[ أثارت إجراءات الإمارات في عدن باقتحام واعتقال كوادر الإصلاح موجة سخط شعبي ]
تواصل دولة الإمارات اللعب على وتر أعصاب المجتمع اليمني وحكومته الشرعية وقواه الفاعلة والحية، من خلال اتخاذ إجراءات استفزازية واستبدادية في نفس الوقت ضد السلطة الشرعية وضد الأحزاب السياسية الكبيرة المتحالفة معها في حربها على الانقلاب، وبما يخدم الانقلابيين والمشروع الإيراني في اليمن والمنطقة.
وأثارت الأحداث التي شهدتها العاصمة المؤقتة عدن خلال الأيام الأخيرة، والمتمثلة في اقتحام مقرات وبيوت لقيادات وكوادر في حزب الإصلاح واعتقال عدد منهم من قبل قوات أمنية موالية لدولة الإمارات، أثارت موجة سخط شعبي في مختلف المحافظات اليمنية شمالا وجنوبا، كما أثارت استنكار واستهجان مختلف الأحزاب السياسية في البلاد وفروعها في المحافظات، كون ما حدث يراد منه حرف بوصلة الصراع في البلاد باتجاه آخر، والقضاء على مكتسبات حققها اليمنيون، كالتعددية الحزبية والديمقراطية، بفعل تراكم النضال الوطني خلال سنوات كثيرة، وسالت من أجل ذلك أنهار من دماء الأحرار اليمنيين.
والإجراءات المشار إليها تتنافى مع مفهوم الدولة الحديثة ومسؤوليتها تجاه مواطنيها، كما تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان والقانون الدولي، فضلا عن مخالفتها للأهداف التي تدخل من أجلها التحالف العربي في اليمن، وبطلب من الرئيس الشرعي للبلاد عبدربه منصور هادي، والمتمثلة في مساندة السلطة الشرعية عسكريا للقضاء على الانقلاب وبناء اليمن الاتحادي الجديد.
- ما السيناريو التالي؟
من الناحية الدلالية والرمزية، يمكننا القول بأن منع دولة الإمارات للرئيس الشرعي للبلاد عبدربه منصور هادي وبعض المسؤولين في السلطة الشرعية من العودة إلى عدن أو حتى زيارتها مؤقتا والعودة للمقر المؤقت للسلطة الشرعية في الرياض، يعد في الأعراف السياسية انتهاكا للسيادة الوطنية وجرما أكبر من اقتحام مقرات لحزب سياسي ومداهمة منازل بعض قياداته وكوادره واعتقالهم من قبل عملاء محليين.
كما أن ما حدث في عدن أخيرا لا يعدو كونه خطوة ضمن عدة خطوات، بدأت بتهميش المقاومة الشعبية الحقيقية في الجنوب التي كان لها دور كبير في دحر الانقلابيين، واغتيال أبرز قياداتها، لأنها كانت محسوبة على حزب الإصلاح، واستبدالها بمقاومة شعبية موالية للإمارات، ثم إضعاف السلطة الشرعية وإذلالها من خلال تشكيل وحدات عسكرية مناطقية تدين بالولاء لدولة الإمارات وليس للوطن وتعمل ضد السلطة الشرعية، ثم محاولة إضعاف الأحزاب السياسية الكبيرة المتحالفة مع السلطة الشرعية ضد الانقلاب، تمهيدا لما هو آتٍ ضمن سيناريو تريد دولة الإمارات فرضه على اليمنيين لم تتضح ملامحه الحقيقية بعد رغم وضوح دوافعه ومؤشراته.
- دوافع سياسية واقتصادية
لا يمكن الحديث عن الدوافع السياسية والاقتصادية للمشروع الإماراتي في اليمن دون ربط ذلك بالتحديات التي باتت تواجه الأنظمة العربية القديمة بعد ثورات الربيع العربي، لاسيما مع تصاعد مطالب الديمقراطية، وفك القيود على الحقوق والحريات، وإصلاح الأنظمة السياسية الحاكمة، والحد من الفساد المالي والإداري للحكام، وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب ضد الفاسدين منهم.
ومن هذا المنطلق، ترى دولة الإمارات بأن اليمن يمثل جسدا غريبا في منطقة شبه الجزيرة العربية المتجانسة سياسيا بأنظمتها الملكية العائلية الوراثية والتقليدية، فالشعب اليمني مشدود نحو الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية والانتخابات وحرية الرأي والتعبير، ويرفض الملكية أو توريث السلطة حتى وهو في أسوأ فترات ضعفه وتمزقه، وأصبح ذلك بمثابة ثقافة سياسية مشتركة بين جميع اليمنيين.
