[ السياسات التقشفية ستحد من القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي مقارنة ببقية الدول الخليجية (الجزيرة) ]
يتجه الوضع الاقتصادي في المملكة العربية السعودية نحو الأسوأ بسبب الإغلاق الكلي نتيجة تفشي فيروس كورونا والتراجع الحاد في أسعار النفط، وتتجلى الصعوبات المالية التي تمر بها البلاد بوضوح من خلال الإجراءات الحكومية الأخيرة بزيادة نسبة ضريبة القيمة المضافة وإيقاف بدل غلاء المعيشة.
ويطرح الانكماش الاقتصادي تحديات كبرى أمام خطط ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للتحول إلى نموذج الاقتصاد التنافسي وفق رؤية 2030، وقد تضرب إجراءات التقشف الأخيرة ما تبقى من آماله في إقناع الشعب السعودي بصواب خياراته التنموية.
وفي تقرير نشره موقع "بلومبيرغ" الأميركي، قال الكاتبان ماثيو مارتن وفيفيان نيريم إنه في الوقت الذي تؤكد فيه الحكومة السعودية أن النفقات الإجمالية المقدرة بتريليون ريال (266 مليار دولار) ستبقى على حالها حسب ما حددته في ميزانية 2020، فإنها قررت في المقابل الزيادة في ضريبة القيمة المضافة ثلاث مرات، إلى جانب تخفيض في بدلات الموظفين الحكوميين، الأمر الذي سيضر بالاستهلاك وكذلك بالقطاع الخاص الذي يُعول عليه ولي العهد محمد بن سلمان بهدف تنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط.
سياسات تقشفية
أشار الكاتبان إلى أن هذه السياسات التقشفية ستحد من القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي مقارنة ببقية الدول الخليجية، خاصة على صعيد جلب الاستثمارات الأجنبية.
ونقل الكاتبان عن جيمس ريف، كبير الاقتصاديين في مجموعة سامبا المالية، قوله إن هذه الإجراءات الجذرية تعكس خطورة التحديات التي تواجهها المملكة وتبعث رسالة إلى الأسواق مفادها أن السلطات مستعدة لاتخاذ قرارات صعبة لإبقاء العجز في حدود معقولة، إلا أن الجانب السلبي لهذه الإجراءات هو أنها توجه ضربة لتجارة التجزئة التي تعاني أصلا.
وأوضح الكاتبان أن القرارات الجديدة التي أعلنها وزير المالية السعودي محمد الجدعان الاثنين الماضي، جعلت المحللين يخفضون توقعاتهم بخصوص معدلات نمو أكبر اقتصاد في العالم العربي للمرة الثانية في غضون بضعة أسابيع.
وخفض جيمس ريف من توقعاته لعام 2020 بنسبة 3.7%، بينما قال جياس غوكنت من بنك "جي بي مورغان تشيس" أن توقعه للانكماش بنسبة 3% أصبح توقعا متفائلا للغاية بعد القرار الحكومي الجديد، وعدّل بلال خان كبير الخبراء الاقتصاديين في بنك "ستاندرد تشارترد" تقديراته بانخفاض النمو بنسبة 5%.
حلول محدودة
أكد الكاتبان أن الأزمة المالية في المملكة مُرشحة لأن تصل إلى مستويات لم تشهدها منذ عقود نتيجة تراجع أسعار النفط الخام بأكثر من 50% وانتشار وباء فيروس كورونا وما نتج عنه من تداعيات خطيرة.
وقد ضربت الأزمة شركة أرامكو النفطية العملاقة بعمق، حيث تراجعت أرباحها بشكل ملحوظ، وهو الأمر الذي أثر بشكل مباشر على ميزانية الحكومة.
واعتبر الكاتبان أن الحلول أمام المملكة محدودة للغاية خاصة في ظل عدم رغبتها في تخفيض قيمة عملتها، وقد جعلتها الضغوط المتزايدة تدخل حربا نفطية مستعرة مع روسيا.
