[ طفل يمني مصاب بالكوليرا ]
سميت بكتيريا "ضمة الكوليرا" (Vibrio cholerae) بهذا الاسم نظرا لشكلها تحت المجهر الذي يشبه الضمة في اللغة العربية، وتسبب هذه البكتيريا مرض الكوليرا الشهير الذي ينتشر بشكل وباء يصيب العديد ويقتل نسبة كبيرة من المصابين، خصوصا من فئة الأطفال.
الكوليرا مرض معدٍ، من أعراضه الإسهال، وتحدث الإصابة به جراء ابتلاع غذاء أو ماء ملوث ببكتريا الكوليرا (Vibrio cholera)، ويقدر عدد حالات الكوليرا بما يتراوح بين الثلاثة ملايين والخمسة ملايين حالة، وعدد الوفيات الناجمة عنها بما يتراوح بين مئة ألف و120 ألف حالة وفاة سنويا.
كما أن قصر فترة حضانة الكوليرا -التي تتراوح بين ساعتين وخمسة أيام- يعزز إمكانية الانتشار السريع للمرض، وهناك ترجيح وشبه توافق على أن جذور الكوليرا استوطنت شبه القارة الهندية ثم انتقل منها المرض إلى باقي أنحاء العالم.
وما زال المرض يهدد الدول الفقيرة ويشكل خطورة عليها، إذ إنها لا تمتلك المقدرة على توفير مياه شرب آمنة، وعلى النقيض لا يمثل المرض تهديدا حقيقيا في الدول الصناعية نظرا للمعالجة الجيدة للمياه.
وقد ثبت دون أدنى شك أن هناك صلة وثيقة بين انتشار الكوليرا وفشل نظام الصحة العامة، خصوصا في الدول الفقيرة ومخيمات اللاجئين، حيث لا تتوفر المياه النقية أو إمكانية تصريف المياه العادمة والنفايات.
ويعد انتشار مرض الكوليرا مؤشرا على انعدام التنمية الاجتماعية، ولا يزال عدد حالات الكوليرا التي أبلغت بها منظمة الصحة العالمية يتزايد، حيث تم الإخطار بما يزيد على نصف مليون حالة في أكثر من خمسين بلدا في عام 2011 فقط، وما زالت هذه البكتيريا وحتى يومنا هذا تسبب بعض الأوبئة المتفرقة.
وتعد بكتيريا ضمة الكوليرا من نوع سالبة الغرام عصوية، شكلها ملتو كالضمة أو الواو، وتتميز بمقدرتها العالية على تحمل الظروف القلوية.
وتعد الكوليرا من الميكروبات التي يمكن السيطرة عليها بسهولة إذا توفرت مصادر مياه الشرب الآمنة بغلي الماء أو إضافة الكلور إليه.
وسنعرض هنا بعض أبرز محطات تاريخ هذا الوباء من القرن الـ19 إلى يومنا هذا:
بدأ وباء كوليرا في ولاية البنغال عام 1816 ثم انتشر في جميع أنحاء الهند بحلول عام 1820، وقد مات بسبب هذا الوباء حوالي عشرة آلاف فرد من القوات البريطانية وعدد كبير جدا من الهنود، ووصل الوباء إلى الصين وإندونيسيا وبحر قزوين، وقدرت حالات الوفاة في الهند بين عامي 1817 و1860 بأكثر من 15 مليون شخص، ولقي 23 مليون نسمة حتفهم بين عامي 1865 و1917.
وصل وباء الكوليرا إلى روسيا والمجر في عام 1829، وألمانيا في عام 1831، ووصل إلى لندن وباريس في عام 1832، كما وصل إلى كيبيك وأونتاريو ونيويورك في السنة نفسها، وساحل المحيط الهادي في أميركا الشمالية بحلول عام 1834، وتسبب الوباء في عام 1831 بمقتل 150 ألف شخص في مصر، وفي عام 1846 انتشرت الكوليرا في مكة المكرمة، مما أسفر عن وفاة أكثر من 15 ألف شخص، كما تفشى الوباء لمدة عامين في إنجلترا وويلز في عام 1848، حيث أودى بحياة 52 ألف شخص.
