[ الأستاذ الدكتور محمد العودي ]
روائي وشاعر وناقد وأكاديمي متخصص في تدريس الأدب، ولد في أواخر ستينيات القرن المنصرم في محافظة الضالع، وتعرض لأكثر من مرة للتهديد بالقتل من مجهولين بسبب رواياته ومجموعاته القصصية التي أثار بعضها الجدل.
كان لقصائده الثورية تأثير في أوساط الشباب اليمني في الساحات إبان ثورة الحادي عشر من فبراير المجيدة 2011، وخلال الفترة الانتقالية التي أعقبت الثورة، وكان حاضراً في طاولة الحوار الوطني اليمني كأحد أهم أعضائه المدافعين عن الحقوق والحريات، وقبل عامين منعت السلطات السعودية عبور كتب ألّفها إلى اليمن لأسباب غير معلومة.
نتحدث هنا عن الأستاذ الدكتور محمد مسعد العودي أستاذ النقد في جامعة عدن، الذي التقى به "الموقع بوست" للحديث عن إنتاجاته الأدبية، وقضايا أخرى متصلة.
إلى الحوار:
* لك عدة مؤلفات في النقد الأدبي، أبرزها: كتاب "بنية التناص في تجربة الهمداني" وكتاب "الصورة في شعر المقالح" و"التناص في شعر البردوني"، برأيك إلى أي مدى يمكننا أن نعتبر مهمة النقد الأدبي في اليمن شاقة؟
** نعم أنا أكتب في النقد مستمتعاً، مثلما أكتب النص الروائي، والنقد اليوم لم تعد مهمته تسقط مواطن القبح وتوجيهها، وتسقط مواطن الخطأ وتصحيحها، النقد اليوم اختلفت وظيفته، فهو يسعى لهدم النص المنقود، ليبني من أشلائه ذاته، أي أن النقد يعمل على إعادة إنتاج النص في قالب القراءة، فالقراءة النقدية تعد نصاً يحتاج قراءة من ناقد آخر، لكن مهمة النقد لا مشقة فيها إذا توفرت الموهبة، لأنه موهبة مثل الشعر، فإذا كان الناقد موهوباً وقد حباه الله بهذه المقدرة، فلا مشقة إلا في النشر، فالكاتب اليمني عموماً يعاني من مشقة النشر، لا من مشقة الكتابة، وأنا أعرف الكثيرين لديهم دراسات لم يستطيعوا نشرها.
* مسقط رأسك في قرية "العقلة" بمحافظة "الضالع" يلاحظ من خلال رواياتك ولعك وشغفك بتلك القرية؟ لماذا كل هذا الشغف؟
** قرية العقلة بالتأكيد هي أول ما فتحت عينيّ بها، وكانت أمامي بأرضها وجبالها وسحرها، كنت أظن حين كنت طفلاً أن الشمس تشرق من خلف جبالها الشرقية تماماً، فثمة موطنها، وتغيب خلف جبالها الغربية، وثمة منتهاها، والعقلة محاطة بالجبال من كل الجهات، فكنت أظن أن لا عالم آخر خلف تلك الجبال، إنها كل العالم، أكلتُ من خيراتها وشربتُ ماءها، وتنفست هواءها، أعطتني كل شيء أبي أمي إخواني، ثم أعطتني حبيبتي هيلين، ثم أولادي، أنا احب العالم، وأجمل ما في العالم اليمن، وأجمل ما في اليمن الضالع، وأجمل ما في الضالع العقلة، وأجمل ما في العقلة منزلي المتواضع، تسنت لي ظروف كثيرة للسفر إلى مواطن مختلفة من ضمنها التدريس في جامعة كوريا الجنوبية مع بيت وسيارة واستقبال رسمي في المطار، وأجر خمسة آلاف دولار على أقل تقدير، ولم يطاوعني قلبي على مغادرة الوطن وبقيت أشتغل بأقل من 500 دولار، لولا أني أشتغل بزراعة القات أيضاً ما كفتني مؤنة الحياة، أستطيع أن أسكن بمدينة عدن، لكن قلبي لا يطاوعني إلا أن أسكن فيها، أذهب إلى عدن بسيارتي، حينما تكون لدي محاضرات مع طلاب الدراسات العليا ماجستير ودكتوراه أو مناقشة أو إشراف وأعود إليها، إنها عالمي، ولعل إحساسي القديم بأنها كل العالم ما زال هو الإحساس نفسه.
* لماذا تتعمد جمع الحقيقة والأسطورة في معظم أعمالك السردية؟
** لا يمكن أن يكون العالم واقعياً صرفاً، فأحيانا يكون العالم الواقعي خرافة، وأحيانا تكون الخرافة عالماً واقعياً، أنا لا أوحدهما، فهما متوحدان تماماً مثلما هما منفصلان، قد يكون العالم الحقيقي خلف جدار الفيزياء، فلا يمكن أن نجزم أن المادة هي حقيقة العالم، فثمة عالم خلف الجدار الصلب للمادة هو جوهر العالم وحقيقته وهو ما نظنه الأسطورة.
