[ وليا عهد السعودية والإمارات محمد بن سلمان ومحمد بن زايد ]
تبرز مظاهر التباين بين كل من السعودية ودولة الإمارات في تعاملهما مع الأزمة اليمنية بشكل متزايد منذ اندلاع عملية "عاصفة الحزم" العسكرية وحتى يومنا هذا، وقد أثر هذا التباين سلبيا على الوضع الداخلي في البلاد وعلى العلاقة بين الدولتين من جهة وعلى علاقتهما بمختلف فئات الشعب اليمني والسلطة اليمنية الشرعية من جهة أخرى، لدرجة أن هذا التباين والاختلاف في السياسات وصل إلى مراحل حرجة متعددة وكاد أن ينسف العلاقة بين بعض الأطراف من أساسها.
ورغم أن هذا التباين واختلاف السياسات وتناقضها لدى الدولتين يصب أساسا في مصلحة مليشيات الحوثيين وداعمها الرئيسي (إيران)، ويمثل السبب الرئيسي لعرقلة الحسم العسكري ضد الانقلاب، بل ويضعف السلطة اليمنية الشرعية وحلفاءها ويقوي مليشيات الحوثيين، إلا أنه ليس ثمة أي بوادر لاحتواء توتر العلاقة بين بعض الأطراف وترميم علاقتها فيما بينها، وحل الخلافات المحدودة التي تكاد -أحيانا- أن تعصف بالعلاقة سواء بين التحالف العربي ذاته أو بين السلطة اليمنية الشرعية وحلفائها وبين التحالف العربي أو بعض دوله.
- مظاهر التباين
تتعدد مظاهر التباين والخلاف بين السعودية ودولة الإمارات، بخصوص تعاملهما مع الأزمة اليمنية وتشعباتها وعلاقتهما بمختلف الأطراف اليمنية الفاعلة في الأزمة، ويشمل التباين الجوانب السياسية والعسكرية والدبلوماسية، كما يشمل حتى طريقة انتهاك الدولتين للسيادة الوطنية، وطريقة سباق النفوذ والسيطرة على بعض الموانئ والمدن اليمنية، واستغلال الحالة الاستثنائية التي تمر بها اليمن لفرض المزيد من التفكيك للمجتمع اليمني، وإشغاله بقضايا جانبية تافهة تلهيه عن معركته الكبيرة في القضاء على الانقلاب الكهنوتي وبناء الدولة اليمنية الحديثة.
ومن أبرز مظاهر التباين، الموقف الرسمي للدولتين من السلطة اليمنية الشرعية وحلفائها الفاعلين. ففي حين تستضيف السلطات السعودية مختلف أعضاء السلطة اليمنية الشرعية، وتستضيف أيضا أبرز القيادات الحزبية اليمنية والشخصيات الاجتماعية المتحالفة مع السلطة الشرعية والتحالف العربي في الحرب على الانقلاب، وتوثق علاقتها معها وتمدها بالعديد من أشكال الدعم، نجد أن السلطات الإماراتية تسلك عكس ذلك تماما، حيث تعمل بشكل متزايد على إضعاف السلطة اليمنية الشرعية واستعداء أبرز حلفائها (حزب الإصلاح)، والتحريض ضده سياسيا وإعلاميا وأمنيا، مثل التوجيه باغتيال أو اعتقال بعض قياداته وإخفائهم قسريا.
وفي الوقت الذي تتعمد فيه دولة الإمارات إنشاء كيانات انفصالية وغير ديمقراطية في جنوب اليمن، وتقويتها من خلال إنشاء مليشيات عسكرية مدعومة بأسلحة منوعة بدون موافقة وإشراف السلطة الشرعية، بل وتتعمد دفعها لاستعداء السلطة الشرعية والجيش الوطني، نجد أن السعودية لا تسلك نفس هذا المسلك، ولا تقدم أي دعم للكيانات الانفصالية التي أنشأتها ومولتها دولة الإمارات، ولا يوجد أي تواصل بين السعودية ومثل هذه الكيانات والمليشيات المسلحة التابعة لها، مثل ما يسمى "الحزام الأمني"، و"النخبة الحضرمية"، و"النخبة الشبوانية"، وغيرها.
