[ جريمة مرضى السرطان هزت كل اليمن ]
من مضامين التحقيق:
عائلات الضحايا سردت شهادات صادمة عن معاناة أطفالها بعد تلقي الجرع القاتلة من علاج الميثوتركسيت
وزعت وزارة الصحة المرضى على عدة مستشفيات تجنبا لأي موقف موحد تجاه ما تعرض له الأطفال
فرضت وزارة الصحة بصنعاء تعتيما على القضية وحالت دون رفع أولياء الأمور لدعوى قضائية
مسؤول طبي بمستشفى الكويت قال إن الدواء نفد في المخازن وطُلب من المرضى شرائه من الصيدليات
رفضت المستشفيات منح ذوي الضحايا تقارير عن أسباب وفاة أطفالهم واكتفت بتصاريح الدفن
الهيئة العليا للأدوية حذرت قبل عشرين يوما من الدواء المستخدم ولم تتخذ أي تدابير ميدانية
نقابة الأطباء والصيادلة حملت الهيئة العليا للأدوية المسؤولية واتهمتها بالمتاجرة ومخالفة القانون
معلومات تكشف عن تعامل وزارة الصحة بصنعاء مع منظمات وتجار أدوية مهربة ولوبي فساد
نقابة ملاك الصيدليات تتهم الجهات الحكومية بصنعاء بتحميل ملاك الصيدليات والهروب من المسؤولية
ناطق وزارة الصحة كشف عدم وجود وكيل أدوية للشركة المنتجة للصنف الدوائي المستخدم في اليمن
معلومات واسعة عن الدواء المستخدم والشركة المصنعة والتحذيرات الدولية لطريقة استخدامه وتخزينه
غادرت أسرة الطفل إسماعيل محمد الخولاني (11 عام) منزلها، متجهة إلى مستشفى الكويت الحكومي، للحصول على جرعة من الدواء الكيميائي لابنها المصاب بمرض السرطان منذ خمس سنوات، وبعد لحظات على تلقي تلك الجرعة، ومغادرة مبنى المستشفى، عادت من منتصف الطريق إلى المستشفى، ولم تكن تعلم أن تلك العودة ستكون الأخيرة لها بصحبة طفلها حيا.
جرعة منتهية الصلاحية جرى تقديمها للطفل داخل المستشفى، تسببت بوفاته خلال ساعات معدودة، بعد أن كانت بوادر الشفاء تبدو عليه، مع استخدام الجرع المنتظمة خلال خمس سنوات، ولم يتبق له سوى جرعتين فقط على شفائه بشكل تام من المرض، وفقا للطبيب المتابع لحالته الصحية.
هذا المشهد الحزين الذي عانته أسرة الطفل الخولاني، وقع في العاصمة صنعاء، وتكرر مع عدة أسر، في أفظع جريمة مروعة هزت اليمن، وراح ضحيتها 34 طفلا، توفي منهم عشرة أطفال، ولايزال 24 آخرين في غرف العناية المشددة، حتى كتابة هذه المادة.
الموقع بوست تقصى ما جرى، والتقى بعائلات الضحايا، وتواصل مع مختصين وأطباء وأكاديميين، وعدة أطراف بحثا عن إجابات حول ما حدث بالضبط، وكيف تحول الدواء إلى داء فتاك.
مضاعفات وتعتيم
يحكي والد الطفل إسماعيل محمد الخولاني تفاصيل اللحظات الأخيرة من حياة نجله مع الحقنة المميتة التي تلقاها في مستشفى الكويت، ويوضح في حديثه لـ "الموقع بوست" أنه اصطحب طفله إلى المستشفى لإعطائه الجرعة المقررة، وبعد الانتهاء من تناولها، غادر بصحبة نجله إلى المنزل، وفي طريق العودة ظهرت عليه مضاعفات لم تظهر له من قبل، وتواصلنا مع الطبيبة، وأبلغتنا أن نعطه العلاج، وننقله الي أقرب مركز صحي، وبعد نقله لم تتحسن حالته، بل ازدادت سوء، وعندما اخبرناها مرة اخرى طلبت منا إحضاره فوراً، وابلغتنا أن الجرعة الذي تم حقنها له منتهية الصلاحية".
