[ ثورة 11 فبراير - اليمن ]
في ذكرى اندلاعها الثامنة، تبدو ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية اليمنية كحالة استثنائية من بين ثورات الربيع العربي من حيث صراعها مع الثورات المضادة لها، ذلك أن ثورة 11 فبراير تمكنت من تحقيق نجاح استثنائي يتمثل في تمكنها من فكفكة وتجريف الثورة المضادة لها، بصرف النظر عن العوائق والتحديات المتعددة التي ما زالت تحول بين الثورة وتحقيق أهدافها كاملة.
ورغم شراسة الثورة المضادة لثورة 11 فبراير، وما تتعرض له من دعاية سوداء من قبل بعض المؤيدين للنظام السابق، لكن اللافت هو أن ثورة 11 فبراير تبدو متجددة ومتألقة، على العكس من الثورة المضادة لها التي تبدو منهكة وخائرة القوى ومنقسمة ومشتتة، خاصة بعد أن تعددت رؤوسها، بل وأصبحت جماعة الحوثيين هي المحتكرة لها، بينما بقايا النظام السابق لم يعد لهم من الأمر سوى شتم الثورة بدون الأمل في العودة للسلطة أو تحقيق الحد الأدنى من المكاسب السياسية.
لقد تمكنت ثورة 11 فبراير 2011 من تجريف وتفكيك الثورة المضادة لها، من خلال العديد من الخطوات، والتي ربما لم تكن مدروسة، ولكنها عكست نضج ويقظة شباب الثورة وحراستهم لها وحفاظهم عليها، وفيما يلي أبرز هذه الخطوات:
- في البدء، كان لترحيب شباب الثورة بالمنشقين عن نظام علي صالح والقبول بهم في ساحات الحرية والتغيير دورا كبيرا في تشجيع المزيد على الانشقاق عن النظام العائلي وانضمامهم للثورة، مما تسبب في تسارع تفكك نظام علي صالح، ولو أنهم لم يرحبوا بهم ورفضوا انضمامهم للثورة لبقي النظام العائلي قويا متماسكا.
- تمسُّك شباب الثورة بالسلمية وعدم انجرارهم إلى مربع العنف، رغم الاعتداءات الوحشية عليهم من قبل بلاطجة علي صالح، والتي وصلت حد القتل، وصمودهم أمام آلة الموت والقمع، أثار ذلك تعاطف قادة الجيش الشرفاء الذين أعلنوا انضمامهم للثورة وحمايتهم للشباب المعتصمين.
- بعد التوقيع على المبادرة الخليجية، وتسليم علي صالح السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي، استمر شباب الثورة في اعتصاماتهم ومظاهراتهم السلمية للضغط على الرئيس الانتقالي وحكومة الوفاق الوطني والقوى السياسية المختلفة لتبني أهداف ثورة 11 فبراير، وخاصة أثناء مؤتمر الحوار الوطني، بالإضافة إلى الضغوط التي نجحت في إعادة هيكلة الجيش، حتى وإن كانت الهيكلة شكلية أو غير مكتملة، وأيضا إزاحة أفراد عائلة علي صالح من مناصبهم العسكرية الحساسة.
- الانفتاح السياسي والثقة المتبادلة بين شباب الثورة والقوى السياسية التي ساندتهم وبين بعض رموز نظام علي صالح الذين انضموا للثورة أو التزموا الصمت، جعلت هؤلاء يتخلون تماما عن علي صالح ويوثقون علاقتهم بقوى الثورة، أي أن ذلك خلق جو الاطمئنان لديهم، خاصة بعد سنوات التهميش والإقصاء إبان حكم علي صالح، رغم أنهم كانوا من أبرز رموز نظام حكمه، إلا أنهم كانوا بلا صلاحيات، وعلى رأسهم نائبه عبد ربه منصور هادي الذي أصبح رئيسا انتقاليا للبلاد.
- كان لانسحاب شباب الثورة، وهم من المنتمين لحزب الإصلاح، من المواجهة العسكرية مع الحوثيين أثناء محاولتهم اقتحام العاصمة صنعاء، بعد ثلاث أيام من المواجهات وحرب الشوارع، دوره الكبير في جعل قوى الثورة المضادة في مواجهة مكشوفة فيما بينها، ولولا ذلك لنجحت خطة القضاء على ثورة 11 فبراير بحذافيرها.
