[ يعتقد خبراء أنه على أرض الواقع لم يعد لأوبك تأثير كبير في أسواق النفط العالمية (رويترز) ]
قال خبراء نفط كويتيون إن منظمة أوبك ستواجه خلال العام الجاري تحديات كبرى، كما ستشهد تراجعا في الدور الذي لعبته منذ تأسيسها في العام 1960، وسط تحذير من إمكانية تفككها.
وفي حين ذهب بعض الخبراء إلى حد القول بانتهاء "أوبك" فعليا نتيجة السيطرة الأحادية لبعض الدول، رأى آخرون أن استمرارها مرهون بوجود روسيا ضمن التحالف المعروف بـ"أوبك بلس".
وبهذا الصدد أكد الأكاديمي والخبير النفطي الكويتي طلال البذالي أنه سبق أن تنبأ في العام 2009 بتفكك أوبك خلال عشر سنوات استنادا إلى العديد من الأسباب التي لا تزال قائمة، بل وتعززت بشكل أكبر حتى بات وجود المنظمة شكليا لا أكثر، وفق تعبيره.
ويعدد البذالي أسباب تفكك المنظمة من وجهة نظره في سيطرة عضو وحيد على قراراتها ممثلا في المملكة العربية السعودية، كونها هي من تكيف الأمور حسبما ترى استنادا لكونها العضو الأكبر والأقوى، حتى أنها تستطيع تغيير أسعار النفط من دون الرجوع لمشورة الأعضاء.
بداية تفكك المنظمة
ويعتبر البذالي -وهو أستاذ لهندسة النفط في جامعة الكويت- أن دخول روسيا على الخط أمر مقلق لكونه اعترافا ضمنيا من "أوبك" بعدم قدرتها بل وفقدانها السيطرة على أسواق النفط العالمية، ويرى أن ذلك بمثابة بداية فعلية للتفكك.
ففي حال خروج روسيا من اتفاق "أوبك بلس" -يقول البذالي- لن يكون بمقدور المنظمة السيطرة على الأسواق، مما يعني انتفاء الغرض الذي أنشئت من أجله، وأن وجودها بات الآن شكليا فقط.
ويدلل على ذلك بأن جميع قرارات أوبك تتخذ الآن من السعودية بمشاورة روسيا فقط، أما باقي الدول الأعضاء فليس لها أي دور فعلي في صنع قرار المنظمة، وهو أمر يخلق بلا شك حالة ملل لدى تلك الدول تجاه السياسة الراهنة.
أما السبب الثاني للتفكك -برأي البذالي- فيتمثل في غياب التجانس على مستوى كميات الاحتياطي النفطي بين الأعضاء.
ومن بين أسباب التفكك كذلك أنه على غرار أوبك للنفط بات العالم قريب من رؤية أوبك أخرى للغاز تضم قطر وإيران وروسيا، وستكون هناك منظمات تمثل المصادر المنافسة ممثلة في الغاز الطبيعي والنفط الصخري، مما يعنى أن النفط الخام لم يعد اللاعب الوحيد في أسواق الطاقة، بحسب البذالي.
والسبب الأهم للتفكك برأي البذالي يكمن في وصول جميع الدول الأعضاء حاليا لما يسمى الطاقة القصوى للإنتاج، أي أنها لم يعد لديها المرونة في خفض أسعار النفط عبر زيادة الإنتاج.
هذا الأمر -وفقا للمتحدث ذاته- هو ترجمة حقيقية لجملة واحدة مفادها أنه "لم يعد هناك شيء يسمى أوبك على أرض الواقع وأن من سيقود السوق النفطية في المستقبل القريب هم ثلاثة عناصر أولهم المضاربون، وثانيهم العرض والطلب، وأخيرا سعر صرف الدولار، أما أوبك فستقف عاجزة تماما عن لعب أي دور في الأسعار".
ضغط أميركي
ويرى الخبير في اقتصاديات النفط عبد الحميد العوضي أن أوبك حين تأسست كانت تتمتع بنوع من الاستقلال في اتخاذ القرار، لكن مع مرور الوقت بدأ يظهر تأثير نفوذ الدول الكبرى على قرار المنظمة.
ويضيف أن الانصياع ظهر جليا في الوقت الحالي في ظل السياسات الأميركية للرئيس دونالد ترامب وتدخله المباشر وتأثيره على أعضاء أوبك لزيادة الإنتاج بهدف خفض الأسعار من دون مراعاة لاقتصاديات الدول المنتجة التي عانت من انخفاضات الأسعار في 2016.
ويشير العوضي إلى أن العام 2019 سيشهد تحديات أبرزها الضغط الأميركي على أوبك، لا سيما أن الرئيس ترامب يريد الفوز بولاية جديدة، وأحد الأوراق الرابحة هي خفض أسعار النفط كي يعطي انطباعا للناخب الأميركي بقدرته على التحكم، مع أنه يملك قرار الضخ من الاحتياطي الأميركي لنحو مليون برميل يوميا لتحقيق أهدافه.
ويؤكد العوضي أن هذه التحديات تشمل إمكانية لجوء ترامب لقانون "نوبك" الخاص بمنع الاحتكار بشأن أسعار النفط وإنتاجه، الذي يلوح به في مواجهة أوبك التي لا تمثل سوى 33% من الإنتاج العالمي، في حين لا يستخدمه في مواجهة روسيا التي تنتج لوحدها 11 مليون برميل يوميا.
تأثير روسيا
وإذا كان من المستبعد أن تترك الدول المؤسسة ممثلة في السعودية وإيران والكويت المنظمة، فإنه من المحتمل أن تحذو دولا أخرى حذو قطر وتخرج منها، لا سيما أن اقتصادياتها ستتأثر بشدة نتيجة أي انخفاض في الأسعار، وهو أمر يعززه عدم ترحيب دول مثل العراق و فنزويلا و الجزائر بالضغوط الأميركية لزيادة الإنتاج.
وبحسب العوضي فإن الاتفاق الحالي بين أوبك والدول المنتجة من خارجها (أوبك بلس) بشأن خفض الإنتاج بمعدل 1.2 مليون برميل لم يكن له تأثير كبير على زيادة الأسعار، خاصة مع تزايد إنتاج النفط الصخري إذا ما قورن ذلك بتأثير المتغيرات الجيو سياسية ممثلة في إلغاء الاتفاق النووي مع إيران وحظر تصدير النفط العراقي عبر تركيا والإضرابات في نيجيريا، ومتغيرات أخرى.
من جهته أكد الخبير النفطي كامل الحرمي أنه من دون وجود روسيا في تجمع "أوبك بلس" من الصعب أن تستمر أوبك وتبقى قادرة على ممارسة دورها.
وأشار إلى أن السعودية لن يكون بمقدورها تحمل عبء المنظمة وحدها من دون المساندة الروسية، خاصة في ظل وجود منافس آخر وهو الولايات المتحدة بإنتاجها من النفط الصخري.
ويضيف أن أوبك بمفردها لم تستطع فعل شيء منذ عامين، لأن الواقع يؤكد أن السوق يتحكم فيها فعليا إنتاج الدول الكبرى الثلاث، وهي السعودية وروسيا والولايات المتحدة الأميركية.