[ النسخة الجديدة من فئة الألف ريال تحمل توقيع محافظ البنك المعين من هادي ]
يشكو المواطنون في العاصمة المؤقتة عدن من الارتفاع اللافت في أسعار المواد الغذائية والتموينية المتزامن مع تهاوي الريال اليمني أمام الدولار الأمريكي والذي أعقب وصول الأموال المطبوعة من روسيا للبنك المركزي في عدن.
وبحسب مواطنين تحدثوا لـ"الموقع بوست" فقد بدأت نسبة الارتفاع في المواد الغذائية من 5% ووصلت حتى 20% خلال فترة قياسية لم تتجاوز ثلاثة أشهر.
ويُرجع مراقبون الانهيار المتسارع في سعر صرف الريال إلى انعدام الثقة بين رؤوس الأموال والبنك المركزي من جهة، حيث امتنع رؤوس الأموال وكبار التجار عن إيداع أموالهم في المركزي، وتلاشي الاحتياطي النقدي الأجنبي المقابل لعملية طباعة كميات كبيرة من العملة المحلية من جهة أخرى.
ولم يتوقف انهيار العملة المحلية وتهاويها أمام العملات الأجنبية منذ سيطرة ميليشيات الحوثيين والمخلوع صالح الانقلابية على صنعاء في سبتمبر/أيلول من العام 2014م، وذلك نتيجة سياسة التجريف التي اتخذتها ميليشيات الانقلابيين المسيطرين على صنعاء والبنك المركزي، فقد تجاوز الريال السعودي 88 ريالا يمنيا للبيع وقرابة 93 للشراء، في حين وصل الدولار الأمريكي 335 ريالا للبيع وأكثر من 350 للشراء.
السبب الرئيسي
وفي هذا السياق، يوضح رئيس مركز الإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، بأن السبب الرئيسي وراء تراجع سعر الريال اليمني مقابل الدولار يعود لزيادة المعروض من العملة المحلية (الريال اليمني) جراء بدأ الحكومة الشرعية صرف المرتبات للعسكريين والمدنيين.
وبين نصر في حديثه لـ"الموقع بوست" أنه لابد وأن تقوم الحكومة بوضع عدد من الإجراءات التي بموجبها تستعيد الدور الهام للبنك المركزي في إدارة السياسة النقدية في البلد.
وأكد أنه لابد من ضوابط محددة للسيولة المحلية بالريال، لاسيما وأن كميات كبيرة من العملة مخزنة خارج القطاع المصرفي، وبمجرد أن يحدث اطمئنان لدي الناس باستقرار نسبي سيتم إخراجها وبالتالي ستكون النتائج سلبيهة على سعر الريال مقابل العملات الأجنبية.
عملية إنزال السيولة المحلية لابد أن تكون بالتدرج بالتزامن مع تنشيط دور البنوك لامتصاص السيولة والبدء باستعادة الثقة بالقطاع المصرفي والبنكي.
وعن أولى خطوات تفعيل عمل البنك المركزي بعدن، يقول نصر في سياق حديثه لـ"الموقع بوست" بأن ربط البنوك المحلية مع البنك المركزي وهذه واحدة من الأولويات التي ما زالت الحكومة والبنك المركزي لم توليها الاهتمام الكافي، بحسب تعليقه.
آثار طباعة النقود
وبدأت الحكومة الشرعية بإجراءات طباعة قرابة 400 مليار ريال يمني بالتزامن مع إصدار قرار نقل البنك المركزي من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن في سبتمبر أيلول من العام 2016.
وجاءت خطوة طباعة كميات من العملة المحلية وقبلها نقل البنك المركزي عقب استفحال أزمة شحة السيولة المالية وعدم قدرة سلطات الانقلابيين على دفع مرتبات موظفي الدولة.
