[ الشاعر فؤاد الحميري ]
قال الناشط السياسي والشاعر فؤاد الحميري إن ثورة 11 فبراير مستمرة ومتجددة ويعاديها عكفة الإمامة ومرتزقة الاستعمار ومن خانوا الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
وأشار الحميري وهو من ضمن أحد القيادات الشابة في ثورة 11 فبراير المجيدة، في حوار مع "الموقع بوست"، إلى أن اليمن يخوض الآن معركته الأخيرة والكبيرة مع جذور مشكلاته السياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تلك الجذور التي قاربتها ثورتا السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر بقضائهما على الإمام والمستعمر، وقُدِّر لفبراير وأحراره أن يقتلعوا جذرها بقضائهم على ثقافة الإمامة وجذورها التي تولِّد الأئمة وعكفتهم، وثقافة الاستعمار وجذره الذي ينجب المستعمرين ومرتزقتهم.
وتابع الحميري بالقول "إذا كانت أعظم إنجازات ثورات دول الربيع العربي على الإطلاق هي كشفها وفضحها لـ"السلطات العميقة" في دولها تلك التي كانت تحكم ولا تُساءل، فإن ثورة فبراير قد تجاوزت ذلك لتكشف "السلطة الأعمق"، سلطة الألف عام بثنائيتها التاريخية النكدة "الإمامة والاستعمار" وهو ما يعني عمليا أننا وصلنا بإذن الله إلى المعركة الأخيرة في حرب الانتصار للهوية واستقلال الوطن".
تحدث الحميري في حواره عن أسباب تأخر تحقيق أهداف ثورة 11 فبراير وعن المعوقات والإرهاصات التي مرت بها البلاد.
نص الحوار:
* بداية أستاذ فؤاد ما الذي تحقق من أحلام "الربيع اليمني" بعد مرور 10 أعوام على انطلاقه؟
** باختصار.. استطاع إسقاط السلطة الفاسدة مع الحفاظ على الدولة عبر انتخابات رئاسية حافظت على روح الديمقراطية في أوج الفعل الثوري المستخدم عادة كمبرر للاستبداد ومشرعن للديكتاتورية.
- حافظ على الثورة من الثأر عبر حكومة ضمت الطيف السياسي بكافة ألوانه مبقياً الحزب الحاكم الذي حُلّ في كل من مصر وتونس والسودان.
- أعاد اليمنيين إلى (الشراكة) و(التوافق) بعد أن كانوا محكومين بالاستبداد والإملاءات.
- قدم نموذجاً حكومياً مثالياً بالنسبة لحكومات ما قبل الثورة حيث:
- ألغيت الجرعة السعرية لأول مرة.
- وظف آلاف العالقين على قوائم الانتظار في الخدمة المدنية.
- ثبت سعر العملة.
- تعوقد مع العاملين في مجال النظافة بعد أن كانوا أقرب إلى عمال السخرة محرومين من عقود العمل وحقوق العمال.
- ألغيت الاتفاقيات الاقتصادية المجحفة في حق المواطن والوطن.
- أعيد تعريف اليمن واليمني إيجابيا أمام الذات والآخر بعد عقود من التشويه السلطوي الممنهج بقصد ابتزاز الإقليم والعالم لمصالح شخصية وأسرية ضيقة.
- أقيم مؤتمر الحوار الوطني الأوسع في تاريخ اليمن المعاصر وخرج بوثيقة أشاد بها الداخل والخارج ودستور كان على مشارف الاستفتاء عليه.
كل ذلك وأكثر في السنوات الثلاث الأولى فقط من عمر الثورة المباركة.
وإذا كانت أعظم إنجازات ثورات دول الربيع العربي على الإطلاق هي كشفها وفضحها لـ(السلطات العميقة) في دولها تلك التي كانت تحكم ولا تُساءل، فإن ثورة فبراير قد تجاوزت ذلك لتكشف (السلطة الأعمق).. سلطة الألف عام بثنائيتها التاريخية النكدة، الإمامة والاستعمار، وهو ما يعني عمليا أننا وصلنا بإذن الله إلى المعركة الأخيرة في حرب الانتصار للهوية واستقلال الوطن.
ومن كان في شك من مكتسبات ثورة فبراير فلينظر إلى آثار وتبعات الانقلاب عليها، وسيعرف الفارق ويدرك الحقائق.
