[ أحمد علي عبدالله صالح ]
تقدم نجل الرئيس السابق أحمد علي عبدالله صالح برسالة لرئيس وأعضاء لجنة العقوبات الدولية، التابعة للأمم المتحدة، طالب فيها برفع العقوبات الأممية عنه، وذلك في وقت تشهد فيه الساحة اليمنية، حراكا أمميا للوصول لخارطة طريق للحل، والخروج من الحرب الدائرة في البلد، منذ نحو عشر سنوات.
ونشرت قناة اليمن اليوم التابعة لنجل صالح نص الرسالة، والتي يشير توقيتها إلى دلالات معينة، ربما يصعب التكهن بها حاليا، ولعل في مقدمتها، الرغبة اليمنية، والخليجية، والأممية لوضع حل للصراع الدائر في اليمن.
الرسالة المؤرخة في الخامس عشر من مايو الجاري يمكن قراءتها من مضمونها، والذي يعكس عدة مؤشرات، انطلاقا من المضامين التي احتوتها، فهي تشير إلى حالة الشعور بالضيق والألم من استمرار العقوبات المفروضة عليه، وحالة اليأس من عدم الاستجابة لرسائله السابقة بهذا الشأن للأمم المتحدة، وهو ما ظهر في صدر رسالته الأخيرة، التي قال إنها تأتي امتدادا لرسائل سابقة طالب فيها بإزاله اسمه من قوائم العقوبات الأممية، ولم يتلق أي رد، أو استجابة، أو إيضاح للأسباب، كما اشتكى من اخفاقه قانونيا، في هذا الجانب.
ويبدو أن نجل صالح الذي يقيم في دولة الإمارات منذ سنوات لايزال متمسك بذات القناعة والتصور للدوافع التي أدت لفرض العقوبات عليه، إذ أنه يتجاهل أنها جاءت بسبب عرقلته للعملية السياسية في اليمن، وتورطه مع قوات الحرس الجمهوري التي كان يقودها في عدة انتهاكات موثقة لدى منظمات حقوقية دولية، ويذهب في رسالته للقول أن تلك العقوبات كانت مدفوعة حينها بضغوطِ مشروعٍ سياسي خاص، أو مُتطلّع للسلطة في حينه، وكيفما اُتفق وبأيّ وسائلَ متاحة، ومنها الدسُّ والكيدُ للغير، وهذا التصور المغلوط يشير لتجاهله لمخرجات الثورة الشعبية التي أطاحت بوالده، والخارطة السياسية التي تشكلت انبثاقا من تلك الثورة، وهذا بحد ذاته يؤكد أن الرجل لازال يعيش وضع الضغينة والعداء لتلك المرحلة، بأطرافها، وأشخاصها، وأحداثها.
وللتذكر هنا فقد وفرض مجلس الأمن عقوبات على شخصيات يمنية متهمة بعرقلة العملية السياسية اليمنية، ومن بين تلك الشخصيات الرئيس السابق علي عبدالله ونجله، وذلك في القرارات الأممية رقم 2140 لسنة 2014م ورقم 2216 لسنة 2015م، وهي القرارات التي اتهمت نجل صالح، وباقي الشخصيات بتهديد السلام والاستقرار في اليمن، وهدفت العقوبات لوضعهم في قائمة المنع من السفر، إضافة إلى تجميد أصولهم، كما وضعتهم وزارة المالية الأمريكية في اللائحة السوداء لأنهم "انخرطوا في أعمال تهدد بشكل مباشر أو غير مباشر السلام والأمن والاستقرار في اليمن"، و "استخدموا العنف الذي من شأنه تقويض العملية السياسية وعرقلة تنفيذ عملية الانتقال السياسي في اليمن".
اقرأ أيضا: أحمد علي عبدالله صالح .. رحلة الحياة من النشأة إلى السفارة (1-2)
نجل صالح في سرده للمبررات التي دفعته لخطابه الأخير قال إن ذلك يأتي بسبب وجود فعاليات يمنية مختلفة استهجنت العقوبات المفروضة عليه، ومن ذلك منظمات المجتمع المدني، وشخصيات حزبية وسياسية وثقافية، وحملات إعلامية، ووقفات وبيانات تضامنية، ومقالات وكتابات رأي، بل قال إن تلك المطالبات جاءت من عموم أبناء اليمن.