* روايات "المستحيلة، الغادرة، المدهشة، الرصاصة"، جميعها عناوين لأهم إنتاجاتك الأدبية، ماهي الرواية المفضلة لديك؟
** كل عمل أفرغ منه هو الأهم، أو عندما أعود لقراءة عمل أظنه هو الأهم، فقد فرغت من نشر رواية البئر مؤخراً من دار كفاءة المعرفة عمان الأردن، وأظنها الأجمل، لكن أصدقائي يجمعون أن اليقطينة هي الأجمل، ولكني أعتقد أن أجمل نص لم يأت بعد ولن يأتي لأنني سأموت قبل أن أكتبه.
* بسبب ما جاء في بعض رواياتك ومنها "اليقطينة" تعرضت لاعتداء وصل حد التهديد بالقتل، وقبلها كنت قد تعرضت لمضايقات شتى على خلفية إنتاجاتك السردية والأدبية، كيف استطعت تجاوز كل تلك المنغصات؟
** نعم تعرضت لتهديدات، بل تجاوزت التهديدات الى الاعتداءات، لولا أني كنت مسلحاً لضُربت، لكني لا التفت إلى تلك التهديدات، لأني مؤمن بقدري وبحماية الله لي، ولأني لم أعتدِ على أحد، ولم أسبب أذىً لأحد، لكني سأظل أقول أفكاري بشجاعة، وإن قُتلت في قارعة الطريق، وإن حدث أن قُتلت فعندها أكون قد تخلصت من شبح الموت الذي يلاحقني، فلا يمكن أن نتخلص من شبح الموت الذي يلاحقنا إلا بالموت ذاته فقط ولا سبيل آخر.
* تم تهديدك بالمحاكمة على خلفية إنتاجاتك الأدبية من قبل بعض القيادات السياسية في محافظة الضالع،إلى أين وصلت تلك التهديدات؟
** حُلت بطرق ودية.
* إلى الآن لم يجد متابعوك وقراؤك تفسيراً حول منع كتبك من المرور عبر الحدود السعودية وصولاً إلى اليمن، حيث لم يصدُر تبرير رسمي من السلطات في السعودية؟
** هذه الحادثة جعلتني أتيقن أن بناء مؤسسات الدولة السعودية بناء هش، منعوا مرور الكتب بلا سبب، رغم أنها بيعت في المعارض السعودية، ثم خرجت بوساطة من شخصية سعودية كبيرة لها علاقة بطلاب الدراسات العليا مثل د. عادل علي ناصر ود.حافظ قاسم، ثم استلمت تلك الشخصية الكتب دون تفويض مني، المهم الكتب وصلتني بطرق شخصية، وهذا يدل على غياب الدولة، السعودية يحكمها المزاج الشخصي من العسكري إلى الملك.
* كيف تقيّم واقع حقوق المؤلف اليمني في ظل الحرب الراهنة التي يعاني منها المثقف أسوة ببقية فئات المجتمع؟
** ليس هناك حقوق مؤلف يمني لا قبل الحرب ولا أثنائها، ولم يهتم أحد في التاريخ اليمني كله بحقوق المؤلف إلا في حقبة حكم بني رسول.
* أسست عدة منتديات أدبية في الجنوب واليمن بشكل عام، برأيك هل لمثل تلك المنتديات دور في التخفيف من تبعات النزاع المسلح الذي تشهده اليمن منذ نحو ستة أعوام؟
** ربما يؤثر ذلك على المستوى النفسي، ويؤثر في الطبقة المثقفة التي لم تعد قادرة على التأثير على العامة اللاهثة وراء المال بسبب عوزها، والخارج هو من يتحكم بنا، لكننا لن نمل من العمل الفكري أبداً، بغض النظر عن تأثيره البسيط الذي لا يكاد يذكر.
* دكتور محمد دخلت المعترك السياسي في وقت مبكر، وتقلدت مناصب في محافل هامة باليمن منها عضو مؤتمر الحوار الوطني، برأيك هل السياسة تُحد من إبداع المثقف؟
** لم أكن سياسياً يوما، ولن أكون، كنت ثائراً وسأظل ثائراً بمحبرتي ولساني وبندقيتي إن تطلب الأمر ذلك.
* أنت أيضاً تعمل أستاذاً للنقد الأدبي الحديث في جامعة عدن، حدثنا عن طريقتك في التعليم الأكاديمي، هل تحبذ استعراض إنتاجاتك الأدبية كنماذج حية يستفيد منها طلابك؟ وكيف تقيم مستوى الجيل الجديد من طلابك وغيرهم في تعلمهم اللغة العربية في الوقت الحاضر؟
** من الصعب جدا الإجابة على هذا السؤال بشطره الأول، أما بالنسبة لطلاب الدراسات العليا فهم بغاية التميز رغم هذه الظروف، هم من يمنحونا الأمل بمستقبل واعد.
* لك تجارب في كتابة القصائد العاطفية وفي الشعر الشعبي، أين تجد نفسك أكثر؟
** أجد نفسي في النص الأدبي بعيداً عن فكرة جنسه.
* ديوان "دموع البن" أحد أهم مؤلفاتك الشعرية التي تحوي على قصائد ثورية كنت تكتبها وتلقيها في ساحات الاحتجاجات في اليمن خلال ثورات الربيع العربي، برأيك متى ستجف الدموع المنهمرة من شجرة البن في اليمن؟
** حين تعود شجرة البن إلى الحياة وتتسيد المشهد العالمي كما كانت، هي رمز مكثف لحياتنا.