* كنت أحد القيادات الجماهيرية في الساحة الثورية، صف لنا تلك اللحظات التي عشتها في خضم الثورة؟
** أولاً: كل ثوار فبراير قادة بدون استثناء.
ثانياً: عشنا وكل من عرف ساحات التغيير وميادين الحرية أفضل مرحلة في حياتنا وحياة الوطن على الإطلاق: حرية وكرامة وأملاً وعملاً وصدقاً وإخلاصاً وتضحية وعطاء.
فلو كان على الأرض جنة زمانية لكانت 2011 ولو كان عليها جنة مكانية لكانت ساحات التغيير وميادين الحرية.
* كيف تقدر واقع اليمن الآن بعد انطلاقة الربيع اليمني في 2011؟
** اليمن يخوض الآن معركته الأخيرة والكبيرة مع جذور مشكلاته السياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تلك الجذور التي قاربتها ثورتا السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر بقضائهما على الإمام والمستعمر وقُدِّر لفبراير وأحراره أن يقتلعوا جذرها بقضائهم على ثقافة الإمامة وجذورها التي تولِّد الائمة وعكفتهم، وثقافة الاستعمار وجذره الذي ينجب المستعمرين ومرتزقتهم.
* البعض يصف ما حدث في فبراير 2011 بالنكبة الشعبية ولا تستحق الاحتفاء بها، ما رأيك أنت؟
** أحب تسمية المسميات بأسمائها: فلا سواء بين ثورات الشعوب مالكة السلطة ومصدرها، وانقلابات المتمردين ناهبي السلطة ومصادريها.
الثورات حق والانقلابات باطل وإن صاحبتهما الآلام فلا سواء، وهل آلام المخاض ودماء المواليد تساوي آلام التعذيب ودماء القتلى؟ فالنكبة هي أن يموت شعب من أجل فرد، أو يهلك وطن من أجل سلالة، ووقايةً من النكبة الفردية اندلعت الثورة، وعلاجاً من النكبة السلالية اشتعلت المقاومة.
* لماذا لم تتحقق مطالب ثورة الشباب ولم تثمر أزهار الربيع اليمني بعد من وجهة نظرك؟
** لأن الثمار تحتاج إلى استصلاح وسماد وحراثة وبذر وسقيا ورعاية وحماية وكل ذلك يحتاج إلى وقت.
وأعمار الشعوب لا تقاس بأعمار الأفراد، ولو قسنا -مع ذلك- عمر الثورة بأعمار الأفراد تعسفاً فسنجد أن وصول فرد إلى سن العاشرة يعني أنه لا زال طفلاً يفتقر إلى الرعاية والحماية فما بالك بسن ثورة وشعب.
وكما يرى بعض فلاسفة الثورة -والتاريخ يصدقهم- أن القوي ينتصر بالمناجزة والضعيف ينتصر بالمطاولة. وبالتالي فإن المستبدين وهم يبحثون عن الانتصار على شعوبهم (بالضربة القاضية) تنتصر الشعوب عليهم (بالنقاط).
وعسكريا: ينتصر القوي بتحقق أهدافه، ولم تتحقق أهداف الانقلابيين حتى الآن بحمد الله، وينتصر الضعيف ببقائه وثباته، وها هو الشعب باق ثابث مقاوم كما ترى.. وسينتصر. والمسار الصحيح وإن طال خير من المسار الخطأ وإن قصر، ولكنهم يستعجلون.
* برأيك وبعد ست سنوات من الحرب وما خلفته من معاناة وأوضاع إنسانية بالغة السوء من يتحمل مسؤولية ذلك؟
** المسؤول -بدون حياد مستحمِق أو تذاكٍ أحمق- هم المتسببون في الحرب الذين انقلبوا على السلطة والدولة والهوية ومخرجات الحوار الوطني.
ومن الخطأ بل الخطيئة مقاربة الحرب من خلال بعدها الإنساني فقط وما هو بكل مآسيه إلا عرضا من أعراض المرض الحقيقي المتمثل في الانقلاب السياسي والعسكري والاجتماعي والثقافي على اليمن: أرضا وإنسانا، تاريخا وجغرافيا، قيماً وهوية.
* هل تؤيد البعض من يُحمّل دول الإقليم خصوصا السعودية والإمارات السبب في عرقلة ثورة فبراير من خلال المبادرة الخليجية وتحويل الثورة إلى مسارات انتقالية وسياسية؟
** بعيداً عن شماعة الآخر ومع الاحتفاظ بالحق في مواجهة ما تيقن من ضرره فإن المسؤولية في انتصاراتنا أو انكساراتنا تعود في المقام الأول إلينا وعلينا، وهذا ما ينبغي أن نعالجه.
