[ سعيد ثابت سعيد - وكيل أول نقابة الصحفيين اليمنيين ]
- الحوثيون هم العدو الأول للصحافة بعد خطاب زعيمهم وتحريضه على الصحفيين في اليمن واعتبارهم خطرا لا يقل عن من يحملون السلاح، ولذلك استهدف الحوثيون الصحافة بشكل كبير عندما سقطت صنعاء بأيديهم نهاية العام 2014م.
- بعد تحرير عدن واستعادتها أدركنا أن قوات التحالف وبالتحديد القوات الإماراتية تمارس ذات الإرهاب المليشاوي الحوثي في المناطق المحررة، ومطاردة الصحفيين، بل وجدنا أن هناك قوائم تصفيات لبعض الصحفيين، الذين عادوا إلى عدن تشرف عليها المخابرات الإماراتية.
-الحرب القائمة على الصحافة في اليمن تهدف لتصفية الشهود وهذا هو منهج متبع عند المستكبرين، والديكتاتوريين، والفاسدين، فهم لا يريدون صحافة حرة، ولا يريدون أن يروا شهودا على جرائمهم التي يوثقونها وبالتالي يستهدفون هذه الصحافة.
- نشعر بالأسف تجاه ما تقوم به قوات التحالف العربي من ممارسات بحق الصحفيين اليمنيين وتحديدا القوات الإماراتية التي تمارس الآن الاحتلال الفعلي وتتدخل في خصوصيات المجتمع اليمني وتفاصيل حياة اليمنيين، دون اعتبار للحكومة الشرعية.
- الجزيرة لم تغير خطابها، ومنذ بداية الحرب كانت تغطي بحرص شديد على التوازن، وتغطي كل الأخطاء التي كانت ترتكب من قبل التحالف، كما تصور وتوثق جرائم الحوثيين، سواء بسواء، لكن يراد للجزيرة أن تكون مثلها مثل أي قناة سعودية، أو إماراتية تطبل للتحالف، وتغض الطرف عن أي أخطاء، وكان هذا غير مقبول مهنيا، ولم نقبل.
- قبل أزمة الخليج، بالتحديد قبل 5 يونيو 2017 كانت الجزيرة تعاني من مضايقات لدرجة أننا تلقينا أكثر من مرة تهديدات من أطراف هي بيد الإمارات، ونعرف أن الإمارات راضية عن مضايقة طاقم الجزيرة، وإرهابهم وتخويفهم وتهديد مقراتنا، ومكاتبنا بطريقة غير مباشرة.
-نقابة الصحفيين نقابة وطنية، وتضم كل الصحفيين في اليمن، وهي كيان ديمقراطي، والحاضن الشرعي للصحفيين، ونتيجة اجتياح الحوثيين، وضرب مؤسسات المجتمع المدني، والاعتداء على كل القنوات، واستهداف الصحفيين، حرصت النقابة أن تحافظ على كيانها من التشظي، أو الانقسام.
- وزارة الإعلام تعمل في إطار الحكومة الشرعية وتحاول أن تقوم بدور ما؛ لكنها تتعثر، لأسباب ذاتية، وأسباب موضوعية، فهي لا تقيم في الأرض اليمنية، ولا تزاول عملها من المناطق المحررة.
- بالنسبة لواقع الصحافة في صنعاء والمناطق التي يجثم عليها الانقلابيون فهي واقع سوداوي مظلم بائس كئيب، فصنعاء أصبحت خرابة إعلامية لا وجود للصحافة والإعلام فيها سوى تلك الوسائل التابعة لمليشيا الحوثي.
- أحمل المسؤولية المباشرة الحكومة الشرعية فيما يتعلق بوضع الصحفيين، فهي لم تقم بواجبها كما ينبغي، ولم نجد تحركا جادا لطرح ورقة أو ملف الصحفيين المختطفين، على كل المحافل.
سعيد ثابت سعيد أحد الذين جمعوا بين التجربة السياسية والنقابية والإعلامية، وهو صحفي مخضرم منذ زمن بعيد، ونقابي يعمل كوكيل أول لنقابة الصحفيين اليمنيين، وإعلامي يدير مكتب قناة الجزيرة في اليمن، وإلمامه المشهد اليمني والصحفي واضحا، ويعكس تجربته وتراكم خبراته الطويلة.