ولم تكتمل فرحة المواطنين باستلام مرتباتهم التي تأخرت لأشهر بلغت الثلاثة وفي أحايين أخرى 5 أشهر، فقد تعكرت هذه الفرحة بفعل تهاوي صرف الريال أمام الدولار وانعكاسات ذلك على أسعار المواد الغذائية والتموينية والتي شهدت ارتفاعا بلغ مستويات قياسية.
تدهور
وتعليقا على ذلك، يقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور يوسف سعيد إن "ما يفترض هو أن هذه الأموال التي تهدف إلى التخفيف من أزمة السيولة تتم من مصادر تضخمية (طباعة أوراق نقدية) دون غطاء نقدي من العملة الحرة والذهب".
ويعلل بقوله "لأن احتياطيات البنك المركزي اليمني تدهورت إلى أدنى مستوى لها وليس هناك بيانات رسمية صادرة عن المركزي تبين كم تبقى من هذه الاحتياطيات سواء تصريحات قديمة تفيد أنها لا تتجاوز 700 مليون دولار، وقد تكون أقل من ذلك، بدليل أنها لم تعد تفي بحاجة استيراد المواد الأساسية بما في ذلك استيراد مشتقات النفط الذي كانت تقوم شركة النفط باستيراده".
وذكر أن توفير العملة الصعبة لاستيراد المشتقات النفطية والمواد الأساسية أصبح القطاع الخاص ينهض بها، ويضيف "من الواضح أن التجار يشترون الدولار من السوق الموازي من خلال الصرافين وهو الأمر الذي رفع الطلب على الدولار إلى مستويات عالية وأسهم في ارتفاع المستوى العام للأسعار وبشكل مستمر وتدهور القوة الشرائية للعملة الوطنية".
ويعتقد الدكتور سعيد في تصريحه لـ"الموقع بوست" أن آثار الإنفاق الجاري من خلال طباعة النقود على ارتفاع المستوى العام للأسعار وازدياد تدهور قيمة الريال ستظهر بشكل أكبر لاحقا على المدى المتوسط.
ويتابع حديثه "خاصة إذا لم يترافق المعروض النقدي الجديد مع تنشيط البنك المركزي لأدوات السياسة النقدية من أجل سحب فائض السيولة، أو إذا لم تستطع الدولة إعادة قطاع النفط إلى جاهزيته (إنتاج وتصدير النفط) والذي يمثل المصدر الأساسي لموارد الموازنة العامة ودعم الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي".
أزمة سيولة
وفي تقدير الأكاديمي والخبير الاقتصادي يوسف سعيد فإنه على المدى المتوسط (2 - 3 أعوام) من مواجهة أزمة السيولة في اليمن لا يمكن حلها من خلال طباعة النقود، لأن هذا الإجراء كان استثنائيا ويجب أن يظل كذلك.
ويضيف "لكن تحتاج أن تتبع الدولة برنامج إصلاح اقتصادي قصير الأجل يستهدف تنفيذ سياسة التثبيت والاستقرار، حيث يوجه هذا البرنامج لوقف تدهور سعر الصرف وتوقيف الزحف المتواصل للمستوى العام للأسعار وإعادة توازن ميزان المدفوعات".
مؤكدا على أن هذا الإجراء يتطلب دوراً فاعلاً تتولاه المؤسسات المانحة الدولية (البنك والصندوق الدوليين) والدول التقليدية المانحة لليمن وبالذات الدول الخليجية.
وعن تفاصيل هذا الدور، يرى الخبير الاقتصادي بأن يتم أولاً من خلال تدعيم احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي بوديعة تؤمن الحد الأدنى من توفير الأمان وضمان إعادة تدفق الموارد المغذية للموازنة العامة للدولة بما في ذلك إطلاق إعادة القروض والالتزامات الدولية السابقة التي توقفت.
وبحسب الدكتور سعيد، يجب أن يتوافق مع عقد مؤتمر دولي للمانحين يركز على توفير الأموال اللازمة لإعادة الإعمار وبناء البنية التحتية وتعويض المتضررين ممثلا بأطراف النشاط الاقتصادي بما في ذلك المواطنين الذين تضرروا.