[ جواد ظريف ]
كلما وصل الغرب والعالم إلى إيران في محاولة لإعادتها إلى المجتمع الدولي، كلما وجدت نفسها تحت ضغوط أكبر داخل إيران للحفاظ على ثورتها التي بُنيت على أساس قتال الأعداء الشيطانية بغض النظر عن كون هؤلاء الأعداء حقيقة أو مجرد توهم من أجل الحفاظ على شرعيتها الدينية. وقد انعكست آثار هذه الضغوط من خلال زيادة السلوك العدائي الإيراني منذ توقيع الاتفاق النووي. وقد وصلت هذه التصرفات العدائية إلى درجة أن السفن الحربية الأمريكية اضطرت إلى إطلاق طلقات تحذيرية باتجاه سفن حربية للحرس الثوري الإيراني.
ليس هذا فحسب، فأخذ البحارة الأمريكيين رهائن الذي سبب جرحاً للحكومة الأمريكية، بالإضافة إلى استمرار التصريحات التحريضية والمتناقضة من قِبل خامنئي وحاشيته ضد الغرب والولايات المتحدة الأمريكية. كل هذا من شأنه الحفاظ على الكراهية والتعصب الذي يغذي شرعية النظام الديني الإيراني والثورة التي يتم تصديرها إقليمياً على مستوى لم يسبق له مثيل.
وفي الماضي خدمت الولايات المتحدة الأمريكية طهران والمعروفة في إيران باسم الشيطان الأكبر وراعية الإرهاب العالمي وفقاً لنظام خامنئي. وقدمت العدو شاملاً لشعبها كسبب للفشل والعلل الإيرانية،بينما في الوقت نفسه تقوم بدعم السرد الديني الذي غذى التجنيد الإقليمي للمليشيات على أساس أفكار طائفية ودينية من شأنها هزيمة هذا الشيطان الأكبر سواءً كان ذلك في لبنان كحزب الله أو المليشيات الشيعية في العراق وسوريا واليمن وتربية الكراهية الطائفية في مملكة البحرين وخارجها.
ولكن من أجل الحفاظ على ماء وجهها في المجتمع الدولي وكجزء من التقارب الحالي، فعلى ما يبدوا أن الولايات المتحدة لن تجدي في لعب دور الشيطان الأكبر الذي من شأنه أن يكون أمراً متناقض بالنسبة لإعادة التقارب الدولي الذي يجري حالياً. لكن لا يمكن للسلطة الدينية في إيران الاستغناء عن دور الشيطان الأكبر تماماً لأنها العمود الفقري لإستراتيجية الحكم الديني الإيراني، لذلك كان البحث عن لاعب جديد يملئ هذا الدور أمراً مهماً. و استنادا إلى افتتاحية وزير الخارجية الإيراني في صحيفة نيويورك تايمز فإنه على ما يبدو قد إستقروا على بديل لأمريكا للعب دور الشيطان الأكبر بالمملكة العربية السعودية وما كان قد أطلق عليها اسم الوهابية هي الراعي الدولي الجديد للإرهاب العالمي.
الحق يقال فهذه محاولة ذكية من إيران لإغتنام فرصة ركوب موجة دولية. وأن ما يسمى الوهابية الذي ادعى ظريف بأنها وجدت منذ حوالي 300 سنة والإرهاب الإسلامي المستوحى إنما هو ظاهرة حديثة. أين ما كان يسمى بالنفوذ الوهابي لاختلاق الجهاد العالمي أثناء الصراع العربي الإسرائيلي والذي يعتبر من أعز الأسباب لكل مواطن مسلم وعربي؟ بالطبع لا وجود له لأن الاتصال والتبسيط الزائد أكذوبة، وأن الإرهاب العالمي مستوحى من العديد من العوامل وأقلها أي مذهب ديني، فعادةً ما تكون السياسية هي المتهم الرئيسي.
ليس هناك شك بأن هناك مخاوف من دور المملكة العربية السعودية المباشر وغير المباشر ونشر فهم متشدد للإسلام وأثاره في تفسير كثر من الناس للإسلام اليوم. ولكن على الرغم من أي تمويل سعودي أو الحروب التي شنتها الولايات المتحدة ودول الغرب في المنطقة وانهيار الحكومات العربية قد ساهمت جميعها في انهيار الاستقرار الإقليمي والتنامي العالمي الذي جاء بعد الإرهاب الإسلامي المختلق. كل هذا لا يجب أن يبرئ لإيران من دورها الجوهري في نشر الكراهية والفوضى في المنطقة.