- بعد اندلاع عملية "عاصفة الحزم" العسكرية ضد الحوثيين وحليفهم علي صالح، أيد شباب الثورة التدخل العسكري العربي، وانخرطوا في جبهات القتال ضد الانقلابيين، مما جعل دول التحالف العربي، وخاصة السعودية، تتحالف مع أبرز القوى السياسية المؤيدة للثورة الشعبية السلمية، وتراجعت مخاوفها من تلك الثورة، رغم أنها تمثل أبرز أعداء ثورات الربيع العربي وأكبر الداعمين للثورات المضادة لها.
- بعد عودة الإمامة، وتمكن الحوثيين من قتل حليفهم علي صالح، ركز شباب ثورة 11 فبراير والقوى السياسية المساندة لها على جعل مطالب الثورة وأهدافها السبيل الوحيد لتحصين البلاد من عودة الإمامة وخطرها على اليمن ودول الجوار، مما جعل كثيرين ممن لم يؤيدوا الثورة يتبنون هذه المطالب ولا يرون فيها غضاضة، إذا كانت ستصون وحدة البلاد وتحصنها من خطر الإمامة.
- بعد أن تبين لشباب الثورة والقوى السياسية المساندة لها أن دول التحالف العربي غير جادة في القضاء على الحوثيين، وأنه لدى الدول الرئيسية في التحالف (السعودية والإمارات) أجندة خاصة في اليمن، تهدف إلى جعله كدولة طافية، أي لا دولة مستقرة قوية ولا دولة منهارة تماما، والسيطرة على سواحله وموانئه ومطاراته، كل ذلك لم يؤثر على الثورة وأهدافها ومبادئها، بل فإن هذا السلوك لدول التحالف من شأنه جعل شباب الثورة والقوى السياسية المساندة لها أشد حرصا على الثورة وأهدافها، لترضخ دول التحالف في نهاية المطاف للأمر الواقع.
- انتقاد شباب الثورة الشديد للفساد الشائع في أوساط السلطة الشرعية، والذي يعد أبرز رموزه من المحسوبين على نظام علي صالح، يمثل آخر مراحل التفكيك والتجريف للثورة المضادة للنظام السابق، لأن تسلق هؤلاء على تضحيات غيرهم، واستمرارهم في فسادهم، ومحاولة التفافهم على الثورة وأهدافها أو تشويهها، يعني أنه لا مكان لهم في السلطة في مرحلة ما بعد الحرب، وسيكونون تحت طائلة المحاسبة والمساءلة القانونية والإدانة الأخلاقية.
- وصلت قوى الثورة المضادة، وهي نظام علي صالح والحوثيون والسعودية والإمارات، بعد المواجهات المكشوفة بينها، إلى ما يلي: تفكك وانهيار نظام علي صالح وتمزق حزبه وخروجه من دائرة الفعل السياسي والعسكري، وتسليم إرثه العسكري والقبلي للحوثيين، الذين ازدادت قبضتهم وقوتهم بعد قتلهم له، ودعم الإمارات لقوى ومليشيات مسلحة غير شرعية، لا هي محسوبة على الثورة المضادة ولا على ثورة 11 فبراير ولا تحظى بالقبول الشعبي، وتحالف السعودية مع كل الأطراف المؤيدة لثورة 11 فبراير وعجزها عن إيجاد بدائل لها في الحرب على الانقلاب، ويعني كل ذلك أن الثورة المضادة لثورة 11 فبراير 2011 احتكرها الحوثيون.
وأخيرا، يمكن القول إن تمكن شباب ثورة 11 فبراير 2011 والقوى السياسية المساندة لها من محاصرة الثورة المضادة وتجريفها وتفكيكها حتى صارت حصرية على الحوثيين فقط، كل ذلك جعل الأمر محصورا بين خيارين: إما النجاح التام لثورة 11 فبراير 2011، والقضاء التام على الثورة المضادة التي يتبناها الحوثيون، أو العكس، وهو ما لن يقبل به شباب الثورة ولا القوى السياسية المؤيدة لها ولا دول التحالف العربي. وما عدا ذلك، فهو المزيد من الفوضى والحروب الأهلية وتمزق البلاد حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.