الثلاثاء 8 ديسمبر/كانون الأول، يوم تاريخي في المملكة المتحدة؛ لأنها ستطلق عملية التلقيح ضد فيروس كورونا المستجد المسبب لكوفيد-19، وتتجه الأنظار لـ50 مستشفى ومركزا طبيا في مختلف مناطق إنجلترا، استلمت لقاح "فايزر-بيونتك" (Pfizer-BioNTech)، وخزن في برادات بدرجة حرارة 70 تحت الصفر.
وأحاطت الحكومة البريطانية عملية نقل اللقاح من بلجيكا إلى المملكة المتحدة، بكثير من السرية، والتشديدات الأمنية؛ خوفا من هجمات محتملة ضد الشاحنات، التي تحمل هذه اللقاحات، ولهذا نقلت في شاحنات بدون هوية محددة، حتى لا تثير أي انتباه، وتحت حراسة أمنية، كما أبقت الحكومة أماكن تخزين اللقاح سرية، إلى حين وصولها للمستشفيات الـ50 المختارة.
وسيجد اللقاح منذ اليوم طريقه إلى عروق البريطانيين، الذين وقع عليهم الاختيار ليكونوا أول من يستفيد من عملية التطعيم، ويتعلق الأمر بالعاملين في دور رعاية كبار السن؛ لأنها تسجل أكبر عدد من الوفيات بالفيروس، إضافة لكبار السن (فوق 80) الموجودين في المستشفيات.
وبلغة الأرقام، فإن الحكومة أعلنت حصولها على نحو 800 ألف جرعة من لقاح "فايزر-بيونتك"، وتتوقع وصول 4 ملايين جرعة مع بداية العام المقبل، علما أنها متعاقدة مع الشركة على 40 مليون جرعة، أما في المجمل، فالحكومة البريطانية تعاقدت مع 7 شركات تطور لقاحات ضد كورونا، للحصول على 357 مليون جرعة.
الاستعانة بالجيش
ولم تكن عملية النقل سهلة، إذ تطلبت تدخل الجيش؛ لتوفير الحماية والتأمين لهذه العملية، التي قال عنها رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إنها الأكبر في تاريخ بلاده، وأعلنت وزارة الدفاع أن 60 طائرة عسكرية تعمل مع الحكومة لنقل اللقاح.
وأعلن الجيش البريطاني أن 13 ألف عنصر على أهبة الاستعداد للمشاركة في عملية توزيع اللقاح، كما أن هناك احتمالا للاعتماد على طائرات الشحن العسكرية، في حال تم الخروج من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، وذلك لتجنب أي تأخير أو تعطيل في عملية نقل اللقاح.
عملية معقدة
وتستعرض الدكتورة ميس عيسى الأخصائية في علم الأوبئة في الجامعة الملكية البريطانية للجزيرة نت، مراحل نقل اللقاح التي وصفتها بالـ"معقدة"، مضيفة أن اللقاح يصل في صناديق وداخل كل صندوق، 5 علب، تحتوي كل علبة على 975 جرعة من اللقاح.
وتضيف الدكتورة، إن هذه الصناديق خزنت في درجة حرارة 70 تحت الصفر، وبعد ذلك ينقل اللقاح في علب تحوي الثلج الجاف، وفي هذا الوعاء يبقى اللقاح لمدة 10 أيام، بدون أن يتضرر؛ لكن هناك عددا محدودا لفتح الصندوق لتفادي إتلاف اللقاح.
بعد ذلك تترك الجرعة حتى تذوب وتتخلص من حالة التجمد، وحينها يمكن أن تبقى في البراد العادي في 4 درجات مئوية لمدة 5 أيام كحد أقصى.
وكشفت الدكتورة ميس عيسى، أن حجم كل جرعة هي 30 ميكروغراما، وستكون المدة بين الجرعتين حوالي 3 أسابيع، وقدمت توصيات خاصة للممرضات اللاتي سيقمن بعملية الحقن، للانتباه؛ "لأن الحقن سيكون عضليا، وهذا يتطلب مهارات معينة".
وحسب المعطيات المتوفرة لدى الخبيرة البريطانية، فإن الحكومة تراجعت عن قرار البدء بكبار السن في دور الرعاية بالنظر لتعقيد عملية نقل اللقاح إليهم، وأجلت هذه العملية إلى ما بعد أسبوعين من انطلاق العملية.
استنفار المستشفيات
وتصف الدكتورة نهال أبو سيف استشارية الأمراض الباطنية والحادة للجزيرة نت، أن المستشفيات تعيش حالة من الاستنفار، "أولا لأنه كان يجب الانتهاء من حملة التلقيح ضد الإنلفونزا، قبل بدء عملية التلقيح ضد فيروس كورونا".
وحول طريقة التعامل مع اللقاح، تقول الدكتورة نهال إنه سيصل للمستشفيات في أنابيب كبيرة، كل أنبوب يكفي 5 أشخاص، ويصل معه المحلول الملحي، ويتم خلط 1 مللتر، من اللقاح مع 2 مللتر من المحلول الملحي، قبل حقن الشخص في العضل.
وكشفت الدكتورة أن الوزارة راسلت جميع الأطباء تطلب منهم التطوع في عملية التلقيح ضد كورونا، "وكان هناك إقبال كبير على المشاركة في هذه العملية الضخمة، التي ستمتد لأشهر"، مضيفة أن "كل الكادر الطبي في أي مستشفى ملزم أولا بأخذ لقاح الإنفلونزا قبل أن يحصل على لقاح كورونا".
وتنطلق عملية التلقيح، حسب الاستشارية البريطانية، في المراكز الطبية للأشخاص فوق 80 سنة، والموجودين حاليا داخل هذه المستشفيات، مضيفة أن الوثيقة التي أرسلتها السلطات الصحية البريطانية، تظهر 10 فئات ستكون لها الأولوية في التلقيح.
وترى الدكتورة نهال أن العملية الأصعب ستكون تلقيح الأشخاص الموجودين في دور الرعاية، "ولهذا أعدت فرقا ستنتقل إلى هذه المراكز، وتم توظيف أشخاص خصيصا لهذه العملية".
سؤال المناعة
بدوره أكد الدكتور أحمد حلمي الاستشاري في المستشفى الجامعي ببرمنغهام، أن العملية "ليست سهلة؛ لكن الحكومة خصصت موارد مالية ضخمة لإنجاح العملية"، مضيفا أن اللقاح لا يحتاج لأي فحوصات، ويتم التعامل معه مثل بقية اللقاحات باستثناء حاجته لدرجة تبريد عالية.
وكشف الدكتور أحمد، أن هناك إمكانية لحاجة بعض الأشخاص لأكثر من جرعتين، "حيث قد يحتاج البعض لجرعة ثالثة إضافية"، مضيفا أن سؤال المناعة هو الذي لم يتم الإجابة عنه بشكل واضح؛ "لكن حسب ما اطلعت عليه في النشرات الطبية البريطانية، فإن اللقاح قد يوفر مناعة لمدة 3 إلى 6 أشهر ما يعني أن اللقاح ضد كورونا سيصبح سنويا مثله مثل الإنفلوانزا".
وعن الأعراض التي قد تظهر على الشخص بعد تلقي اللقاح، يكشف الدكتور أحمد أنها ارتفاع درجة الحرارة، وآلام الرأس، والتعب، مواصلا أن الحكومة تخلت عن فكرة منح "جواز المناعة"؛ لأنها لا تعرف مدة المناعة، التي سيوفرها اللقاح.