[ العديني حمل الانقلاب مسؤولية الجمود الذي أصاب الحياة السياسية في اليمن ]
نحتاج مشتركا سياسيا جديدا قائما على أساس تحريم استخدام الحاكم لمؤسسات الدولة السيادية.
اليمن بكل مكوناتها تعيش أزمة قيادية على مستوى الدولة والأحزاب وهي أزمة عميقة وعمرها طويل.
الأساس الوطني في بناء المؤسستين العسكرية والحزبية سيؤمن مغادرة الحاضر المتشظي نحو المستقبل.
الانقسام لم يعرف طريقه للإصلاح لا في أول التحالف ولا مع أزمة الخليج الأخيرة.
الإصلاح هو الحزب الوحيد الذي لديه بيانات ومواقف واضحة
يتحدث نائب رئيس دائرة الإعلام في حزب التجمع اليمني للإصلاح، عدنان العديني، مدافعا عن كثير من التهم التي يوجهها البعض للحزب، ويقدم تفسيرات للعديد من المواقف التي تتعلق بأداء واحد من أكبر الأحزاب السياسية في اليمن.
يعتبر العديني أن استحضار جماعة الإخوان المسلمين عند الحديث عن حزب الإصلاح نوعا من معاير الفعل السياسي المحلي بصراعات الخارج، ولا ينتمي للمعركة اليمنية ولا يخدمها، ويرى أن ذلك يقود إلى إهمال البعد المحلي، ومتطلبات بناء الدولة اليمنية ويحشرها في زاوية جانبية.
ويكشف العديني في حديثه مع "الموقع بوست" عن تغييرات كان الحزب ينوي اتخاذها عقب الثورة الشعبية، وتتعلق بالهيكل التنظيمي للحزب، لكن الانقلاب الذي حدث أواخر العام 2014 أوقف تلك التوجهات، مثلما أثر على الحياة السياسية في اليمن بشكل عام.
* تناقلت عدد من الوسائل الإعلامية عنك القول "لا يوجد في اليمن إخوان مسلمين ونحن في الإصلاح لا نرتبط معهم سياسيا ولا إداريا".. هل أفهم من كلامك أن الاخوان تواجدوا في اليمن خلال مرحلة ما وانتهى حضورهم؟ أم أن الإخوان ليس لهم تواجد لا اليوم ولا الأمس؟ وما قولك لمن يقول إن التجمع اليمني للإصلاح هو امتداد لحركة الإخوان؟
** نعم لم تعرف اليمن مكون سياسي باسم الإخوان مثلما هو حاصل مع الاتجاه القومي الذي لديه فروع في اليمن، لكن التيارات العربية كانت أيضا أفكار وليست فقط أحزاب، وهنا تكمن الحاجة إلى التجديد المنتظر من قبل كامل الأحزاب اليمنية.
في أكثر من مناسبة أكد الإصلاح أن شرعيته مستمدة من القانون اليمني، وهذا كافٍ لمن يبحث عن جواب، ودعني ألفت انتباهك إلى سوْال لطالما أهملناه وهو لماذا لا يوجد مكون قانوني باسم حركة الإخوان المسلمين داخل اليمن رغم إمكانية فعل ذلك بانعدام الموانع وتوفر الأسباب؟
والجواب على هذا السؤال هو بالأساس حديث في خصوصية المدرسة اليمنية المعرفية منها والسياسية، والتي أثرت على الجميع بما فيهم الاسلاميين، وهذا موضوع بحث ليس محله الآن، لكن دعني أشير إلى قضية متصلة تتشكل نتيجة تراجع مشروع الدولة، وهي معايرة الفعل السياسي المحلي بصراعات الخارج، وما يقود إليه من إهمال للبعد المحلي، ومتطلبات بناء الدولة اليمنية وحشره في زاوية جانبية، لا يجب أن تأخذنا اللحظة إلى صناعة فرز محلي على قضايا لا تنتمي للمعركة اليمنية ولا تخدمها، وكل ما تفعله أنها تقول إن الإصلاح لا يصلح للاستخدام الخارجي، ووفقا لذلك يجب أن يستهدف، ولأجل إيقاف هذا التيه نحتاج أن نتفق أن العلاقات مع الدول شأن الدولة اليمنية، إلا إذا كنّا نعتقد أننا في لحظة ما بعدها وكل طرف يتصرف على أنقاضها فهذا أمر آخر.
