[ محمد زمام وحافظ معياد - أرشيفية ]
كما كان قرار تعيين محمد زمام محافظا للبنك المركزي اليمني مفاجئا، فقد جاء قرار إقالته وتعيين حافظ معياد خلفا له مفاجئا، كثالث محافظ للبنك منذ قرار نقل مقر البنك الرئيسي من صنعاء إلى عدن، وكما هي معظم قرارات الرئيس هادي التي تتسم بعنصر المفاجأة والغرابة، وتكشف عن تخبط في إدارة الشرعية اليمنية، وعشوائية في انتقاء رجالاتها.
أصدر الرئيس عبد ربه منصور هادي، في سبتمبر/أيلول 2016م، قرارا جمهوريا قضى بنقل مقر البنك الرئيسي من العاصمة اليمنية صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، وتعيين منصر القعيطي محافظا للبنك المركزي اليمني خلفا للمحافظ محمد بن همام الذي شغل المنصب منذ أبريل/نيسان 2010م، ووصفت إدارته بالناجحة.
جاء تعيين القعيطي بعد خراب مالطا كما يقال، فقد كانت جماعة الحوثي عبثت بالاحتياطات النقدية الأجنبية والإيرادات العامة للدولة إثر قيامها بانقلاب مسلح على الشرعية اليمنية في سبتمبر/أيلول 2014م، ونهبت نحو 5.2 مليارات دولار، إضافة إلى ترليون ريال يمني، بحسب التصريحات الرسمية.
ولم تحقق القيادة الجديدة للبنك بقيادة القعيطي شيئا يذكر، وظل قرار نقل البنك المركزي اليمني حبرا على ورق، فمعظم الإيرادات تصب في بنك صنعاء الذي تديره جماعة الحوثي، وسط انهيار متواصل للعملة الوطنية أمام النقد الأجنبي.
وفي فبراير/شباط 2018م، صدر قرار جمهوريا بتعيين محمد زمام محافظا للبنك المركزي، وجاء القرار مفاجئا، لأن الرئيس هادي سبق أن أقال زمام من منصبه كوزير للمالية بقرار جمهوري في يونيو/حزيران 2015م، بسبب استمراره في العمل كوزير للمالية تحت إدارة جماعة الحوثي، بعد اقتحام صنعاء، رغم استقالة الحكومة التي هو عضو فيها برئاسة محفوظ بحاح.
وقبيل تعيين زمام، كانت هناك مطالبات من منظمات دولية مانحة ومقترحات لخبراء وضغوطات خارجية، بتعيين محافظ جديد للبنك المركزي اليمني من الشخصيات الاقتصادية المتوافق عليها تمهيدا لتوحيد بنكي صنعاء وعدن، كون الانقسام القائم ينسف أي جهود لتثبيت سعر العملة المحلية واستقرار سعر الصرف.
وقع الاختيار على زمام نظرا لعلاقاته الجيدة مع جماعة الحوثي، ولا يستبعد أن الجماعة وافقت سرا على تعيينه وتعهدت بالعمل معه ثم نكثت بالعهد، كعادتها، فقد رحب القيادي الحوثي محمد العماد بالقرار يومها، وكتب منشورا على صفحته في الفيسبوك قائلا: "أعتقد أن تعيين زمام تم بالتوافق بين صنعاء وعدن، والرجل محل احترام بين الطرفين".
كما رحبت السعودية بالقرار على لسان سفيرها لدى اليمن محمد آل جابر، بعد دقائق من إعلانه رسميا، وأوحى هذا الترحيب بأن دول التحالف العربي بقيادة السعودية دعمت تعيين زمام، وستدعمه في مهمته لوقف انهيار الريال اليمني أمام العملات الصعبة، وما نتج عن ذلك من آثار سلبية على الحياة المعيشية لليمنيين.
أخطاء زمام
استفاد زمام من دعم دول التحالف، فقد سمحت له القوات الموالية لدولة الإمارات بالعمل من العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، وكان الدعم الرئيسي من السعودية التي شرعت في إجراءات الموافقة على السحب من الوديعة التي سبق أن أعلنتها في يناير/كانون الثاني 2018م لدعم البنك اليمني، والبالغة ملياري دولار أمريكي.
بالإضافة إلى قيام السعودية بتزويد الحكومة اليمنية بمنحة من المشتقات النفطية السعودية بقيمة 60 مليون دولار، مما ساهم في تقليل الطلب على العملة الصعبة في السوق اليمني، وتحسن الريال بعد تراجع غير مسبوق ووصول سعر الدولار الواحد إلى 800 ريال في سبتمبر/أيلول 2018م.
حدث انخفاض سريع وغير مدروس بسعر الصرف، ولم يستمر طويلا، إذ بدأ الريال اليمني بالانهيار مؤخرا ولكن ببطء، حيث أصبح سعر الدولار يساوي 600 ريال حاليا، ومرشح للارتفاع نتيجة عوامل مختلفة، بينما لا يزال السعر الرسمي للدولار عند 440 ريالا.