ويتابع حديثه بكلمات بأسى وحسرة "عند وصولنا مستشفى الكويت أدخلوا الطفل العناية المركزة، وبعد ست ساعات طلبوا منا نقله إلى مستشفى فلسطين، وهناك أدخل العناية المركزة، وبعد أربعة وعشرين ساعة فارق اسماعيل الحياة، وعند وفاته أصدر مستشفى فلسطين تصريح خروج للمريض، ولم يمنحنا تقرير يبين فيه سبب الوفاة أو ما يشير إليها" وهو ما تظهره الوثيقة التي حصل عليها الموقع بوست، وتكشف أن الطفل دخل المستشفى يوم الـ 27 من سبتمبر الماضي، وغادره ميتا في اليوم التالي الـ28 من ذات الشهر.
وصفة طبية لشراء العلاج من إحدة الصيدليات بصنعاء
يقول الخولاني وهو يصف ما جرى وقتها "كنا نرى توافد الأطفال الذين حقنوا بعلاج "الميثوتركسيت" خلال يومي 24 -25 من شهر سبتمبر، والتي حُقن بها "إسماعيل" وبعد ارتفاع عددهم عمدت إدارة المستشفى لتحويل كل مريض إلى مستشفى مختلف، وذلك لتجنب ردود الفعل من اولياء الأمور، وحتى لا يعرف كل والد طفل مصير ونتيجة ما تعرض له الآخرين".
يقول الخولاني بأن العديد من أباء الضحايا ذهبوا إلى مقر وزارة الصحة في العاصمة صنعاء لرفع قضية على الجهات المتسببة، والمطالبة بالتحقيق مع المتورطين، والتقوا بمدير مكتب وزير الصحة، وتم منعهم من رفع أي قضية، ووعدهم المسؤولين في الوزارة بعمل اللازم، ومحاسبة الجناة، وطلبوا منهم العودة إلى منازلهم، وأنهم سيهتمون بالأمر.
ومما يضاعف الشكوك ويفتح باب الريبة أكثر، ما كشف عنه الخولاني بأن مدير مكتب وزير الصحة تجنب الحديث مع اباء الضحايا بشكل جماعي، وأجرى مقابلات فردية مع كل أب على حدة، حتى لا يتعرفون على بعضهم البعض.
موت غير متوقع
جلب الآباء أبنائهم إلى مستشفى الكويت الحكومي بحثا عن الشفاء، وأملا بعودة الحياة لأجساد فلذات أكبادهم المريضة، غير أن الموت كان في انتظارهم، ويسكن داخل علب الأدوية التي قدمت لهم، فعاشوا تفاصيل ألم المرض مع أبنائهم أحياء، ولحظات الفقد والفراق وهم يفارقون الحياة إلى الأبد.
ومن ضمن الحالات التي توصلنا لها في الموقع بوست والد إحدى الطفلات الضحايا، ويدعى "عبدالله سعيد" والذي توفيت ابنته شيماء جراء استخدام ذات الدواء إن ابنته كانت على ما يرام، وحالتها تحسنت مؤخرا بشكل كبير جداً، ويسرد تفاصيل ذلك اليوم المشؤوم قائلا بأنه توجه إلى المستشفى في ذات التوقيت المقرر لها لأخذ العلاج الكيميائي المخصص لها، وعندما وصل المشفى في الصباح، أعطيت الجرعة لطفلته، ولم يطلب العاملون في المشفى منه الانتظار لمراقبة الحالة الصحية للطفلة بعد تناولها العلاج، كما هو مقررا عقب كل جرعة.
ويتابع حديثة "سمحوا لنا بالمغادرة، وبعدها بفترة وجيزة بدأت تظهر أعراض ومضاعفات على ابنتي، ومن تلك المضاعفات الصداع، وحالة الدواء، ووجع في البطن، والتقيؤ، وألم شديد في الدماغ، وعندما لاحظنا تلك الأعراض عدنا الى المشفى فوراً، وتم ادخال الطفلة العناية المركزة، وظلت هناك أربعة أيام، ثم وافتها المنية".
ويضيف: "كل ذلك كان سببه الرئيسي العلاج الذي أعطوه للطفلة، ورغم ذلك لم يعطوني أي تقرير عن سبب الوفاة إطلاقاً، وأعطوني تصريح خروج مريض وأغلقوا القضية".
وبحرقة مؤلمة يواصل والد شيماء حديثه، وقال إنه ذهب عقب عملية الدفن للمستشفى ليسالهم عن سبب الوفاة، وأخبروه أن السبب كان تناول الطفلة لجرعة دواء منتهية الصلاحية وفاسدة، وأنهم اشتروا تلك الجرعة من إحدى الصيدليات المجاورة للمشفى.
