[ عبد الله شروح ]
عندما أكملت قراءة رواية "سوار النبي" للكاتب عبد الله شروح كانت أول ردات فعلي تجاهها أن اتصلت بصديق لي أعتابه، لأنه قبل عامين أعطاني انطاباعات عن الرواية جعلتني أحجم عن قراءتها. أنا الذي ذائقتي الأدبية تتفق كثيرا مع صديقي لم أفكر بقراءة الرواية بعد تلك اللحظة، الأمر الذي سيجعلني الآن بعد أن قرأتها أتخذ قرارا صارما، هو ألا أثق بذائقة أحد بخصوص الكتب سوى بذائقتي الخاصة.. سيكون عليّ تكبد عنا قراءة أي كتاب لأحكم عليه من تلقاء نفسي.
سأخبر صديقي ذلك أن "سوار النبي" هي واحدة من العبقريات الأدبية اليمنية. من خلال لغة جميلة وسرد أدبي باهر تمكن الكاتب من القبض على أكبر قدر ممكن من تفاصيل لحظتنا الراهنة، لحظة الحرب بتفاصيلها المأساوية، وبتجرد أدبي موضوعي جمع سارد الرواية كل وجهات النظر المختلفة حولها.
في نهاية المطاف سيتفق صديقي مع وجهة نظري بشأن الرواية بعد أن سيكون قد أعاد قراءتها مرة أخرى، سيخبرني أن قراءته الأولى "لسوار النبي" كان عقب صدورها مباشرة، ربما كان ذلك في مرحلة لم تكن الحرب قد حفرت بروحه أخاديدها المأساوية، كما هي الآن وهي تلج عامها السابع.
وبعد هذت كله سيكون عليّ أن أطلب منه أن يسمح لي بنشر النص أعلاه كمقدمة لحوار صحفي حول الرواية أجراه "الموقع بوست" مع مؤلفها.
نص الحوار:
* "سوار النبي"، هل أردت من الرواية أن تكون "وثيقة تاريخية" لحقبة مهمة من تأريخ اليمن تحكي تفاصيل الحرب في مأرب واليمن كلها أم ثمة دوافع أخرى؟
** دعنا نبتعد عن توصيف "وثيقة تاريخية"، ولنقل إنها رواية أرادت القبض على أكبر قدر ممكن من تفاصيل مرحلتنا الراهنة.
* وجدتُ أن الرواية استطاعت أن تنقل واقع الحرب في اليمن بتناقضاته وتساؤلاته أن تطرح وجهات النظر المختلفة بخصوص الحرب والمعركة مع الانقلاب.. كيف تمكنت من المحافظة على موضوعية الطرح في الوقت الذي انت لا تزال جنديا ضمن جيش في معركة لم تنته بعد؟
** هناك كتابة صحفية تعبوية وهناك كتابة أدبية إبداعية. في الأولى ينشغل الكاتب بالآني ويكون واضحاً في الغالب انتماؤه وانحيازاته، فيما الكتابة الإبداعية لها اشتراطاتها من ناحية كونها اشتغال فوق الانتماء الشخصي، اشتغال "يتغيا" الحرية في النهاية ومن خلال التوصيف الدقيق والمسؤول قدر الإمكان. لم أكتب "سوار النبي" من موقعي كجندي في الجيش وإنما كمراقب للشأن العام ومن مسافة حرصت أن تكون كافية لئلا أقع في فخ التمترس وراء جهة بعينها.
* ما الذي يجعل من كاتب وأديب يلتحق بالجيش ويحمل البندقية ليقاتل؟
** الكاتب والأديب هو مواطن في النهاية، يتعرض لويلات الحرب مثله مثل الآخرين، ويتوجب عليه الانخراط في النضال مثله مثل الآخرين أيضاً، والحقيقة أن واقع الحرب لا يسمح للكاتب أحياناً بأن يكتفي بنضال الكلمة بل يدفعه ليذود بالبندقية. على أنني حين نزحت إلى مأرب والتحقت بالجيش الوطني لم أكن مهتماً بعد بالكتابة والأدب. كنت تخرجت لتوي من كلية الهندسة. اهتمامي بالكتابة والأدب جاء بعد وصولي مأرب بفترة، في البداية كقرار ثم استحال ميولاً، وكان أول عمل كتبته "سوار النبي".