يضاف إلى ذلك، استحداث الإمارات سجونا سرية يُمارس فيها أبشع صنوف التعذيب ضد المعتقلين المخفيين قسريا، وجميعهم من المشكوك في مناهضتهم للدور الإماراتي المنتهك للسيادة الوطنية في المحافظات المحررة من مليشيات الانقلابيين، وعادة ما يتم القبض عليهم أو محاكمتهم أو تبرير القبض عليهم وإخفائهم قسريا بتهم كيدية تتعلق بالإرهاب.
وبالمجمل، تتباين وتختلف الدولتان في تعاملهما مع كل تفرعات الأزمة اليمنية، وكل دولة منهما تقدم الدعم المادي والعسكري لأطراف بعينها وتحرم الأطراف الأخرى منه، وتوجه إعلامها للتحريض ضد فئات بعينها، أو لتحريض فئات ضد أخرى، ومحاولة التحكم في مختلف مفاصل واختصاصات السلطة الشرعية والجيش الوطني والمقاومة الشعبية، والتحكم في السياسة الخارجية لليمن، مثل إجبار السلطة الشرعية على انتهاج مواقف معينة بخصوص بعض القضايا والملفات الإقليمية، بالإضافة إلى التدخل في بعض التعيينات في المناصب العليا كتعيين بعض الوزراء والمحافظين والقيادات العسكرية والأمنية.
وقد أثر هذا التباين والاختلاف على العلاقة الهشة بين مختلف الفئات اليمنية، وزاد من خطورة ذلك التحريض والتحريض المضاد وما يرافقه من دعاية سوداء وتضليل إعلامي، فاهتزت ثقة مختلف الفئات ببعضها، وزادت ثقافة الكراهية فيما بينها، وتضرر الجميع من هذه النتيجة، بما في ذلك السعودية والإمارات وحلفاء الدولتين من مختلف الفئات اليمنية، والمتضرر الرئيسي من كل ذلك الشعب اليمني ودولته المأمولة وهويته الوطنية والقومية.
كما أن التباين المتزايد بين الدولتين، كشف عن توجهاتهما الحقيقية وسياستهما إزاء اليمن، ويتجلى ذلك من خلال السياسة "العدوانية" التي تنتهجها دولة الإمارات في مساعيها للسيطرة على أهم الموانئ والمدن والجزر وحقول النفط اليمنية. وفي حال ووجهت السياسة العدوانية للإمارات بغضب شعبي، فإن السعودية تتقمص دور الوسيط والمصلح، لإحلال نفوذها مكان النفوذ الإماراتي، وهو الدور الذي تفضحه السياسة "الخشنة" للسعودية في اليمن، ويتجلى ذلك في الأزمات التي شهدتها جزيرة سقطرى ومحافظة المهرة، ودور الدولتين فيها.
- الخلاف وصراع النفوذ
ورغم أنه يصعب التكهن بحقيقة التباين والخلاف السعودي - الإماراتي بخصوص الأزمة اليمنية، هل أن ذلك مجرد تبادل أدوار أم أنه صراع نفوذ يعكس خلافا حقيقيا بين الدولتين ظهرت آثاره في تحالفهما العسكري الطارئ في اليمن، غير أن الوقائع على الأرض تجعل المتابع يشعر أن كل التوقعات محتملة، خاصة في ظل التعامل الحذر والطريقة الذكية التي تدير بها الدولتان خلافاتهما وتباينهما بخصوص الأزمة اليمنية، رغم الحقيقة المؤكدة بأن سباق النفوذ بين الدولتين جارٍ على قدم وساق، سواء في اليمن أو في بلدان أخرى، دون أن تظهر أي دلائل لهذا السباق وما قد يفرزه من صراع بين الدولتين.