في هذا الحوار مع "الموقع بوست" يجيب سعيد ثابت سعيد على الاستفسارات المتعلقة بالواقع الصحفي والإعلامي، ومن بين تلك الاستفسارات تلك المتعلقة بملف الصحفيين المختطفين، والمعتقلين في سجون مليشيات الحوثي، وأيضا ما يتعرض له الصحفيون من اعتقالات واختطافات موازية وحرب موازية لتلك الحرب الحوثية، وذلك من قبل قوات تابعة لدولة الإمارات في المناطق المحررة وتحديدا في جنوب اليمن.
قناة الجزيرة وما تعرضت وتتعرض له من قبل تلك الأطراف، كان آخرها تلك التي تمثلت بإغلاق مكتبها في محافظة تعز، المحافظة التي برزت فيها تغطيات الجزيرة لواقع الحرب ومن ميادين القتال، بصورة يعرفها كل يمني، هي أيضا أحد النقاط التي وضعناها أمام سعيد ثاب.
نص الحوار
*تعيش اليمن حربا معقدة.. حرب ألقت بظلالها على كل شيء، أستاذ سعيد أين هي الصحافة اليمنية في ظل الحرب عليها في الشمال والجنوب؟
**الصحافة في اليمن ليس فقط منذ اندلاع حرب شاملة في 2015، تعيش في حالة بائسة، إنما سبق موتها السريري إذا جاز التعبير، حادثة الانقلاب الشهير من قبل مليشيات الحوثي واجتياحها للعاصمة صنعاء في سبتمبر 2014م، والذي ترافق مع خطاب شهير لزعيم المليشيا عبدالملك الحوثي، الذي أعلن الحرب ضد اليمن، متزامنا مع الحرب على الصحافة والصحفيين، وخطابه الشهير الذي أعتبر أن الصحافة والصحفيين، هم أخطر من الجنود الذين يحملون السلاح، وأنهم عملاء ومرتزقة وخونة، ويجب إزالتهم عن الطريق.
كان يدرك عبدالملك الحوثي وعصابته أن الصحافة والصحفيين هم الذين يكشفون الجرائم، التي قد تقع هنا أو هناك، ولذلك دشن حربه ضد اليمن، أو سبق حربه ضد اليمن حربه الشاملة ضد الصحفيين، وشهدنا يومها الاقتحام لكل المقرات، والمؤسسات والصحف، ومطاردة الصحفيين في صنعاء، وانتهت الصحافة تماما في صنعاء، ولم يبقَ فيها غير الذين هم عناصر ميليشياوية، تسبح بحمد المليشيا وتمدحها، أو صحفيون فضلوا الصمت والسكوت، ونعلم أن الصحافة كانت الهدف الأول للحوثيين عندما قصفوا مقر التلفزيون، ثم اقتحموا مقر صحيفة الثورة، واعتدوا على الصحفيين، ومارسوا كل أنواع الجرائم والموبقات بحق الصحافة والصحفيين، ثم جاءت عاصفة الحزم، وكان هناك في البداية أمل أنها ستحقق نوعا من التوازن و تصحح الخطيئة التاريخية، التي ارتكبها أصحاب الحزم، خاصة الرياض وأبو ظبي، عندما تواطؤوا مع الحوثيين باقتحام صنعاء قبل 2014، لكن خاب هذا الأمل عندما وجدنا بعد تحرير عدن واستعادتها أن قوات التحالف وبالتحديد القوات الإماراتية تمارس ذات الإرهاب المليشاوي الحوثي في المناطق المحررة، ومطاردة الصحفيين، بل وجدنا أن هناك قوائم تصفيات لبعض الصحفيين، الذين عادوا إلى عدن تشرف عليها المخابرات الإماراتية.
