[ قيود متبادلة بين البنكين المركزيين في صنعاء وعدن على تحركات الأموال (فرانس برس) ]
تتصاعد تحذيرات القطاعات المصرفية والتجارية في اليمن من تجدد الصراع المالي بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، وذلك بعد قرار البنك المركزي في عدن جنوب البلاد التي تتخذ منها الحكومة عاصمة مؤقتة، إيقاف التعامل مع أكبر خمسة بنوك في مناطق سيطرتها، فضلاً عن 13 شركة مصرفية في مأرب شمال البلاد بسبب مخالفة تعليماته في ما يتعلق بالتحويلات المالية إلى مناطق نفوذ الحوثيين، وذلك في أعقاب قرارات للحوثيين تضيق على شركات التحويل العاملة في مناطق الحكومة.
المصارف التي تضمنها القرار، تشمل بنك التضامن الإسلامي، وبنك اليمن والكويت، وبنك الأمل للتمويل الأصغر، ومصرف اليمن والبحرين الشامل، وبنك "الكريمي" للتمويل الأصغر الإسلامي. وحذر البنك المركزي الحكومي في قراره الصادر نهاية الأسبوع الماضي، من اتخاذ الإجراءات الرادعة حيال المخالفين لما نص عليه هذا التعميم.
لكن جمعية البنوك اليمنية اعتبرت أن هذا القرار يعد "تصعيداً خطيراً لا مبرر له"، ويهدف إلى جر القطاع المصرفي إلى أتون الصراع السياسي المحتدم في البلاد ويُسبب المزيد من التعقيدات والعراقيل أمام وحدات النشاط الاقتصادي الساعية إلى الاستفادة من الخدمات المصرفية في تسيير نشاطها.
وأشارت إلى أن إيقاف التعامل مع البنوك الخمسة الكبرى سيجعل عملية الوصول إلى الخدمة المصرفية أمراً أكثر تعقيداً وأعلى تكلفة، وهو ما سيؤثر سلباً على حركة النشاط الاقتصادي في البلاد، ويُسبب المزيد من المعاناة للمواطنين.
ودعت الجمعية في بيان لها، إلى التوقف عن إصدار القرارات الارتجالية ذات الآثار الضارة بالنشاط المصرفي والمقوضة لوحدته وتماسكه، مشيرة إلى أن مثل تلك القرارات لن تخدم مصالح القطاع ولن تحقق المصلحة العليا للبلاد بأي شكل من الأشكال، ولن ينتج عنها سوى المزيد من الانشقاق في بنية النظام المصرفي اليمني والمزيد من العراقيل والأعباء على الاقتصاد الوطني، والمزيد من الصعوبات في الحياة المعيشية للمواطنين.
في السياق، أكد رئيس الجمعية محمود ناجي، لـ"العربي الجديد"، أن جمعية البنوك اليمنية حذرت مراراً وتكراراً من مغبة الاتجاه إلى تسييس النشاط المصرفي والتعامل مع البنوك العاملة في البلاد من منظور الولاءات والتجاذبات السياسية، وأهابت بالبنكين المركزيين (في عدن وصنعاء) إبداء المزيد من الحرص على وحدة القطاع وسلامته، والإقلاع عن الإجراءات التعسفية في حق البنوك.
يأتي ذلك، في أعقاب قرارات مماثلة صادرة عن البنك المركزي في صنعاء التابع لسلطة الحوثيين، بمنع التعامل مع شركات وشبكات التحويلات المالية التي أنشأها البنك المركزي في عدن بحجة أنها غير مرخصة.
وقال المحلل المصرفي علي التويتي، لـ"العربي الجديد"، إن البداية كانت بالتعميم الصادر من صنعاء بعدم التعامل مع الشبكة الموحدة وبنك عدن، وهو ما تم اعتباره تدخلاً في الشأن المصرفي والنقدي والمالي في المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دولياً الشرعية، لافتاً إلى أن هذه القرارات سيكون لها تبعات وأضرار سيتحملها المواطن اليمني، والقطاع التجاري، في حين أنه سيعمق تنفيذ القرارات من مستوى الانقسام الخطير الحاصل في اليمن.
كذلك قالت الغرفة التجارية والصناعية في محافظة تعز جنوب صنعاء إنها تابعت، ما تعرضت له شركات الصرافة في تعز يوم الخميس الماضي، من إجراءات تعسفية قضت بإغلاقها بالقوة وبطريقة تتنافى مع النظام والقانون والأعراف والقيم المتعارف عليها، مؤكدةً استهجانها الشديد لهذه الممارسات ضد شركات الصرافة كونها تمت بطريقة غير قانونية ومن دون الاستناد إلى مسوغ قانوني، إذ نُفذت من جهات غير مخوّل لها قانوناً وهو ما يجعل أي اجراء من هذا القبيل مرفوضاً جملة وتفصيلاً، ما لم يكن صادراً عن النيابة العامة أو أي جهة قضائية مخولة.