كنت أنتظر أن تسألني عن الإرث النضالي اليمني والذي يفترض أن نهتم به ونعمل على تنميته، وكيف نتطابق مع قضايا مجتمعنا، في تصوري أن هذا أفضل من الاستمرار في معايرة حركتنا وفقا لمتطلبات صراع نحن اليمنيين لسنا جزءا منه ولا طرفا فيه.
* يتحدث البعض عن حالة جمود في الهيكل التنظيمي للتجمع اليمني للإصلاح، والذي لا زال عاجزا حتى الآن عن التشبيب في المواقع القيادية.. البعض يربط ذلك بمبدأ السمع والطاعة والبعض بالثقافة الأبوية داخل المجتمع اليمني والبعض يتحدث عن إشكالية في البناء التنظيمي نفسه، كيف ترى الأمر؟
** نعترف بأن البلاد بكل مكوناتها تعيش أزمة قيادية على مستوى الدولة والأحزاب، وهي أزمة عميقة وعمرها طويل، على أن الانقلاب هو المتسبب المباشر في استمرارها بتعطيله إمكانية الانتخابات في الوطن وداخل الأحزاب ومنها الإصلاح الذي لم يستطع عقد مؤتمره العام الأخير. أنا أحمل الانقلاب مسؤولية حرماننا نحن في الإصلاح من التغيير الذي كنّا في انتظاره بشغف والتغيير الذي كان سيتم بناء على تأثير الثورة، وللأسف حرمنا الانقلاب من تغلغل التغيير وامتداده إلى عمق الأحزاب.
في الموتمر العام الذي لم يتم كنّا على موعد ليس مع تغيير قيادي فقط وإنما مع أمر مهم وأكثر قيمة وهو الاختبار الأول للقرار الذي اتخذ في الموتمر العام السابق، والذي منح التنظيمات المحلية حق ترشيح ممثليها في مجلس الشورى الوطني بعد أن كانت هذه العملية حكرا على المؤتمر العام. الخطوة كانت تعزيز الصلاحيات الكبيرة للمحليات وقفز في اتجاه صناعة فيدرالية حزبية لكن الانقلاب عطل كل ذلك.
* هل تشعر أن البرنامج السياسي للتجمع اليمني للإصلاح لا زال يتناسب مع المرحلة، أم أن تعديله بات واجبا، ولماذا برأيك؟
** البرنامج السياسي بعد كل هذه المتغيرات بحاجة لمراجعة وإعادة صياغة تتناسب مع مطلب بناء الدولة على أسس وطنية خاصة، لأنه صمم في مرحلة كان المطلب الأساسي هو الذهاب إلى إدارة الحكومة التي لم تعد موجودة في هذه اللحظة في حين أن المهمة الآن قد تحولت إلى بناء هذه الدولة نفسها.
* هناك من يرى أن الإصلاح براغماتي في مواقفه فهو لا يتردد عن تأييد المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بفك الارتباط طالما كان مصلحته في ذلك.. البعض يرى أن الإصلاح لا يستفيد من أخطائه وأنه لا زال يكرر نفس الخطأ بالتسابق حول التعيينات لأفراده.. ما رأيك؟
** وجدت الأحزاب للتعبير عن تطلعات المجتمع ولتحقيق مصالحه، وأن يستجيب الحزب للمتغيرات فهذا أمر محمود، أما التعيينات فأعطني حزبا خارج سباق التعيينات؟ والسؤال ما القدر الذي كان على الإصلاح الاكتفاء به؟ وماهي النسبة التي يستحقها؟ وما هو المعيار لتحديد ذلك كله؟ ثم أخضع جميع الأحزاب لهذه المعايير حينها ستكتشف أننا نتحدث بشكل لا يعكس الواقع، في هذه النقطة تحديدا نطالب بإخضاع كل قرارات المرحلة السابقة لقانون الخدمة المدنية.