لذلك الصحافة صارت في حالة بائسة، وجدنا أن هناك اعتداءات في المناطق المحررة، واقتحام لمؤسسة الشموع، وإحراق المطابع، وهذا لم يحدث في تاريخ الصحافة، إلا في أيام قديمة، والاعتداء على الصحفيين العاملين فيها، وضرب سكرتير صحيفة أخبار اليوم، ونقله إلى المستشفى، أيضا ضغط الإماراتيين على السلطات الشرعية إذا جاز التعبير لإغلاق بعض القنوات التي لا ترغب بها الإمارات، مثل ما حدث في تعز تجاه مكتب قناة الجزيرة، وبقية المناطق، أيضا قصف طيران التحالف، لبعض مراكز الإذاعات التابعة والموالية للشرعية لكنها لا تسبح بحمد الإماراتيين ولا تعطي شرعية للاحتلال الإماراتي الراهن.
*في ظل الحرب على الصحافة، هل تتمكن الأطراف التي تحارب الصحافة من تصفية الشهود من مسرح الجريمة؟
**بالتأكيد هناك تصفية للشهود، هناك عدد كبير للصحفيين الذين استشهدوا، بالتحديد هناك تصفية للصحفيين، باعتبارهم شهود على الواقع، وعلى التاريخ الذي يسطر في بلادنا، هناك قتل ممنهج للصحفيين، والمصورين، كما حدث في تعز، وفي نهم، ومأرب، وعدن، وكثير من المناطق التي استشهد فيها عدد من الصحفيين، وأيضا حالات اختطاف لأكثر من 12 صحفيا في معتقلات مليشيا الحوثي في صنعاء، وتعذيبهم، وتلفيق تهم باطلة ضدهم، وإلى الآن لا زال لنا زملاء مختطفين، لدى المليشيات الحوثية.
أيضا وجدنا في المقابل أن الإماراتيين اعتقلوا واختطفوا بعض الزملاء، كما حدث لزميلنا الصحفي عوض كشميم، وأيضا حاولوا مضايقة بعض الصحفيين أثناء تغطيتهم لبعض الفعاليات في عدن، أو في حضرموت، أو في غيرها، وهذا هو منهج متبع عند المستكبرين، والديكتاتوريين، والفاسدين، وهم لا يريدون صحافة حرة، ولا يريدون أن يروا شهودا على جرائمهم التي يوثقونها وبالتالي يستهدفون هذه الصحافة.
* ما موقفكم أنتم كصحفيين إزاء ما يتعرض له زملاؤكم من قمع؟
**مؤسف جدا، ومستنكر جدا، أن تقوم قوات التحالف، التي جاءت برضا من الحكومة الشرعية، والرئيس هادي إلى بلادنا، لمساعدة اليمنيين، للتخلص من الخطيئة والجريمة، التي تمثلت بالحوثيين، والذين هم أساسا نتاج لتواطؤ هذه القوات، أو بعض أطراف هذه القوات.
قوات التحالف الذين تواطؤوا في 2014، وما قبلها لإدخالهم إلى صنعاء، وتأمرهم على ثورة الربيع اليمني، كان أن تمارس قوات التحالف، التي ينظر إليها على أنها منقذ، نفس الأساليب الهمجية ضد الصحفيين، نفس الأساليب التي تقوم بها المليشيا الحوثية ضد الصحفيين، نراها تتكرر اليوم على يد من يسمون أنفسهم منقذون للشرعية وللحكومة اليمنية، المتمثلة بالتحديد بالقوات الإماراتية التي الآن تمارس الاحتلال الفعلي، عندما تتدخل في خصوصيات المجتمع اليمني، وتتدخل في تفاصيل حياة اليمنيين، وتقرير من تراه مناسبا، وإبعاد من تراه غير مناسب بالنسبة لها، ولا اعتبار للحكومة الشرعية.
هذا كله يجعلنا نقول إن موقفنا سبق مستنكر، ويدين هذه الجرائم، وندين هذه التصرفات، والتجاوزات والانتهاكات، ونستنكرها ونعتبر أن هذه الأساليب لن تستمر وسيقاومها الصحفيون، كما قاوم الصحفيون في الفترة الماضية التصرفات وإرهاب الحوثي، سيقاومون التصرفات والتجاوزات والانتهاكات والجرائم لأطراف التحالف العربي.