وهذا الأمر يفسر الحملات السابقة التي عمد إليها مقربون من عائلة صالح لتسليط الضوء على تلك العقوبات، لكن الملفت تركيزه على مجلسي النواب والشورى، اللذان وصفهما بأنهما الممثل الشرعي والدستوري للشعب اليمني، ومن المعلوم هنا أن المجلسين المعنيين في الرسالة هما اللذان يعملان في صنعاء، ويخضعان لسيطرة جماعة الحوثي، وسبق لمجلس النواب في صنعاء مطالبة مجلس الأمن في 20 أكتوبر 2018 برفع العقوبات عن أحمد علي، الذي عينه حزب المؤتمر في صنعاء نائبا لرئيس الحزب صادق أمين أبوراس.
لذلك فإن اعتبار نجل صالح في رسالته مجلسي النواب والشورى هما الممثل الشرعي، يشير إلى أن الرجل يتكئ على إرث والده، وحزبه، والذي ظل متمسكا بالمجلسين، ويردد ذات القناعة، رغم التعيينات الكثيرة لجماعة الحوثي في المجلسين، كما يعكس ربما أن نجل صالح، يراهن على موافقة ضمنية من جماعة الحوثي لتأييد رفع العقوبات عنه، كما يتجاهل المتغيرات الكثيرة التي وقعت طوال الفترة الأخيرة، على مستوى الوضع في البلد، وكذلك على مستوى خارطة القوى التي تشكلت.
ويرى نجل صالح في رسالته أن اليمن انحدر إلى مستوى غير مسبوق، معتبرا مثل هذا الوضع دافعا لرفع العقوبات عنه، قائلا أنه يتلقى عشرات الرسائل من العتاب واللوم من أكثر من طيف يمني، وهي رسالة يقدم فيها نفسه كمنقذ للبلد، مدافعا عن نفسه بأن جنح لخيار السلام منذ اللحظة الأولى لنشوب ما وصفها بالأزمة اليمنية، رغم وجود عدة فرص ومبررات أتيحت له لاستخدام القوة والعنف لحسم الوضع، وامتلاكه لكل عناصر القوة والتأييد السياسي والشعبي والمبرر الأخلاقي، وفق تعبيره.
وبدا نجل صالح متحدثا للمرة الأولى عن رغبته التي قال بأنه تخلى عنها، وأن الكثير يتوجهون له باللوم لعدم انحيازه "لخيار الفوضى، واستخدام العنف، وتشكيل كيان مسلح، لفرض الوجود والبقاء ضمن معادلة الجغرافيا السياسية اليمنية التي تحتكم للسلاح ومنطق القوة، والتي من خلالها أستطيع أن أفرض وجودي وحزبي وأنصاري وأتجاوز أمر العقوبات".
وانتقد المجتمع الدولي الذي قال إنه لم يصغ إليه، ويصغي "لمن يحمل السلاح، ويهدد المصالح، ويثير المشكلات، وينتهج مسار العنف، ويعيق مسار السلام، كسبيل وحيد ليسْمعَ الآخرون صوتَه، ويعرفون حجمَه وكيانَه، وهو ما يحدث، إلى حد كبير للأسف، وتؤكده العديد من النماذج والشواهد.
وهذه الفقرة الأخيرة، تتضمن إشارات لعدة جهات محلية، تنطبق عليها الأعراض التي ذكرها، ومنها نجل عمه "طارق صالح" الذي تتبعه قوات مسلحة بتمويل خارجي في الساحل الغربي، وكذلك جماعة الحوثي، والمجلس الانتقالي، والتذكير بها هنا ينطوي على بعدين، الأول تقديم نفسه بأنه بعيد عن هذه النماذج، والثاني التلميح إلى أنه يستطيع فعل ذلك أيضا.