عانت لندن في عام 1849 من أسوأ تفشٍ للوباء في تاريخها، حيث حصد 14 ألفا و137 شخصا، أي أكثر من ضعف عدد الذين لقوا حتفهم في عام 1832، كما انتشرت الكوليرا في إيرلندا في عام 1849، حيث قتل العديد من الناجين من المجاعة الإيرلندية الذين ضعفوا بالفعل من الجوع والحمى.
أثرت الكوليرا على روسيا، حيث أودت بحياة ما يزيد على مليون شخص، وقد انتشر الوباء شرقا في عام 1852 في إندونيسيا، ولاحقا الصين واليابان في عام 1854، وقد انتشرت العدوى في الفلبين عام 1858، وفي كوريا الجنوبية عام 1859، وتفشى المرض مرة أخرى عام 1859 في ولاية البنغال، مما أدى إلى انتقاله إلى إيران والعراق والسعودية وروسيا.
تفشى المرض في أميركا الشمالية عام 1866 وقتل حوالي خمسين ألف شخص، وفي لندن حصد وباء محلي 5596 شخصا في الوقت الذي كانت لندن على وشك الانتهاء من مياه الصرف الصحي الرئيسة وأنظمة معالجة المياه، لكنها لم تكن قد اكتملت تماما.
بدأ وباء الكوليرا في إندونيسيا بين عامي 1961 و1970، وقد سمي الطور (Eltor) على اسم السلالة، ووصل إلى بنغلاديش في عام 1963، والهند في عام 1964، والاتحاد السوفياتي في عام 1966، وانتقل من شمال أفريقيا لينتشر في إيطاليا بحلول عام 1973.
حدثت في أواخر السبعينيات انتشارات ضئيلة للمرض باليابان ومنطقة جنوب المحيط الهادي، كما كانت هناك أيضا تقارير عديدة عن تفشي وباء الكوليرا قرب باكو في عام 1972، ولكن تم إخفاء المعلومات حول هذا الموضوع في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية.
تفشى المرض في أميركا الجنوبية بين عامي 1991 و1994 على ما يبدو عندما بدأت سفينة تفريغها مياه الثقل وبدأ ذلك في بيرو، حيث كان هناك 104 ملايين حالة مصابة وحوالي عشرة آلاف حالة وفاة.
تم في عام 2000 تسجيل حوالي 140 ألف حالة كوليرا بحسب منظمة الصحة العالمية، ومثلت أفريقيا 87٪ من هذه الحالات.
أبلغ العراق الأمم المتحدة في عام 2007 عن 22 حالة وفاة، و4569 حالة مؤكدة مختبريا.
تم في عام 2007 في ولاية أوريسا والهند نقل أكثر من ألفي شخص إلى المستشفيات.
تم في عام 2008 تأكيد ما يقدر مجموعه بنحو 644 حالة مؤكدة مختبريا للكوليرا، بما في ذلك موت ثمانية أشخاص في العراق.
أثبتت الفحوص في فيتنام عام 2008 أن 377 مريضا أصيبوا بالكوليرا.
تتفشى الكوليرا سنويا في عدة دول، ولعل نيروبي والدول الأفريقية المجاورة ما زالت تعاني حتى اليوم من آثار انتشارها الذي بدأ في ديسمبر/كانون الأول 2014، وما زالت الكوليرا تصيب المئات من الأطفال في بعض المناطق بالعراق.
أعلنت منظمة الصحة العالمية في 20 يونيو/حزيران 2017 وفاة 1146 يمنيا جراء تفشي وباء الكوليرا في البلاد بشكل سريع منذ أواخر أبريل/نيسان 2017، وتسجيل 167 ألف حالة اشتباه بالوباء.