[ غارات للتحالف استهدفت مدنيين بصنعاء ]
بحلول الذكرى الثالثة لاندلاع عملية "عاصفة الحزم" العسكرية بقيادة السعودية ضد الانقلابيين في اليمن، يمكن القول بأن هذه العملية تعد من أغرب العمليات العسكرية عبر التاريخ، فرغم أن دول التحالف العربي تمكنت من تدمير المطارات والرادارات والطائرات الحربية ومخازن الأسلحة الثقيلة للانقلابيين في الأيام الأولى من العملية، إلا أنها فشلت خلال ثلاث سنوات من العمل العسكري والقصف الجوي المتواصل من إلحاق الهزيمة بمليشيات تقاتل غالبا بأسلحة خفيفة وبمقاتلين أغلبهم قبليون لم يتلقوا تدريبا كافيا على استخدام الأسلحة وفنون القتال، ونادرا ما تستخدم المليشيات الحوثية أسلحة ثقيلة يتم تهريبها من إيران.
والأسوأ من ذلك، التحولات السلبية في مسار التدخل العربي، أو بالأصح التدخل السعودي والإماراتي، ويتضح ذلك من خلال التحول العكسي في الأشهر الأخيرة في ميزان الصراع، والذي جاء نتيجة تراكم أخطاء التحالف العربي، واستسلامه للدسائس من قبل بعض العاملين مع السلطة الشرعية، وبقائه -أي التحالف العربي- رهينة الهوس بالثورات المضادة لثورات الربيع العربي، وكان نتيجة ذلك أنه أضعف السلطة الشرعية في مقابل تفوق مليشيات الحوثيين، بل ووضعت السعودية والإمارات نفسيهما في موقف حرج، بسبب الفشل في القضاء على الحوثيين، وتزايد أعداد القتلى المدنيين جراء الهجمات الجوية العشوائية والخاطئة.
- انفعال اللحظة
جاءت عملية "عاصفة الحزم" في البداية كرد فعل، أو انفعال لحظي، على الاستفزازات الحوثية والإيرانية للسعودية، بعد أن تمكن الحوثيون من السيطرة على العاصمة صنعاء، وهي السيطرة التي يرى خبراء ومحللون بأن السعودية والإمارات ودولا أخرى كانت ضمن المخططين والممولين لها، والهدف هو تصفية قوى سياسية وقبلية لا تروق للسعودية والإمارات بواسطة الحوثيين، لكنهم -أي الحوثيون- خرجوا عن الخطة المرسومة لهم، ودفعهم غرورهم بالنصر إلى مواصلة خطواتهم الانقلابية ضد السلطة الشرعية، وبتحالف ودعم الرئيس الراحل علي صالح.
ومع تراكم الاستفزازات الإيرانية والحوثية للسعودية، وتصريح مسؤول إيراني كبير بأن صنعاء رابع عاصمة عربية تسقط بيد إيران، وإقدام الحوثيين على إجراء مناورة عسكرية بالقرب من الحدود السعودية مع اليمن والتهديد باجتياحها، وتسارع الخطوات الانقلابية للحوثيين وحليفهم علي صالح ضد السلطة الشرعية، وغير ذلك من الإجراءات، كل ذلك جعل السعودية تحشد تحالفا شكليا من عشر دول عربية بذريعة الاستجابة للرئيس الشرعي للبلاد عبد ربه منصور هادي بالتدخل للقضاء على الانقلابيين، وكان أول هدف تم تحقيقه هو تدمير الأسلحة الثقيلة للانقلابيين، والتي تشكل خطرا على السعودية وأمنها القومي.
هذا الانفعال اللحظي من قبل السعودية، والذي جاء ردا على الاستفزازات الإيرانية والحوثية لها، أثر على سير المعركة فيما بعد، فالسعودية أثناء تدخلها العسكري لم يكن لديها رؤية وخطة واضحة لإدارة المعركة والأزمة اليمنية بشكل عام، كما أن تباين الأجندة بينها هي ودولة الإمارات زاد من متاهة الأزمة اليمنية، وتسبب ذلك في حدة الانقسامات والخلافات بين اليمنيين، وزرع العداوات والثارات فيما بينهم، وأثر ذلك على الأزمة اليمنية بشكل عام.
وزاد الطين بلة تمكُّن العديد من العاملين في جهازي الأمن القومي والأمن السياسي التابعين للرئيس الراحل علي صالح من التسلل إلى الرياض بصفتهم كإعلاميين وسياسيين، والعمل مع السلطة الشرعية بغرض نخرها من الداخل، وزرع الشكوك والعداوات بين السلطة الشرعية وحلفائها من جهة والتحالف العربي من جهة أخرى، وهو ما أثر بالفعل على تلك العلاقة، وأسهم في حرف عملية "عاصفة الحزم" عن أهدافها الحقيقية، وتقزيم أهدافها إلى تحول دول التحالف كأطراف في المناكفات اليمنية-اليمنية، وشكّل كل ذلك تقديم خدمة مجانية للحوثيين وحليفتهم إيران.
