[ اغتيال القيادي الحوثي حسن زيد في العاصمة صنعاء يثير الجدل ]
كشفت حادثة اغتيال القيادي الحوثي البارز حسن زيد وسط العاصمة صنعاء مدى عمق الخلافات بين الأجنحة والهويات السلالية "الهاشمية" الصغيرة، ومن شأن حادثة الاغتيال هذه زيادة تعميق التصدعات بين أجنحة جماعة الحوثي، خاصة أن حادثة اغتيال "زيد"، المحسوب على جناح حوثيي صنعاء، تأتي بعد نحو 14 شهرا على حادثة اغتيال إبراهيم الحوثي، شقيق زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، المحسوب على جناح صعدة، الذي اغتيل أيضا في صنعاء في أغسطس 2019، وفي كلتا حالتي الاغتيال سارعت جماعة الحوثي إلى اتهام التحالف العربي بالمسؤولية عنها، قبل إجراء أي تحقيقات وقبل الإعلان عن القبض على الجناة.
ورغم أنه سبق أن اغتيل عدد من القيادات السلالية الهاشمية في العاصمة صنعاء قبل وبعد انقلاب جماعة الحوثي على السلطة الشرعية، مثل: محمد عبد الملك المتوكل، وأحمد شرف الدين، وعبد الكريم جدبان، وعبد الكريم الخيواني، وأيضا إبراهيم الحوثي، الذي كان ممسكا بالملف الاقتصادي والمالي للجماعة، إلا أن حادثة اغتيال حسن زيد ستشكل منعطفا خطيرا في العلاقة بين أقطاب جماعة الحوثي وأجنحتها المتنافرة، وربما تفتح الباب على مصراعيه لحوادث اغتيالات مماثلة والتعجيل بحسم ملف كان هناك من يريد تأخيره إلى أجل غير مسمى.
والأهم في الأمر أن اغتيال "زيد" سيزعزع ثقة قيادات جماعة الحوثي ببعضها، وسيقلل مختلف قادة الجماعة من تحركاتهم وتكثيف الحراسات الشخصية والاستعداد لكل الاحتمالات، بالإضافة إلى تربصهم ببعضهم، غير أنه لا يمكن الرهان حاليا على نشوب حرب بين أجنحة جماعة الحوثي، لأن مقاتلي الجماعة، ومعظمهم من أبناء القبائل التي لا تنتمي للسلالة الهاشمية المزعومة، لم يعيشوا بعد تفاصيل تلك الخلافات، وفي حال نشوب حرب من هذا القبيل، فإن غالبيتهم سيميلون لجناح صعدة (عائلة الحوثي)، كونه الجناح العقائدي المتطرف الأكثر تحركا في الميدان والأكثر قدرة على حشد المقاتلين وتدريبهم والزج بهم في حروب عبثية.
ملابسات اغتيال "زيد"
كانت حادثة اغتيال حسن زيد مفاجئة لكثير من المراقبين، كونه ليس له نفوذ يذكر في أوساط جماعة الحوثي، ولم يسبق أن ظهرت خلافات بينه وبين بعض قادة الجماعة. وإذا افترضنا أن قرار تصفيته جاء للتخلص منه كونه قدم من زمن السياسة وله ميراث من العلاقات الممتدة مع بعض أطياف العمل السياسي، فإن سجله السياسي منذ انقلاب جماعة الحوثي على السلطة الشرعية نسف كل ماضيه السياسي وطوى علاقاته الشخصية وانفتاحه على بعض أطياف العمل السياسي، حيث برز محرضا على القتل ومتفاخرا بنسبه الهاشمي المزعوم وداعيا لإغلاق المدارس وإرسال الطلاب إلى جبهات القتال.
