدالله الإرياني يجاريها برواية "حانوت شوذب" عن دار النشر ذاتها، وكانت رواية "نزهة الكلب" للروائي الشاب ريان الشيباني تصدر عن ذلك الدار أيضاً.
"شتلات الليمون" كانت الرواية اليمنية الرابعة في الشهر نفسه، وهي للكاتب سعيد المحثوث، وصدرت عن دار البشير المصرية للنشر.
عن دار الساقي اللبنانية، صدرت رواية "نزهة عائلية" للأديب بسام شمس الدين، كما صدر للروائي جمال الشعر "تراي شيزورينيا" عن دار فكرة المصرية.
"قبل أن أقتل رويدا" كانت الرواية الثانية للصحفي والكاتب محمود ياسين، التي صدرت عن دار نينوى الأردنية.
وتأتي هذه الأعمال الأدبية في ظل الحرب التي تمزق اليمن، وخلالها توقف الإنتاج الفكري والأدبي منذ مطلع العام المنقضي، ومع تلك الأوضاع توقف إصدار صحف ومجلات جديدة، فيما تزال الدوريات الشهرية العربية غائبة عن قرّائها اليمنيين.