ويشير إلى أنه لم يقم بشراء العلاج من الخارج، بل تم صرفه من داخل المشفى، وأن المستشفى أبلغه أنهم اشتروا تلك الجرعة في اليوم الذي سبق دخول ابنته للمستشفى، وصرفت لها في اليوم التالي، مستشهدا بكلام نظرائه المرافقين للمرضى، بأن الجرع التي قدمت للمرضى في ذلك اليوم كانت عبارة عن فائض من الدواء المستخدم لمرضى آخرين في اليوم السابق، وتمت عملية شرائه من صيدلية مجاورة للمستشفى تدعى "صيدلية فارما للأدوية".
تصريح خروج لأحد الأطفال من مستشفى في صنعاء
ويتابع سرد شهادته لـ"الموقع بوست" موضحا بأنه توجه بالسؤل لإدارة المستشفى عن أسباب منح طفلته جرعة من كميات فائضة سبق استخدامها مع مرضى آخرين، وردوا عليه بأن ذلك كان مراعاة للظروف المادية التي تمر بها أسر الأطفال المرضى، وأنهم يعطون الجرعة الواحدة لأربعة أطفال.
ويعلق على هذا الوضع بالقول: " هم يعلمون بأن هذا العلاج خطير جداً، وقد يتعرض لأي تلوث خارجي، ويحتاج لتخزين جيد، وإذا ساء تخزينه، أو تعرض للحرارة يتحول إلى مواد قاتلة وسموم، فكيف إذاً يفعلون ذلك؟
مضاعفات خطيرة
عن المضاعفات التي تسببها هذه الادوية في حال سوء تخزينها يقول طبيب متخصص في الصيدلانيات إن سوء تخزين هذا النوع من الأدوية يسبب عملية احتقان وتجلط، بسبب أن علاجها يتم عن طريق القماش القطني، ويتم حقنها عبر نخاع العظم، وهذه أثرت على المرضى بشكل كبير، وتوصلنا غلى نتائج أولية بأن الحقن كان بطريقة غير سليمة، وملوثه بتلوث بكتيري".
ويضيف في تصريحه لـ"الموقع بوست": "من الضروري مراقبة المريض بعد حقنه بالمواد الكيميائية، ولا يجب على المريض مغادرة المشفى، وإذ لم يتم مراقبة هذه الحالة يعتبر تقصيرا من الكادر".
ويشير بأن العبوة الواحدة من العلاج لا تستخدم لأكثر من مريض، وذلك لما قد يتسبب لها من تلوث، جراء فتحها، مقللا من الحديث عن توزيعها على عدة مرضى، بسبب الظروف المادية، قائلا أن قيمة العبوة الواحدة يصل إلى تسعة آلاف ريال، ما يعادل 16 دولار، وفقا لأسعار العملات الأجنبية في صنعاء.
تدهور صحي مريع
شهادة ثالثة حصلنا عليها من أقارب أحد الأطفال، لكنه طلب عدم الإفصاح عن هويته، وكشف مزيد من التفاصيل، واكتفى في حديثه مع "الموقع بوست" بالإشارة إلى أن الطفل تدهورت حالته الصحية بشكل كبير جدا، بعد تناوله تلك الجرعة القاتلة، وأسعف إلى أحد المستشفيات، وأجريت له ثلاث عمليات جراحية حتى لحظة كتابة هذه المادة، ولم يحصل أي تحسن في حالته الصحية، ويعاني من نزيف وجلطة في الدماغ.
دواء مهرب
يقول الدكتور عبدالرحمن الهادي رئيس قسم اللوكيمياء في مستشفى الكويت لـ"الموقع بوست" إن العلاج الذي كان يصرف للمرضى من المستشفى نفدت كميته، فوجهوا المرضى بشرائه من الصيدليات المجاورة للمستشفى، وتبين لاحقا أن العلاج ذاته الذي اشترته تلك الأسر كان ملوثا، ومنتهي الصلاحية، ودخل اليمن عن طريق التهريب.
من حديث هذا الهادي يتبين أن الدواء الملوث كان متواجد في الصيدليات، وأن المرضى هم من اشتراه، لكن هذا الكلام يشير إلى العديد من الاستنتاجات، فهو يدين الأجهزة الحكومية بإدخال أدوية مهربة وملوثة إلى البلد، ويتهمها بالتواطؤ وعدم ممارسة مهامها في الرقابة على السوق الدوائي، ويحمل المشكلة مُلاك الصيدليات، والقطاع الخاص، بينما يبرئ مستشفى الكويت والقطاع الحكومي من الجريمة.
