[ مواجهات بعدن بين قوات الحماية الرئاسية والمجلس الانتقالي ]
بعد استضافة دولة الإمارات لطارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي صالح، في مدينة عدن، يجد الانفصاليون الجنوبيون أنفسهم أمام لعبة سياسية هم الطرف الأضعف فيها، ويرون بأن رهانهم الأخير على الحليف الإماراتي لتحقيق حلم الانفصال رهانًا فاشلًا، وأن ما تسعى إليه الإمارات هو إعادة الأوضاع في اليمن إلى ما قبل ثورة 11 فبراير 2011، وإعادة الاحتلال الشمالي للجنوب هذه المرة برعاية إماراتية، بحسب تعبير قيادات انفصالية.
ويعزز من هذه المخاوف الاحتفاء الإماراتي غير المسبوق بعائلة علي صالح، بعد فض تحالفها مع الحوثيين، وتوفير الحماية الأمنية المبالغ فيها لطارق صالح في مدينة عدن، بالإضافة إلى التسريبات الإعلامية التي تتحدث عن عزم دولة الإمارات تشكيل معسكرات في الجنوب يقودها طارق صالح، وتتكون من أفراد شماليين موالين لعائلة علي صالح، وستسند إليهم مهمة المشاركة في الحرب ضد الحوثيين.
- ورقة للمساومة والمصلحة
تحولت القضية الجنوبية ومطالب انفصال جنوب اليمن إلى ورقة للمساومة والمصلحة، وأجادت استثمارها عدة أطراف، في الوقت الذي فشل فيه حاملو القضية الجنوبية تحقيق أي خطوة عملية باتجاه تحقيق الانفصال، أو على الأقل عدم تحويل قضيتهم إلى ورقة تستثمرها أطراف أخرى محلية وأجنبية.
ومنذ أن بدأت تتصاعد المطالب بانفصال جنوب اليمن في العام 2007 وحتى يومنا هذا، راهن قادة الانفصال طويلًا على بعض الدول والمنظمات لتحقيق حلم الانفصال، وكانت البداية من المطالب الخافتة الموجهة للأمم المتحدة وبعض القوى الدولية بأن تتدخل وتجري استفتاءً في الجنوب حول الانفصال عن دولة الوحدة، أملًا في تكرار سيناريو انفصال جنوب السودان.
لكنه كان واضحًا أن مثل هذه المطالب الخجولة لم تلقَ آذانًا صياغة من قبل المجتمع الدولي، خاصة أن الانفصاليين لم يستطيعوا تقديم بدائل أو خطط واضحة للدولة الجنوبية المأمولة، وكان التجاهل الدولي لمطالب انفصال جنوب اليمن ينبع من خشية أن يؤدي ذلك إلى إغراق الجنوب بالفوضى، بما يؤدي إلى سيطرة تنظيم القاعدة على الأرض وتهديد طريق التجارة الدولية المارة عبر مضيق باب المندب.
- التحالف مع إيران
استطاعت إيران، وفي غفلة من الجميع، أن تتحالف مع بعض فصائل الحراك الجنوبي، وقدمت لها دعمًا ماديًا وإعلاميًا، وكان ذلك ضمن خطة لم يكتشف الجميع أبعادها إلا بعد انقلاب تحالف الحوثيين والرئيس الراحل علي صالح على السلطة الشرعية، وإن كانت ملامحها قد بدأت تظهر قبل ذلك أثناء الغزل المتبادل بين الحوثيين وبعض قادة الحراك الجنوبي الانفصالي، خاصة أثناء مؤتمر الحوار الوطني، والاتفاق الشكلي بين الطرفين حول العديد من القضايا الخلافية.
تمكنت إيران من اختراق الحراك الجنوبي الانفصالي عبر ما يسمى "حزب الله" اللبناني وجماعة الحوثيين، وكانت الوعود الظاهرية في البداية تتضمن دعم الجنوبيين في تقرير مصيرهم، بينما الهدف الأساسي يتمثل في تهيئة الأجواء لسيطرة الحوثيين على اليمن شمالًا وجنوبًا، وهو ما اتضح حينها عندما رفضت بعض فصائل الحراك الجنوبي المشاركة في الحرب ضد الحوثيين في عدن وغيرها من مدن الجنوب، بذريعة أن الحرب هي شأن بين الشماليين الذين نقلوا خلافاتهم ومعاركهم إلى الجنوب، في إشارة إلى المقاومة الشعبية التي تشكلت سريعًا في الجنوب ضد قوات علي صالح والحوثيين، وكان معظم أفرادها من المنتسبين لحزب الإصلاح.
