تبدو السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، جاهزة إلى جانب شركاء مهمّين في هذا القطاع، لتغطية أي نقص في الإمدادات بسبب العقوبات الأمريكية على إيران رغم أن سوق الخام لا تزال غير مستقرة بشكل عام، وفق ما يرى محللون.
وبعد ستة أشهر من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب بلاده من الاتّفاق النووي، تعيد الولايات المتحدة ابتداءً من الاثنين فرض الدفعة الثانية من العقوبات التي كانت رفعتها إثر التوصّل الى اتّفاق مع طهران عام 2015.
والقرار الأمريكي يعني منع كل الدول أو الكيانات أو الشركات الأجنبية من دخول الأسواق الأمريكية في حال قرّرت المضي قدماً بشراء النفط الإيراني أو مواصلة التعامل مع المصارف الإيرانية. إلاّ أنّ واشنطن أعلنت أنّ ثمانية دول ستستفيد من استثناءات مؤقّتة تتعلّق بشراء النفط من إيران.
من المتوقع أن تنخفض صادرات إيران النفطية التي تقدر بنحو 2,5 مليون برميل يوميا، بمقدار مليون إلى مليوني برميل في اليوم، عندما تدخل العقوبات حيز التنفيذ.
وتعيد الولايات المتحدة فرض العقوبات هذه على الجمهورية الإسلامية في وقت تشهد دول منتجة سلسلة من الاضطرابات التي تؤثّر بشكل سلبي على إمداداتها، بينما يسعى ترامب لمنع ارتفاع الأسعار.
ويتوقّع المحلّلون أن تنخفض صادرات إيران النفطية التي تقدر بنحو 2,5 مليون برميل يوميا، بمقدار مليون إلى مليوني برميل في اليوم، عندما تدخل العقوبات حيز التنفيذ.
وقد يزيد هذا الأمر من الضغوط على سوق النفط المتوترة منذ سنوات.
وأجبرت الاضطرابات في ليبيا وفنزويلا ونيجيريا والمكسيك وأنغولا ودول أخرى، منظمة الدول المصدّرة “أوبك” والدول المنتجة خارجها في حزيران/يونيو الماضي على التراجع عن اتفاق لخفض الإنتاج.
وقالت وكالة الطاقة الدولية في تقرير في أيلول/سبتمبر الماضي إن سوق النفط تدخل “مرحلة حرجة”، مضيفة أن “الأمور تتعقّد”.
طاقة إنتاج احتياطية
وتتّجه الأنظار إلى السعودية كونها المنتج الوحيد الذي يملك طاقة إنتاج احتياطية مهمّة، تقدّر بنحو مليوني برميل، قد تلجأ إليها المملكة لتعويض النقص الناتج عن العقوبات الأمريكية على إيران.
وتتعرّض المملكة لضغوط دولية منذ أكثر من شهر في قضية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، الذي كان يكتب مقالات في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية ينتقد فيها بعض سياسات الرياض، داخل قنصلية بلاده في اسطنبول في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر.
ورغم هذه الضغوط التي ترافقت مع تشكيك في الرواية الرسمية لمقتله، أكّدت الرياض أنّها لا تخطّط لاستخدام النفط كسلاح في الرد على هذه الحملة.
وأعلن وزير الطاقة السعودي خالد الفالح أن بلاده، التي رفعت معدّلات إنتاجها اليومية بـ700 ألف برميل لتبلغ 10,7 ملايين برميل في تشرين الأول/أكتوبر، مستعدّة لزيادة إضافية ليصل معدّل إنتاجها إلى 12 مليون برميل.
وقال في تصريحات لوكالة “تاس” الروسية للأنباء الأسبوع الماضي: “هناك عقوبات على إيران ولا أحد يدرك الوضع الذي ستكون عليه الصادرات الإيرانية”.
“الإيرانيون أتقنوا لعبة العمل في ظل العقوبات. ستكون هناك سوق سوداء للخام الإيراني”.
وذكر أنّه إضافة الى ذلك، قد يحدث انخفاض جديد في صادرات ليبيا ونيجيريا والمكسيك وفنزويلا، معتبرا كذلك أنّ هناك عدم استقرار في انتاج الولايات المتحدة للنفط الصخري.
