في مشهد غير مسبوق، اقتحم مئات الأشخاص من اليمين الإسرائيلي المتطرف قاعدتين عسكريتين جنوبي ووسط إسرائيل، الاثنين، ما أحدث هزة إزاء ما هو قادم.
بالنسبة إلى اليمين الإسرائيلي المتطرف، فإن ما جرى كان بمثابة "احتجاج مشروع" على توقيف 9 جنود متهمين بتعذيب أسير فلسطيني من غزة، أما لدى الوسط واليسار فإن ما جرى هو "محاولة تمرد وانقلاب".
فبينما كانوا يترقبون هجوما عسكريا محتملا على لبنان ردا على مقتل 12 شخصا في مجدل شمس بهضبة الجولان السبت رغم نفي "حزب الله" المسؤولية عنه، وجد الإسرائيليون أنفسهم إزاء مشهد غير مسبوق لاقتحام إسرائيليين قاعدة "سدي تيمان" (جنوب)، ثم اقتحام قاعدة "بيت ليد" (وسط) حيث نقل الجنود المعتدون.
وعبر شبكات التواصل الاجتماعي انتشرت مقاطع فيديو لاقتحام وزراء ونواب في الكنيست قاعدة "سدي تيمان"، قبل قيام يمينيين بالاقتحام العنيف لقاعدة "بيت ليد" سريعا.
واعتبر زعيم حزب "العمل" يائير غولان، في منشور على منصة إكس الثلاثاء، أن ما جرى "محاولة انقلاب".
وقال غولان، وهو النائب الأسبق لرئيس أركان الجيش: "على جهاز الأمن العام - الشاباك فتح تحقيق في مدى تورط قادة بالشرطة وأعضاء كنيست ووزراء في محاولة الانقلاب التي نفذت أمس".
وأضاف: "مسؤولون كبار في الجيش الإسرائيلي يؤكدون صباح اليوم أن المنطقة الجنوبية للشرطة امتنعت عن إرسال تعزيزات شرطية إلى سدي تيمان لمدة 3 ساعات" خلال فترة الاقتحام.
وحذّر من أن "هذا إغفال خطير أو تورط تخريبي لكبار المسؤولين (..) هذا تحقيق أساسي قد يؤدي إلى مكتب وزير الأمن الوطني نفسه (إيتمار بن غفير)، وفي ظل الوضع الطارئ الذي نعيشه، من الضروري إجراء هذا التحقيق بسرعة، ونشر نتائجه خلال أيام قليلة".
واعتبر غولان أن "الغياب المتعمّد للشرطة عن مدخل قاعدة بيت ليد ومركز المحاكم العسكرية القريبة ليس من قبيل المصادفة"، واتهم حكومة بن غفير بأنها "تجهز لتمرد في الجيش وفوضى في خدمة وزير مجرم".
** "محاولة لقيادة تمرد ميلشياوي"
اتهامات غولان لليمين المتطرف برئاسة بن غفير بمحاولة الانقلاب لم تكن معزولة، فقد كرّرها أيضا المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عاموس هارئيل.
وكتب هارئيل، الثلاثاء: "إن ما نشهده في سدي تيمان هو محاولة لقيادة تمرد ميلشياوي".
وأضاف: "لقد انتظر اليمين المتطرف مثل هذه الفرصة منذ بداية الحرب. والآن ربما حانت الفرصة".
واعتبر هارئيل أن "هذه ليست حالة من التماهي العاطفي مع الجنود الذين وقعوا في مشاكل".
وقال: "إن اليمين المتطرف يحاول فرض مجموعة مختلفة من القيم على الجيش الإسرائيلي، من شأنها أن تسمح بممارسة رقابة ذاتية غير مقيدة في الضفة الغربية مع منع أي إشراف داخلي أو خارجي على تصرفات الجنود والمستوطنين".
وأضاف هارئيل أن "تسليم الجيش الإسرائيلي لهم الآن من شأنه أن يدمر الجيش من الداخل، ويؤدي إلى تآكل عميق لما تبقى من انضباطه وقيمه الأخلاقية".
وتابع: "استيقظ رئيس الأركان (هرتسي هاليفي) والمدعية العامة العسكرية (الميجر جنرال يفعات تومر-يروشالمي) متأخرين عن التهديد، ولكن الآن ليس لديهما خيار سوى مواجهته. ولا يمكنهما أن يتوقعا الحصول على أي مساعدة من نتنياهو".
وأمس الاثنين، دعا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى ضبط النفس، ولكنه لم يسارع إلى محاسبة المسؤولين عن اقتحام القاعدتين.
ويقول مسؤولون في المعارضة الإسرائيلية إن نتنياهو يخضع لإملاءات بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش اللذين يكرران تهديداتهما بإسقاط حكومته.
وفي هذا الصدد قال زعيم المعارضة يائير لابيد في منشور على منصة "إكس"، مساء الاثنين: "لسنا على حافة الهاوية، بل نحن في الهاوية. لقد تم تجاوز كل الخطوط الحمراء".