وفي إطار جهودها لتعويض النقص في احتياطات العملات الأجنبية، جمعت حوالي 20 مليار دولار من أسواق السندات الدولية والمحلية منذ نهاية عام 2019.
وقد حاول وزير المالية السعودي أن يرسل مؤشرات على قدرة الحكومة على احتواء الأزمة حين أكد أنها لا تنوي اقتراض أكثر 220 مليار ريال المبرمجة سابقا في ميزانية 2020، وأضاف "نريد أن نتأكد من المحافظة على قوتنا المالية حتى نتمكن من مواصلة دعم الاقتصاد إثر الخروج من مرحلة الحجر الصحي".
المنافسة مع دول الجوار
يقول الكاتبان إن الأشهر القليلة المقبلة ستُظهر مدى نجاعة هذه الإجراءات الصارمة، لا سيما أن المملكة العربية السعودية تواجه منافسة اقتصادية شرسة من دول الجوار التي تتمتع بمعدلات ضريبة منخفضة ويد عاملة غير مكلفة.
ويأتي التحدي الأكبر حسب تقرير بلومبيرغ، من قطر والإمارات اللتين تتمتعان ببنية تحتية متطورة وتمنحان للأجانب حريات فردية أكبر مقارنة بالمملكة.
ويرى جون سفاكياناكيس، مدير البحوث الاقتصادية في مركز الخليج للأبحاث أن تخفيض أجور القطاع العام قد يكون له تأثير إيجابي على المدى الطويل، لكن زيادة نسبة ضريبة القيمة المضافة سيؤثر سلبا على الاستهلاك من وجهة نظره وسيضر بالقدرة التنافسية للمملكة.
مغامرة ولي العهد
يعتبر الكاتبان أن الإجراءات التقشفية الجديدة قد تكون مقامرة سياسية من الأمير محمد بن سلمان الذي تراجع سابقا عن إجراءات مماثلة لتخفيض الأجور نتيجة السخط الشعبي، ولطالما استخدمت المملكة ثروتها النفطية للمحافظة على المنافع المقدمة لمواطنيها، مثل دعم أسعار الوقود والمنح الدراسية.
وأشار الكاتبان إلى أن الحكومة تترقب الآن ردود فعل السعوديين، وقد تتراجع عند الضرورة مثل ما وقع ما بين عامي 2014 و2016 عندما تراجعت عن بعض إجراءات التقشف.
وفي عام 2017، وبعد سبعة أشهر من إلغاء عدد من البدلات لعمال القطاع العام، تراجعت الحكومة مجددا بحجة تحسن الوضع المالي، لكن السبب الحقيقي في الواقع هو ردود الفعل العنيفة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويرى راتشنا أوبال، كبير المحللين بمؤسسة الاستشارات السياسية "كاستيلاريغ أسوشيتس" أن الحكومة السعودية ستمضي في تنفيذ قراراتها الجديدة رغم المعارضة الشعبية بحجة أنها إجراءات ضرورية للعبور إلى اقتصاد متطور وأكثر استدامة، لكنه يؤكد أن هذه الإجراءات ستؤثر سلبا على السعوديين في وقت تكافح فيه العديد من الشركات لتجاوز الصعوبات الحالية بسبب الإغلاق الاقتصادي.
قرارات ملائمة
أكد الكاتبان أنه مهما كانت الآثار السلبية للإجراءات الحكومية على المواطنين السعوديين، فإنهم لن يعارضوا هذه السياسات بشكل علني، وذلك يعود أساسا إلى مزيج من مشاعر الولاء للوطن، والخوف من بطش السلطة.
وكتب المستشار الاقتصادي السعودي أحمد الشهري على موقع تويتر معلّقا على الإجراءات الحكومية، أنه إذا كان الاقتصاد "يحتاج إلى جزء من أموالنا فيجب على المواطنين أن يقدموا على ذلك دون تردد"، مضيفا أن "كل الإجراءات المتخذة في الوقت الحالي مناسبة 100% اقتصاديا".