* لو سألنا كيف يتم اتخاذ القرار داخل الإصلاح؟
** القرار في الإصلاح يتعلق بطبيعة القضايا، فإن كانت مما يقتضي تغييرا في التوجه الإستراتيجي للحزب فهذا يحتاج إلى الموتمر العام، أما الأمانة العامة فإنها الجهاز التنفيذي الذي يضع القرار السياسي الصادر عن الهيئة العليا موضع التنفيذ ومجلس الشورى هو الجهة الرقابية على الأمانة العامة.
* هناك من يتحدث عن حالة انقسام في موقف الإصلاح من الأزمة الخليجية حيث موقف القيادة المعلن في صف الإمارات والسعودية بينما موقف القواعد وبعض القيادات العليا أيضا في صف قطر ومنهم أيضا عضو مجلس شورى الإصلاح توكل كرمان التي تتهم الإمارات بأنها دولة احتلال.. ما رأيك؟ وما تقييمك لعلاقة الإصلاح بكل من الإمارات والسعودية وقطر؟
** حين قلت انقسام ظننتك سوف تسأل عن ظاهرة الانقسام التي كادت أن تعصف بالأحزاب اليمنية حيال أزمة هددت بالانقلاب الوجود اليمني برمته، وهي المسالة التي تحتاج إلى نقاش، ليس بغرض الإدانة، بل بغرض الكشف الذي يقود إلى الكساح السياسي أثناء انتفاشة السلاح، إذ الأحزاب معنية بقضايا بلدها أكثر من القضايا الخارجية التي هي في الأساس شأن يخص الدول إلا إذا قد صرنا في مرحلة ما بعد الدولة اليمنية فهذا أمر آخر، والآن هل يمكن تعديل السؤال ليتسق ومهمة الأحزاب ليصبح على النحو التالي: هل استطاعت الأحزاب السياسية الحفاظ على تماسكها في مواجهة الانقلاب أم انقسمت على مستوى المواقف والقيادات؟ خاصة وأن الإجابة على هذه الصيغة ستتضمن الإجابة عن الفكرة التي سألت عنها، لكن بالطبع سأترك لك البحث في مواقف الأحزاب.
أمر آخر حين أتحدث عن انقسام القيادات فأنا أعني به قيادات الصف الأول أو الفريق القيادي الأمين العام ومساعديه ورؤساء الدوائر، أما ما عداهم فلا يعد شدوذ أي فرد منهم مؤشر انقسام، وبالعكس فإنه مؤشر حياة للسياسية، فالأحزاب التي ولدت من رحم التعدد السياسي سوف تتناقض مع نفسها إذا ألغت هذا التعدد في داخلها، وعلى هذا فالانقسام لم يعرف طريقه للإصلاح لا في أول التحالف ولا مع أزمة الخليج الأخيرة، وهو الوحيد الذي لديه بيانات ومواقف واضحة ومرة أخرى تبعا للشرعية، مع الإصلاح لن تجد بيانين متناقضين ولا أمين مساعد ولا رئيس دائرة في الأمانة لديه موقف خاص لا ينسجم مع موقف الإصلاح منذ بداية الانقلاب وحتى الآن، وأترك لك تتبع ذلك في بقية الأحزاب.