ثم إن الغموض لايزال يكتنف الأمر، إذ كيف يسقط هؤلاء الضحايا من الأطفال في توقيت متقارب، بعد تناولهم نفس الدواء، وهل من المعقول أن الجميع توجهوا للصيدليات دفعة واحدة لشراء الدواء، وبنفس الوقت يكشف حديث الدكتور الهادي عن إسهام المستشفى في هذه الكارثة، من خلال سماحه بانتهاء الأدوية من مخازنه، وتقصيره في إحالة عينة حساسة من المرضى كمرضى السرطان لشراء العلاج بأنفسهم، دون إشراف الأطباء المختصون.
التهريب القاتل الخفي
وفي كل الأحوال كان هذا أول خيط يقود إلى تفاصيل مسببات عملية القتل السريعة لأولئك الأطفال، وهو وفقا لمن استمعنا لحديثهم دواء مهرب، ومنتهي الصلاحية، وملوث بنفس الوقت، فكيف انتشر هذا الدواء في السوق اليمني، ومن سمح بإدخاله، وسهل عملية تداوله وعرضه في الصيدليات.
وفقا للقانون اليمني، فالهيئة العليا للأدوية، وهي مؤسسة حكومية مستقلة ماليا وإداريا وتتبع وزارة الصحة، هي الجهة المخولة في الرقابة على الأدوية، بشقيها المصنعة محليا، أو المستوردة خارجيا، وهي المسؤولة عن السماح أو الرفض لاستيراد أي دواء خارجي، ولا تأذن بدخوله اليمن إلا بعد فحصه، والتأكد من مطابقته للمعايير الدوائية، والمواصفات والمقاييس اليمنية المعمول بها.
وظلت عملية التهريب للأدوية في اليمن قضية مؤرقة، وتجارة رائجة تنتعش من وقت لآخر، وعجزت السلطات الحكومية في الحد منها، جراء اللوبي الخطير الذي يعمل بها، ووقوف نافذين خلفها، مستفيدة من الخلل القانوني نفسه الذي وضع عقوبات مخففة على عملية التهريب، فالقانون اليمني الذي يجرم تهريب الأدوية، وتطبيقه شبه منعدم عاقب كل من يقوم بتهريب الأدوية بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، أو بغرامة لا تقل عن (30%) ولا تزيد عن (50%) من قيمة المادة، مع مصادرة البضاعة المهربة، وفي حالة التكرار تضاعف العقوبة، ويستثنى من ذلك الدواء المجلوب لغرض الاستخدام الشخصي للمريض.
وتنص الفقرة (ب) من ذات القانون " يعاقب كل من قام بالتلاعب بجودة الأدوية كالغش والتقليد بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو بغرامة لا تزيد عن ثلاثة مليون ريال مع مصادرة البضاعة المغشوشة والمقلدة وإتلافها وفي حالة التكرار تضاعف العقوبة"، فيما تنص المادة رقم (4) الفقرة (ز) بأن على الهيئة العليا للأدوية "تسجيل الأدوية المحلية والمستوردة ومنح تراخيص تداولها ومراقبة مخازن الأدوية والصيدليات".
حصل الموقع بوست على تعميم صادر عن الهيئة العليا للأدوية موجه لرؤساء الهيئات، ومدراء عموم مكاتب الصحة في المحافظات، والأطباء والصيادلة، ومدراء المستشفيات والمراكز الصحية العامة والخاصة، وممارسي المهن الطبية، بتوقيع رئيس الهيئة د. محمد عبدالله الغيلي، برقم 24504، وبتاريخ الثامن من ربيع الأول 1444 هجرية، الموافق الرابع من من أكتوبر 2022، ويتضمن عدم استخدام تشغيلات من الصنف (METHOTRAXTE 50 MG/2ML) الذي تصنعه شركة (CELON) الهندية، والموضح تشغيلاته بالأرقام:
(MT12032BAQ - MT12135BAQ - MT12101BAQ - MT12108BAQ )، ولم يحدد التعميم أسباب ذلك المنع، وما إذا كانت ضارة، أو منتهية، أو ملوثة، أو لديها مضاعفات، أو ثبت عدم جدوى استخدامها.
