يبدو الاكتئاب وحشًا يصارعه الإنسان، جسديًّا وعاطفيًّا، يصيب أفرادًا من أعمار وظروف مختلفة، فيعرقل حياتهم ويؤثر أيضًا في المحيطين بهم، غالبًا ما يصبح في مجتمعاتنا وصمًا، وتكون أحد المعوِّقات التي يواجهها من يعانون هذا المرض هو شعورهم بأنه لا أحد يفهم حقًّا ما يمرُّونَ بِه، هذا الشعور بالعزلة يحرمهم من مساعدة القريبين منهم، كما توضح جريجوري دالاك رئيس قسم الطب النفسي بجامعة ميتشجن.
كما يشير الخبراء فإن شعورًا بالعجز والقلق والكثير من المشاعر المختلطة تصيبنا حين يعاني أحد من نحبهم من الاكتئاب، فليس سهلًا أن نمدّ يد العون لهم. فمحاربة الاكتئاب ليست بالأمر السهل، مع ذلك فيمكننا تقديم المساعدة لأعزائنا في معاناتهم من هذا المرض، بدايةً فإن الفارق هنا هو أن تُظهر للشخص المكتئب أنك تفهم مرضه، فالبعض يعتقد أن الاكتئاب هو عيب في الشخصية، ومن المهمّ هنا التوضيح بأنَّه مرضٌ يجب علاجه، وليس حزنًا عارضًا كما اعتاد النَّاس أن يطلقوا عليه.
حقيقة الاكتئاب
الاكتئاب مرض حقيقي وخطير يستنزف من المريض الطاقة والدافعية والحماس لمواصلة حياته، ولا يتوقف الشفاء -كما قد يظنّ البعض- فقط على إرادة المريض ورغبته في الشفاء، وعليك بداية ألا تنكر هذه الحقيقة لأن المشكلة لن تختفي بتجاهلها، وألا تعتبر العلاج ممكن بجهودك أنت.
المتخصِّصون في علم النفس والطب النفسي يقولون بأنّ معاناة مريض الاكتئاب مؤلمةٌ حقًّا، ولا تقارن بمعاناة مرضى آخرين.
غالبًا ما يعجز مريض الاكتئاب عن التواصل العميق مع الناس حتى الأقرب إلى قلبه، غالبًا ما يقولون كلامًا مؤلمًا وينجرفون سريعًا إلى الغضب، لذلك علينا التذكر أن الأمر ليس شخصيًّا، وأنه بسبب المرض.
هناك عذابٌ لا يطاق يكون على مريض الاكتئاب تحمله، ما يدفع الكثيرين من مرضى الاكتئاب للتفكير في الانتحار كوسيلةٍ أقل سوءًا للتخلص من الألم، وتشير الدراسات إلى أن 40 % ممن يقدمون على الانتحار يعانون من مرض الاكتئاب.
الأسرة.. خط الدفاع الأول
تكون الأسرة عامل الاحتواء الأول والمساعدة على تغلُّب المريض على هذا المرض، ورغم القلق وعدم الخبرة فإن اتباع الأسرة لتعليمات الطبيب التي يمكنهم بها مساعدة المريض تؤتي ثمارها، خاصةً في حالات الاكتئاب الشديد.
ما الذي يمكنك فعله؟
الاكتئاب مرضٌ خطير، والتدخل العلاجي لا يجب أبدًا أن يترك للهواة أو غير المتخصصين، وعليك أولًا إقناع المريض باللجوء إلى المتخصص، فمهما كانت درجة حبك له واستعدادك لدعمه فلن يتوقف العلاج على دعمك وحده. وعليك ثانيًا تشجيعه على مواصلة العلاج وعدم التوقف.
عليك أن تدعمه دون أن تطلب منه تفسيراتٍ كثيرة لشعوره إذ إنه هو نفسه لا يعرفها، وعليك أيضًا تجنُّب أن تقول له جملًا من قبيل: «لا يمكنني فعل أي شيء لك»، «الأمر كله في عقلك فقط»، «يجب أن تغير كل هذا»، «انظر للجانب المشرق»، «كنت مثلك».
وفي طريق العلاج يمكنك دعمه -كما ينصحك الخبراء- بما يلي:
1- أن تنصت إليه.. لا أن تنصحه
أحيانًا تكون اللفتات البسيطة ذات معنى، حين تخبر شخصًا أنك ستكون معه إذا احتاجك، وتظهر له ذلك بالفعل، فقد ساعدته أكثر مما قد تعتقد.
قد تكون أكثر الطرق تأثيرًا أن تنصت له لا أن تسدي إليه النصائح، مجرد التحدث إليه وجهًا لوجه سيقدم الكثير من العون للمريض، أكثر من محاولاتك لنصحه دون أن يبدو وكأنك تحاكمه، ولا تتوقع أن ينتهي الحديث بينكما نهاية منطقية، فمريض الاكتئاب يميل أحيانًا إلى العزلة والانسحاب، وعليك احترام صمته في هذا الوقت.