وهذا الانخفاض الهش لم ينعكس فعليا على أسعار السلع الأساسية نتيجة غياب أجهزة الدولة والرقابة على القطاع الخاص، وكانت من أخطاء زمام مجاراة السوق وخفض سعر النقد الأجنبي إلى مستوى لا يعكس قيمته الحقيقة، مما حرم الخزينة العامة للدولة مليارات الريالات نتيجة فوارق أسعار الصرف.
وقد اصطدم زمام بقرارات جماعة الحوثي التي منعت البنوك المحلية من التعامل مع البنك المركزي في عدن، الأمر الذي حال دون استفادة رجال المال والأعمال من الوديعة السعودية، ولجوءهم مجددا إلى السوق السوداء لشراء احتياجاتهم من العملة الصعبة، وهذا تسبب في تراجع الريال مؤخرا.
ويحسب لزمام أنه تحرك خارجيا لدعم البنك المركزي اليمني، وإن لم تثمر تحركاته، وطرحه في جولاته الخارجية قضية دعم البنك، ومطالباته المتكررة بتحويل جميع مبالغ المنظمات الدولية والأممية عبر البنك المركزي اليمني لمساعدة الحكومة اليمنية في الحفاظ على تحسن سعر صرف العملة المحلية.
الصفعة الكبرى
استند زمام على دعم الخارج وتحديدا السعودية، وخاض صراعا مع اللجنة الاقتصادية التي شكلها الرئيس هادي، في سبتمبر/أيلول 2018م، برئاسة حافظ معياد، وهو أحد رجالات الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، وأدار قطاعات مالية واقتصادية هامة في عهده، قبل الإطاحة به بعد ثورة 11 فبراير/شباط 2011م.
وتجلى هذا الصراع بين زمام واللجنة الاقتصادية بتحميل الأخيرة محافظ البنك المركزي مسؤولية ارتفاع سعر الدولار المتصاعد كونه المخول قانونا بالتنفيذ، وذلك بعد أيام من قرار تشكيل اللجنة بهدف تحسين الوضع الاقتصادي المنهار في اليمن.
وكانت الصفعة الكبيرة التي وجهتها اللجنة الاقتصادية لزمام في يناير/كانون الثاني الماضي، عندما وجهت رسالة رسمية إلى رئيس الوزراء، قالت فيها إن فوارق المضاربة بسعر الريال وصلت إلى 9 مليارات ريال خلال شهر، ووجه رئيس الحكومة معين عبد الملك، الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بمراجعة وفحص تقارير البنك المركزي للتأكد من صحة هذه الاتهامات.
كان الرأي العام بانتظار إعلان نتائج التحقيق ومحاسبة المتسببين في هذه الكارثة، وتفاجأ الرأي العام بقرار جمهوري، الأربعاء، 20 مارس/آذار الجاري، بتعيين حافظ معياد محافظا للبنك المركزي كثالث محافظ للبنك خلال أقل من ثلاث سنوات.
ويثير هذا القرار المفاجئ تساؤلات حول سر التوقيت، وهل له علاقة بنتائج التحقيقات بشأن فساد فوارق المضاربة، وهل حصل الرئيس هادي على ضوء أخضر من السعودية تحديدا لإقالة زمام، أم ماذا؟
فلم يمض على تعيين زمام سوى عام، وكأن الرئيس هادي لا يجيد اختيار رجالاته في ظرف حساس، وأصبحت الوظيفة العامة حقل تجارب للقرارات الجمهورية، وهذا يحدث إرباكا في أداء مؤسسات الدولة خصوصا في ظرف معقد كهذا يقتضي حسن اختيار المسؤولين، وترك فرصة كافية للقيام بدورهم.
وحافظ معياد من مدرسة "عفاش" التي ينتمي لها زمام، ولن يقدم جديدا يذكر وفق كل المؤشرات القائمة، وأداؤه مرهون بتعاون الخارج خصوصا السعودية والإمارات، وسط توقعات بدعم إماراتي لجهوده، حيث إن حافظ أحد رجالات النظام القديم الذين تحتضنهم العاصمة أبو ظبي.
لكن تظل أي جهود حكومية مدعومة خارجيا قاصرة في ظل الصلف الحوثي تجاه القطاع المصرفي في اليمن، والتعقيدات التي يبتكرها يوميا والتي تكاد أن تصيب البنوك المحلية بالشلل التام.
وسيرتكب حافظ خطأ كبيرا في حال انجر وراء السوق لتخفيض سعر الصرف نتيجة مضاربات عكسية مرتقبة للحيتان الكبار مستغلة التغيرات الجديدة، كما حدث في عهد زمام، نهاية العام الماضي، عندما انخفض سعر الصرف في السوق السوداء أقل من السعر الرسمي للبنك المركزي، وبصورة مفضوحة وغير منطقية.