يشير تاريخ التعميم الحكومي إلى أنه وجه للمستشفيات والصيدليات بعدما يقارب عشرة أيام، من وقوع جريمة الوفاة الجماعية التي تعرض لها الأطفال، وخلا التعميم من أي تفاصيل عن أسباب منع التعامل الطبي مع المنتج، وأي علاقة له بحالات الوفاة التي أصابت الأطفال.
تعميم صادر عن الهيئة العليا للأدوية
مسؤولية هيئة الأدوية ووزارة الصحة
يقول مصدر رفيع في نقابة الأطباء والصيادلة اليمنيين لـ"الموقع بوست - مفضلا عدم ذكر اسمه - أن المسؤول الرئيسي عن تهريب الأدوية هي الهيئة العليا للأدوية، ووزارة الصحة كونهما المسؤولتان عن رقابة الأدوية، وكيفية دخولها، وهي وهما من يوافقان ويصادقان عليها بعد إجراء الفحوصات لها وفقا للقانون اليمن.
ويضيف بالقول بعد أن عرضنا عليه تعميم الهيئة: "إذا كانت الهيئة لا تعلم عن هذا الدواء، فلماذا وجهت تعميما بمقاطعة المنتج، وصورته، وأنزلت الباركود الخاص به، وهذا يعني أنهم متورطون بدخول هذه الأدوية، ولهم علم بذلك".
يشير المسؤول النقابي في حديثه إلى جانب آخر من القضية، ويكشف عن أدوية تقدمها المنظمات الدولية وتمنحها لوزارة الصحة، لكن تاريخ انتهاء صلاحياتها يكون قد قارب على الانتهاء، بسبب مناقصتها منخفضة الثمن، وتقوم الوزارة بتوزيعها للمستشفيات، واعطائها للمرضى.
ويواصل حديثه كاشفا وجود عصابات تقوم بشراء أدوية مجهولة المصدر، وتقدمها لوزارة الصحة، ويمارس هذا العمل عدة منظمات مع جهات في وزارة الصحة تهربا من تحمل تبعات قانون المشتريات والمناقصات، معتبرا ذلك مخالفة صريحه لقانون المشتريات والمناقصات، الذي تتم مخالفته بمبرر الوقوع تحت وطأة الحصار، وفقا لتصريحه، في إشارة لمزاعم حكومة صنعاء التي تديرها جماعة الحوثي، وحديثها بأنها تعاني من حصار خارجي تفرضه السعودية، التي تدخلت عسكريا في اليمن، منذ مارس 2015م.
يعلق النقابي على هذا الوضع بالقول: "هؤلاء لا يطبقون أي قانون، وإنما يعملون على هواء أنفسهم، ويضعون قوانين غير موجدة أصلا، ويدوسون على القوانين الرسمية بأقدامهم، وهذا أمر طبيعي لا يستعرب من جماعة لا تعترف بأي قانون".
شبكة تهريب سوداء
بعد تتبع وتقصي مكثف من قبل الموقع بوست مع عدة أطراف بحثا عمن يقف وراء توزيع هذا المنتج الدوائي، حصلنا على معلومات من دكتور صيدلاني على علاقة بسوق الدواء في اليمن، ونكتفي بالإشارة إليه بالرمز (ل. ح)، بناء على طلبه في عدم الإفصاح عن اسمه، حفاظا على حياته.
يكشف هذا الصيدلاني عما يصفها بصفقة كبيرة من تلك الأدوية، جرى تهريبها إلى اليمن من قبل شخص يمارس التهريب التهريب لصالح رجل أعمال يعمل كوكيل لشركات هندية في اليمن، ومنها الشركة المسؤولة عن صناعة الدواء الذي قُدم للأطفال الضحايا.
يقول الصيدلاني معلقا: "هذه الشركة لم تدخل القائمة السوداء للأدوية المشبوهة، نظرا لقوة وجبروت مالك الشركات والوكيل الجديد والوحيد الذي يصول ويجول وتسجل شركاته مع أصنافها خلال أسابيع دون أي معارضة؛ وأن هذا التاجر واحد من العشرات الذين اعترفت بهم وزارة الصحة والهيئة العليا للأدوية، وأصبحوا الجهة الرسمية في كل ما يتعلق باستيراد وبيع وتوزيع الدواء في جميع المحافظات اليمنية".