2- أن تؤكد له أنه ليس وحده
الاكتئاب يجعل المريض يشعر بأنه يقطع نفقًا مظلمًا. ومن المهم أن تشعره بأنه ليس عليه أن يعاني هذا المرض وحده، وأخبره دائمًا أنك معه حتى ولو لم تكن تفهم على وجه التحديد ما يعانيه، لكنك مهتم بأحواله، وحياته مهمة بالنسبة لك.
أحيانًا يكون تواجدك دون فعل أي شيء مساعدة في حد ذاته للمريض، يمنحه شعورًا بأنك ستدعمه إذا احتاج إليك.
3- أن توضح له أنه ليس مذنبًا
من الضروري في عملية العلاج التأكيد للشخص المريض أن الاكتئاب ليس ذنبه، فالشائع لدى مرضى الاكتئاب هو شعورهم بأن الاكتئاب أصابهم بسبب شيء داخلي لديهم، ومن المهم هنا أن توضح لهم أن الأمر يشبه الإصابة بالأنفلونزا، والعقل هو الهدف هذه المرة.
ولفهم الأمر فإن الشائع بيننا أن نقول: ابتسم أو ما فائدة الحزن، ومثل هذه العبارات التي يبدو منها أن الشخص الذي يعاني الاكتئاب قد اختار أن يكون حزينًا، لذلك علينا أن نقدّر أنه لم يختر ذلك تمامًا، كما وأننا لا نختار أن تصيبنا الأنفلونزا ونعاني أعراضها.
كما أن عليك أن تساعده كي يتقبل المرض، الأمر الذي يبدو صعبًا على المريض أحيانًا، خاصةً إذا كان سيواجه ظروفًا اجتماعية، وقيودًا تضيف تحديات أخرى إلى مرضه، والدعم الذي يمكن تقديمه هنا مهم جدًّا إلى جانب الاستعانة بمتخصص.
4- أن تصحبه في رحلة العلاج.. وتمنحه الأمل دائمًا
في رحلة العلاج بين الجلسات والاستشارات الطبية يكون من المهم أن تساعد المرض على رؤية الضوء في نهاية النفق المظلم، اعرض أن تصحبه إلى الطبيب، وتابع استمراره في العلاج ودعه يشعر بالأمل في الشفاء حتى مع طول الفترة، فعلاج الاكتئاب لا يتم بين يوم وليلة. وقد لا يشعر المريض بتحسن سريعا، لذلك عليك تذكيره دائما بأن هذا المرض وغن كان صعبا فهو قابل للشفاء.
5- اسأله عن شكل المساعدة التي يريدها
يمكنك أن تسأله عن شكل المساعدة التي يريدها، إلى جانب ذلك فإنه يكون مهمًا وفارقًا أن تُشعر مريض الاكتئاب برغبتك في مصاحبته في بعض الأنشطة اليومية التي يقوم بها، خاصةً الأنشطة التي يشعر بالإنجاز حين يقوم بها، وأن تساعده ليستمر في مواصلة القيام بها وعدم إهمالها، مهما كانت بسيطة، كأن يتناول الطعام، ويقوم بممارسة الرياضة، ويتفاعل مع الأصدقاء، وينام في مواعيده المعتادة. على أن يكون ذلك دون الكثير من الإلحاح الذي يشعر معه بأن الأمر أصبح عبئًا.
الانتحار
من المهم أن نرصد ميله إلى الانتحار، والذي يبدو في كثرة الكلام عن الموت، والرغبة في إيذاء النفس، وفقدان الأمل وكراهية الذات، هنا يكون عليك أن تلازمه دائمًا ولا تتركه وحيدًا، وأن تثير الأمر مع المقربين إليه، وأن تطلب مساعدة الطبيب.
اعتنِ بنفسك أيضًا لتمد له يدًا قوية
أخيرًا فإن تحديًا آخر سيكون عليك مواجهته؛ فمن المهم أن تعتني بنفسك أيضًا كي يمكنك تقديم المساعدة لمريض الاكتئاب، بعض التغيير في عاداتك سيكون حتميًّا ليكون بوسعك مساعدته، إلى جانب أنه قد تسيطر عليك مشاعر متضاربة، لكن لا تدع الأمر يؤثر فيك سلبًا بحيث تميل للحزن في أغلب الأوقات، وتؤجل مهامك أو رحلاتك، ويمكنك أن تطلب مساعدة أصدقائك فتحكي لهم عما تشعر به، ليس من الأنانية أن تفكر في احتياجاتك لتكتسب القوة العاطفية، المطلوب أن تظل قويًّا لتكون مساعدتك لمن تحب كبيرة ومتواصلة.