- تحولات سلبية
اتسمت الأزمة اليمنية، خلال ثلاث سنوات منذ اندلاع عملية "عاصفة الحزم" العسكرية، بتحولات سلبية كبيرة، بسبب فشل السعودية والإمارات سياسيا وعسكريا في إدارة الأزمة اليمنية لعدة أسباب، أهمها، أن الدولتين لهما أجندة مختلفة في اليمن، لا علاقة لها بإعادة السلطة الشرعية أو محاربة النفوذ الإيراني في جنوب الجزيرة العربية، والملاحظ هو أن الدولتين تتعمدان تقزيم السلطة الشرعية وإضعافها بشكل متعمد، ودعم وإنشاء كيانات مسلحة مناهضة لها.
كما أن الفارق الكمي والنوعي من حيث السلاح وعدد الجنود والتدريب بين دول التحالف العربي ومليشيات الحوثيين كفيل بأن تتمكن دول التحالف، أو السعودية والإمارات، من تحرير اليمن عدة مرات من مليشيات الحوثيين وليس مرة واحدة، لكن يبدو أن الدولتين ليستا جادتين في القضاء على الحوثيين، رغم خطرهم المتزايد على اليمن ودول الخليج، وأصبحت صواريخهم تصل إلى عمق الأراضي السعودية.
وفي الوقت الذي يعزز فيه الحوثيون سيطرتهم على أكثر المحافظات اليمنية اكتظاظا بالسكان، فإن دول التحالف تهمش حضور السلطة الشرعية في المحافظات المحررة. وفي الوقت الذي يعمل فيه الحوثيون على تعزيز وتقوية جبهتهم الداخلية، ويقمعون كل صوت معارض لهم، لدرجة أنهم قتلوا حليفهم علي صالح الذي سلم لهم إمكانيات الدولة على طبق من ذهب، نرى أن دول التحالف تعمل على تغذية الانقسامات والخلافات بين جميع الأطراف التي يفترض بها أن تقف صفا واحدا ضد الحوثيين والنفوذ الإيراني في اليمن.
وفي الوقت الذي يعزز فيه الحوثيون قدراتهم التسليحية، وأصبحوا قادرين على تهريب صواريخ بالستية ومهاجمة عمق الأراضي السعودية، نرى بأن التحالف العربي يمنع السلطة الشرعية من شراء أسلحة وذخائر، بعد أن قطع عنها الدعم بالعتاد العسكري.
والأكثر إيلاما، أن عدد ضباط الجيش الوطني الذين قتلهم التحالف عبر ما يسميه هجمات جوية خاطئة، أكثر بكثير من عدد الضباط الموالين للحوثيين الذين قتلتهم طائرات التحالف، كما يتعمد التحالف العربي إعاقة تقدم الجيش الوطني في عدد من الجبهات من خلال هجمات جوية يدعي أنها خاطئة، ويقول مراقبون إن عدد المدنيين الذين قتلهم التحالف أكثر من عدد الذين قتلهم من المجندين في صفوف مليشيات الحوثيين.
- نتائج كارثية
في بداية اندلاع عملية "عاصفة الحزم"، تفاءل أغلب المواطنين اليمنيين بها خيرا، ورأوا أنها ستخلصهم من النفوذ الإيراني التدميري، خاصة بعدما رأوا آثار هذا المشروع في العراق وسوريا ولبنان، وبدأت ملامحه تنتقل إلى اليمن، والهدف القادم دول الخليج بأكملها.
غير أنه بعد أن اتضحت الأهداف الحقيقية لدول التحالف في اليمن، والمتمثلة في تمزيق البلاد والسيطرة على السواحل والموانئ والجزر اليمنية، والانتقام من الأطراف التي شاركت في اندلاع ثورة 11 فبراير 2011، كل ذلك جعل آمال المواطنين اليمنيين على التدخل العسكري تتراجع، وأصبح التدخل يثير المخاوف وغابت الأماني.
وبدلا من أن تكون نتيجة عملية "عاصفة الحزم" -بعد ثلاث سنوات من اندلاعها- القضاء على المليشيات الانقلابية وإعادة السلطة الشرعية، فإذا بالنتيجة أن مليشيات الحوثيين أحكمت سيطرتها على أكثر المحافطات اليمنية سكانا في شمال البلاد، والمليشيات الانفصالية والمناطقية الجنوبية أحكمت سيطرتها على عدة محافظات جنوبية، بينما السلطة الشرعية منفية خارج اليمن.
أما المواطنون اليمنيون فقد ازدادات معاناتهم جراء غلاء الأسعار وانهيار العملة المحلية وتوقف الرواتب وازدياد البطالة وانتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة، والخوف من الهجمات العشوائية لطائرات التحالف على المدنيين، والخوف من قمع واستبداد الحوثيين في الشمال وعملاء دولة الإمارات في الجنوب. وهكذا تتزايد كل يوم النتائج الكارثية التي تسبب بها الحوثيون والتحالف العربي على المواطنين اليمنيين، ولا أمل يلوح في الأفق لإنهاء الحرب ومعاناة المواطنين.