لا يجب السماح لإيران تمثيل الضحية مرة أخرى لأنها ستعين شيطان أكبر آخر فهي الجاني النقدي والمحرض في أماكن الاضطرابات في الشرق الأوسط ، بل هي المحرض الطائفي في تمزق العالم الإسلامي والعربي والسبب الرئيسي في تغذية التطرف الديني. قد ولدت الفجوة الحالية بين السنة والشيعة مع بداية الثورة الإيرانية عام 1979 من قِبل آية الله الخميني الذي قال وبشكل واضح أن إيران مسئوله في تصدير ثورة الشيعة التي أصبحت منذ ذلك الوقت كالمقيم في دستورهم وسياستهم الخارجية.
منذ إنشاء السلطة الدينية الشيعية وهي تصنع وتدعم بلا هوادة المليشيات الشيعية المسلحة وتزرع الفتنة في المجتمعات الإسلامية على أسس طائفية. إن نجاحهم هذا يتراوح من قوة حزب الله في لبنان الذي يعتبر من أقدم صناعات إيران والقبضة الطائفية في البلاد التي تعيق تقدمها، إلى إنشاء المليشيات العراقية التي أُلقي عليها اللوم في قتل الكثير من الناس وإعاقة الوحدة الوطنية خلال العقد الماضي، وإنشاء ودعم المليشيات الشيعية في سوريا لدعم ومساندة النظام العلوي في دمشق التي تغذي عدداً من الجماعات السنية المتطرفة مثل داعش وجبهة النصرة، وبهذا تحولت الثورة السورية إلى صراع طائفي مزق البلاد. إن إيران تدعم التمرد الحوثي في اليمن الذي أضعف الحكومة الوطنية الشرعية وعملت على زيادة الانقسامات الطائفية إلى أن أصبحت اليمن دولة فاشلة تهدد العالم بأسره. وليس من المستغرب أن تلاحظ عودة تنظيم القاعدة في اليمن حيث أن التمدد الشيعي يوفر الدعم اللازم للسرد الطائفي السني لتوظيفه لمصلحته الطائفية.
ليس هذا فقط فإيران نشطة جداً في دعم الاحتجاجات والمسلحين الشيعة في البحرين مما سبب مزيد من الفتنة في البلاد. والقائمة تطول ،وفقاً لوثائق سربها موقع ويكيليكس في يوليو عام 2010 فقد عملت إيران على تعزيز الصراع الطائفي بدعم الجماعات السنية المتطرفة مثل تنظيم القاعدة وحركة طالبان.
لذلك عندما يتحدث ظريف حول أسباب الإرهاب والتطرف الإسلامي العالمي ويلقي اللوم على الجميع باستثناء إيران، سواءً كانت إيران أو المملكة العربية السعودية أو ما يسميها الوهابية باعتبارها الشيطان الأكبر الجديد، فإن العالم لا يستطيع إخفاء الحقائق والسجل الواضح في أن إيران مهتمة بتمهيد الطريق لهذا الظاهرة العالمية المدمرة. نوايا خلق "الشيطان الأكبر" الجديد لن يعفي إيران وذلك لكون السبب الرئيسي وراء الأصولية الطائفية الإسلامية المتزايدة باستمرار. العقيدة الإسلامية بريئة من الإرهاب العالمي المُختلق الذي يسمح للأنظمة الدينية السياسية على تأجيج الصراع الديني الطائفي للحفاظ على شرعيتها. حل هذا التحدي العالمي يتطلب التفكير إلى الأمام والعمل الحقيقي وليس مجرد إلقاء اللوم على الآخرين ولعب دور الضحية.
بدلاً من التركيز على خلق " الشيطان الأكبر" جديد لتبرير القصور وخلق المزيد من الضباب والمرايا على الشعب الإيراني و المجتمع الدولي للتغطية على أجندة طائفية مدمرة ، ينبغي على إيران إطلاق " برنامج الإصلاح الكبير" على خطى رؤية المملكة العربية السعودية لعام 2030 الذي من شأنه السماح لمواطنيها بالمشاركة الفعالة في العالم على أساس القيم والمعايير العالمية بما في ذلك احترام سيادة الديانات الأخرى والناس والأمم.