وزارة الصحة تخفي الجريمة
وفي سبيل التحري بشكل أدق عن الأمر، طرحنا تساؤلاتنا على صيدلاني يعمل عضوا في نقابة ملاك الصيدليات، ونتحفظ على اسمه وفقا لطلبه، ونشير له بالرمز (ف. ط) والذي أكد أن الدواء الممنوح للأطفال يدخل اليمن عن طريق التهريب، وأن وزارة الصحة على علم بذلك، ووافقت على استيراده، كونها استطاعت تحديد الصنف والرقم التشغيلي المتواجد عليه من قبل وقوع الجريمة، ويستشهد على صحة كلامه بالتعميم الذي أصدرته الهيئة العليا للأدوية سالف الذكر.
يعلق الصيدلاني على ما جرى معتبرا أن وزارة الصحة تحاول اخفاء تورطها بالعملية، من خلال الحلقة الأضعف في القضية، عندما قامت بإلقاء القبض على بعض الباعة من ملاك الصيدليات، ولم تقم بإلقاء القبض على الموزع والوكيل الذي باع تلك الأدوية للصيدليات.
ويشير إلى أن من قام بإدخال هذا الصنف الدوائي إلى اليمن هو التاجر والوكيل الوحيد لعدد كبير من الأدوية، ويدعى اختصارا بـ "ي ي" – تحفظ الموقع بوست على نشر الاسم كاملا- مشيرا إلى أن هذا الشخص له علاقة وثيقة مع وزارة الصحة والهيئة العامة للأدوية، واصفا له بأنه "مافيا تتاجر بأرواح الناس عبر هذه الأدوية".
تكتم ومعلومات صادمة
تواصلنا مع إدارة الهيئة العليا للأدوية في صنعاء، ومع قيادة وزارة الصحة لطرح الاستفسارات التي نبحث عنها ضمن هذا التحقيق، وكان التهرب وصعوبة الوصول هو النتيجة مع كل شخصية نحاول الوصول إليها، وبعد جهود مضنية تواصلنا مع الدكتور أنيس الأصبحي الناطق باسم وزارة الصحة في صنعاء.
رفض الأصبحي في بادئ الأمر الإجابة عن الطرف المسؤول عن هذه الجرية، بحجة أنه غير مخول بالتصريح عن هذه القضية، واكتفى بالقول أن وزارة الصحة شكلت لجنة للتحقيق، وأن الهيئة العليا للأدوية تمتلك جميع الأدلة، وسوف توضح جميع الاجراءات خلال مؤتمر صحفي من المقرر أن ينعقد سيقام خلال الايام القادمة.
وبعد محاولات عديدة وحثيثة لسؤاله عن طبيعة الإجراءات التي اتخذتها وزارة الصحة، ونتائج التحقيقات الأولية، كشف الأصبحي لـ"الموقع بوست" المعالجات التي اتخذتها الوزارة عن هذه القضية، حتى لحظة كتابة هذه المادة.
يقول الأصبحي إن وزارة الصحة شكلت لجنة من كبار الاستشاريين، والمختصين في الأورام، والصيادلة المتخصصين في علم الأدوية بعد تلقي شكاوى من مستشفى الكويت بوجود مضاعفات ظهرت في حالات متعددة على الأطفال الذين تناولوا تلك الجرع المميتة.
ويضيف "وبعد دراسة عينة من تلك العبوات التي أُعطيت للأطفال المرضى، تبين أن العلاج المستخدم تعرض للتلوث، نتيجة لسوء التخزين، بسبب أن تلك المواد بالذات تحتاج لطرق تخزين معينة، مثل عدم تعرضها للضوء، وضرورة حفظها في الثلاجة، وابعادها عن أشعة الشمس، وعدة اشتراطات لتخزينها بشكل جيد، وفي حال وجود سوء في عملية التخزين تتحول تلك المواد إلى سامة".
لم يعلق الأصبحي عن الإجراءات المتخذة بحق المستوردين والموزعين لذلك الدواء، لكنه يشير إلى الوزارة باشرت النزول الميداني، وأغلق الصيدليات التي باعت ذلك العلاج للمرضى، رغم تأكيد بعض أباء الضحايا أن العلاج جرى صرفه لهم من قبل إدارة المستشفى
لكن المعلومة الأهم والأخطر التي أفصح عنها الأصبحي كانت هي الصادمة، وعندما تم سؤاله عن التاجر المسؤول عن إدخال هذا الصنف الدوائي لليمن، أفاد بأنه جرى التواصل مع الشركة التي صنعت الدواء لمعرفة وكيلها في اليمن، وتبين عدم وجود وكيل لها في اليمن.