- الرهان على الإمارات
وبعد أن اتضح للانفصاليين الجنوبيين حقيقة الاختراق الإيراني للقضية الجنوبية، واتخاذها ورقة للمساومة وتحقيق المصلحة، بدأ الرهان على دولة الإمارات لتحقيق الانفصال، خاصة وأن الأداء السياسي والعسكري للإمارات في الجنوب، بعد عملية "عاصفة الحزم" العسكرية، كان يمضي في هذا الاتجاه، مثل تشكيل وحدات عسكرية مناطقية يقودها انفصاليون، وتعزيز التحالف مع بعض قيادات الانفصال، مقابل تضييق الخناق على السلطة الشرعية والأجهزة الأمنية والعسكرية الموالية لها.
ومع أنه لم يصدر من قيادة دولة الإمارات أي تصريحات رسمية تتحدث عن أجندتها في اليمن، سواء العمل على انفصال الجنوب أو ضرورة الحفاظ على الوحدة، لكن أفعالها على الأرض تعد مؤشرات يمكن من خلالها فهم بعض أجندتها، ولذا، فإن إقدام الإمارات على استضافة طارق صالح في مدينة عدن، وتوفير الحماية الأمنية له، والعزم على تشكيل وحدات عسكرية تابعة له في الجنوب، كل ذلك أثار غضب بعض حلفاء دولة الإمارات في الجنوب، وخرج بعضهم بتصريحات يؤكدون رفضهم لتواجد طارق صالح داخل مدينة عدن، فضلًا عن تشكيل وحدات عسكرية تابعة له داخل الجنوب.
كان طارق صالح أبرز قائد عسكري حليف للحوثيين من عائلة علي صالح يدير غرفة عمليات من صنعاء أثناء الحرب في مدينة عدن وغيرها من مناطق الجنوب بعد الانقلاب وتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية، وكانت القوات العسكرية التي تتلقى التعليمات من طارق صالح في عدن قد ارتكبت مجازر عنيفة ضد المدنيين هناك ودمرت العديد من الممتلكات والمباني، وهو ما يثير سخط مختلف الأطياف في الجنوب من دولة الإمارات التي استضافته في عدن، ليضاف ذلك السخط إلى تصريحات سابقة لبعض قيادات الحراك الجنوبي ضد التحركات الإماراتية المشبوهة في الجنوب، واصفين إياها بالاحتلال.
ورغم أن دولة الإمارات تعمل على تجميل خطوتها هذه من خلال إجبار بعض قيادات ما يسمى "المجلس الانتقالي الجنوبي" الموالي لها على الإدلاء بتصريحات تؤكد على أنه لا مشكلة للجنوبيين في استضافة أفراد من عائلة علي صالح والتعاون معهم في الحرب ضد الحوثيين، لكن هذه الخطوة ليست كفيلة بأن تحافظ دولة الإمارات على نفوذها المتآكل في الجنوب، خاصة أن عددًا كبيرًا من الجنوبيين أصبحوا يرونها بأنها خذلت الجنوب، وأنها دولة احتلال، وأنها تعمل على إعادة نظام علي صالح عبر عائلته، وأن رهانهم عليها كان رهانًا فاشلًا.
وهكذا، يتضح أن مطالب انفصال جنوب اليمن تحولت إلى ورقة للمساومة والمصلحة، وأن القضية الجنوبية ضاعت في دهاليز التحالفات والرهانات الفاشلة، وزاد الطين بلة تحويل العديد من القيادات الجنوبية لمسألة الانفصال إلى وسيلة للتكسب والارتزاق والعمالة لدى الأجانب، وهو ما يشكل خطرًا ليس على القضية الجنوبية فحسب، ولكن على الوطن بأكمله.