وأكّد الفالح أنّ المملكة قد تلجأ إلى احتياطاتها الاستراتيجية الضخمة والبالغة نحو 300 مليار برميل لتلبية الطلب العالمي.
ويرى الخبير النفطي أنس الحجي المقيم في هيوستن، أن الانخفاض في الصادرات الإيرانية يصعب تحديده، لكنه توقّع أن يكون “أقل مما يتحدّث عنه المحللون”.
وأضاف: “الإيرانيون أتقنوا لعبة العمل في ظل العقوبات. ستكون هناك سوق سوداء للخام الإيراني”.
وبإمكان جارتي السعودية، الإمارات والكويت، أن تزيدا إنتاجهما أيضاً بنحو 300 ألف برميل إذا لزم الأمر.
من جهته لفت المحلل سمير مدني لدى “تانكر تراكرز” المتخصص في متابعة حركة ناقلات النفط عبر الأقمار الصناعية أن “الكل يتحدث عن السعودية، لكن صادرات البلاد مستقرة حول 10 ملايين برميل في اليوم” مضيفا أن “الارتفاع الحقيقي هو العراق الذي يصدر 4,2 ملايين برميل في اليوم، وهي كمية لم يسبق أن شهدتها من قبل”.
“لا يمكن أن يستمر”
لكنّ الخبير النفطي الكويتي كامل الحرمي يشكّك في قدرة الرياض على المحافظة على معدل 12 مليون برميل في اليوم لمدة طويلة.
ويقول: “إنه أمر مستبعد، لم يصلوا حتى إلى معدّل 11 مليون برميل على نحو مستمر”، مضيفا: “إنه أمر لا يمكن أن يتواصل”.
وتجد منظمة “أوبك” نفسها في موقف صعب، بين ضعف طاقات الإنتاج الاحتياطية، وعدم استقرار السوق، والاضطرابات غير المتوقعة، وقلة الاستثمارات، والتوترات الجيوسياسية التي لا يمكن التنبؤ بها.
ويراهن المسؤولون الإيرانيون على عدم استقرار السوق للتغلّب على العقوبات الأمريكية.
وفي نهاية أيلول/سبتمبر، قال وزير النفط الإيراني بيجان نمدار زنقنه إن “ترامب يحاول أن يخفّض صادرات إيران النفطية بشكل كبير، لكنه يريد في الوقت ذاته إلا ترتفع الأسعار. هاتان مسألتان لا يمكن أن تسيرا معا”.
والأحد الماضي بدأت ايران للمرة الأولى بيع نفطها إلى شركات خاصة من خلال بورصة الطاقة، وذلك في إطار جهودها لمواجهة العقوبات.
وتشير تقديرات إلى أن صادرات إيران من الخام انخفضت بنحو الثلث منذ أيار/مايو، بينما تقوم شركات في دول تعتبر من بين مجموعة الزبائن التقليديين لطهران، وبينها الصين والهند، بالتخلي عن عمليات الشراء من الجمهورية الإسلامية.
إلا أن حجي يرى أن السوق مشبعة، وأن السعودية ليست مضطرة لتخطي حاجز الـ11 مليون برميل.
وقال إن السعوديين “يملكون القدرة (على إنتاج) 12 مليون برميل، لكن ليست هناك حاجة للسعودية لاستخدام كل طاقتها الاحتياطية”.
وتابع: “الناس تنسى أن الطلب ينخفض في الربع الأول نسبيا بعد الربع الرابع، وأن وكالة الطاقة الدولية تتوقّع انخفاضا بمليون برميل”.
وبلغ سعر برميل النفط 86 دولار في بداية تشرين الاول/اكتوبر الماضي، وهو أعلى معدل في أربع سنوات بعدما سجّل انخفاضا كبيرا في 2016 حين وصل إلى أقل من 30 دولار، لكنه عاد وتراجع مؤخرا إلى 75 دولار بسبب المخاوف من ضعف الطلب العالمي.
وانخفضت الأسعار بعدما قال الفالح إن الإنتاج سيبقى مرتفعا رغم الحديث عن اضطرابات محتملة في الإمدادات.