تعامل جماعة الحوثي
منذ انتشار الأخبار عن وفاة الأطفال بصنعاء بدأت الأصوات تتعالى عن أسباب هذه الكارثة، ومعرفة التفاصيل التي قادت إليها، ولم تحرك جماعة الحوثي ساكنا تجاه القضية، التي أخذت أبعادا عديدة، وسلطت الضوء عن الوضع الصحي في مناطق سيطرة الحوثيين.
وفي الثالث عشر من أكتوبر الجاري أعلنت وزارة الصحة العامة والسكان في الحكومة التابعة لجماعة الحوثي (غير معترف بها دوليا) وفاة عشرة أطفال من المصابين بأورام الدم، بسبب عجز الوزارة في تأمين الأدوية الحيوية.
وأعادت الجماعة الأسباب إلى تأخر دخول تلك الأدوية من المنافذ الخاضعة لسيطرة من وصفتهم بدول العدوان، في إشارة للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، واتهمته بمنع دخول الأدوية الحيوية الخاصة بأمراض سرطان الدم.
بيان الوزارة قال إن نتائج التحقيقات كشفت عن وجود تلوث بكتيري في عبوات الدواء المستخدم، وتحديداً التشغيلة التي تمّ تهريبها، وفق ما بيّنته نتائج فحص المختبر الدوائي بالهيئة العليا للأدوية، وأن الجهات المختصة تقوم بتتبع طريقة دخول الدواء إلى اليمن، وأنها أحالت ملف القضية والتقرير النهائي إلى النيابة العامّة، لاستكمال التحقيق، واتّخاذ الإجراءات القانونيّة الرادعة.
وأشارت إلى أن تقرير اللجنة التي شكلتها أكد أن تسعة عشر من الأطفال المصابين بسرطان الدم، تتراوح أعمارهم بين 3 و15 سنة، تعرّضوا لمضاعفات إثر تلقيهم دواءً تم تهريبه إلى صيدلية خاصة، ولم تمر التشغيلة المهرّبة من الدواء المستخدم عبر إجراءات الهيئة العليا للأدوية، أو مناقصات المركز الوطني للأورام.
ومن الواضح في بيان وزارة الصحة أنها ألقت بالتهمة على أيد خارجية، وأنها اعترفت بوجود جريمة وقعت في نطاق عملها الخدمي، وأجهزتها المختصة، لكنها وقعت في التناقض حين أرجعت السبب لمنع التحالف دخول الدواء إلى اليمن، وفي نفس الوقت أقرت بوجود تهريب للدواء إلى البلد، الأمر الذي يثير التساؤل عن كيفية وصول الدواء المهرب إلى صنعاء، والجهات التي تقف خلف ذلك، وفشل المنظومة الأمنية والرقابية في أداء مهامها، والتقاعس الواضح في تسهيل وصوله وترويجه وبيعه، وصرفه للمرضى.
معلومات عن الشركة المصنعة
تنتج هذا الدواء شركة هندية تدعى (CELON LABS)، ومقرها في مدينة حيدر آباد الهندية، وهي شركة متخصصة في تطوير الأدوية الخاصة بعلاج الأورام السرطانية، والرعاية الحرجة، وتعتبر المورد المفضل لدى الجهات الحكومية في الهند لهذه العينة من الأدوية، ولديها تواجد في الأسواق الناشئة في افريقيا، وجنوب شرق اسيا وأمريكا اللاتينية، ويوجد لها وكلاء في المنطقة مثل لبنان، ممثلة بشركة البحر المتوسط الصيدلانية وشركة جاميكلو فارما.
وفقا لما ورد في موقعها الإلكتروني تقول الشركة إنها تملك أفضل البنى التحتية في الهند، ولديها مركز خاص بالبحث والتطوير الحديث يتوافق مع معايير cGMP الأكثر صرامة، ومعترف به لدى حكومة الهند، وأنها تعمل في إنشاء تركيبات عالية الجودة، وتركز على الحصول على أفضل المنتجات بأفضل عملية ممكنة لتصنيعها، بما يتوافق مع الامتثال الدوائي والمعايير التنظيمية.
