بدأت التوترات تظهر سريعاً بين الحوثيين وحليفهم المخلوع صالح رغم تشكيلهم لحكومة مشتركة في 28 من شهر نوفمبر فيما تسمي حكومة الانقاذ الوطني وكانت هذه الخلافات متوقعة نظراً لطبيعة التحالف بينهما.
إن أكبر مشكلة تواجهها الحكومة التي شكلها الحوثيون وصالح هي افتقارها للشرعية بسبب عدم اعتراف اي دولة بها. لقد أطيح بالرئيس السابق علي عبدالله صالح في عام 2011 خلال ثورات الربيع العربي ومن ثم تولى من بعدة نائبة الرئيس الشرعي الحالي لليمن عبد ربه منصور هادي. ومع ذلك فقد اضطر الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى الاستقالة في شهر يناير عام 2015 وأعلن الحوثيون بعد لك بشهر حكم البلاد، ولكنه سرعان ما تخلى عن استقالته وأصبح رئيساً للحكومة المعترف بها دولياً.
على الرغم من الضغوط الدولية لكلا الطرفين لحل خلافاتهم فقد أعلن الحوثييون وصالح عن حكومة إنقاذ وطنية مع برلمان عرف باسم المجلس السياسي الأعلى. كان من المتوقع حدوث النزاعات بين جماعة الحوثي وحليفهم الحالي علي صالح نظراً لطبيعة التحالف بينهما القائم على الإتحاد في الحرب والتفرقة في السياسة، فتحالفهم ليس تحالفاً طبيعياً لأن المخلوع صالح حارب المتمردون حروب عدة عندما كان في السلطة.
لقد عين تحالف الحوثيين مع صالح عبدالعزيز بن حبتور كرئيس لوزراء حكومتهم التي تضم 42 وزارة. وقد تم تفسير وجود هذا العدد الكبير من الوزارات بسبب رغبة كل طرف إرضاء أكبر عدد من مؤيديه، نظراً لأن وظائف الدولة هي أقوى وسيلة في اليمن لشراء الولاءات. وكان توزيع الوزارات بين حزب صالح وحزب الحوثيين مهماً جداً ويعكس مدى أولويات كل حزب، حيث سعى الحوثيون للإمساك بالوزارات المتعلقة بالتعليم ووزارة الداخلية، في حين سعى حزب صالح للإمساك بالوزارات الأكثر ربحية مثل الاتصالات والنفط ووزارات أخرى كوزارة الخارجية والدفاع والوزارات الفنية الأخرى.
إن تشكيل الحكومة الجديدة من قِبل الحوثيين وصالح تعتبر داخلياً محاولة متأخرة لإضفاء الشرعية على تحالفهم في المناطق الخاضعة تحت سيطرتهم، حيث أعتاد اليمنيون بمختلف أطيافهم على تسمية هذا التحالف بسلطة الأمر الواقع.
سوف تصطدم كل المحاولات الرامية لإضفاء الشرعية على هذه الحكومة في الداخل بعقبات عدة مثل الوضع الاقتصادي المنهار وخزينة البنك الفارغة مع قلة الموارد مثل تصدير النفط و تشكيل جماعات مصالح ورؤوس فساد كبيرة داخلياً مثل ما يعرف باللجان الشعبية التي تستفيد من وضع الحرب وتعطل عمل مؤسسات الدولة. ليس هذا فقط، فهم يقومون بجمع الأموال من الناس بحجة الحرب. تم تشكيل هذه اللجان من قِبل جماعة الحوثي بعد سيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر 2014 بحجة الإشراف على مؤسسات الدولة التي اعتبروها فاسدة. لكن سرعان ما تحولت اللجان الشعبية إلى أداة لابتزاز المواطنين وفرض الإتاوات على رجال الأعمال غير الضرائب، إضافة إلى أنها اصبحت وسيلة لسرقة المال العام.
مع مرور الوقت، أصبح من الصعب حل هذه اللجان وتفكيك شبكة المستفيدين منها مما أدى إلى صدام بين جماعة الحوثي وحليفهم الحالي (حزب المؤتمر الشعبي العام) الذي يقوده الرئيس السابق صالح. لذلك تم تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني لغرض توزيع غنائم الحرب بينهما وسط منافسة ساخنة على مناصب الدولة والأموال.
اندلعت التوترات بين صالح والحوثيين عندما بداء الحوثيين توسيع نفوذهم في المناطق التي يسيطر عليها صالح من خلال القبائل أو المعسكرات المؤيده لهم كالمناوشات التي حصلت بينهم على معسكر الصباحه جنوب صنعاء في فبراير من عام 2015، وتصاعدت هذه التوترات عندما اعلن الحوثيون بمفردهم إعلاناً دستورياً في الشهر نفسه الذي قضى بحل مجلس النواب الذي يمثل غالبيته من حزب المؤتمر الشعبي العام الموالي للرئيس السابق صالح، وبموجبه تكون هناك مرحلة انتقالية لمدة عامين، والذي بدورة سيقضي على آمال صالح بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة. كان صالح يجيد لعبة الانتخابات منذ كان في السلطة لمدة 33 عاماً منذ 1978 وحتى عام 2012 وبالتالي سوف يسيطر على اللجنة العليا للانتخابات والمجالس المحلية التي لها الدور الحاسم في ترجيح كفته في الانتخابات وهذا ما تخشاه جماعة الحوثي لأنها جماعة لا تمتلك خبرة سياسية ولا قاعدة شعبية.
ظل الحوثيون وصالح في توتر مستمر حتى بدأت عاصفة الحزم في مارس 2015 وبدأت مرحلة تحالف ثانية جديدة تحكمها الضرورة والشعور بالخطر المشترك الذي سبب تماسكاً ظاهرياً بينهما، ولكن سرعان ما تجددت هذه التوترات مع بدء تفاوض الحوثيين مع المملكة العربية السعودية وتجاهلهم لطرف صالح، الذي أدى صالح لدعوة أنصاره إلى الاحتشاد بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لبدء ضربات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية. أدى هذا الأمر إلى إثارة غضب الحوثيين لاستعراض صالح لقوته الشعبية وهي القوة التي لا يمتلكها الحوثيون.
بدأت مرحلة ثالثة وجديدة في العلاقة بين الطرفين بعد فشل مفاوضات الكويت وذلك بإعلانهما للمجلس السياسي في شهر اغسطس من عام 2016 الذي بموجبه يتنازل الحوثيون عن الإعلان الدستوري وإعادتهم للعمل بالبرلمان الذي يمثل نقطة خلافهم مع حزب صالح، وبعد ذلك اختيار بن حبتور رئيساً للوزراء في اكتوبر من عام 2016 ومن ثم تشكيل هذه الحكومة في أواخر شهر نوفمبر. كل هذه الخطوات حتى الآن ما زالت موجهة إلى الأنصار الداخليين كرسالتين إحداهما للتطمين والأخرى لتلويح بالاستعداد لمواجهة طويلة للخارج.
إن الخطوة المتمثلة في تشكيل الحكومة تظل محدودة الأفق ولن تستمر طويلاً لعدم وجود الشرعية الدولية، والأهم من هذا كله هو ضعف الموارد الاقتصادية. بالرغم من تشكيل الحوثيين وصالح لحكومة وحدة وطنية كما يزعمون إلا أنهم لن يستطيعوا إقناع العالم بها أو حتى إقناع بعضهم البعض لقبولها.
*صحيفة المونيتور