*الجزيرة في اليمن .. لماذا أصبحت في دائرة الاستهداف خصوصا في مدينة ارتبطت بالجزيرة وارتبطت بها مثل تعز؟
**الجزيرة وسيلة إعلامية وقناة إخبارية، لا يعنيها فيما يتعلق بالملف اليمني، أن تنحاز لطرف دون طرف، لكنها تنحاز للإنسان اليمني، لمعاناته لهمومه، طبعا بالمناسبة الناس يعتقدون أن الجزيرة غيرت خطابها، بالعكس الجزيرة منذ إعلان التحالف كانت تغطي بحرص شديد على التوازن، وتغطي كل الأخطاء التي كانت ترتكب من قبل التحالف، كما تصور وتوثق جرائم الحوثيين، سواء بسواء.
لكن كان يراد للجزيرة أن تكون مثلها مثل أي قناة سعودية، أو إماراتية تطبل للتحالف، وتغض الطرف عن أي أخطاء، وكان هذا غير مقبول مهنيا، ولم نقبله، ولذلك كانت الجزيرة في بداية عاصفة الحزم، وبداية انتصار عدن كان هناك دائما استبعاد لقناة الجزيرة، ولصحفيها ومصوريها، والمشاركة في التغطيات ويبدون تذمرهم، إذا سبقت الجزيرة أي خبر لانتصارات أو غيرها، أو تغطيات وكانوا يشعرون بتذمر ومضايقة، لأطقمنا كما حدث في أكثر من مكان، وحدث ذلك في تعز، وحدث في عدن، أيام تحرير العند.
وكما تعلم أن قناة الجزيرة، هي القناة الوحيدة، التي غطت جرائم الحوثيين في عدن والجنوب، في الوقت الذي هربت كل القنوات، وتركت عدن للاجتياح الحوثي، بقي زملاؤنا في مكتب الجزيرة، يغطون رغم الظروف الصعبة، وكانت التغطيات مباشرة، كما حدث في جريمة التواهي، عندما حدث لحظة تحرير عدن، وعندما تمت العمليات التي وقعت في تعز والجرائم التي ارتكبت كانت الجزيرة في المقدمة، وكنا نشعر ونلمس أن بعض أطراف التحالف وبالتحديد القوات الإماراتية كانوا يعبرون عن امتعاضهم، ومضايقتهم من وجود الجزيرة ذاتها، وليس من ريادة الجزيرة، ومن تغطيتها المتوازنة، وكانوا يمارسون علينا نوعا من الإرهاب، والتضييق لدرجة أن قبل أزمة الخليج، بالتحديد قبل 5 يونيو 2017 كانت الجزيرة تعاني من مضايقات، لدرجة أننا كنا أكثر من مرة نتلقى تهديدات، من أطراف هي بيد الإمارات، ونعرف أن الإمارات راضية عن مضايقة طاقم الجزيرة، وإرهابهم وتخويفهم وتهديد مقراتنا، ومكاتبنا بطريقة غير مباشرة، وكانوا يشعرون أن الجزيرة تأتي في المرتبة الأولى، في الحضور الشعبي وهذا كان لا يروق لهم، ولذلك هذا الاستهداف هو نوع من المنهجية لبعض أطراف التحالف، التي تصطف في إطار معاداة المواطن العربي، والانحياز للاستبداد، والديكتاتورية وينظرون على أن الجزيرة، عندما انحازت للإنسان العربي واعتبر أنها منبر للرأي والرأي الآخر، دأبوا على معاداتها، وما يحدث الآن، هو تحصيل حاصل، والحقيقة أن هذا هو نتاج لتراكمات، لمسناها منذ اجتياح الحوثي وانطلاق عاصفة الحزم، ونحن كنا نلحظ أن التحالف يرفض أن نكون حاضرين في التغطيات المباشرة، ويضايقنا وكنا نحضر رغما عنهم ورغم التهديدات حتى جاءت ازمة الخليج ففجرت كل شيء.