وتعززت هذه الثقافة السياسية بعد ثورة 11 فبراير 2011 ضد المخلوع علي عبدالله صالح، وأصبحت ثقافة عامة متنامية لدى اليمنيين رغم ارتفاع نسبة الأمية، وكل ذلك يعني أن اليمن متقدم سياسيا على محيطه الخليجي، رغم أنه لا يختلف اجتماعيا عن شعوب الخليج، ومن هنا تتزايد المخاوف من أن تنتقل عدوى الثقافة السياسية في اليمن إلى الشعوب الخليجية، وما لذلك من أضرار على العائلات الحاكمة فيها.
- القضاء على الأحزاب والديمقراطية
وبناء على ما سبق ذكره، فالإمارات تسعى إلى القضاء على الأحزاب اليمنية، خاصة الكبيرة منها، مثل المؤتمر والإصلاح، فحزب المؤتمر (جناح الرئيس هادي) يتم تهميشه وإضعافه كونه الممثل الرئيسي للسلطة الشرعية، وجناح المخلوع صالح في الحزب تحول إلى مليشيات طائفية تأتمر بأمر الحوثيين، وما تبقى منه يتعرض للتهميش والتنكيل على يد الحوثيين، وبهذا فحزب المؤتمر يبدو آيلا إلى الانهيار، خاصة بعد فقدانه لكل عوامل قوته وبشكل تدريجي منذ العام 2011 وحتى يومنا هذا.
كما تسعى الإمارات إلى القضاء على حزب الإصلاح أو على الأقل إضعافه، كونه أكبر حزب يمني متماسك حتى اللحظة، ثم تهميش وإضعاف بقية الأحزاب، تمهيدا للقضاء التام على كل مظاهر الديمقراطية والحياة السياسية في اليمن، حتى لا ينتقل تأثيرها إلى المجتمعات الخليجية، وتشكيل بدلا عن ذلك وحدات عسكرية مناطقية تدين بالولاء تماما لدولة الإمارات.
ويعتقد حكام الإمارات بأنه في حال تحقق لهم ذلك، فإنهم سيكونون قد حققوا أهدافهم السياسية والاقتصادية في اليمن، وتتمثل الأهداف السياسية في: القضاء على مظاهر الديمقراطية والحياة السياسية، ثم دعم قيام نظام سياسي حاكم هجين يدين بالولاء للإمارات، ويضمن بقاء المجتمع اليمني على حالة محدودة من الصراع البيني بما يحول دون ظهور المطالب الديمقراطية مجددا، لتحصين المجتمعات الخليجية من رياح الديمقراطية والحقوق السياسية القادمة من جنوب الجزيرة العربية، بعد تراجع مثل هذه الثقافة والمطالب السياسية في بلدان الربيع العربي وغيرها تحت وطأة القمع وعنف الثورات المضادة.
وإذا ما تحققت الأهداف السياسية المذكورة، فإن ذلك سيقود حتما إلى تحقيق الأهداف الاقتصادية المأمولة، وأهمها أن النظام الهجين الذي ستغرسه الإمارات في جسد اليمن سيعمل على تهميش الموانئ اليمنية، وخاصة ميناء عدن، نظرا لأهميتها الإستراتيجية المستمدة من مواقعها على طريق التجارة الدولية المارة عبر مضيق باب المندب، وذلك حتى لا تتأثر المكانة العالمية التي حققها ميناء دبي، وما يترتب على ذلك من فوائد اقتصادية ونفوذ سياسي، ويعني ذلك أن أي تطور وازدهار للموانئ اليمنية سيكون على حساب ميناء دبي، وهو ما يخشاه حكام الإمارات.
- عوامل مساعدة
ما كان لدولة الإمارات أن تعبث في جنوب اليمن لولا العديد من العوامل التي ساعدتها على ذلك، لعل أهمها، أن الرئيس عبدربه هادي لم يعزز سلطاته في عدن خاصة والجنوب عامة، رغم علمه بعدم استقرار الأوضاع في الجنوب، وتزايد مطالب الانفصال، ولم يستفد من الدروس التي تلقاها في العاصمة صنعاء، فخسر الأولى ثم الثانية، وأصبح بأدائه السياسي الهزيل عبئا على حلفائه في السلطة الشرعية، وعبئا على قوى ثورة 11 فبراير 2011، التي وافقت على توليه قيادة البلاد مؤقتا خلال المرحلة الانتقالية وفقا للمبادرة الخليجية، وبما يحقق انتقال سلمي وسلس للسلطة.