وأضاف: "أعضاء الكنيست والوزراء الذين يشاركون في اجتياح الميلشيات العنيفة للقواعد العسكرية هي رسالة إلى دولة إسرائيل: لقد سئموا الديمقراطية، سئموا حكم القانون".
واعتبر لابيد أن "مجموعة فاشية خطيرة تهدد وجود دولة إسرائيل".
وقال: "إذا لم نقف في وجههم، فستنهار البلاد. إذا لم يطرد نتنياهو الوزراء الذين شاركوا في هذه المداهمات العنيفة، فهو لا يصلح لتمثيل دولة إسرائيل".
غير أن صحيفة "هآرتس" اعتبرت في افتتاحيتها، الثلاثاء، أن "دولة نتنياهو فقدت السيطرة على اليمين المتطرف في إسرائيل".
وقالت إن "سلسلة الأحداث التي وقعت في مركز الاحتجاز العسكري سدي تيمان يوم الاثنين، ثم عند مدخل قاعدة بيت ليد العسكرية في شارون، تشكل دليلاً حياً ومباشراً على التفكك المتقدم الذي تعيشه إسرائيل تحت حكم بنيامين نتنياهو".
وأضافت: "كل حلقة في السلسلة تشير إلى تفكك منهجي؛ وإذا ما أخذناها معاً فإنها تشكل خطراً قاتلاً".
وتابعت "هآرتس": "فقدت دولة نتنياهو السيطرة على اليمين المتطرف، ومن يزرع الفوضى يحصد الفوضى، وإذا لم يتم إيقافهم فسيفككون الدولة إلى الأبد".
وصباح الثلاثاء، قالت هيئة البث الإسرائيلية إن المحكمة العسكرية في بيت ليد، تنظر اليوم في تمديد توقيف 9 جنود بتهمة "الاعتداء الجنسي" على أسير فلسطيني من غزة في سجن "سدي تيمان".
وأضافت أن الجيش الإسرائيلي يستعد لمنع اقتحام يمينيين للقاعدة، بعد أن اقتحموها أمس الاثنين، واشتبكوا مع الشرطة.
ومساء الاثنين، سادت حالة من الفوضى داخل قاعدة "بيت ليد"، عقب اقتحام عشرات المتظاهرين اليمينيين المحكمة العسكرية داخل القاعدة، احتجاجا على اعتقال الجنود المعتدين، ما دفع الجيش إلى نقل 3 كتائب إلى القاعدة لحمايتها، بعدما كانت مقررة أن تدخل قطاع غزة.
وكانت هيئة البث كشفت النقاب عن أن 9 جنود اعتدوا بالضرب المبرح على أسير من غزة، لم تذكر اسمه، وتم نقله إلى المستشفى وعليه إصابات خطيرة في فتحة الشرج، ما استدعى قيام الشرطة العسكرية بفتح تحقيق.
وكان بين المقتحمين مسؤولون وجنود في الجيش، ما قوبل باستنكار من الداخل الإسرائيلي ومطالبات باستبعاد اليمينيين المتطرفين من السلطة بما في ذلك الحكومة والكنيست، لأنهم يواجهون "دولة القانون" في إسرائيل ويهددون أمنها.
في المقابل، شككت جهات فلسطينية رسمية وشعبية في التحقيق الذي أشعل الداخل الإسرائيلي، ووُصف بـ "المسرحية الهزلية" لتلميع صورة تل أبيب أمام المجتمع الدولي وإيهامه بأنها تحاسب جنودها في حال ارتكابهم انتهاكات.
وفي الأشهر الأخيرة، كثرت التقارير التي تندد بالاعتداءات التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيون من قطاع غزة في سجن "سدي تيمان"، وعادة تدّعي السلطات الإسرائيلية أنها تحقق في الأمر، لكن دون نتائج ملموسة.
وتنظر المحكمة العليا الإسرائيلية في التماس قدّمته مؤسسات حقوقية إسرائيلية لإغلاق سجن "سدي تيمان" سيئ السمعة، حيث يتعرض معتقلون فلسطينيون من غزة لتعذيب واعتداءات جنسية وإهمال طبي بطريقة ممنهجة وتمنع إسرائيل زيارة أي وفود حقوقية للوقوف على أوضاعهم.
ومنذ أن بدأ عمليته البرية بغزة في 27 أكتوبر/ تشرين الأول، اعتقل الجيش الإسرائيلي آلاف المدنيين الفلسطينيين، بينهم نساء وأطفال وعاملون في الطواقم الصحية والدفاع المدني.
وخلال الشهور الماضية، أطلق الجيش سراح عشرات المعتقلين الفلسطينيين من غزة على دفعات متباعدة، ومعظمهم عانوا من تدهور في أوضاعهم الصحية، وحملت أجسادهم آثار تعذيب.