الدواء المصنع معروضا في الشركة الهندية المنتجة له
وعند تصفح الأدوية التي تنتجها الشركة في موقعها الإلكتروني، يتضح وجوده ضمن قائمة الأدوية الرئيسية، ويصنف ضمن مضادات الأيض باسم (Methotrexate 2.5 mg Tab/15mg inj /50mg inj) وضمن تصنيف أدوية (Anti-metabolites)، وماركة (METHOCEL).
ويتضح أيضا أن الدواء أحد المنتجات الرئيسية للشركة، ويحظى بترويج واسع منها، وتقول الشركة إنه ساعد عدد كبير من مرضى السرطان على الشفاء لفترات طويلة، والعيش بشكل أفضل، وأن جهودها في علم الدم أسفرت عن إطلاق أول نخاع العظام في الهند.
والملاحظ أن عدة مواقع هندية تروج لهذا المنتج عبر الإنترنت، وتسمح بإمكانية التواصل معها، لمن يرغب في التحول لوكيل تجاري خاص بها، أو شراء المنتج عبر الإنترنت،
ماهية الدواء
الميثوتريكسات هو صنف دوائي عبارة عن أقراص مستديرة محدبة من الجانبين، ويعمل كمضاد لحمض الفوليك، ويصنف على أنه عامل سام للخلايا مضاد للأيض، ويتم استخدامه كعلاج للأورام السرطانية، بما في ذلك اللوكيميا الحادة، وسرطان الغدد الليمفاوية، والأورام اللحمية في الأنسجة الرخوة والعظم المنشأ، والأورام الصلبة، خاصةً الثدي والرئة والرأس والعنق والمثانة، وعنق الرحم، والمبيض، والخصية، وكذلك في علاج الحالات الشديدة من الصدفية غير المنضبطة، والتي لا تستجيب للعلاج التقليدي.
ويستعمل الدواء عن طريق الفم، ويشترط على من يصفه تحديد يوم تناوله، ويجب أن يؤخذ مرة واحدة في الأسبوع، لا ينبغي وصف الميثوتريكسات إلا من قبل الأطباء ذوي الخبرة في استخدامه، والفهم الكامل للمخاطر الناجمة عنه.
تحذيرات طبية عند استخدام الدواء
خلال عملية التحقيق والاستقصاء توصلنا إلى أن العديد من دول العالم لديها بحوث متاحة على شبكة الإنترنت، متخصصة عن الأدوية، وتشرح تفاعلات الدواء وأعراضه وكل الدراسات المتعلقة فيه، ومن ضمنها هذا الدواء الذي تقدم العديد من المواقع الصيدلانية والطبية المتخصصة العديد من النصائح حول استخدامه، وكيفية التعامل معه، وأعراضه.
وينصح موقع (drugs) المتخصص بالأدوية بأهمية تخزين الميثوتريكسات في الثلاجة بعيدًا عن الرطوبة والحرارة والضوء، ويشدد على أهمية تجنب تعريضه للتجميد أو الحرارة العالية، وعدم استخدامه بعد ستين يوما إذا تم حفظه في درجة حرارة الغرفة.
أما موقع (medicines) البريطاني المتخصص في الأدوية، فينصح بالتعامل مع هذا الصنف الدوائي من قبل موظفين مدربين، وأهمية ارتداء القفازات والنظارات الواقية لتجنب ملامسة الدواء للجلد أو العينين عن طريق الخطأ.
ويشدد موقع (medicines) على أهمية مراقبة المريض الذي يستخدم الدواء أثناء وبعد العلاج، حتى يتم الكشف عن العلامات، أو الأعراض السامة، أو ردود الفعل السلبية وتقييمها بأسرع وقت، وهو ما كان مفقودا في تعامل السلطات الصحية في صنعاء مع المرضى، وفقا لشهادات ذوي الضحايا.
من المحرر:
سعينا في هذا التحقيق لإبراز وجهات النظر لمختلف الأطراف، في قضية تعد من أخطر القضايا المتعلقة بصحة الإنسان، وتشكل فضيحة وجريمة بكل المقاييس، ونتحفظ على ذكر كثير من الأسماء، حرصا على حياة من أدلوا بالمعلومات الواردة في هذه المادة.
وننوه أيضا إلى أننا وجهنا العديد من الاستفسارات للشركة الهندية أملا في الحصول على معلومات منها، حول منتجها، وطبيعة تواجدها في اليمن، وفي حال الحصول على إجابات منها ستنشر في موقعنا الإلكتروني.