وللاقتراب من أسباب عملية الاغتيال المفاجئة، يمكن إلقاء نظرة سريعة على ملابسات العملية وتوقيتها، خاصة أن حسن زيد كان من القيادات التي يمكن القول إنه تم وضعها على "الرف"، وتعيينه في منصب وزير الشباب والرياضة، في وقت همشت فيه الرياضة وانعدم النشاط الرياضي تماما، كان بهدف إبعاده عن أي تأثير أو اكتساب نفوذ وعلاقات في أوساط جماعة الحوثي والسلالة "الهاشمية" المزعومة بشكل عام، ويبدو أنه، أي حسن زيد، فهم ما هو مطلوب منه، ولذا فقد فضل التواري وعدم الظهور الإعلامي كما كان معهودا منه قبل الانقلاب وسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، ولعله فهم الدرس بعد اغتيال قادة سابقين في الجماعة والسلالة المنتمي إليها.
لكن يبدو أن الرجل بدأ الاقتراب من الخطوط الحمراء الممنوع تجاوزها، عندما حاول إنعاش وزارة الشباب والرياضة من خلال تدشين بعض الأنشطة الرياضية، وما رافقها من زخم وتفاعل كبير داخل مدينة صنعاء، والتي بدأها ببطولة أطلق عليها "كأس الصحابي بلال بن رباح"، ثم بطولة "دوري الشركات"، وبطولة شركة "يمن موبايل"، وماراثون سباق بمشاركة 500 شاب، وغير ذلك من الأنشطة الرياضة داخل أمانة العاصمة وبعض مديريات محافظة صنعاء، وتناقلت وسائل الإعلام الحوثية أخبار تلك البطولات، ونشرت تصريحات لحسن زيد بشأنها، ويقال إنه حضر تدشين بعضها.
ورغم أن تلك البطولات دشنت ضمن فعاليات احتفال جماعة الحوثي بما تسميها ذكرى المولد النبوي، غير أن الزخم الجماهيري الذي اكتسبته تلك البطولات وما أثارته من حنين الشباب لزمن الرياضة، ربما أثار مخاوف وحنق بعض قيادات الجماعة من أن يكتسب حسن زيد شعبية أو نفوذا في أوساط الشباب، خاصة أن جماعة الحوثي تنظر للرياضة نظرة عداء، كونها تلهي الشباب عن الانخراط في صفوفها والذهاب إلى جبهات القتال. ويمكن القول إن قرار تصفية "زيد" كان خوفا من تسلله عبر بوابة "الرياضة" للظهور الإعلامي ومحاولة اكتساب نفوذ وشعبية لم يتوقع عواقبها، خاصة في ظل صراع بين مختلف أجنحة جماعة الحوثي، بينما ينتمي هو للطرف الأضعف في معادلة الصراع.
صراع الأجنحة.. إلى أين؟
باغتيال القيادي الحوثي حسن زيد وسط العاصمة صنعاء، التي تسيطر عليها جماعته، وهو بسيارته رفقة ابنته التي أصيبت بجروح خطيرة وتتحدث أنباء عن وفاتها، فإن الصراع بين أقطاب وأجنحة جماعة الحوثي يكون قد انتقل إلى مرحلة متقدمة من الصعب التكهن بمآلاتها حاليا، نظرا للسجل الإجرامي للجماعة والذي شمل خصومها وحلفاءها ومؤيديها وقادتها على حد سواء، أي أن العلاقات البينية لأجنحة الجماعة لن تكون بعد حادثة اغتيال "زيد" كما كانت قبلها.
وتأتي حادثة اغتيال حسن زيد بعد أن تزايدت حدة الصراعات الداخلية بين أجنحة جماعة الحوثي منذ قتلها حليفها السابق علي عبد الله صالح في ديسمبر 2017، وشملت الصراعات الجوانب الأمنية والنفوذ السياسي والعسكري والخلاف على الجبايات والمنهوبات بشكل عام.
أما أسباب الصراعات فتعود إلى تعدد أجنحة الجماعة، وهذه الأجنحة ظهرت كنتيجة لتعدد العائلات السلالية الطامحة للسيطرة على السلطة مثل عائلة آل المتوكل وعائلة آل الشامي وعائلة آل شرف الدين وغيرها، والتي تحاول إزاحة عائلة آل الحوثي من المشهد من خلال التحالف مع بعض قادة المليشيات من وراء ستار، خاصة أن مختلف العائلات السلالية تنظر لعائلة آل الحوثي نظرة دونية باعتبارها عائلة متخلفة ولا تفقه شيئا في شؤون السياسة والحكم والاقتصاد.