*بسبب تراجع دور النقابة برزت العديد من الكيانات هنا وهناك التي تدعي أنها تمثل الإعلاميين اليمنيين، فهناك ما يسمى رابطة بالرياض، وهناك أيضا كيان خاص بالحوثيين في صنعاء .. لماذا لم نلمس أي موقف للنقابة تجاه هذا الأمر؟
نقابة الصحفيين نقابة وطنية، وتضم كل الصحفيين في اليمن، وهي كيان ديمقراطي، وانتخاب قيادتها تمت في مؤتمر عام، وهي الكيان الشرعي المعروف، والحاضن للصحفيين، ولكن نتيجة اجتياح الحوثيين، وضرب مؤسسات المجتمع المدني، والاعتداء على كل القنوات، واستهداف الصحفيين، واعتبار الصحفيين، عدو لهذه المليشيات، كما عبر عن ذلك زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي، تعرضت النقابة لنكسة بعد تحركاتها وتعرض بعض الصحفيين للمطاردة، وإغلاق كل المؤسسات الإعلامية، النقابة في ظل الحرب، حرصت أن تحافظ على كيانها من التشظي، أو الانقسام.
صحيح هناك عدد من قيادات مجلس النقابة، تشردوا وطوردوا وبعضهم صار الآن في المنفى، وبعضهم يعمل في سرية مطلقة، وبعضهم يتحرك بخوف في الداخل، صارت النقابة تعمل على مصالح الصحفيين، من خلال الاستفادة من قدرات قيادة النقابة الموجودة في الخارج، حيث يتحرك عدد من زملائنا الصحفيين الموجودين في أوروبا للتواصل مع المنظمات الدولية، لتبني هموم الصحفيين، ومعاناتهم، ونقل مشاكل الصحافة، وعرض العدوان على الصحفيين على هذه المنظمات لتقوم بدور ضاغط على جميع أطراف الحرب، وهذا ما عملت عليه في الفترات الماضية، من خلال التحركات والاعتصامات التي جرت في بعض العواصم الأوروبية، دفاعا عن الصحفيين المختطفين، أو الذين استشهدوا برصاص القناصة، الحوثية أو بقصف التحالف العربي أو غيره.
أما بالنسبة للكيانات التي تم استحداثها في فترة الحرب، من قبل أطراف تشارك في هذه الحرب، مثل الكيان الذي نشأ في الرياض، وأشرفت عليه السعودية، ولا علاقة له باليمن، ولا باليمنيين كان هدفه يبدو أنه استيعاب الصحفيين، ومحاولة تحييدهم، ووضع بعض الأشخاص على هذا الكيان ولا علاقة لهم لا بالصحافة ولا بالصحفيين، نحن لم نعبر عن موقف تجاههم، لأنه لا يستحق ذلك، ولا هو وارد في الاهتمام، لأن هذا الكيان مصنوع خارج اليمن، ولا علاقة له باليمن، أما الكيان الآخر، الذي اخترعه الحوثيون المليشيا فهذا كيان أيضا لا يعتد به، فاشل، يعبر عن توجه عنصري سلالي، لا يعبر عن الصحفيين، ولا عن مصالح الصحفيين، هو منحط بأجهزة المليشيا، وأدواتها القمعية، ولا نعترف به، كما لا نعترف بالكيان الموجود في الرياض.
*لماذا تشعل القوى المختلفة حربها ضد الصحافة، وفي زمن الحرب التي تصبح الكلمة مجرد هامش مقابل الرصاص؟
**طبيعي أن أطراف الحروب في بلد ما عندما يتقاتلون، ويشعلون الحروب ينظرون لأصحاب الأقلام والصحفيين والعاملين في مجال الصحافة والإعلام، باعتبارهم أما أن يكونوا مجرد أبواق، لتمجيد الحرب والقتال، أو أنهم شهود على جرائم الحرب، ويكشفون هذه الجرائم، وغالبا هذه الأطراف تمجد الصحفيين الذين يمجدون الحرب، ويزيدون من اشتعالها، فيما يضطهدون وينكلون بكل الصحفيين الذين يكونون بمثابة شهود على جرائم الحرب، وجرائم مرتكبة لهذه الحرب، ويسلطون الأضواء على المآسي الإنسانية، التي تخلفها الحروب، والانقلابات.
