[ وفد للتحالف يزور جبهات تعز الجنوبية ]
بدأت دولة الإمارات التحرك العملي لإنشاء ما يسمى قوات "حزام أمني" في محافظة تعز، حيث زار وفد إماراتي -مكون من عدة ضباط ترافقهم خمس مدرعات عسكرية- بعض المناطق المحررة في محافظة تعز الأحد الماضي.
وذكرت مصادر مطلعة لـ"الموقع بوست" أن الزيارة كانت بتنسيق مع محافظ المحافظة أمين محمود، وأفادت بأن الضباط الإماراتيين عقدوا اجتماعا مع العميد عدنان الحمادي، قائد اللواء 35 مدرع، بهدف استخراج مذكرة من المحافظ لإنشاء قوات "حزام أمني" في المحافظة، وبرر الوفد ذلك بأن التحالف يعتزم إنشاء غرفة عمليات متقدمة في المحافظة.
- خطوات تمهيدية
ويأتي تحرك دولة الإمارات الأخير في محافظة تعز بعد عدة خطوات تمهيدية، من أبرزها تعيين محافظ للمحافظة موالٍ لها، وتقديم دعم كبير لمليشيات "أبو العباس" الموالية لها أيضا، مما مكنها من فرض سيطرتها على مواقع حيوية في بعض الأجزاء المحررة من المدينة وضواحيها.
بالإضافة إلى استمالة بعض القادة العسكريين من أبناء المحافظة والذين لديهم نفوذ لا بأس به، ولديهم الاستعداد للانخراط في المشروع الإماراتي في اليمن. كما أفادت مصادر إعلامية في وقت سابق أن الإمارات جندت ودربت عددا من أبناء محافظة في تعز في الساحل الغربي ليكونوا نواة لقوات "الحزام الأمني" التي تنوي تشكيلها في المحافظة.
- لماذا تعز؟
ليست هذه المرة الأولى التي تحاول فيها دولة الإمارات بسط سيطرتها على محافظة تعز، من خلال إنشاء تشكيلات عسكرية موالية لها، فقد سبق ذلك عدة محاولات باءت جميعها بالفشل، ومن المحتمل أن هذه المحاولة تبوء بالفشل أيضا، رغم أن فرص نجاحها تبدو أفضل قياسا بالمحاولات السابقة.
وتتحدث بعض المصادر عن أن الإمارات تريد من إنشاء قوات "حزام أمني" في تعز، إيجاد بديل على الأرض للقوات التي تعتزم تشكيلها من بقايا الموالين للرئيس الراحل علي صالح بقيادة نجل أخيه طارق محمد عبد الله صالح، وذلك بفعل حالة الرفض المتزايدة من قبل الجنوبيين لوجود هذه القوات في الجنوب، ورفض المقاومة والجيش الوطني في جبهة الساحل الغربي لوجود طارق صالح هناك أيضا.
وتسعى دولة الإمارات من خلال هذه الخطوة إلى تحقيق هدفين رئيسيين، الأول، إيجاد بيئة جغرافية مناسبة لتشكيل قوات موالية لها من بقايا الموالين لعلي صالح بقيادة نجل أخيه، خاصة أن تعز يوجد فيها عدد من شيوخ القبائل وقيادات مؤتمرية من الموالين لعائلة صالح سيرحبون بوجود قوات عسكرية بقيادة طارق صالح هناك.
أما السبب الثاني، فهو جعل هذه القوات بمثابة حائط صد أمام الحوثيين لتأمين جبهة الساحل الغربي خشية تقدمهم نحوها من جهة محافظة تعز من جانب، ومن جانب آخر جعل هذه القوات تزاحم وتعيق الجيش الوطني في تعز، بما يؤدي إلى تآكل وجود السلطة الشرعية هناك، وتصفية كل الشخصيات المؤثرة هناك والتي لا تدين بالولاء للإمارات، من ضباط وخطباء مساجد وقيادات حزبية وغيرهم.