وفي المقابل، تنظر عائلة آل الحوثي للعوائل السلالية الأخرى نظرة حقد كونها همشتها تماما في زمن حكم الأئمة قبل ثورة 26 سبتمبر 1962، وبالتالي فهي تريد تطويع بقية العوائل السلالية لخدمتها وعدم منافستها، ويتمثل ذلك في حرصها على عدم السماح ببروز أي قيادي كبير من العوائل السلالية الأخرى، واغتيالها لبعض الرموز السلالية في وقت مبكر قبل الانقلاب وبعده، خشية منافستهم لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي. وبعد استشعارها للخطر، أنشأت جماعة الحوثي ما يسمى "جهاز الأمن الوقائي"، الذي أصبح يمارس البطش والتنكيل في حق كل من يحاول بناء نفوذ خاص به ولو على مستوى منطقة صغيرة.
صراع المكاسب والنفوذ
يشكل الصراع على المكاسب والنفوذ المحور الرئيسي في الصراع بين أجنحة جماعة الحوثي، وبدأ يظهر بشكل بارز بعد أحداث صنعاء في ديسمبر 2017 بين طرفي الانقلاب، جماعة الحوثي وحليفها الرئيس السابق علي عبد الله صالح وجناحه في حزب المؤتمر، وانتهت تلك الأحداث بقتل الحوثيين لعلي صالح والتنكيل بجناحه في حزب المؤتمر، وبدأت بعد ذلك مباشرة الصراعات بين أجنحة الجماعة.
بدأ الصراع بين ما تسمى "اللجنة الثورية العليا" للحوثيين وما يسمى "المجلس السياسي الأعلى" الذي تم الاتفاق أن يكون مناصفة بين الحوثيين والمؤتمريين (جناح علي صالح)، لكن اللافت هو أن الصراع استمر بين الطرفين حتى بعد قتل الحوثيين لعلي صالح، الذي قيل إنه كان هو مهندس ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى"، بهدف الحرص على بقاء أتباعه في سلطات الانقلاب بعد أن بدأ الحوثيون بإقصائهم بشكل ممنهج.
لم يتوقف الصراع بين ما يسمى "المجلس السياسي" و"اللجنة الثورية" على المصالح والنفوذ إلا بعد مقتل رئيس ما يسمى المجلس السياسي صالح الصماد، والذي قيل إنه لقي حتفه جراء غارة جوية للتحالف العربي، بينما تتحدث مصادر أخرى أن من قتله هم الحوثيون وتكتموا على ذلك عدة أيام ليعلنوا أنه قتل في غارة جوية التحالف، وسبق ذلك أن وجهت له الأوامر من زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، بالتحركات الميدانية المكشوفة لحشد المقاتلين إلى الساحل الغربي، لكن تلك التحركات أكسبته نفوذا كبيرا في أوساط القبائل والمقاتلين في صفوف المليشيات لقربه منهم، فتمت تصفيته خشية من تنامي نفوذه.
ظهرت بعد ذلك أوجه عديدة للصراع، وكانت في مجملها تحرص على عدم بروز أي قائد عسكري أو ميداني أو سياسي أو حتى شيخ قبلي، ويُكَوّن نفوذا خاصا به بعيدا عن أعين الجناح الرئيسي في الجماعة، أي جناح عائلة آل الحوثي، وهذا ما جعل العديد من كبار الشخصيات التي تنتمي لعوائل سلالية كبيرة تغادر البلاد خشية من أن يتم اغتيالها.
صراع القيادات العليا للجماعة
لم تقتصر الخلافات والصراعات داخل جماعة الحوثي على الأجنحة المذكورة سابقا، وإنما تتعداها إلى القيادات العليا للجماعة، وإلى أفراد عائلة الحوثي أنفسهم. فمثلا، يحرص عبد الملك الحوثي على أن يظل هو الممسك الوحيد بالجماعة واحتكار قيادتها، بدون أن يصعد نجم منافس له ولو كان من إخوانه أو أبناء أعمامه.