بالنسبة لحالتنا اليمنية، كان معظم الصحفيين شهود في هذه المرحلة، شهود على جرائم الحرب، كشفوا جرائم الحرب لمليشيا الحوثي، عندما اجتاحت صنعاء ونكلوا بالأهالي، واقتحموا البيوت والمنازل واختطفوا العشرات، بل المئات كان الصحفيون طبيعي أنهم يسلطون الضوء على هذا المشهد، وبالتالي استبقت المليشيات الحوثية الطريق، واختطفت ونكلت بعشرات الصحفيين، وأغلقت مؤسسات الصحافة، وأصبحت العاصمة صنعاء غائبة من الصحافة لا تعرف مطبوعة مستقلة، أو حزبية أو أهلية، إلا المنشورات التابعة للمليشيات، التي تمجد مليشيا الحرب.
في المقابل كان الطرف الآخر، وهو طرف التحالف، الذي كان يعتبر البعض أنه يعلي من شان الأقلام، ومن شأن الحريات الصحفية، لكنه أيضا لم يحتمل الحرية الصحفية، التي تكشف عوارض مسلكياته، وأيضا تسلط الضوء على تصرفاته وخطاياه، في المناطق المحررة فقام بإغلاق الصحف، وطارد عدد من الصحفيين، وأيضا اختطف واعتقل بعضهم، وهكذا أصبحت الصحافة بين المطرقة والسندان، في هذه الدوامة الكبيرة الموجعة، والتي تثير التوهان في تصرفات كل من ينظر أو يؤرخ لهذه المرحلة.
*ماذا تقول عن دور وزارة الإعلام في حكومة هادي .. الكثير من الصحفيين يقولون بأن هذه الوزارة بدون مهام، وليس لها عي موقف أو دور إزاء ما يتعرض له الصحفيون شمالا وجنوبا؟
* معروف أن الحكومة الشرعية تعاني من شلل تام، بكل مرافقها، وأجهزتها ووزاراتها، حقيقة هذه الحكومة نتيجة لهذه الحرب، أنا لا أبرر؛ لكن أوصف هذه الحالة، هذه الحكومة تعيش أزمة، ومأزقا كبير، فهي تريد أن تمارس وتزاول عملها، في مختلف وزاراتها، لكنها تصطدم بحجرين كبيرين يعترضان طريقها، الأول: هو الواقع وما تقوم به المليشيات من تنغيص لأدائها، والحجر الثاني الذي يعترضها دائما: هم المنقذون الذين كنا نظن أنهم منقذون وهم قوات التحالف السعودي والإماراتي، واللذان لا يمكنان هذه الحكومة بمؤسساتها للقيام بدورها.
وزارة الإعلام لا تشذ عن هذا الأمر، فهي في إطار هذه الحكومة، وهذه الحكومة تحاول أن تقوم بدور ما؛ لكنها تتعثر، لأسباب ذاتية، وأسباب موضوعية، ووزارة الإعلام، لا تقيم في الأرض اليمنية، ولا تزاول عملها من المناطق المحررة، هناك مكتب في عدن يقوم به الأخ العزيز نائب الوزير ويحاول في ظل عدم توفر أي إمكانيات لديه، أيضا وزير الإعلام يتحرك في إطار الأدوار السياسية، والدبلوماسية خارج اليمن، لكن الجهاز الإعلامي، والمؤسسات الإعلامية شبه مشلولة، بل إن لم تكن هي مشلولة أصلا، وغائبة، وهذه حقيقة مؤسفة.
يجب أن تراجع الوزارة أداءها بشكل جديد، وتقوم بقراءة نقدية، وتنفيذ بمهامها كما ينبغي، فهناك عدد من الزملاء الصحفيين والإعلاميين العاملين في المؤسسات الإعلامية، يحتاجوا أن يكون هناك تواصل مباشر مع قياداتهم في وزاراتهم، ولا أدري ما الذي يمنع وزير الإعلام، أن يدعوا إلى مؤتمر عام لمنتسبي وزارته، ويدعوهم إلى مأرب مثلا، ويتم توزيع المهام، ومناقشة تفعيل الوزارة، بشكل ليس مجرد بروتوكولي، إنما مؤتمر عملي يخرج بقرارات وليس بمجرد توصيات، فهو لم يتم تنفيذها من قبل مكاتب، الوزارات سواء في عدن، أو مأرب أو حضرموت، أو في غيرها من المناطق التي تم تحريرها، لأن مليشيا الحوثي، وضعت في رأسها عناصر مليشاوية، لا علاقة لها بالإعلام، ولا بالصحافة، ونحن نتكلم عن حكومة شرعية، ووزارة شرعية غائبة، ويؤسفنا أن نقول هذا، وكنا نأمل أن يكون لهذه الوزارة، الدور الخلاب والبديع، في ظل هذه الأزمة الراهنة.
