بينما الحكومة اللبنانية تواصل البحث عن حلول محلية ودولية لأزماتها الاقتصادية والنقدية والمالية المتصاعدة منذ الربع الأخير لعام 2019، جاء انفجار مرفأ بيروت المأساوي ليضيف مزيدا من الأعباء الثقيلة علـى البلد المرهَق.
وأمس الثلاثاء، وقع انفجار ضخم في مرفأ بيروت تسبب بسقوط 73 قتيلا وأكثر من 3 آلاف جريح (حصيلة غير نهائية) وأضرار مادية هائلة في أحياء عديدة بالعاصمة وضواحيها، وفق وزير الصحة حمد حسن ومراسلي وكالة الأناضول.
ويزيد الانفجار من أوجاع بلد يعاني أزمة اقتصادية قاسية واستقطابا سياسيا حادا، في مشهد تتداخل فيه أطراف إقليمية ودولية.
وبحسب بيانات يعرضها الموقع الإلكتروني لشركة مرفأ بيروت، فإنه يعتبر أكبر نقطة شحن وتخليص بحرية في لبنان، وتمر من خلاله قرابة 70% من حركة التجارة الصادرة والواردة من وإلى البلاد.
يقع المرفأ في منطقة إستراتيجية تربط بين الأسواق التجارية لكل من آسيا وأوروبا وأفريقيا، مما يعني تقليص مدة رحلات الملاحة التجارية مقارنة مع طرق أخرى.
ولدى المرفأ ارتباط مباشر مع 56 ميناء في القارات الثلاث، ويستقبل ويصدر البضائع بالتعاون مع 300 مرفأ حول العالم.
ويعد مرفأ بيروت أهم ميناء في لبنان، ومن أهم الموانئ في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.
ونظرا لموقعه الإستراتيجي، كان هذا المرفأ -الذي افتتح عام 1894- يستخدم لاستيراد المواد الأساسية من دول العالم وتصديرها عبر الداخل اللبناني إلى دول الشرق الأوسط.
ركيزة اقتصادية
ويعتبر هذا المرفأ ركيزة أساسية للاقتصاد اللبناني، إذ إنّه يلعب دورا أساسيا في عملية الاستيراد والتصدير، وبالتالي تحريك العجلة الاقتصادية اللبنانية.
ويتألف من أربعة أحواض يصل عمقها إلى 24 مترا، إضافة إلى حوض خامس كان قيد الإنشاء. كما يضم 16 رصيفا، والعديد من المستودعات وصوامع تخزين القمح التي تؤمن أفضل شروط التخزين.
وخلال سنتي 2005 و2018، نمت حمولة البضائع عبر المرفأ بمتوسط سنوي 4.6%، من 4.48 ملايين طن سنويا عام 2005 إلى متوسط 8 ملايين طن عام 2018.
وخلال 2018، استقبل المرفأ قرابة 7.05 ملايين طن من السلع تمثل نسبتها 72% من إجمالي واردات السلع عبر البحر، مقابل صادرات بقرابة مليون طن تمثل 78% من إجمالي حجم الصادرات.
وخلال هذا العام، بلغ عدد السفن التجارية التي نفذت عمليات شحن أو تخليص للسلع نحو 1872 سفينة، إلا أن الرقم الأكبر يعود لعام 2009 بواقع 2400 سفينة تجارية.
ولم يكن العام الماضي الأفضل ماليا بالنسبة لمرفأ بيروت بسبب التطورات الاقتصادية السلبية في البلاد، وأثرها على تراجع حجم الطلب المحلي على الاستهلاك، وبالتالي تراجع حركة التجارة.
وتظهر بيانات المرفأ أن إجمالي إيراداته خلال 2019 لم تتجاوز 200 مليون دولار، مقارنة مع 313 مليونا عام 2018، في حين لم تتجاوز الإيرادات 90 مليونا عام 2005.
مرفأ بديل
الثلاثاء، وفي محاولة سريعة من السلطات لتخفيف الخسائر، أوصى مجلس الدفاع الأعلى بتجهيز مرفأ مدينة طرابلس (شمالي البلاد) لتأمين العمليات التجارية من استيراد وتصدير.
ولدى لبنان خمسة مرافئ رسمية، أكبرها مرفأ بيروت، إلى جانب كل من صيدا وصور وطرابلس وجونية، إضافة إلى مرافئ متخصصة كمرفأ شكا والجيه، المتخصصة في تفريغ أنواع معينة من السلع كالوقود.
وبعد تفقده موقع الانفجار أمس، قال مدير الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، في تصريح صحفي، إن الذي انفجر في أحد مستودعات المرفأ هو مواد شديدة الانفجار "ولا أستطيع استباق التحقيقات".
خسارة كبيرة
يرى المحلّل الاقتصادي باسل الخطيب أن توقف المرفأ خسارة كبيرة ستؤثر بقيمة مليارات الدولارات على الاقتصاد اللبناني.
ويشير -في حديثٍ للأناضول- إلى أن هذه المليارات موزعة على شقّين: قسم نتيجة توقف المرفأ عن العمل، والقسم الثاني كلفة الأضرار التي أصابت المرفأ.
ويضيف "ستتوقف حركة الاستيراد والتصدير لفترة، ما عدا الخسائر التي لا يمكن تقدير حجمها بالوقت الحالي ولكن بالتأكيد ستكون ضخمة".
ويؤكد أن الخسارة ستشمل أيضا حركة الرسو للسفن، كما سيتأثر القطاع الجمركي "وكل يوم سنخسر رسوما جمركية".
وكان وزير الاقتصاد راؤول نعمة أشار -في تصريح صحفي نقلته الوكالة اللبنانية الرسمية- إلى أنه لا يمكن استخدام القمح المخزّن في صوامع مرفأ بيروت لأنه بات ملوثا جراء الانفجار.
في هذا السياق، يرى الخطيب أنه من المستبعد أن تحصل أزمة قمح وطحين في لبنان لأن الدول الشقيقة بدأت بالإعلان عن استعدادها للمساعدة وإرسال مساعدات غذائية، منها فرنسا والكويت، وبالتالي "لا بوادر أزمة طحين".
ولفت المحلل الاقتصادي إلى أن الأفران تمتلك كميات من القمح والطحين تستطيع سد الحاجة إلى حين استيراد كميات أخرى.