- الرفض إلى أين؟
تتعالى الأصوات الرافضة للوجود الإماراتي في تعز كلما حاولت الأخيرة مد نفوذها إلى هناك، وهو ما يعني العديد من الدلالات بالنسبة لكل الأطراف، لعل أهمها:
- السبب الرئيسي لرفض وجود قوات عسكرية موالية للإمارات في تعز يأتي من الخشية في أن تتكرر تجربة فشل هذه القوات في المحافظات الجنوبية، وعلى رأسها العاصمة المؤقتة عدن، حيث عجزت هذه القوات عن ضبط الأمن والاستقرار، بل وصارت المتهم الرئيسي وراء مختلف الاختلالات الأمنية المتزايدة، وعلى رأسها الاغتيالات التي طالت علماء دين وخطباء مساجد ومداهمة مقرات أحزاب واعتقال بعض القيادات الحزبية، كما أنها عجزت في الحد من العمليات الإرهابية التي تنفذها جماعات مرتبطة بتنظيم "داعش" داخل عدن ذاتها، وتستهدف مراكز حيوية فيها.
- الخشية من أن تثير هذه القوات في تعز قضايا سياسية واجتماعية، خاصة في ظل حالة الاحتقان التي تشهدها المحافظة، والمتسبب الرئيسي فيها مليشيات مسلحة موالية لدولة الإمارات، والخشية من ظهور مظالم جديدة تتمثل في حالات الاعتقالات والتعذيب في السجون السرية والإخفاء القسري التي ستمارسها هذه القوات، تكرارا لتجربتها في المحافظات الجنوبية.
- هناك غضب متزايد من قبل أبناء محافظة تعز إزاء التحالف العربي بشكل عام، بسبب إهماله لجبهة تعز، وعدم إمداد أفراد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية بالسلاح اللازم الذي يمكنهم من استكمال تحرير المحافظة، وهو ما فهمه كثيرون بأنه توجس من التحالف العربي إزاء المحافظة كونها تصدرت ثورة 11 فبراير 2011 ضد الرئيس الراحل علي صالح، وأن التحالف يريد إنهاك أبناء المحافظة في حرب غير متكافئة مع مليشيات الحوثيين يقف منها موقف المتفرج، باستثناء غارات محدودة تستهدف مواقع الحوثيين، وبعضها تستهدف مواقع للجيش الوطني أو منازل المدنيين.
- يزداد التوجس والقلق من أي تواجد لقوات عسكرية موالية للإمارات ونياتها تجاه أبناء المحافظة، كلما اتضح أنه يراد لهذه القوات أن تتمركز في مواقع محررة بعيدة عن مناطق التماس مع مليشيات الحوثيين، وهو ما يعني إنهاك أفراد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في خطوط التماس والمواجهة مع الحوثيين من جانب، وتوجيه طعنات لهم في الظهر من الداخل حيث المناطق المحررة والمؤمنة، من خلال اغتيالات ستطال الضباط وغيرهم، وبسط السيطرة على الأرض المحررة بدون تضحية.
- هناك مخاوف في أن يتسبب وجود قوات موالية للإمارات في داخل محافظة تعز من أن تدخل في صراعات جانبية مع قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، مما يتسبب في إضعافها وتراجعها من الجبهات، الأمر الذي سيساعد مليشيات الحوثيين على استعادة السيطرة على بعض المواقع المحررة وإحكام الحصار على المدينة وربما السيطرة عليها.
- خطر قادم
ومهما كانت حالات الرفض لتواجد قوات عسكرية موالية لدولة الإمارات في تعز في تزايد، فإن الإمارات لن تتردد في ذلك عندما تحين الظروف المناسبة، خاصة أنها بدأت التمهيد لذلك منذ وقت طويل، حيث جندت عددا من أبناء المحافظة ودربتهم وأمدتهم بالسلاح، واستقطبت بعض الضباط هناك.
كما أنها ضغطت على الرئيس عبد ربه هادي ليعين محافظا للمحافظة موالٍ لها، وهناك مليشيات مسلحة ولها سيطرة داخل المحافظة وموالية لها (مليشيات أبو العباس)، فضلا عن النفوذ الاجتماعي عبر بعض شيوخ القبائل والقيادات المؤتمرية الموالية لعائلة علي صالح، والتي ستكون أحد أدوات نفوذ الإمارات هناك.
ويبقى السؤال: ما مدى خطورة تواجد قوات عسكرية موالية لدولة الإمارات تثير الخلافات والنزاعات داخل محافظة تعد من أكثر المحافظات اليمنية حيوية وأهمية، ويبذل الحوثيون جهودا كبيرة في محاولتهم للسيطرة عليها، وتعد جبهاتها من أكثر الجبهات استنزافا للحوثيين، كما تعد محافظة تعز أبرز مساحة جغرافية تشكل درعا للجنوب، وإذا سيطرت مليشيات الحوثيين عليها فهذا يعني أن تقدمها باتجاه المحافظات الجنوبية بات ممكنا.