لا يبدو الطريق سالكا أمام مشروع القرار البريطاني بشأن اليمن؛ لوجود روسيا اللاعب الجديد الذي يحاول أن يعود إلى نفوذه في المنطقة، كما تفعل لندن، بعد أن اتجهت الأنظار الأمريكية إلى مناطق نفوذ جديدة تلعب فيها دورا أكبر، وكذلك وجود تيار في الداخل الأمريكي مناوئ لسياستها الخارجية، بعد تورطها في أكثر من حرب.
ويتكون مشروع القرار البريطاني الذي أثار الكثير من الضجيج والمخاوف، ووزعته لندن على أعضاء مجلس الأمن، من خمس نقاط بعد أن كان أربع، تنص على احترام شروط اتفاق وقف الأعمال القتالية، واستئناف المشاورات حول تسوية سياسية دون شروط مسبقة وبنوايا حسنة على أساس خريطة الطريق الأممية، وكذا انسحاب القوات وتسليم الأسلحة الثقيلة، وتعيين نائب رئيس جديد، وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
وبالنظر إلى حجم الحراك الدبلوماسي الذي تقوم به الشرعية، وتعاطيها الشكلي مع الخارطة الأممية التي قدمها المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، ولا ترتكز على المرجعيات الثلاث لأي حل لأزمة اليمن، تبدو الشرعية متخوفة من إمكانية إقرار ذلك المشروع في حال رفض الخارطة الأممية.
في المقابل يُظهر الانقلابيون الذين أنهكتهم الحرب نوعا من التفاؤل، إزاء مشروع القرار البريطاني، لكن سيواجه رغم كل مخاوف الشرعية، وكذلك الآمال التي يعقدها الحوثيون عليه عدة مصاعب، نستعرض أبرزها فيما يلي.
روسيا اللاعب الجديد المنافس لبريطانيا
يتصدى الدب القطبي الذي يتخذ مواقف غامضة إزاء الأزمة اليمنية، لمشروع القرار البريطاني، ويُبدي مواقف متصلبة من وقت لآخر، أحدها إفشاله قبل أقل من شهر مشروع بيان تقدمت به عبر مندوبها في مجلس الأمن ما ماثيو رايكروفت، يدعو إلى وقف إطلاق النار في اليمن والعودة إلى المفاوضات، وتضمن إدانة لحادثة قصف صالة العزاء بصنعاء، غير أنه لم يحمل التحالف العربي مسؤولية الجريمة بشكل مباشر، وهو الأمر الذي دفع مندوب روسيا في المجلس فيتالي تشوركين، لاستخدام حق الفيتو لإبطال القرار.
ومؤخرا قال المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، إنه يرفض تأييد المشروع البريطاني المقدم لمجلس الأمن، باعتبار لندن شريكة في الحرب باليمن إلى جانب السعودية بشكل غير مباشر، في إشارة إلى اتهام لندن بتزويد المملكة بصواريخ.
كما طالب بإعادة النظر في وضعية الإشراف البريطاني على الملف اليمني، وفرض حظر جوي في اليمن خاصة فوق العاصمة صنعاء.
وأمام هذا الصراع يظهر بشكل جلي، أنه يرتبط بحنين موسكو التي كان لها دور في اليمن منذ 1968، ولندن التي خضع جنوب البلاد لسيطرتها منذ 1839 وحتى 1967، إلى لعب دور حقيقي يتيح لكلا من الدولتين استعادة نفوذهما السابق في المنطقة، وقد أيقظت الأوضاع المضطربة أطماع عديد من الدول.
وبالتالي قد يصطدم القرار بالدب الروسي، الذي سيحاول إعاقة مشروع القرار، باعتراض طريقه بالكثير من الحواجز، فبقاء الوضع على ما هو عليه، يسمح باستمرار صعود سلم النفوذ.
رغبة إيرانية
كما هو معلوم، أفشلت إيران عبر وكلائها في اليمن، كل محاولات السلام، آخرها تحديهم للمجتمع الدولي وعدم امتثالهم للقرار الأممي 2216، فالحوثيون ترعرعوا في ظل السلاح، وفرضوا نفسهم بالقوة، وبتجريدهم من سلاحهم لن يتمكنوا من الحصول على المكاسب غير الشرعية التي يريدون الحصول عليها، ومعها ستعجز إيران عن مد نفوذها في المنطقة.
ونتيجة للتحالف الإيراني الروسي الذي ظهر في سوريا، يمكن أن تلتقي مصالح البلدين مجددا في اليمن، وتعمل موسكو على إفشال القرار البريطاني، تلبية لمطالب طهران؛ إضافة إلى رعاية مصالحها في بلد كاليمن، الذي يشرف على مضيق باب المندب الاستراتيجي، وهو ما جعل البلاد محط أنظار عديد من الدول.
بريطانيا من الداخل
لا يبدو أن بريطانيا في وضع يسمح لها في الوقت الراهن بالانشغال بقضايا أخرى، خاصة بعد أن قضت به المحكمة العليا البريطانية، بوجوب تصويت البرلمان على قرار بدء إجراءات الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يؤثر بشكل سلبي، على مساعيها لاستصدار قرار يلغي القرار الأممي 2216.