* الحوثيون كانوا من القوى التي شاركت في الثورة الشبابية، كيف يمكن أن نفهم انخراطهم في الحراك السلمي في فبراير وما قاموا به من انقلاب على العملية السياسية والتوافقية بعد عامين من الثورة؟
** هي ثورة شعبية وسيل جماهيري، والسيل فيه ما ينفع الناس وهو الأغلب وفيه الزبد الذي يذهب جفاء، ومن يدرك الوضع حينها يعرف أن صراعا ثقافيا كان يدور بين سلطة وشعب، سلطة لها انقلابها السابق تمديدا وتأبيدا وتوريثا، وشعب له ثورته اللاحقة رفضا وغضبا واستعصاء.
سلطة لها ميادينها، وشعب له ساحاته. سلطة تشجع على العنف وتجند البلاطجة وتوزع السلاح، وشعب يهتف للسلمية ويحشد المناضلين ويمنع السلاح.
فإن كانت ساحات الثورة قد ضمت حوثيين فقد حمت الشعب حينها من بلاطجة مفترضين ونزعت سلاحهم ووضعتهم تحت رقابتها الوقائية من جهة وتثقيفها العلاجي من جهة أخرى، والثورة بذلك تكون قد عاملت الحوثيين كأمثالهم من الأفراد والمكونات (الوظيفية) التي زرعتها السلطة مستفيدة من انفتاح الساحات على كل اليمنيين المؤمنين بالسلمية أو التائبين عن العنف.
فإذا فهم الأمر كذلك سهل فهم حقيقة وطبيعة انقلابهم على العملية السياسية والتوافقية.
* لعل أهم الانتقادات الموضوعية التي توجه لفبراير هو غياب المشروع وافتقار الرؤى؟ إلى أي مدى يمكن أن يكون هذا النقد صحيحا؟
** حين نتحدث عن الثورة كضرورة حتمية تفرضها سنن الكون ونواميس الحياة إن تقدمت أسبابها وقامت مقتضياتها ندرك أن وجود الرؤية المكتملة، وحضور المشروع الشامل لها، يغدو أمراً لاحقاً على اندلاعها لا سابقاً لها، فنحن نشعل الثورة بتوافقنا على ما لا نريد.. لكننا لا نقيم الدولة إلا باتفاقنا على ما نريد.
* يعتقد بعض الشباب ممن كانت لهم مشاركة فاعلة في الثورة أنهم تعرضوا للخذلان كما أنهم عجزوا عن خلق برنامجهم السياسي الذي يعبر عن تطلعاتهم بعيدا عن تأثيرات القوى التقليدية وأحقاد الماضي السحيق؟
** حدث هذا الأمر في كل الثورات السابقة وسيحدث في كل الثورات اللاحقة والثائر الحقيقي هو من يثور على الشعور بالخذلان، والحر الحقيقي هو المتحرر من الشعور بالعجز، فالثورة تبدأ مشاعر وتنتهي شعائر، ولن يصل خط النهاية من يسقط في البداية.
* البعض يلاحظ أن فبراير لم تكن ثورية بالمعنى المطلوب، وإنما كانت تحمل برنامجا إصلاحيا إضافة إلى أن العصب الأساس للحراك الثوري لحظتها كان من شباب أحزاب المعارضة.. كيف ترى ذلك أنت؟
** لا شك أن الثورة تحمل في الأساس أهدافاً وغايات سياسية متوسِّلة إليها بوسائل غير سياسية: إما مسلحة كما في ثورتي سبتمبر وأكتوبر أو سلمية كما في ثورة فبراير. وبتقديم الأحزاب كحامل سياسي لثورة فبراير تم تسييس الأهداف والوسائل معاً، حيث لم تطق الأحزاب العمل خارج إطارها الذي تألفه وبعيداً عن أدواتها التي تحسنها، وكون هذه الاحزاب حتى اليسارية الثورية في مبدئها قد انتهجت مع الأيام الخط الإصلاحي في التغيير، وجد الجميع أنفسهم -مختارين أو مضطرين- يتحدثون عن أزمة لا ثورة ويتعاملون وفق هذا التكييف.
وربما كان لطبيعة المجتمع اليمني المتسامح بطبعه والتصالحي بعُرفه ما دعَّم هذا التوجه اجتماعياً.