لقد استغلت دولة الإمارات الأداء السياسي الهزيل للرئيس هادي وحكومته في عدن والجنوب عامة، كما استغلت حالة الفقر المدقع في الجنوب، والخلافات المتزايدة بين الجنوبيين أنفسهم، وتمكنت من شراء ولاءات وذمم، تحت إغراء المال السياسي، ضمن تشكيلات عسكرية مناطقية موالية لها، وجعلت منها رأس حربة في مناهضتها للسلطة الشرعية والأحزاب السياسية الفاعلة والناشطين السياسيين والحقوقيين الذين امتلأت بهم السجون الإماراتية في الجنوب، وما يجري فيها من تعذيب وانتهاكات أدانتها ووثقتها أبرز المنظمات الحقوقية في العالم.
كما استغلت دولة الإمارات أيضا صمت السعودية على دورها المشبوه في اليمن، ويبدو الصمت السعودي إزاء ذلك محيرا بالفعل، ليس لكون اليمن منطقة نفوذ حصري وحديقة خلفية للسعودية، ولكن لأن الدور الإماراتي المشبوه يأتي على حساب الخسائر والتضحيات السعودية في حربها على الانقلابيين في اليمن، ويتناقض تماما مع أهدافها.
- عوائق غير محسوبة
تمضي الإمارات في ترسيخ مشروعها في جنوب اليمن، وتحاول توسيعه إلى المحافظات والمناطق المحررة في شمال اليمن، من خلال محاولة تأسيس ما تسميها "قوات نخبة" في محافظتي مأرب وتعز، وبسبب فشلها في ذلك، عادت للانتقام من أعضاء ومقرات حزب الإصلاح في عدن، لاعتقادها أن نفوذ حزب الإصلاح في مأرب وتعز هو من أفشل مشروعها التوسعي من خلال محاولة تشكيل وحدات عسكرية موالية لها.
لكن هناك عوائق غير محسوبة، لم تخطر على بال حكام الإمارات، من شأنها عرقلة المشروع الإماراتي في اليمن مهما طال أمد الحرب والوضع الذي تشهده البلاد حاليا، ذلك أنه مهما كانت الكيفية التي ستنتهي بها الحرب، لكن الحقيقة الثابتة هي أنه من المستحيل أن تقضي الإمارات على الديمقراطية والأحزاب السياسية في اليمن، أو أن تواصل الهيمنة على الموانئ اليمنية، وهذه أبرز العوائق:
1- الثقافة السياسية والحزبية متجذرة في اليمن رغم الاستبداد والجهل وغير ذلك، وتأتي نتيجة تراكمات حضارية منذ ظهرت الدول والحضارات اليمنية القديمة وعرف معها اليمنيون الحكم المركزي والقوانين المنظمة لحياتهم، في وقت لم تكن قد ظهرت فيه دولة الإمارات، ولم يكن أيضا قد سكن بقعتها الجغرافية حاليا أي بشر.
2- من الصعب على دولة الإمارات القضاء على حزب سياسي بحجم حزب الإصلاح، لاعتقادها أنه أبرز عائق أمام مشروعها في اليمن، كونه حزب يمني أصيل وعقائدي ويضع الديمقراطية على سلم أولوياته، وعدد أعضائه يتجاوز عدد سكان الإمارات الأصليين بكثير.
3- التشكيلات العسكرية الموالية لدولة الإمارات في الجنوب يرتبط ولاءها بالمال والدعم المقدم من الإمارات، وفي حال انقطع هذا الدعم بعد انتهاء الحرب ستحول ولاءها للسلطة اليمنية الشرعية حتى تضمن استمرار رواتبها، وستقبل بالاندماج في الجيش الوطني بدون أي شروط أو عراقيل، ولن تجرؤ على التمرد على السلطة، كونها ستتعرض للقمع بعنف والتسريح والمحاكمة.
4- حتى وإن بقيت هناك أذرع لدولة الإمارات في مرحلة ما بعد الحرب، لكنها ستظل منبوذة ومكروهة من قبل الجميع، وربما تتعرض للملاحقات والمحاكمات بتهمة الخيانة والعمالة للخارج، ومصيرها التلاشي والأفول.
وأخيرا، الدور الإماراتي المشبوه في اليمن لا يعدو كونه آنيا، ويرتبط بظروف الحرب التي تشهدها البلاد، وتفتتها على كافة المستويات، وتدخل التحالف العربي، والذي تمثل السعودية والإمارات أبرز أعضائه.
وتكمن خطورة الدور الإماراتي في أنه قد يتسبب في جر البلاد إلى نوع مختلف من الصراع، لن يستفيد منه أحد سوى إيران وأذرعها في المنطقة من مليشيات شيعية، وستكون دول الخليج هي الخاسر الأكبر جراء ذلك.