* اللقاء المشترك لما يقرب ثلاث سنوات لا يعقد اجتماعاته، كما أن هناك انقسام في الموقف من الانقلاب لدى أحزابه، وبعيدا عن مدح فرادة التجربة على مستوى الوطن العربي وغيره من الكلام الذي نسمعه دوما من قيادات المشترك، ما الذي تبقى من اللقاء المشترك فعليا وعلى أرض الواقع؟ وما الذي تبقى من قانونية هذا التحالف السياسي؟
** باختصار شديد نحتاج مشتركا سياسيا جديدا قائما على أساس تحريم استخدام الحاكم لمؤسسات الدولة السيادية: جيش وقضاء وبنك... الخ، مهما كانت شرعيته، وتجريم استخدام رجل المعارضة المنطقة والمذهب والقبيلة وتجييشها مهما كانت مظلوميته، وعلى أن يلتزم الجميع بالعمل من خلال أحزاب وطنية ورفض أي مكونات تضعف بنية المجتمع.
ووفقا لهذا الأساس المرجعي نحتاج لمشترك جديد يتجاوز عقدة المشترك الأول الذي نجح في التماسك في وجه صالح، لكنه تفكك وهو يتعامل مع قضايا المجتمع التي تعامل معها دون الاستناد لرؤية وطنية تراعي أهمية الحفاظ على تماسك الشعب ونسيجه الاجتماعي وهو يتواجه مع السلطة.
* ما هي قراءتكم للمستقبل الذي ينتظر اليمنيين وفقا لمعطيات الواقع؟ وما تقييمكم لأداء الشرعية؟ وهل أنتم راضون عن هذا الأداء؟
** سينفتح المستقبل بسقوط الانقلاب، على أن الدخول الآمن إليه مشروط بتوحيد كل القوة العسكرية المتناثرة وضبطها داخل مؤسسة وطنية ولاءها للشعب وتنتمي له، ثم بوجود أحزاب سياسية تعمل في كل أرجاء الوطن، وبشرط ألا تكون أي من المؤسسة العسكرية أو المؤسسة الحزبية في يد الحاكم أو تعمل لخدمته.
الأساس الوطني في بناء المؤسستين العسكرية والحزبية سيؤمن مغادرة الحاضر المتشظي نحو المستقبل. إن المستقبل مرهون بوجود قيادة عسكرية وأخرى سياسية لا تراعي مناطقها ومذاهبها وأحزابها على حساب متطلبات بناء الدولة.
* هل ترى الصراع في اليمن صراعا سياسيا أم صراعا مذهبيا؟ ما أبرز الملامح التي تجعلك تقول ذلك؟
** الصراع في اليمن سياسي وإن حاول الحوثيون تحويله والانحراف به إلى اللون المذهبي، ودليل قولي إن المقاومة للحوثي في مناطق ما كان يعرف بالمنطقة الزيدية كانت أشد وأقوى في فترة لم يكن ثمة نصير ولا تحالف داعم، كما أن المقاومة في المناطق التي عرفت بالشافعية لا تواجه من أجل حكم ذاتي أو انفصال بل من أجل دولة وطنية للجميع.
* هل لديكم استعداد في التجمع اليمني للإصلاح للقبول بإيقاف الحرب والدخول في تسوية سياسية، وما ملامح التسوية التي يمكن أن تقبلوا بها؟
** يطالب الإصلاح بالسلام، وهو لم يؤيد الحرب مطلقا وإنما دعا لإيقاف أسبابها المحركة لها، وهي القوة الموجودة في يد الانقلابيين، أترى هل كانت اليمن ستتحول إلى ساحة للحرب لو لم يكن للحوثي سلاح في يده؟ أم كانت اليمن ستشهد مسيرة سياسية تمضي في تنفيذ مخرجات الحوار واحدة واحدة، نحن مع السلام الذي يستحقه شعبنا مثل بقية الشعوب المستقرة، ولا سلام بدون إخضاع القوة لسلطة الدولة، وإجبار كل القوى التزام المسلك السياسي إن هي أرادت المنافسة على السلطة.