ثمة توتر في العلاقات السعودية الإماراتية بدأت بوادره منذ تأسيس دولة الإمارات وحتى يومنا هذا، وبالتحديد في أغسطس 1974 عندما تم توقيع "اتفاقية جدة" لحسم الخلاف الحدودي بين الدولتين، حيث يشعر حكام أبو ظبي بأن هذه الاتفاقية مجحفة بحقهم، كون الرياض حصلت بموجبها على أراضٍ إماراتية ساحلية بطول 25 كيلومترا تقريبا، وتضم نحو 80% من آبار الشيبة التي تحتوي على احتياطي مثبت من النفط يبلغ حوالي 15 مليار برميل، كما يضم 650 مليون متر مكعب من الغاز غير مستغل حتى الآن.
اضطر حكام أبو ظبي للموافقة على "اتفاقية جدة" المجحفة في حقهم، بسبب حاجة دولتهم الفتية حينها إلى اعتراف السعودية بها. وبعد أن انتهت هذه الحاجة، أثيرت المسألة الحدودية في أول زيارة للشيخ خليفة بن زايد إلى الرياض عقب توليه السلطة عام 2004، الأمر الذي رد عليه حكام الرياض بأن أبرزوا له "اتفاقية جدة" التي تحمل بصمة والده، ورفضوا طرح موضوع الاتفاقية للنقاش، مما دفع حكام أبو ظبي إلى إصدار تقرير سنوي عام 2006 يتضمن خرائط تظهر فيها مناطق سعودية ضمن المياه الإقليمية الإماراتية، وتسبب ذلك في زيادة توتر العلاقة بين البلدين.
ثم تزايد التوتر في عام 2009، إثر منع السلطات السعودية دخول المواطنين الإماراتيين أراضيها باستخدام بطاقات الهوية احتجاجا على تغيير الإمارات خريطتها الجغرافية الموجودة على بطاقات الهوية، ووصلت الأزمة بين البلدين إلى مرحلة حرجة عندما أطلق زورقان تابعان لقوات حرس الحدود الإماراتية النار على زروق سعودي، في مارس 2010، واحتجزوا اثنين من أفراد حرس الحدود السعودي.
- تحالف وخلاف
وفي خضم هذا التوتر من العلاقة بين البلدين، اندلعت ثورات الربيع العربي التي هزت عروش بعض الحكام العرب وأثارت مخاوف البعض الآخر، فوجدت الدولتان نفسيهما في تحالف مؤيد للثورات المضادة لثورات الربيع العربي، ثم التحالف ضد انقلاب مليشيات الحوثيين والرئيس الراحل علي صالح ضد السلطة الشرعية في اليمن، بسبب تحالفهما مع إيران التي تهدد أمن دول الخليج.
لم يخل التحالف بين الدولتين من المنغصات، فرغم اتفاقهما في كثير من القضايا، إلا أن هناك تباينا واضحا في بعضها الآخر، وزاد الطين بلة انكشاف النوايا الحقيقية لدولة الإمارات بعد اختراق البريد الإلكتروني للسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة وتسريب بعض مراسلاته، والتي تضمن بعضها سخرية من السعودية ومن السلفية الوهابية التي تتبناها، وحرص أبو ظبي على تقديم نفسها كداعية للعلمانية في العالم العربي والتطبيع مع إسرائيل ومناهضة الحركات والأحزاب السياسية الإسلامية، بالإضافة إلى سعي دولة الإمارات لتكون هي القائدة للسعودية في كثير من ملفات المنطقة.
وفي هذه الأجواء من العلاقة بين البلدين، تبرز بينهما التباينات في التعامل مع الأزمة اليمنية، وفي علاقة كل منهما بمختلف الفئات الفاعلة في المشهد السياسي والعسكري اليمني، مما تسبب في المزيد من التفكك والانقسام في أوساط الشعب اليمني، وأطال أمد المعركة، وتسبب في تأخير الحسم العسكري، وربما يتسبب في سيناريوهات خطيرة لم تتضح ملامحها بعد.