*دور نقابة الصحفيين غائب تماما لماذا؟ وهل هناك نقابة فعلا ام مجرد سكرتير يصدر بيانات ويختم عليها؟
**موضوع نقابة الصحفيين أولا هي مؤسسة مجتمع مدني تعتمد في تمويلها أولا على منسبيها، واشتراكات منتسبي النقابة، وتحركاتها وأعمالها كلها طوعية، ووضعها الحالي في ظل هذه الحرب وانهيار المؤسسات من الطبيعي أنها ستكون مشلولة، وغائبة، ولكنها هي نقابة حافظت على كيانها حتى الآن، لم تتمزق كما حدث، في نقابات ومؤسسات المجتمع الأخرى، حاولت أن تتماسك من خلال قياداتها التي طوحت بهم الحرب، ما بين الداخل والخارج، وشردتهم في كل مكان.
أيضا هناك ظروف مادية تعيق أن يلتم الزملاء ويجتمعون على الأقل بشكل مباشر لوضع خطط، واكتفت النقابة من خلال أعمال إعلامية، وبلاغية مثلا، لا أحد ينكر أن النقابة منذ الفترات الأخيرة، ينحصر عملها الصحفي من خلال رصد الجرائم وتوثيقها، وتسجيلها وإصدار البيانات التضامنية، والداعية إلى محاسبة المجرمين أعداء الصحافة، أيضا حرصت قيادات النقابة الحالية أن تتواصل مع منظمات المجتمع الدولي، لتسليط الضوء على وضع الصحافة في فترة معينة، وحرصوا أن يجمعوا بعض المساعدات البسيطة، لبعض أسر الشهداء، ولكنها لم تصل إلى المستوى المطلوب، كانت للنقابة عملية تواصل من خلال بعض شخصيات مجلس النقابة مع الدولة والحكومة لمساعدة بعض عائلات الشهداء للصحفيين والجرحى، وهذا هو جهدها وهو جهد ضعيف بلا شك، لكن الأرض التي تتحرك فيها قيادة النقابة، هي أرض ملتهبة، وغير آمنة.
بالمقابل لدينا زملاء يقومون بجهد كبير وطوعي وفي ظل انعدام كل الموارد والإمكانيات التي تساعدهم على التحرك بشكل أكبر، لكن نحن إذا سألتني: هل راضٍ؟ لا أنا لست راضٍ عن أداء النقابة، ولا حتى عن أداء وزارة الإعلام، وعن هذا الأداء كله، لكن نحن نتكلم بشكل موضوعي وتقييمي حقيقي، نحن في وضع كارثي، غابت الدولة تماما، وإذا غابت الدولة، تغيب كثير من المؤسسات والأجهزة، وهذا هو واقع للأسف مأساوي وبائس للغاية.
*ماذا تقول عن الواقع الصحفي في صنعاء وفي المناطق التي تحت سيطرة الحوثيين؟
**بالنسبة لواقع الصحافة في صنعاء والمناطق التي يجثم عليها الانقلابيون ومليشيات الحوثي واقع سوداوي مظلم بائس كئيب، لك أن تتصور أن هذه العاصمة التي كانت تحتضن أكثر من خمسين صحيفة وعشرات من القنوات الفضائية وعشرات من مكاتب الإعلام الخارجي والمواقع الإلكترونية والمجلات والمؤسسات الصحفية كلها هذه انتهت منذ 21 سبتمبر الأسود والدامي، وأصبحت صنعاء خرابه إعلامية لا وجود للصحافة والإعلام لا الحزبي ولا المستقل ولا الحكومي، مجرد بوق هناك، مجرد منشورات.
والمليشيا تحرض على القتل والكراهية، وتنشر أفكار رجعية ظلامية كئيبة، وانحصرت الصحافة في صنعاء على بعض المنشورات التي تحرض على الكراهية وتفكيك المجتمع وتدميره وتنفخ في أتون الحرب، هذا هو واقع صنعاء.