* الحرب لم تخلق فرص عمل غير الموت والقتال، تتضمن الرواية إشارات صريحة لهذه النقطة، هل يعتمد أرباب الحروب سياسات شأنها تعطيل قطاعات الحياة الأخرى حتى تربح تجارتهم ولا يجد الناس مجالاً لكسب العيش سوى الانخراط في صفوف القتال؟
** بالتأكيد. في حربنا مثلاً ترى أنه تم بناء نظام اقتصادي يقوم على جعل الحرب ومتعلقاتها هي السبيل الوحيد لكسب العيش، فاقم من هذا التشوه أداء المنظمات الدولية، وهذا بحث طويل يستدعي دراسة متمعنة وطويلة، على أنه لا شك في أن ذلك يحدث بوعي من تجار الحروب ووفقاً لمخططاتهم، لضمان استمرارية الحرب إلى أن تتحقق مصالحهم.
* شادي أحد شخصيات الرواية يستغرب عندما يجد قصرا قد بني في مأرب لأحد القيادات العسكرية التي فرت للتو من صنعاء حافية القدمين؟ ويتساءل محتارا: أيمكن أن نحرز نصرا في ظل قيادة تؤثث هناءتها على أنقاض شعبها؟
** أجل، تساؤل شادي هذا هو صرخة رفعها كجندي في وجه العبث الذي انزلقت إليه الكثير من القيادات الشرعية باستغلالها الوضع في مراكمة مكتسبات شخصية على حساب القضية والمعركة.
* الحرب تدخل عامها السابع أي الافتراضات الآن وجدت أنها أقرب للصواب.. رأي شادي المتشكك بكون القيادة لن تحقق نصرا، منطق قحطان وزين العابدين اللذان يبرران للواقع ويتلمسان له الأعذار بحجة القضية، أم أن منطق صابر الذي دائما يطلق جملته الاثيرة "كلهم كلاب" هو الأقرب للحكم على واقع الحرب؟
** شادي، قحطان، معاذ، نشوان... جميع هذه الشخصيات هي موجودة في داخل كل منا فيما يتعلق بمشكلتنا الراهنة. يتواجدون كأصوات وهواجس يظهر كل منها حسب متغيرات الحرب، وحسب طريقة تلقينا لهذه المتغيرات في لحظتها.
* لماذا برأيك نحن كشعب لا نزال نكرر الأخطاء التاريخية ذاتها، الخطأ ذاته الذي ارتكبه "سيف بن ذي يزن" ما زلنا نقبل بالغرباء بيننا ونقبل الارتهان لشروط الآخرين؟
** كل الشعوب تمر بدورة وعي، يتصاعد الوعي وينخفض بحسب متغيرات الحياة وطبيعة الصعود الحضاري. العلاقة مع الآخر ليست مسألة ثابتة سواء لدى شعبنا أو لدى باقي شعوب الأرض، أقصد أنه ليس من الإنصاف وسم شعبنا بهذا التقييم كقانون وقاعدة.
* تشير الرواية في فصولها الأولى للحرب باعتبارها حرب اليمنيين ضد "الأبناء" بقايا الفرس، وأن هدف إيران من اليمن استعادة "سوار النبي" لكن في الفصول المتأخرة من الرواية تعود لتشير أن هذا المنطق يشكل خطورة على مستقبل البلاد؟ كيف يمكن الموازنة في الخطاب بين منطقين: الحرب مع الهاشميين واستعادة الشرعية؟
** الرواية كانت محاولة للقبض على مختلف الرؤى والأصوات التي تتناول الحرب وتشارك فيها، ثمة العديد من الأفهام والدوافع في هذه الحرب، تتناقض مع بعضها أحياناً وتتفق، والحقيقة أن هذه مشكلة كبيرة يجب الاستمرار في دراستها ومعالجتها.
* في الرواية ثمة قلق وشك بخصوص أهداف الحرب المعلنة عنها من خلال قول سارد الرواية لزميله الجندي نشوان: "أرجوك لا تعد للجبهة.. برأيك يا نشوان تدرك أنه فخ، تدرك أننا حشرنا بين فكي تمساح بين انقلاب وحشي وشرعية بلا أفق، نحن يا صديقي نتخبط فحسب، نمضي بلا قيادة بلا خطة، لقد أفلحوا في جعلها حربا عبثية"، ما الذي يجعل هذا المنطق مقبولا حاليا؟
** اسمح لي هنا أن أنوه إلى أن السارد في الرواية ليس عبد الله شروح، السارد شخصية مثل باقي شخصيات الرواية، ألتقي معها وأفترق مثل جميعكم. سوار النبي ليست نوعاً من سيرة ذاتية لكاتبها. أما عن رأيي الشخصي في الحرب هل هي عبثية أم لا، فبالتأكيد ليست عبثية. طالما وثمة ولو فصيل واحد يخوض هذه الحرب انطلاقاً من الثوابت الوطنية: صون النظام الجمهوري وحراسة مكتسبات الثورة، فهذا كاف لعدم الاستسلام لمحاولات باقي الأطراف في تصويرها بالحرب العبثية.