ومن أجل ذلك، بدأ بتلميع وتأهيل نجله "جبريل" ليكون زعيما للجماعة في حال وفاته أو قتله، وهو ما أثار غيض أخيه يحيى الحوثي الأكبر منه سنا، الذي تم تعيينه وزيرا للتربية والتعليم، وهي وظيفة -رغم أهميتها- إلا أنها لن تمكنه من بناء نفوذ شخصي في أوساط القبائل والمليشيات التابعة للجماعة.
ورغم أنه تم تعيين محمد علي الحوثي في بداية الانقلاب ليكون رئيسا لما تسمى "اللجنة الثورية العليا"، إلا أن الخشية من تصاعد نفوذه دفعت بزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي إلى الاتفاق مع حليفه علي صالح وجناحه في حزب المؤتمر، قبل فض التحالف بينهما، على تشكيل ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى" لتؤول إليه صلاحيات ما تسمى "اللجنة الثورية العليا".
والهدف من ذلك هو تهميش محمد علي الحوثي وتحجيم نفوذه من خلال ما يسمى "المجلس السياسي"، وكانت النتيجة أن ظهرت خلافات بين محمد علي الحوثي وصالح الصماد، وهي الخلافات التي ربما أفضت إلى اغتيال صالح الصماد.
خلافات داخل الجناح العسكري
كما أن الخلافات طالت أيضا الجناح العسكري للجماعة، وهو الجناح الذي ظهرت فيه ثلاثة أجنحة تتنازع الصلاحيات فيما بينها.
فبالرغم من أنه تم إسناد الملف العسكري للقيادي في الجماعة عبد الخالق الحوثي، إلا أن الخشية من تزايد نفوذه دفعت بزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي إلى تصعيد كل من يحيى الشامي وأبو علي الحاكم ليكونا منافسيْن له، حتى لا ينفرد بالملف العسكري للجماعة وينقلب على زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.
ويُلاحظ من خلال الإجراءات التي اتخذها زعيم الجماعة، في مساعيه لتحجيم نفوذ كل من محمد علي الحوثي وعبد الخالق الحوثي وأخيه يحيى الحوثي، أنه يخشى من المنتمين لعائلة الحوثي أولا، ثم المنتمين للسلالة التي تدعي النسب الهاشمي ثانيا. ويعني كل ذلك أن الخلافات والصراعات بين أجنحة وأقطاب وقادة جماعة الحوثي مركبة ومعقدة ومتداخلة، وأن نتائجها الكارثية المؤجلة لم يحن وقتها بعد.
عقيدة قتل المنافسين
الجدير بالذكر أن القتل بشتى الطرق الممكنة لتصفية الخلافات والصراعات على السلطة تم التأصيل لها فقهيا لدى الحوثيين وأجدادهم الأئمة الزيديين، حيث كانت الصراعات والحروب العنيفة تنشب من حين لآخر بين الأئمة أنفسهم، بسبب ادعاء كل منهم أحقيته في الإمامة وحكم البلاد، وهذا الأمر مسنود ومكرس بتأصيل فقهي وفقا للمذهب الزيدي، حيث يتيح المذهب لمن رأى في نفسه القدرة والأحقية بالإمامة والسلطة أن يخرج شاهرا سيفه وداعيا المواطنين إلى مبايعته إماما، وليقاتل كل من يعترضه حتى وإن كان الإمام أو الحاكم الذي يرى أنه ضعيفا ولا تتوفر فيه شروط الإمامة.
كما أن المذهب الزيدي الهادوي يجيز تولي إمامين للسلطة بشكل متزامن في البلاد إذا توفرت في كل منهما شروط تولي الإمامة التي حددها لذلك، وهذا التأصيل الفقهي هو الذي فتح الباب على مصراعيه للأئمة وأتباعهم للاقتتال فيما بينهم من أجل السلطة، متخذين من أبناء القبائل الجهلة والبسطاء وقودا لحروبهم العبثية التي دمرت اليمن أرضا وإنسانا خلال حقبة زمنية طويلة، وما زال القتل والتدمير بذريعة الحق الإلهي في السلطة، والخلاف على الأحقية بالإمامة، قائما إلى يومنا هذا.