اقرأ أيضا: أحمد علي عبدالله صالح .. بين القيود الأممية ومحاولة تقديمه للمشهد من جديد (2-2)
الخطاب أيضا تضمن إشارات إلى جهات لم يسمها، قائلا بأنها تقف خلف المشهد اليمني، منذ بدايته، وتنموا مشاريعهم، وتتضخم مصالحهم، على حساب دماء ومقدرات وأمن واستقرار الشعب اليمني، لكنها اكتفى بالإشارة لها بقوله أن تقارير فريق الخبراء في اليمن، وإحاطات المبعوثين الأمميين، لا تخلو من تسمية - ولو على استحياء - من يقفون خلف هذا المشهد المتدهور في اليمن.
ولم يذكر نجل صالح جهات معينة لتحميلها المسؤولية، لكنه واصل سرد موقفه بالقول أن فريق الخبراء على "علم ودراية تامة بكل من يساهم في تعقيد الحالة اليمنية عسكرياً وسياسياً، ومن يحول دون تحقيق أدنى حد من التقدم في أي مشروع للتسوية السياسية وإحلال السلام العادل والشامل والمستدام".
لكنه ألمح في رسالته لجماعة الحوثي حين قال مخاطبا الفريق الأممي: "كما أنكم كذلك تحيطون علماً بمن يعبث بمقدرات اليمنيين ويقيد حياتهم ويزعزع أمنهم ويخرب اقتصادهم ويصادر حقوقهم وحرياتهم ويهدد حياتهم ويفرض الوصاية عليهم في شتى مجالات الحياة، بل وصل به الأمر إلى ابتزاز المجتمع الدولي وتهديد السلم والأمن الدوليين".
نجل صالح بدا أيضا خائبا من الحكومة اليمنية وعدم مبادرتها في رفع العقوبات عنه، وقال إنه يعترف بالحكومة، ونفذ قراراتها، سواء في عهد الرئيس عبدربه منصور هادي، أو رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة، مؤكدا بأنه لم يتردد في الاعتراف بها، والانصياع لقرارتها.
اقرأ أيضا: الإمارات وتهيئة أحمد علي لحكم اليمن.. العودة للمربع الأول عبر صناعة الفوضى والمُخلص معا (تحليل)
وتظهر في الخطاب مدى تململ نجل صالح من تلك العقوبات، ومدى تطلعه لرفعها، وكذلك انتقاده للحكومة الحالية، ويبدو ذلك من وصفه للحكومة بأنها الكيان الوحيد في اليمن الموضوع تحت الفصل السابع، مثلما أنه المواطن الوحيد الذي تستقوي عليه دولته وحكومته والمجتمع الدولي بعقوبات ظالمة.
وفي إطار مهاجمته للحكومة قال إن "الظروف التي تعيشها وتخضع لها هذه السلطة لم تعد تمكّنها من ممارسة حقها في الدفاع عن أحد مواطنيها وإزالة الجور الذى أوقعته عليه وإن كان متاحاً لها ذلك".
خطاب نجل صالح تضمن أيضا نقدا لمنظمة الأمم المتحدة، قائلا بأنها تفتقد للمسار الواضح، ولا تعد راعية لقيم العدالة وملاذا للمظلومين، "وأن من يقع فريسة لحبائل الظلم أو المكائد فيها أو عبرها يظل طوال العمر رهينة لمتاهات عدالة وهمية أو حبيساً لإرادات مختلفة ومتضاربة لبعض النافذين من أعضائها من ذوي الأطماع والمصالح والأجندة المختلفة".
ويبدو الخطاب في مجمله متراوحا بين التماس ما يصفها نجل صالح بالعدالة، وبين مهاجمة خصومه، وتبرئة نفسه، والتذكير بما كان يمكن أن يفعله، وبما تجنبه، وبنفس الوقت تقديمه لنفسه من جديد للمشهد في اليمن، وتجاهله للوضع الراهن للبلد، وتمسكه بذات التصور الذي أدى لفرض العقوبات عليه.