بحسب بيان صادر عن الغرفة التجارية والصناعية في تعز، اطلع عليه "العربي الجديد"، فإن الجمعية تؤكد أن مثل هذه الممارسات تزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي المتأزم في اليمن، والانهيار المتسارع في سعر صرف العملة الوطنية، كما أن إقفال شركات صرافة دون مسوغ قانوني من شأنه الإضرار بالمصلحة العامة، وسيتضرر بذلك شريحة واسعة من المواطنين يستفيدون من الخدمات التي تقدمها هذه الشركات سواء في بيع العملات وشرائها أو إرسال الحوالات واستقبالها داخلياً وخارجياً.
ويعتبر خبراء اقتصاد أن انقسام السياسة المالية والنقدية من أكبر التحديات الاقتصادية التي خلفها الصراع في اليمن، إذ بدأ ذلك بعد أن نقلت الحكومة المعترف بها دولياً مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن التي أعلنتها عاصمة مؤقتة لها عام 2016، وحينها أصبح البنك المركزي اليمني في عدن في حقيقة الأمر مؤسسة مشكّلة حديثاً تمتلك إمكانية الوصول إلى الأسواق والأدوات النقدية، لكنها تفتقر إلى السيولة الكافية من النقد الأجنبي.
لكن في الوقت نفسه ظلت صنعاء التي سيطر عليها الحوثيون المركز المصرفي والتجاري لليمن، والمتحكمة في تدفقات التحويلات المالية ومدفوعات وكالات المعونة المنفذة عبر النظام المصرفي الرسمي، كون عدد السكان الذين يعيشون في مناطق الحوثيين أكبر من المناطق الأخرى.
وتأتي هذه الأزمة النقدية والمصرفية في الوقت الذي تستمر فيه الأحداث بالتصاعد في اليمن والمنطقة بسبب العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، وشن الحوثيين هجمات على السفن الإسرائيلية المارة في البحر الأحمر بعد أسابيع من اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أعقبها استهداف الناقلات الأميركية والبريطانية بحلول العام الجاري بعد توجيه القوات الأميركية والبريطانية ضربات ضد الحوثيين لوقف استهدافهم السفن الإسرائيلية.
وترافقت هذه التطورات المتسارعة مع تزايد الضغوط المالية وارتفاع حدة الأزمة النقدية في ظل استمرار تدهور سعر صرف الريال اليمني وما يثيره ذلك من مخاوف واسعة بالنظر إلى استمرار الانقسام على كل المستويات في اليمن والتطور الكارثي لتبعاته التي تحتم وفق خبراء اقتصاد إيجاد حلول سريعة وعاجلة للتعامل معها والوقوف الجاد والمسؤول أمام تطورات الأحداث بسبب العدوان الإسرائيلي على غزة، وما يجري في البحر الأحمر.
من جانبه، يربط الباحث المصرفي نشوان سلام، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بين كل هذه الأحداث وما يجري في البحر الأحمر وباب المندب ومختلف الممرات المائية اليمنية وهذه الأزمات الاقتصادية والمصرفية المتلاحقة في اليمن منها التدهور الحاصل في العملة المحلية في عدن ومناطق الحكومة، إذ انخفض سعر صرف الريال خلال الأربعة الأشهر الماضية من 1490ريالاً إلى 1675 ريالاً مقابل الدولار الأميركي، بهبوط بلغت نسبته 12.4%.
ويعتقد سلام أن هناك ضغوطاً يتعرض لها طرفا الصراع في اليمن، الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيون، من أطراف دولية كالولايات المتحدة وبريطانيا، إذ قد يكون هناك ضغوط على الحكومة في عدن للتحرك بشتى الطرق ضد الحوثيين والذي يأتي بالتزامن مع قرارات متواصلة بين فترة وأخرى من السلطات الأميركية تحظر التعامل مع الحوثيين أو شبكات مصرفية ومالية وقطاعات تجارية محسوبة عليها أو عاملة في مناطقها.
وأدى الانقسام في الجهاز المصرفي الحاصل في اليمن إلى وجود بنكين مركزيين، أحدهما في صنعاء والآخر في عدن، فقد يرى الخبير الاقتصادي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، أن هذا الانقسام في الجهاز المصرفي، والعملة الوطنية ساهم في فرض هذه التعقيدات في الدورة النقدية، وانهيار الجهاز المصرفي. ومع هذا الانهيار فقدت الدولة السيطرة على السوق النقدية والذي أدى إلى اضطرابها وانهيار قيمة العملة الوطنية مقابل العملات الأخرى.
يضيف قحطان لـ"العربي الجديد"، أن الانقسام سبّب كذلك وجود فوارق سعرية للريال اليمني، إضافة إلى تعطيل الدورة الاقتصادية إذ إن الجهاز المصرفي يعتبر مركزاً لهذه الدورة وبانهياره تعطلت الدورة الاقتصادية وتآكل الدخل الأسري، في حين تعقدت عملية التبادل في الأسواق الداخلية بين مناطق نفوذ صنعاء ومناطق نفوذ عدن، علاوة على ذلك انهار الوضع الاقتصادي والإنساني، وأصبحت أوضاع اليمنيين تسير من سيئ إلى أسوأ مع مرور الوقت واستمرار الحرب.