ويعني ذلك القرار بأن الحكومة البريطانية برئاسة تيريزا ماي، لا يمكنها اتخاذ خطوات تطبيق المادة 50 من معاهدة لشبونة، والتي تنص على بدء المحادثات الرسمية مع الاتحاد الأوروبي من دون الرجوع للبرلمان، لتستمر الدولة التي تلقب ب"الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس)، بالتآكل من الداخل.
وإضافة إلى ما سبق تتمتع بريطانيا بعلاقات جيدة مع المملكة العربية السعودية التي يقول خبراء عسكريون إنها أصبحت مؤخرا ثالث دولة في العالم من حيث حجم الميزانية العسكرية التي تبلغ 82 مليار دولار، وهو ما يؤكد إمكانية فشل مشروع القرار المتعلق باليمن، كون الحروب ترتبط وبشكل كبير بالاقتصاد.
ولم تعد هذه مجرد تكهنات، إذ قال قبل أيام مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، إن بريطانيا أكبر المستفيدين من الحرب الدائرة في اليمن، لافتا إلى تصدير لندن منذ مارس/آذار عام 2015 الماضي أسلحة إلى المنطقة يقدر ثمنها بما يقارب 5 مليارات دولار.
المملكة والشرعية قطبا اللعبة
يُروج بعض المحسوبين إلى التيار العلماني في منطقة الخليج، وبعض من وقفوا وراء ما يسمى بـ"الطريق الثالث" في اليمن، يرجون للسلام في البلاد، ولخارطة ولد الشيخ على الرغم من شرعنتها للانقلابيين، ووجود العديد من الثغرات فيها، أبرزها عدم وجود ضمانات تؤكد التزام الحوثيين بتسليم أسلحتهم.
إلا أنه وحتى اللحظة، ما تزال الشرعية في اليمن متمسكة بضرورة أن يستند أي حل للأزمة اليمنية على المرجعيات الثلاث، المتمثلة بمخرجات الحوار الوطني، والمبادرة الخليجية، والقرارات الأممية ذات الصلة، على الرغم من موافقتها شكلا على الخارطة الأممية ورفضها مضمونا، ويأتي موقفها هذا بعد تزايد الضغوط الشعبية، وإصرارهم على عدم التنازل على المرجعيات.
في المقابل لا يمكن للمملكة العربية السعودية، أن تسمح لإيران بإنشاء كيان في اليمن، يهدد أمنها القومي، واستقرار المنطقة، وتحريك ورقة الطائفية؛ لتستمر إيران بلعبتها التي تحظى برضا اللاعبين الدوليين الكبار.
ويبقى الرهان كبيرا على تحركات السعودية الضاغطة من تحت الطاولة، والتي تتبع سياسة النفس الطويل، فالرياض تتعرض لتهديدات صريحة من إيران، آخرها تصريحات قائد قوات الباسيج الإيرانية محمد رضا نقدي الذي قال إن راية الثورة(في إشارة إلى الثورة الخمينية 1979)، ترفرف في أربع دول عربية منها اليمن، إضافة إلى ذلك تحظى المملكة بمكانة كبيرة لدى الشعوب العربية والإسلامية، وكونها دولة غنية تمتلك استثمارات كثيرة في عديد من الدول، لكن كل هذا يجعلنا لا ننسى المحيط الهش حول المملكة، خاصة في ظل تدهور الوضع في مصر أبرز الدول العربية في المنطقة، ما يعني سقوط دول جديدة في ضحية لطهران.
إحراج مجلس الأمن
بعد المواقف السلبية الكثيرة التي قامت بها الأمم المتحدة، وتحديدا منذ أن اشتعل فتيل الصراع في المنطقة على خلفية ثورات الربيع العربي، باتت توصف المنظمة الدولية العريقة باللا مهنية، وذلك بعد تحيزها الواضح إزاء كثير من القضايا، وتنفيذها لأجندة الدول الكبرى المسيطرة عليها، قد لا تكون المنظمة مستعدة للدخول في دوامة تعطيلها لقرار 2216، وإبداله بقرار آخر.
وتؤخذ هذه الخشية على محمل الجد، فهناك دول عدة ترغب بعضوية مجلس الأمن الدولي، منها ألمانيا، والبرازيل، والهند، وتركيا، واليابان، وبتناقض قرارات المجلس، يفتح ذلك الباب لدول جديدة بالانضمام إليه، وتحقيق مآربها.
وأمام المعوقات الكثيرة التي أوردنا بعضها، هذا لا يجعلنا نغفل إمكانية موافقة كافة أعضاء مجلس الأمن، على مشروع القرار البريطاني، على الرغم من مواقف الروس الذين يشكلون الغطاء لتنفيذ سياسات الدول الكبرى في المنطقة.
وفي حال صدور القرار، من المتوقع أن لا يرضخ له الشعب اليمني، الذي يرفض المشاريع اللاوطنية، واكتوى بنار الحرب التي أشعلها الانقلابيون الذين رفضوا الامتثال للقرار الأممي 2216.