أيضا ليس هناك صحفيون، كل الصحفيين الأحرار مختطفون، أو مطاردون أو مخفيون، هذه العاصمة صنعاء التي كانت منذ أكثر من ثلاثين أربعين سنة حاضنة الإعلام الحر بمستويات متفاوتة، وكان هناك صحفيون يظهرون على قنوات الإعلام، يسطرون على صفحات الصحف الكتابات النقدية القوية التي كانت تبدأ بالنقد من رئيس الدولة إلى أصغر موظف، اليوم كل هؤلاء ماتوا إما مسمومين، أو قتلوا بالرصاص، أو أنهم اختطفوا، أو طوردوا، ولذلك الوضع كئيب وبائس للأسف الشديد.
*من يتحمل المسؤولية بشأن الصحفيين المختطفين والذين يمر على بعضهم أكثر من عامين؟ لماذا هذا التجاهل؟
** أنا أحمل المسؤولية المباشرة، الحكومة الشرعية، الحكومة لم تقم بواجبها كما ينبغي، وأنا أشعر بالغضب الشديد حقيقة تجاه هذا التقصير لم نجد تحركا جادا لطرح ورقة أو ملف الصحفيين المختطفين، على كل المحافل، يجب أن تقوم وزارة الخارجية، ورئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية ووزارة الإعلام، بطرح ملف الصحفيين كأولوية في أي حوار، وفي أي نقاش وفي أي حوار مع المليشيات من خلال منظمات المجتمع المدني، ومن خلال الأمم المتحدة أو المبعوث الأممي، أن يكون ملف الصحفيين المختطفين في أولوية القضايا المطروحة، لكن لم نجد هذا صراحة، من قبل الحكومة ومؤسساتها، أيضا لم نجد التحرك لموضوع المختطفين وأسرهم ومساعدتهم ماديا، لأن هؤلاء كانوا يعتمدون عليهم في تسهيل أمورهم المعيشية، لم نجد أي اهتمام بعائلات الصحفيين المختطفين، فضلا عن المختطفين الآخرين، أنا أتكلم هنا عن الجانب الذي يخص هذا الحليف.
*كيف تقيم دور المنظمات والاتحادات الدولية المعنية بحماية الصحفيين إزاء الواقع الصحفي والصحفيين في اليمن؟
** نحن حقيقة نشكرهم، يبذلون جهدا لا بأس به، نشاطهم يتوقف على تحركاتنا نحن في الداخل، ودورنا نحن في تقديم وتقريب الصورة بشكل واضح لتلك المنظمات حتى تتبناها، وحتى الآن المنظمات الدولية قامت بدور مشكور به فيما يتعلق بتقديم صورة عن واقع الصحفيين في اليمن، وكشف الجرائم التي يتعرض لها الصحفيون، لكن نحن أيضا لا زلنا نحتاج إلى مزيد من الجهد لتفعيل ورقة المنظمات الدولية الخاصة بالحريات الصحفية وتعريفها للرأي العام.
*ما تقييمك لتغطية وسائل الإعلام العربية والدولية لما يجري في اليمن؟
**هذه الوسائل تتفاوت ما بين قنوات أو وسائل إعلامية تحاول أن تصل إلى المهنية بحدها الأعلى أو بحدها الأدنى بتجرد إلى حد ما من الأجندات الخاصة، وبين وسائل إعلامية تحمل أجندات لها علاقة بالصراع بالداخلي، كوسائل الحوثيين وحلفائهم أو من هم مع التحالف، وحلفائهم، وبالتالي هذان النوعان من الوسائل الإعلامية، تتسم تغطيتهم بـالتعبوية والتحريض، والخطابات والتقارير، ذات البعد الواحد، واللون الواحد، وهي في المحصلة تصب في إطار الإعلام الموجه، التحريضي لأحد أطراف الحرب، وهناك طرف ثالث في الإعلام، يحاول أن يقدم ما يجري في الأرض بنوع من المهنية، وإن كانت تتفاوت بشكل، أو بآخر، لكن بالمجمل ليس هناك في نظري إعلام مهني مطلق بموضوعية خالصة، لأن هذه مسالة نسبية، تخضع للظروف التي تكتنف التغطيات والعمل الصحفي.