* هل تعتقد أن مطالب الثورة لا تزال ذات أولوية خاصة بعد الحرب الممتدة لست سنوات والتي يقول البعض إن الخروج منها بات متعذرا ويحتاج من الأطراف أن تخرج من أطر التفكير السائدة وربما لقوانين سياسية جديدة؟
** الثورة فعل مستمر له مراحله، وإن كان إسقاط سلطة الاستبداد في مرحلة سابقة، ثم مغالبة "السلطة العميقة" في مرحلة تليها قد كشف أخيراً عن "سلطة أعمق" تتجاوز الاستبداد إلى الاستعباد وترتكز على ثنائية الإمامة والاستعمار التاريخية النكدة، فمعنى هذا أننا في مرحلة جديدة من مراحل الثورة، نحتاج فيها إلى استحضار الطبيعة اليمنية المتصالحة والروح الفبرايري المتسامح للوصول إلى توافق إن لم يكن اتفاقاً على ما لا نريده الآن وفي هذه اللحظة.
وكما كانت تلك الطبيعة وذلك الروح سبباً لتسييس الثورة كما ذكرنا آنفاً لنجعل منها اليوم سبباً لتثوير السياسة والساسة. وأظن أن ما لا يريده اليمنيون الآن هو استمرار السلالية العنصرية الإرهابية في اليمن منهجاً وسلوكاً وتنظيماً.
ما لا يريده اليمنيون الآن هو بقاء الإمامة الاستعمارية أو الاستعمار الإمامي.
فلنجتمع نحن الرافضين للحوثية فكرا وسلوكا وتنظيما تحت شعار واحد، بعد أن جمعنا تجاههم شعور واحد، ولتكن هذه المرحلة الثورية أعم وأشمل لأنها أدق وأعمق.
وفي اعتقادي أن التوافق على ما لا نريده في 2021 سيكون أكبر بكثير من التوافق حول ما لم نكن نريده عام 2011، وهي بداية للمرحلة الأهم والأكبر وهي مرحلة التوافق بل والاتفاق على ما نريد.. لنتوج الثورة ببناء الدولة.
* من بين جميع الأطراف والقوى التي تتحكم بالمشهد الساسي في اليمن من هو الطرف الذي يعادي ثورة فبراير، وما هي مصلحته من ذلك؟
** يعاديها عكفة الإمامة ومرتزقة الاستعمار، كما يعاديها -للمفارقة- من خانوا الرئيس السابق، فبعد أن كنا نظنهم ناقمين على الثورة لرفضها صالح وإسقاطها إياه من السلطة إذ بنا نكتشف -بعد أن رأيناهم يرقصون على جثته- أنهم إنما نقموا عليها تحصينه وكانوا يرجون لو أهانته، وصون دمه وكانوا يتمنون لو سفكته.
* ما هي توقعاتك المستقبلية للحرب والسلام ومستقبل الديمقراطية والعملية السياسية في اليمن بعد أكثر من ستة أعوام حرب؟
** إجابتي على هذا السؤال لا تنطلق من موازين القوى المادية حالياً وطبيعة التحالفات السياسية والعسكرية القائمة الآن فحسب بل من قراءة تراكمية للأحداث منذ 2007 وتتبع للخط البياني للوعي الفردي والجمعي لليمنيين منذ 2011، واستقراء متعمق للصمود الأسطوري للجيش الوطني والمقاومة الشعبية الذي يمثل ثوار فبراير عموده الفقري وتقف من ورائه الحاضنة الشعبية المستعصية على كافة الضغوط العسكرية والاقتصادية، واستشراف لحال الربيع العربي الذي عاد يزهر في بلدان عربية جديدة بعد سنين من إرهاب زبانية الثورات المضادة وطغيانهم في رسالة مفادها أن الربيع قدر الأرض وخيار السماء.
فبناء على ذلك كله أتوقع أن المستقبل للسلام لا الحرب، وللديمقراطية لا الثيوقراطية، وللشعب لا السلالة، وللوطن لا الجهة أو المنطقة أو القبيلة.
وأن العدو العميق الذي يقف أمامنا اليوم والذي أكرر دعوتي إلى الثورة عليه والاصطفاف في مواجهته مثّل بتجبره على الكل وإرهابه للجميع واستخفافه بالكافة فرصة تاريخية لرأب الصدع الوطني ولمّ شمل اليمنيين وإعادة خارطة تحالفاتهم الداخلية.